ads

Bookmark and Share

السبت، 31 يوليو 2021

156 صندوق التوفير

صندوق التوفير

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 21 نوفمبر 1996م - 10 رجب 1417هـ


"رأسمالية مصرية بدون رأسماليين وطنيين"، ذلكم هو التوصيف الذى انتهت إليه التطورات الاقتصادية إبان القرن التاسع عشر..

فباستثناء طبقة كبار ومتوسطى ملاك الأراضى الزراعية التي نمت خلال النصف الثانى من ذلك القرن، كان العمود الفقرى للرأسمالية العاملة في مصر من الأجانب.. سواء من البيوت المالية الأوروبية أو اليهود المنحدرين من أصول أجنبية، ثم تمصروا بعد أن استقروا في البلاد.

وقد استتبع هذا أن استمر "النظام المصرفي" الذى يجسد روح الرأسمالية ذا قسمات غير مصرية، فأغلب البيوت المالية التي نشأت خلال تلك الفترة كانت إما فروعًا لبيوت مالية أوربية، وإما يمتلكها الأجانب المقيمون في مصر مما تكشف عنه أسماؤها.. باستريه، أوبنهيم، ديرفيو، لافيسون وشركاه، لانداو وشركاه، فضلا عن آل سوارس الذين اكتسبوا شهرة عريضة في أعمال المال.

إذا كما لا نملك إحصاءات دقيقة عن مدى ضلوع كبار ملاك الأراضى الزراعيين في العمل المصرفي بدءًا من عصر سعيد باشا (1854 - 1863) وحتى نهاية القرن إلا أن ما يبدو من كتابات المؤرخين الاقتصاديين أنه كثيرًا ما وقع هؤلاء ضحية لألاعيب المصرفيين الأجانب، ولعل قصة خراب إلهامى باشا ابن عباس الأول الذى ورث عن أبيه 80 مليون فرنك فضلا عن مساحات واسعة من الأراضى الزراعية تقدم نموذجًا على ذلك، فقد حدث هذا الخراب من خلال تعاملاته مع ديرفيو وأوبنهايم فيما يرويه بالتفصيل ديفيد لاندز في كتابه الشهير بنوك وباشوات.

لعل ذلك كان وراء محدودية الإسهام المصرى في الرأسمالية الوطنية التي نشأت زراعية، وإن كانت الأمور قد تغيرت قرب نهاية القرن.. إذ تكشف كتابات الأهرام عن نشأة البنك الأهلى عام 1898 عن إقبال الوجهاء والأعيان، أي الارستقراطية الزراعية، على المساهمة في هذا البنك والتعامل معه.

رغم ذلك فقد بقيت الجمهرة العظمى من المصريين لا تطأ أقدامهم ذلك البنك أو غيره، ولأسباب عديدة.

في المدن استمر الأفندية في شرائحهم الوسطى والصغرى يتخوفون من مجرد دخول تلك البنوك ناهيك عن التعامل معها، وهو ما حدث في الريف بالنسبة لصغار ملاك الأراضى الزراعية.

فقد ظل يحكم هؤلاء الخوف على المدخرات القليلة التي ينجحون في توفيرها، وقد ترجموا هذا الحرص في إحدى صورتين:

الأولى بالاحتفاظ بأموالهم داخل بيوتهم بإخفائها في مكان أو آخر وينم تعبير وضع تلك المدخرات "تحت البلاطة" عن تلك الحقيقة، وقد شجع هؤلاء على السير على هذا النهج استمرار التعامل بالعملة الذهبية حتى عام 1899.

الثانية بترجمة هذه المدخرات إلى مصوغات ذهبية تضعها الزوجات في أيديهن وصدورهن، مما كان يمكن إعادة ترجمته إلى مال عندما تلح الحاجة، ولعل ذلك الحوار الذى يتكرر في الروايات والأفلام يكشف عن تلك الحقيقة.

الحوار في العادة بين الزوجة التي تقدم حليها لزوجها ليتصرف فيها وقت الحاجة، فيتمَنّع الأخير، فترد بقولها "انت إللى جايبهم وسوف تعوضنى عنهم بعد انصلاح الأحوال"، وينتهى التمنع وتحدث إعادة الترجمة!

وتشير التقارير الأولى في تاريخ البنك الأهلى المصرى إلى أن المشكلة الأساسية التي ظل يواجهها في ترويج أوراق البنكنوت التي بدأ إصدارها في أبريل عام 1899 قد نشأت عن حرص المصريين على الاحتفاظ بالنقود الذهبية والانصراف عن الأوراق المالية، مما كان يعنى أنه حتى أولئك الذين تعاملوا مع هذا البنك من "الوجهاء والأعيان" لم تكن لديهم الثقة في نظام الائتمان الذى يقوم عليه العمل المصرفي.

غير أن المشكلة كانت مع المدخرات الصغيرة لأفندية المدن ولكولاك الريف (صغار الملاك)، وكان مطلوبًا البحث عن وعاء ادخارى رأسمالى يسمح باستثمار تلك المدخرات.

وجاءت الفكرة من الهند إذ يسجل اللورد كرومر المعتمد البريطاني في القاهرة في أحد تقاريره السنوية أن تلك البلاد تحت إدارة اللورد ريبون كانت أول من عرف نظام صندوق توفير البريد، وأنه في نهاية العام المالى 1901 - 1902 بلغ عدد المودعين في تلك الصناديق 866.693 ووصلت جملة إيداعاتهم 106.821.223 روبية.

وبدت الفكرة مناسبة لمصر بحكم ما اكتسبه نظام البريد من رسوخ في التربة المصرية، في الريف و المدينة، وبحكم التعاملات اليومية مع مكاتب البريد، ومن شتى فئات الشعب المصرى، خاصة أفندية المدن وصغار ملاك الأراضى في الريف، ممن سعى المشروع لجذب مدخراتهم.

فضلا عن ذلك فقد ارتأت سلطات الأمن أن انتشار فروع ذلك الصندوق في الريف سوف يؤدى إلى قلة الجرائم الناتجة عن سطو اللصوص على البيوت التي يحتفظ أصحابها بأموالهم فيها.

ومن هنا ولدت فكرة صندوق توفير البريد، وجاءت ولادتها مع مطلع القرن الجديد.. القرن العشرين، وكانت الأهرام شاهدة على هذه الولادة!

***

في فبراير عام 1901 وضع مدير عموم البوستة المصرية، سابا باشا، وبإيعاز من دار المعتمد البريطاني، فيما نعتقد، الخطوط الأولى لمشروع صندوق توفير البريد مما يكشف عنه الخبر الذى نشرته الأهرام في عددها الصادر في 23 من ذلك الشهر.. جاء فيه:

"لما تشرف سعادة سابا باشا مدير عموم البوستة المصرية بمقابلة سمو الجناب الخديوى أظهر له سموه ارتياحه إلى المشروع الجديد أي صندوق التوفير الذى أنشئ في مصلحة البريد وأبلغه أنه سيكون أول من يودع مالا في هذا الصندوق تنشيطًا للأهالى على هذا العمل المفيد. على ذلك فإن أول مبلغ يودع في هذا الصندوق يوم افتتاحه في أول مارس المقبل يكون باسم سموه فلا زال عضدًا ومساعدً لكل مشروع جديد"، وكان هذا الخبر بداية لحملة شنتها الصحف للترويج للصندوق.

شاركت الأهرام في تلك لحملة بسلسلة من المقالات نختار أهماه:

مقال في الصفحة الأولى من العدد الصادر يوم الأربعاء 27 من نفس الشهر تحت عنوان "صندوق التوفير" استهلته بمحاولة استخراج الدلالات من مقابلة الخديوى لمدير عموم البوستة المصرية، وأن عباسًا يقصد تحريض "أمته المنتشرة من لادو إلى البحر المتوسط" على الإقبال على هذا المشروع المفيد.

وجوه الإفادة في رأى كاتب المقالة تعددت..

1) عملا بحكمة "القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود، ترى الأهرام أن الصندوق هو الحل لـ "الشبان الذين يطلبون مستقبلا ضاحكًا وادخار شيء من أيام الشبيبة النضرة النشيطة لأيام الراحة والسكون"، وإن لم تصفها بأيام الشيخوخة!

2) صور الكاتب الصندوق على اعتبار أنه سوف يكون مدرسة لتعليم المصريين حكمة الاقتصاد ليصبحوا في ذلك مثل بقية الشعوب المتقدمة، خاصة الفرنسيين الذين ظلوا المثل الأعلى للعاملين بالأهرام.. قال:

"أقرب شاهد لنا على فائدة صندوق التوفير ما نعرفه عن ثروة الأمة الفرنساوية حتى كأنه ليس بينها فقير وهذا الغنى كله ثمرة الاقتصاد حتى عصت بالأموال الصناديق فنساؤهم يقتصدن من نفقة المنزل ورجالهم من نفقة الجيب فلا تمضى بضع سنوات حتى يجد فقيرهم مالا وافرًا فمن قرش وقرشين يجمعون الألوف"، ويتوقف الكاتب عند مسألة القرش والقرشين هذه.

3) يتساءل صاحب المقال "أليس بيننا واحد لا يستغنى في يومه عن قرش أو قرشين فإذ حسب المجموع في عشر سنوات كان مبلغًا طائلا يجده المقتصد إذا مرض والأعزب إذا تزوج والفاعل إذا لم يجد عملا والمستخدم إذا عزل".

4) يحمل صاحب المقال على المبذرين أنهم يعيشون حياتهم دون أن يضعوا في الاعتبار مستقبل أسرهم ويلفت النظر إلى "العيلة التي عاشت مع رب بيتها بترف ونعمة فلما توفى ماتت نعمتها وذهبت راحتها"!

يختم كاتب الأهرام مقالته التي افتتح بها حملته الصحفية بالتحفظ بأن الاقتصاد لا يعنى التقتير، فإن الأخير رذيلة بينما الأول فضيلة.

وفى أول مارس عام 1901 يولد صندوق توفير البريد، ويلاحظ أنه قد بدأ في مكاتب البريد في المدن الكبرى، القاهرة والإسكندرية ومدن القناة الثلاثة، ثم عواصم المديريات في الدلتا والصعيد.

في الوجه البحرى في دمنهور وكفر الزيات وطنطا وبنها والمحلة الكبرى وزفتى وشبين الكوم والمنصورة والزقازيق ودمياط، بمجموع عشرة مكاتب.

وفى الوجه القبلى في الجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وقنا والأقصر وأسوان، بمجموع عشرة مكاتب أخرى.

تنشر الأهرام في نفس اليوم شروط التعامل مع الصندوق.. الفائدة 2.5%، أول دفعة لا تقل عن 200 مليم، كل دفعة بعدها لا تقل عن 50 مليمًا، لا تزيد إيداعات أي فرد عن 50 جنيهًا في السنة، وعن 200 جنيه في عدة سنوات ولا يقل المبلغ المسترد عن 50 مليمًا، وتختم الشروط بطمأنة المودعين بأن الحكومة "تضمن رأس المال وفوائده".

ومع انتشار هذه الفروع العشرين بدأت عدوى الاهتمام بصندوق توفير البريد تنتقل إلى مكاتبى الصحف في المدن التي تواجد بها..

عزا مكاتب الإسكندرية مصائب مصر إلى أنها تكاد تكون مجموعة في أمر واحد وهو "الإسراف والتبذير وعدم العناية بالمال اليسير واليأس من الغناء الوفير"، والسبب "أننا نزدرى بما نوفره ولا نعلم أنه بعد سنوات يكون مالا جسيمًا"!

وقد أخذ الحماس بالرجل إلى الحد الذى انتهى به إلى القول "هلموا إلى الاقتصاد والتوفير هلموا اقتدوا بسمو أميركم المعظم الذى صدر أول وصل من التوفير باسمه الشريف حفظه الله"!

مكاتب دمنهور كان أقل حماسًا وأكثر عقلانية فقد رأى أن الهدف من الصندوق خدمة الفقراء، فالأغنياء لهم بنوكهم، ومن ثم طالب بتعميم فروع الجهاز الجديد، خاصة في الريف، "فقلما يفيد هذا المشروع الجليل سكان المدائن لأنهم أقل خشية من نوازل الدهر وتعسر العيش من سكان القرى حيث العيش ضنك والحياة شقاء".

ولم ينس مكاتب عاصمة البحيرة أن يسخر من وجود فرع واحد في مدينة كبيرة مثل الإسكندرية بتساؤله عما يصنعه سكان المكس أو الرمل مثلا "إذا توفر عند أحدهم خمسة قروش وأراد إيداعها صندوق التوفير إلا يلزم لذلك نفقات للنقل توازى نصف ما يريد ادخاره"!

أكد مكاتب القرشية على فكرة المراسل الدمنهورى بضرورة نشر فروع توفير البريد في المناطق الريفية وطالب بألا تحرم البلدة التي يمثل الأهرام فيها من أحد هذه الفروع لأنها "أهلة بالسكان الكثيرين وطنيين وأجانب وقد كلفنى أهلها أن أطلب على لسان الأهرام من سعادة المدير الغيور أن يكلف وكيل بوسطة القرشية بقبول كلما يرد إليه من نقود من أي شخص".

في 22 أبريل عام 1901 وبعد أقل من شهرين من افتتاح صندوق توفير البريد تبشر الأهرام قراءها بأن إيداعات فرع القاهرة وحده قد بلغت 18 ألف جنيه "وهى نتيجة حسنة تدل على إقبال الناس على الاقتصاد".

وتتطوع الجريدة تشجيعًا للمشروع بأن تنشر "نتيجة أعمال صناديق التوفير في جميع الجهات أسبوعًا فأسبوعًا فإن الصحف لا تطلب عن ذلك أجرًا بل تكون مساعدة على تنشيط الناس بتذكيرهم في هذا العمل المفيد إذ المعروف أن كل حسنة لا تذكر تهمل"!

وبعد كل هذا الحماس انتظر الجميع النتيجة بروح التفاؤل، وثبت أن الأهرام وغيره من الصحف التي شاركت في الحملة قد تشبثت بتلك الروح أكثر مما يجب، خلال السنوات الأولى على الأقل!

***

رغم أن الأهرام وفت بوعدها بالنشر المنتظم لحركة الإيداع والسحب في الصندوق، إلا أنها لم تعمد إلى تحليل تلك الأرقام.. قام بذلك بدلا منها اللورد كرومر في أحد تقاريره السرية..

يكشف المعتمد البريطاني عن أن نظام الصندوق لم يحظ خلال السنوات الثلاثة الأولى عن عمره بالإقبال الشعبى الكافى وأنه بعد تلك الفترة الطويلة لم يزد عدد المودعين فيه عن 20.193، وكان أقل كثيرًا مما توقعه أصحاب المشروع، وكان لهم مبرراتهم في ذلك التوقع.

فتكشف الأهرام أن إدارة البريد قد افتتحت قرب أواخر عام 1901 44 فرعًا، ستة في البحيرة، خمسة في الغربية ومثلها في الشرقية، أربعة في المنوفية وثلاثة في القليوبية، أما في الصعيد فقد حظيت كل من الجيزة والفيوم وأسوان بفرع واحد بينما نالت المنيا خمسة فروع، وكل من أسيوط وجرجا بأربعة وقنا ثلاثة.

ويكشف تقرير اقتصادى خلال تلك الفترة عن تزايد الأموال المتداولة فقد بلغ ما استوردته مصر من العملة 12.416.600 جنيهًا ذهبيًا.

كان متوقعًا أن تترجم تلك الزيادات في الفروع وفى العملة الذهبية المستوردة إلى زيادة في الإيداعات، وهو ما لم يحدث مما أدى إلى انزعاج المسئولين في دار المعتمد البريطاني في القاهرة.

زاد انزاع اللورد كرومر عندما نما إلى علمه طبيعة المودعين وأن النسبة الأكبر منهم كانوا من الأجانب، خاصة اليونانيين والإيطاليين، فضلا عن أعداد كبيرة من المسيحيين المصريين، وكان معنى ذلك فيما استنتجه الرجل أن بقية المصريين لا يقبلون على الصندوق لأسباب دينية، خاصة تلك المتعلقة باتهام الصندوق بأنه يقبل المال بالربا، إلى الحد الذى دفع البعض لأن يضعوا إيداعاتهم دون تقاضى فائدة!

أواخر عام 1903 طرحت القضية على بساط البحث وتركز الاهتمام حول إصدار أمر عال يبدد شكوك المودعين حول طبيعة الفائدة التي يتقاضونها مما كان ميدانًا لمعركة بين القصرين.. عابدين والدوبارة.

فبينما ظل الخديو حريصًا على إبعاد التدخل الاحتلالى عن كل ما يمس الدين فإن اللورد كرومر كان معنيًا بهذه القضية لما كان له من دور فيها منذ البداية، ويروى رجل القصر أحمد شفيق باشا في مذكراته تفاصيل هذه المعركة.

البداية حدثت بإيعاز اللورد لمجلس النظار بوضع مشروع أوسع من المشروع الذى بدأ به الصندوق يتلافى بعض المآخذ التي أدت إلى عدم الإقبال عليه على النحو المأمول.

في جلسة لمجلس النظار رأسها عباس فوجئ بالمشروع الجديد يعرض عليه واعترض الخديو لأنه، كما رأى، لم يستوف صيغته الشرعية ولم تستبدل كلمة فائدة التي كانت حجر عثرة أمام نجاح الصندوق، وبدأت المعركة.

كرومر رفض تدخل الخديوى بينما رأى الأخير أن يدعم موقفه بآراء العلماء فاستدعى بعضهم ووضعوا مشروعًا جديدًا كان أهم ما فيه المادة الأولى التي استهدفت تخطى الحاجز الدينى.

وبينما يروى أحمد شفيق القصة الطويلة لتلك المادة فإن الأهرام قد نشرتها كاملة في عددها الصادر يوم 15 فبراير عام 1904، وقد بدأت بالقول أن تلك المادة أقرت بعد موافقة العلماء التي تضمنت ثلاثة شروط..

أن يستعمل مدير البريد ما دفعه المودع "في الطرق الجائزة شرعًا الخالية من معاملة الربا بوجه من الوجوه"، وأن يقبل المودع بخلط ماله بمال غيره من المودعين، كما يقبل بالاشتراك مع باقى "أرباب الأموال المدفوعة في الربح بقدر ما يقابل دفعه".

ويعترف المعتمد البريطاني أن الخديو قد نجح في الاستئثار بهذه القضية تحت ضغط التلويح بطابعها الدينى، أكثر من ذلك أنه قد نجح في إبعاد المفتى، الإمام محمد عبده، عنها لعدم رضائه عليه.

إضافات أخرى اتفق عليها الجانبان كان منها عدم إعطاء أية معلومات عن "المبالغ المودعة لغير ذوى الشأن" وإن استثنى من ذلك الطلبات التي تقدمها السلطة القضائية غير أنه لن يسمح لهذه السُلطة بالحجز على أموال المودعين.

ويقول كرومر أنه حتى يمرر هذا النص فقد اضطر للاتصال بالدول صاحبة الامتيازات الإحدى عشر للحصول على موافقتها مما أخر صدور الأمر العالى إلى منتصف مارس بعد وصول آخر موافقات تلك الدول، وكانت الموافقة الروسية.

فضلا عن ذلك فقد صدرت التعليمات لموظفى البريد بألا يمارسوا أي ضغط على الأهالى لإيداع أموالهم في الصندوق لما يترتب على ذلك من نتائج عكسية، ثم أن المصلحة أصدرت بطاقات توفر لأصحابها وضع عشرة طوابع عليها من فئة الخمسة قروش، كلما تيسر لهم ذلك، ويتم إيداعها بعدئذ في دفاترهم.

ويبدو أن تلك الإجراءات قد بدأت تؤتى ثمارها فيما كان محل تقرير اللورد كرومر عن عام 1904 فزاد عدد المودعين من نحو عشرين ألفًا خلال السنوات الثلاثة السابقة إلى تسعة وعشرين ألفًا، كما زادت قيمة الإيداعات من نحو 131 ألفًا في نفس الفترة إلى نحو 180 ألفًا الأمر الذى كان محل استبشار المعتمد العتيد، مما يمكن القول معه أنه قد تجاوز صعاب سنوات الميلاد الأولى وانطلق صندوق توفير البريد ليشكل إحدى التقاليد المرعية للأسرة المصرية المتوسطة.. تقليد أن يفتح رب الأسرة لكل وليد دفتره الخاص في التوفير في أعقاب ميلاده!


صورة من المقال: