ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 28 أبريل 2021

150 المتسللون!

المتسللون!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 10 أكتوبر 1996م - 27 جمادى الأولى 1417هـ


تحت عنوان "سكنى الإسرائيليين في فلسطين" خصصت الأهرام خمسة من الأنهر الستة في الصفحة الأولى من عددها الصادر يوم السبت 29 أبريل عام 1899 لقضية هجرة اليهود إلى فلسطين.. القضية التي ما زالت، وبعد قرن كامل، تشكل شوكة في جنب العرب، الأمر الذى دفع مفكرنا الراحل الأستاذ أحمد بهاء الدين قبل رحلة الصمت في أوائل التسعينات إلى أن يطلق على إحدى مراحلها النشيطة "جريمة العصر"!

كان مما جاء في مطلع هذا المقال: "من المسائل المهمة التي تعاودها أقلام الباحثين وتتداولها السنة المتحادثين مسئلة سكنى اليهود في فلسطين فقد اشتدت رغبتهم في ذلك منذ بضع عشرة سنة وازداد حنينهم إلى هذا الوطن وتمادى ولعهم بانتجاع الأراضى المقدسة إلى درجة أن دخل على خاطر الدولة العثمانية منهم ريب وخامر قلبها من ذلك شبهة فشرعت تسد في وجوههم الأبواب وتدفع في صدورهم إلى الوراء على رصف المرافئ بين حيفا ويافا وأخذت تعتنى بصغير خطبهم خشية الوقوع في كبيره وتقتلع غرسهم قبل نموه فكانوا كلما فرغوا إلى هذه البلاد أقامت الدولة دونهم حاجزًا وكلما هموا بالدخول ضربت من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشتهم فهم لا ينظرون من أرض الميعاد إلا بصيصًا"!

وتعبر هذه الصورة القلمية عن المرحلة الأولى من عمليات التسلل الإسرائيلي إلى فلسطين، والتي كانت محلا لاهتمام الأهرام منذ أوائل تسعينات القرن الماضى، وهو العقد الذى عرف مولد الحركة الصهيونية في مؤتمر بال الشهير (1897)، غير أن هذا المولد قد سبقته علامات حمل عرفت بعضها فلسطين، وامتدت في أحيان أخرى إلى ما هو خارجها.. في سيناء على وجه التحديد التي شهدت أولى محاولات هذا التسلل.

قبل رصد تلك العلامات فإنه يتوجب التنبيه إلى أن جريمة العصر التي شهدتها التسعينات كان لها شقيقة قبل قرن، وقد جاءت من نفس المصدر.. من روسيا التي كانت تخضع وقتئذ لحكم القياصرة، الذين تسببت سياسات بعضهم في التحريض على ارتكاب الجريمة!

فقد حدث عام 1881 أن اغتيل القيصر إسكندر الثانى، وكان قد تولى العرش قبل أكثر من ربع قرن (1855) واشتهر باسم "القيصر المحرر Czar Liberator" بحكم ما عرف به عهده من اصطلاحات هامة كان منها إنهاء العبودية والمساواة بين سائر طوائف الإمبراطورية.

جاء بعده القيصر إسكندر الثالث وكان على النقيض، فتحت تأثير اغتيال أبيه استخدم كل وسائل القمع، وهى الوسائل التي امتدت إلى القسم الشرقى من بولندا التي كانت واقعة تحت الحكم الروسى، فضلا عن دويلات البلطيق.

ولما كان جانب من تلك السياسات قد طال اليهود، كما طال غيرهم من الأقليات، ولما كان أكبر مخزن بشرى لهم في أوروبا في كل من روسيا وبولندا، فلم يكن ثمة غرابة أن يشهد ذلك العصر خروج تيار من هؤلاء متوجهًا إلى غرب أوروبا، وفى تلك الظروف نمت الفكرة الصهيونية وتعددت الاقتراحات بقيام وطن قومى لليهود، فيما رصدته الأهرام..

ولعل تلك البرقيات الثلاث التي نشرتها الصحيفة نقلا عن وكالات الأنباء الخارجية خلال شهرى مارس وأبريل عام 1892 تقدم صورة عن تنامى هذا التيار..

البرقية الأولى جاء فيها "سيكون المهاجرون اليهود من الروسيا في هذا العام أكثر مما كانوا عليه في العام الماضى لأن كثيرًا من العايلات تستعد للرحيل وهى تنتظر الربيع لتسافر ولا سيما من بولونيا".

برقيتان أخريان كان مصدرهما لندن، تشير إلى أنه سيرد إلى إنجلترا خلال نفس الربيع عدد عظيم جدًا من اليهود "وقد التمس من أعضاء مجلس العموم منع قانون من شأنه إيقاف مهاجرتهم للسكنى فيها"، الأمر الذى دعا وزير الخارجية البريطاني إلى أن يصرح في مجلس العموم في أول أبريل عام 1892 بأنه "لا يوجد قانون بمنع دخول الإسرائيليين الروس في البلاد أما إنكلترا فساهرة متيقظة"!

على الجانب الآخر تعددت الاجتهادات في اختيار موقع الوطن القومى، وقد سجلت الأهرام بعضًا من تلك الاجتهادات، لم يكن من بينها فلسطين..

الاجتهاد الأول جاء في خبر نشرته الصحيفة يوم 19 فبراير عام 1892 بأن "جمعية من المهاجرين الإسرائيليين أسست إلى الآن ثلاث مستعمرات في جمهور الأرجنتين يبلغ سكانها 240 ألف شخص وقد ابتاعت الجمعية أراضى كثيرة في الأراضى المخصصة الآن للثلاث مستعمرات المار ذكرها"!

الخبر الثانى جاء في العدد الصادر يوم 5 أبريل عام 1895 نقلا عن إحدى الصحف الباريسية بأن المالى الإسرائيلي الشهير "البارون هرش" يفكر في شراء جزيرة قبرص من إنجلترا "لجعلها ملجأ لمهاجرى الإسرائيليين الذين يتخلون عن الروسيا وغيرها فتصبح جزيرة قبرص مملكة إسرائيلية حقيرة تحت حماية الدول ويقال أن إنكلترا تنظر إلى هذا المشروع بعين الرضاء"!

الأطرف من الخبرين السابقين ما نقلته الصحيفة عن الاندبندانس من أن أكثر من ألفى يهودى هاجروا إلى الصين وأن حكومة ألمانيا قد تعهدت بحمايتهم!

غير أن تلك الاجتهادات كانت أقرب إلى علامات الحمل الكاذب، لأن علامات الحمل الحقيقى كانت تلوح وقتئذ في اتجاه مختلف.. شرقًا نحو فلسطين، وما حواليها!

***

من تلك العلامات المحاولة التي قام بها عام 1891 اليهودى الألماني الهربول فريدمان، والذى أسمته الأهرام "فريدون" للاستيطان على رأس خليج العقبة، وهى المحاولة التي نجحت الدولة العثمانية في إفشالها، والتي أدت إلى أزمة شهيرة في الفرمان الصادر بتولية عباس الثانى في مطلع العام التالى (الحلقة 78 أطماع فريدون والحلقة 79 الفرمان العلى الشأن).

ومع أن الفكرة السائدة أن المحاولة قد أجهضت في ذات العام بعد أن أرسلت الدولة العلية قواتها التي أجلت جماعة فريدون عن ميناء الوجه الذى كانت قد "لبدت" فيه، غير أن الأهرام تؤكد أن الرجل لم يسكت وأنه لجأ إلى القضاء المصرى، الذى استمر ينظر القضية لأكثر من أربع سنوات فيما نتبينه من هذا الخبر الذى نشرته الجريدة في عددها الصادر يوم 13 مارس عام 1896 وجاء فيه:

"أصدرت محكمة الاستئناف المختلطة أول أمس حكمها في الدعوى التي أقامها ضد الحكومة المصرية المسيو فريدمان الذى كان عازمًا على إنشاء مستعمرة إسرائيلية في طورسينا كما لا يزال يذكر القراء فأيدت حكم المحكمة الابتدائية برفض الدعوى وإلزام المدعى بالنفقات"!

وإذا كان ثمة ملاحظة على هذا الخبر فهى أن الرجل لم ييأس من محاولة إجلائه، هو ورجاله بالقوة، ورغب أن يكسب حقًا قانونيًا في البقاء في المنطقة، ثم أنه في سعيه لاكتساب هذا الحق قد لجأ إلى المحاكم المختلطة ذات القضاء الأجنبي ساعيًا من وراء ذلك إلى أن يستفيد من تلك الامتيازات التي طالما حصل عليها الأجانب من وراء التقاضى أم تلك المحاكم.

علامة الحمل الثانية الأكثر شهرة تأكدت في المؤتمر الصهيوني الأول المنعقد في بال بسويسرا في أواخر أغسطس عام 1897، فقد جاء في مستهل مقرراته "إن هدف الصهيونية هو تأسيس موطن للشعب اليهودى في فلسطين ويتذرع بالوسائل الآتية لتحقيقه: ترقية عملية استعمار فلسطين عن طريق العمال الزراعيين والصناعيين اليهود بالطرق المناسبة، الربط بين اليهود وتنظيمهم، تقوية الشعور القومى عند اليهود، وأخيرًا اتخاذ الخطوات التمهيدية للحصول على موافقة الدول الأوروبية على تحقيق الهدف الصهيوني".

قدمت الأهرام في مقال طويل لها تحليلا ضافيًا عن الأسباب التي دفعت المجتمعين في بال إلى اختيار هذه البقعة من الأراضى العثمانية، وقد لخصتها فيما يلى:

1) أن الدولة العثمانية ظلت تفتح صدرها لليهود كلما نزل بهم اضطهاد في بقعة أوروبية "فقد كانت هذه شنشنة يعرفونها من أخزم وقد علمنا كيف أن يهود اسبانيا حين استلحمهم الاسبانيول وأرادوا استئصالهم قتلا وأسرًا لحقوا بممالك الدولة العلية وأقاموا بالأستانة وأزمير وغيرهما".

2) ما عرفت به أراضى الدولة من رغد العيش لأن "هذه البلد طيبة النجمة كثيرة الخيرات غزيرة موارد الرزق قليلة الزحام مع عذوبة المنهل ما جعلهم أن يتواجدوا على نزولها ويذوبوا شوقًا إلى استيطاء أكتافها فاجتمع لهم بذلك دين ودنيا وعاجلة وأخرى"!

3) آخر هذه الأسباب والتي عبرت الصحيفة عن مخاوفها منه أن بعض متحمسى اليهود في أوروبا وأمريكا "لم يكتفوا بالنجاة من الاضطهاد مع مجاورة مراقد الأنبياء والأولياء بل أباحوا بما في صدورهم وحدثتهم أنفسهم بتأسيس مستعمرة تأثيل ولاية وتألفت لذلك جمعية اسمها الصهيونية مقصدها إعادة ملك فلسطين واسترجاع أرض الميعاد وضم اليهود تحت راية واحدة في وطنهم وغير ذلك من الخيالات.. فكان في مجاهرتهم هذه بما عقدوا عليه عزائمهم تحذير للدولة العلية من قبولهم في هذه البقعة المحدودة من الجنوب ببادية التيه ومن الشمال بجبل لبنان والواقعة بين مالح البحر المتوسط وعذب بحر الجليل ومر البحر الميت..!

وبينما كان لليهود منطقهم في احتمالات نجاح غايتهم كان للدولة العثمانية ظروفها التي تدفعها لإفشال هذه الغاية بكل الوسائل..

(منطق الحركة الصهيونية) قام على استثمار المتاعب المالية التي كانت تعانى منها كل من الأستانة والقاهرة خلال تلك الحقبة من جراء الديون التي كانت تكبلها، وأنه يمكن من خلال التلويح بتخليص الدولة العلية من تلك المتاعب أن تستجيب لمطالبهم، الأمر الذى عبرت عنه الأهرام في إحدى المناسبات بقولها "إن اليهود يبذلون دون هذه الأمنية كل نفيس وربما أدوا عن الدولة العلية جميع ديونها لو سمحت لهم بمركز القدس الشريف"، فيما حاولته الحركة الصهيونية في مناسبات متعددة.

من أشهر تلك المناسبات الاجتماع الذى عقده اليهود الأمريكيون في ميلووكى وقرروا فيه أن "يفتتحوا اكتتابًا عامًا في جميع البلاد لمشترى فلسطين من الدولة العلية.".

منها أيضًا الزيارات المتكررة التي قام بها البارون روتشيلد إلى مصر والتلويح بالنية على إقامة مشاريع مختلفة على أرض الكنانة منها زيارة استمرت لنحو ثلاثة شهور في أوائل عام 1899.

منها ثالثًا التبرعات التي كان يقدمها أغنياء اليهود، على رأسهم روتشيلد بإقامة المؤسسات الخيرية مثل ذلك الملجأ الذى تبرعت به البارونة قرينة البارون أدموند دى روتشيلد لعلاج "المسلولين" من الإسرائيليين فضلا عن إنشاء بنك مالى في "أورشليم يشتغل بالأعمال الزراعية ورأس ماله 450 ألف مارك ألمانى".

(ظروف الدولة العثمانية) أنها كانت وقتئذ تقوم بحملة واسعة لترسيخ فكرة الجامعة الإسلامية Pan Islamism على رأسها سلطان الدولة العلية وخليفة المسلمين لمواجهة الهجمة الاستعمارية الأوروبية عليها، ولم يكن يستقيم مع ذلك تقديم تنازلات من النوع الدينى الثقيل فيما سعت إليه الحركات الصهيونية بحكم ما كان يترتب عليها من نسف فكرة الجامعة الإسلامية من أساسها.

وفى ظل تلك الظروف عرف أواخر القرن التاسع عشر ومطلق القرن العشرين سياسات من الباب العالى لمنع الحركة الصهيونية من تنفيذ أهدافها.. مما يشكل قصة غامضة من قصص الصراع كشفت الأهرام عن أهم جوانبها.

***

حددت الأهرام موقفها منذ البداية بالتحذير المشدد من تحقيق اليهود لأهدافهم بالسماح لهم بشراء "كل سهل وجبل ويبتاعون ما يشاءون فهو زعيم بأن لا يبقى في شهر واحد قطعة من الأرض إلا وهى داخلة في ملك اليهود إذ تنهال عليها أموالهم وتنهل سحب روتشيلد وهيرش وغيرهما.. فلهذا لم يكن من الحكمة إباحة الشراء لليهود أينما شاءوا ولا تركهم يتجمعون في بقعة واحدة إلى حد أن تتمكن سطوتهم وتعلو كلمتهم"!

واقترحت جريدتنا قاعدتين تتم على أساسهما قبول الهجرة اليهودية إلى الأراضى العثمانية..

* عدم إباحة أكثر من قرية في كل قضاء وأن يكون جميع ما يشترونه "خرابًا لأجل أن يعمروه وأن وجودهم في قرية أو قريتين في كل قضاء فإنما ذلك نقطة من غدير وأكثر البلاد الجنوبية من الشام بلاد إسلامية لو زدتها من اليهود بقدر ما هي عليها الآن أضعافًا ما خرجت عن كونها إسلامية".

** أن يدخل المهاجرون جميعًا في الجنسية العثمانية "وأن تؤخذ عليهم الوثائق التي معها تؤمن غائلتهم ويستمتع بفوائدهم وأن قبولهم بالتابعية العثمانية نكسب معه رعية جديدة ولا يصيبنا بسببهم من المشاكل مع الأجانب ما يصيبنا بسبب الأجانب المقيمين بين أظهرنا"!

*** كانت الأهرام حسنة النية عندما بررت قبولها بهجرة محكومة ومحدودة لليهود إلى فلسطين بأنه يمكن الاستفادة منهم في الزراعة والصناعة "ولا نذهبن في الاحتياط أقصى مذاهب الوسواس فإن الإفراط مثل التفريط ومن طلب الزيادة وقع في النقصان والبلاد محتاجة إلى المال والعمارة واليهود قوامون على هذه الأمور".

المتيقن أن الدولة العلية رفضت الانسياق وراء أي شكل من حسن النية مما تجسد في النظام الذى وضعته للإسرائيليين الذين يزورون فلسطين، وقد تضمن أربع مواد، ننقلها عن الأهرام بنصها:

(1) يجب على كل إسرائيلى يريد السفر إلى القدس الشريف أن يكون حاملا تذكرة مرور تدل على رعويته وحرفته وسبب سفره وهذا لحكم يشمل جميع الإسرائيليين من عثمانيين وأجانب.

(2) يجب على كل إسرائيلى عند وصوله إلى بيروت أو أحد ثغور سوريا أن يقدم للمأمور تذكرة سفر ويدفع للمأمور رسمًا مقداره قرش واحد فيسلمه المأمور تذكرة مؤقتة لمدة لا تتجاوز ثلاثة شهور وورقة الإقامة يكون لونها وطبعها وشكلها مخالفًا لتذكرة المرور ويقدمها السائح أو الزائر كلما طالبها منه رجال البوليس ولا يجوز للسائح الإسرائيلي أو الزائر إذا انقضت الشهور الثلاثة أن يطلب مدها فإذا خالف يحاكم أمام محكمة القنصلاتو التابع لها وأمام المحاكم العثمانية إذا كان عثمانيًا.

(3) كل من مكث بعد مضى الشهور الثلاثة يكون مسئولا عن عمله ويعتبر مخالفًا لقانون البلاد وعلى رجال الحكومة أن يضعوا جدولا لتاريخ الوصول والسفر وهذا الجدول يفحص في كل شهر مرة وكل مأمور يخالف يعاقب.

(4) على السياح والزوار الإسرائيليين الذين يريدون العودة بطريق بيروت أو الموانى المجاورة بعد انتهاء المدة المقررة والذين لا يحملون أوراق إقامة أن يردوا الأوراق التي أعطيت لهم وترسل جميع هذه الأوراق في آخر السنة لحكومة القدس الشريف ليقابلها على الأصول المحفوظة عندها وإذا وجدت مخالفة يعاقب المخالف".

وقد نجحت سياسات الباب العالى في هذا الصدد في أن تحجم من سكنى الإسرائيليين في فلسطين خلال الفترة بين عامي 1881 1903 على نحو لم يحدث في أية فترة لاحقة.

فبينما لم يزد عددهم إبان تلك الفترة على ثلاثة آلاف في أحسن التقديرات فإنها بلغت خلال العشرين عامًا التالية أربعين ألفًا، وحتى تلك الأعداد المحدودة دخلت من خلال ثقوب ضيقة في السد المنيع نجحت الأهرام في رصدها ونرصدها معها..

بعض من هذه الثقوب صنعه فساد الإدارة العثمانية فقد تمكن عدد من اليهود من الوصول إلى الأراضى الفلسطينية برشوة بعض المأمورين ومن الاستقرار عليها بشرائها سرًا.. ويشير خبر نشرته الأهرام في عددها الصادر يوم 22 مارس عام 1901 إلى بعض من الوجود الإسرائيلي على الأراضى الفلسطينية.

الخبر نقلا عن "الأرشيف إسرائيليت" ويتحدث عن "المحلات الزراعية الإسرائيلية" التي أسسها البارون إدمون دى روتشيلد في فلسطين ثم انتقلت إلى يد شركة الاستعمار الإسرائيلية بموجب اتفاق "والمناسبة أن الجالية الإسرائيلية والفعلة هائجون على المدير والإدارة الجديدة بسبب سوء معاملة رجال الإدارة للعمال.. مما يكشف عنه أنه قد أصبح هناك جالية وفعلة من الإسرائيليين!

بعضها الآخر نتج عن تساهلات قدمتها حكومة الأستانة أحيانًا لسكنى الإسرائيليين في فلسطين، وهو ما ساقته الأهرام في أحد أعدادها بين التصديق والتكذيب قالت إن إحدى الجرائد التركية ذكرت أن الحكومة رخصت لخمسة آلاف أسرة بين يهود بلغاريا ورومانيا بالهجرة إلى فلسطين واستيطانها "وعند أن هذا العدد مبالغ فيه والذى أعلمه أن بضعة آلاف من الإسرائيليين الذين أصلهم من ألمانيا قد استوطنوا فلسطين على أيدى جماعة من كبار الأغنياء اليهود في أوروبا"!

بعضها الأخير صنعه تزايد نشاط الحركة الصهيونية الأمر الذى جعلها محل اهتمام واسع من الرأي العام المصرى مما كشفت عنه الأهرام في أكثر من مناسبة، وخصصت مقالات ضافية عنها..

تتحدث في إحدى المقالات عن رجال هذه الحركة الذين يبذلون "المساعى العظيمة لإزالة مخاوف الباب العالى وحمل الحكومة على أن تبيع لليهود الأراضى الواسعة لإنشاء مستعمراتهم، والظاهر أن أصحاب الحركة المذكورة الذين يطلبون تجنيس المهاجرين بالجنسية العثمانية عازمون على أن ينفقوا في هذا السبيل مئات الملايين من الفرنكات"، وتحذر في مقال آخر من "الجمعية الصهيونية التي وضعت نصب أعينها لم شتات اليهود في العالم وتوحيد كلمتهم.. وأهم ما ترمى إليه ترمى إلى إرجاع اليهود إلى فلسطين. أرض الميعاد وإعادة المجد لإسرائيل".

غير أنه يبقى أن تلك الثقوب قد ظلت محدودة حتى عام 1904 - 1905 حين واجه اليهود الروس، مع غيرهم من الأقليات موجه جديدة من الاضطهاد انتهت إلى توسيع الثقوب لتصبح خرقًا كبيرًا، مما يشكل فصلا آخر من فصول دراما التسلل الإسرائيلي إلى الأراضى الفلسطينية.


صورة من المقال: