ads

Bookmark and Share

الاثنين، 26 أبريل 2021

147 الفاضل عزتلو قاسم بك أمين

الفاضل عزتلو قاسم بك أمين

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 19 سبتمبر 1996م - 6 جمادى الأولى 1417هـ


المعلومات وفيرة عن قاسم أمين صاحب الكتابين الشهيرين.. تحرير المرأة الصادر عام 1899 والمرأة الجديدة الصادر بعد نحو عامين فقد أثار هذا العملان جدلا واسعًا دخل به صاحبهما التاريخ من أوسع أبوابه واكتسب لقبه الشهير.. محرر المرأة.

رغم ذلك تبقى أمور خافية عن الكتابين وصاحبهما كشف عنها الأهرام في جملة من أعداده التي عاصرت الجدل الذى حمى وطيسه وتحول في وقت إلى معركة فكرية حقيقية من تلك المعارك القليلة التي عرفها التاريخ المصرى..

وتحتدم المعارك الفكرية عادة في مراحل الانتقال التاريخى من عصر إلى آخر، وبينما ظهر أول عملى قاسم أمين بينما يلفظ القرن التاسع عشر أنفاسه الأخيرة، وصدر عمله الثانى في لحظات الصرخات الأولى للقرن العشرين الوليد فإن ذلك وحده ينم عن روح الانتقال فتلك المراحل تمتد لأطول كثيرًا من عامين أو ثلاثة، فالتغيير خاصة في الجوانب الاجتماعية والفكرية يستغرق سنوات طويلة تشمل عديدًا من العقود وأحيانًا من القرون مما يؤكده أن بعضًا من أفكار قاسم أمين مازالت محل لجاج حتى يومنا هذا!

ويبقى واهمًا من يتصور أن فكرة نبتت في عقل رجل، مهما كانت درجة ثقافته، ومهما بلغ حسن نواياه يمكن أن تغير من قيم اجتماعية سائدة أو قناعات فكرية قائمة، دون أن يكون لهذه الفكرة مقدمات طويلة..

اجتماعيًا: وفرت المتغيرات التي عرفتا مصر خلال نصف القرن السابق على ظهور أعمال أمين البيئة المناسبة لقبول أفكاره فقد تآكلت قوى اجتماعية قديمة على رأسها الارستقراطية التركية التي كرست نظام الحرين، وظهر محلها شرائح جديدة من أبناء الطبقة الوسطى المصرية خاصة من جماعات الأفندية سواء من الذين عملوا في إدارات الحكومة المركزية التي نمت نموًا كبيرًا خلال تلك الحقبة، أو من الذين اشتغلوا بالمهن الحرة، وفى طليعتهم الحقوقيون، وكانت بيئة قادرة على فهم التغيير، وقبوله ولو في نطاق محدود في البداية فهذا شأن أي تغيير عرفته البشرية.

ومتابعة سيرة قاسم أمين تكشف عن مدى انتمائه لهذه البيئة صحيح أنه انحدر من أصول تركية وليست كردية كما هو شائع، غير أن جملة من اختلط معهم وتأثر بهم وأثر فيهم كانوا من المصريين خصوصًا الحقوقيين.. سعد زغلول، إبراهيم الهلباوى، أحمد لطفى السيد، أحمد فتحى زغلول.

ونتوقف هنيهة عند الأصل الذى انحدر منه الرجل، فقد شهدت مصر خلال القرن التاسع عشر ظاهرة تمصر العناصر التركية على نطاق واسع، وقد امتزج هؤلاء بسائر المصريين حتى أنه لم يمض وقت طويل حتى أصبحت تلك الأصول مجرد ذكرى في القلوب أو بياض في لون البشرة!

خرج أبناؤهم فى تحصيلها من خلال موقعهم الاجتماعى وكان منهم عزتلو قاسم بك أمين!

فالرجل ورث مساحات واسعة من الأراضى الزراعية في البحيرة، ثم أنه بعد أن تلقى دراسته القانونية استكملها في مونبالييه بفرنسا حيث أتيحت له فرصة الاحتكاك بالمجتمع الفرنسي ووقع في غرام إحدى بناته(!)، وأخيرًا عاد إلى مصر ليرتقى سريعًا سلم المناصب القضائية ويصيح أحد كبار المستشارين حينما أقدم على تأليف كتابيه الشهيرين.

اجتماعيًا أيضًا أدت زيادة الوجود الأوربي والاحتكاك الدائم بينه وبين المصريين إلى عقد مقارنات لم تكن قائمة بهذه الحدة من قبل ومع أن الغالبية من المصريين قد استهجنت كثيرًا من سلوكيات هؤلاء الوافدين، وظلت تسيطر عليها فكرة أن الحضارة الأوربية إلى زوال نتيجة لتلك السلوكيات فإن آخرين استحسنوا جانبًا منها على الأقل خاصة ما تعلق بالقدر من الحرية التي تمتعت به الأوربيات، وكان منهم "محرر المرأة"!

أخيرًا فإن تعليم البنات الذى بدأ بعد إنشاء المدرسة السيوفية في عصر إسماعيل قد أنعش الآمال في اتساع نطاقه، ومع أن التجربة الحكومية في هذا النطاق كانت محدودة، غير أن اتساعها على أيدى الإرساليات خاصة الأمريكية والفرنسية ومن خلال مبادرات خاصة قام بها بعض من "الخواتين الفاضلات".

فكريًا: فإن تيارات الأفكار الجديدة التي هبت على المجتمع المصرى خلال نفس الحقبة كان لابد وأن تترك بصماتها مما بدا في الكتابات التي خلفها كبار المفكرين الذين ظهروا على مسرح العق المصرى.

أهم تلك الكتابات في رأينا "المرشد الأمين للبنات والبنين" الذى وضعه الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى، بإيعاز من الخديو إسماعيل بمناسبة افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات، مما يمكن اعتباره الأساس الذى أقام عليه قاسم صرحيه الكبيرين.

صحيح أن رفاعة لم يصل في كتابه إلى المطالبة برفع الحجاب، فيما فعله قاسم أمين وأكسب أعماله شهرتها، فقد دعا إلى صرف الهمة "لتعليم البنات والصبيان معًا ليمكن التعليم المرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجل على قدر قوتها وطاقتها" إلا أنه في الجوانب الأخرى تعرض لأغلب ما عالجه قاسم أمين.

ومع ذلك كان الطهطاوى أول من شكك في العلاقة بين الملابس مكشوفة أو مستورة على حد تعبيره، وبين العفة في قوله: "وملخص ذلك أن وقوع اللخبطة لعفة النساء لا يأتي من كشفهن أو سترهن بل منشأ ذلك التربية الخسيسة"!

وتأسيسًا على كل تلك المقدمات ظهر الكتابان، وما يعنينا هنا دور الأهرام في المعركة التي نشبتا حولهما، وهو دور نندهش أن أغلب الكتابات التي تناولت القضية أغفلته، أو ربما لم تنتبه له.

***

في المعركة الصحفية التي واكبت ظهور عملى "عزتلو قاسم بك أمين" انصرفت الأنظار إلى جريدتى المؤيد واللواء التي ظهرت بعد شهور قليلة من صدور الكتاب الأول وانبرت بعد صدوره بقليل في شن حملة على الرجل وأفكاره.

لعل انصراف الأنظار إلى المؤيد مصدره أن "محرر المرأة" ظل يعبر عن آرائه العامة خلال العامين السابقين على صدور مؤلفاته على صفحات تلك الجريدة، حتى أن الباحثين يرصدون تسع عشر مقالا سطرها الرجل في صحيفة الشيخ على يوسف حول المال وأسس التربية السليمة وأخيرًا عن موظفي الميرى وأسماها "أخلاق ومواعظ"!

أما انصراف الأنظار إلى اللواء فقد نتج عن أنها الجريدة التي كان يحررها أشهر الزعماء السياسيين مصطفى كامل، وبالتالي كانت المعبرة عن الحركة الوطنية.

وقد اتخذت الأخيرة موقفًا شديد العداء من كتابات قاسم أمين عزاه البعض إلى أن "كامل" كان طوال الوقت شخصية محافظة في القضايا الاجتماعية، فيما استمر يتكرر في مواقف أخرى بعد ذلك ففضلا عن النقد المرير الذى تعرض له أمين من صاحب الجريدة فإنها أفسحت مساحات منها لخصوم الرجل الذين رموه بأنه "ممن تخطف زخارف التمدن الأوروبى بصائرهم يرى المحاسن ولا يبصر المساوئ" وعزاه البعض الآخر إلى أن مؤلف تحرير المرأة كان محسوبًا على جماعة "محمد عبده" والتي كان ينظر إليها رجال مصطفى كامل بتشكيك شديد.

أما المؤيد فقد اندهش المتابعون عندما احتضنت بدورها عددًا من منتقدى الرجل كان على رأسهم محمد فريد وجدى أشهر الكتاب الإسلاميين وقتئذ فضلا عن غيره الذين كتب أحدهم يتهكم على دعوة قاسم أمين لخروج المرأة للعمل "فإذا البيوت مقفرة والشوارع مزدحمة بالرجال والنساء والمحال التجارية وقف بها المتحككون بالنساء البائعات، أما الزى فخليط عجيب بين امرأة بقبعة وامرأة بغيرها والمقص قد تحيف الجيوب والذيول والأكمام والتصقت الملابس بالمرأة حتى صارت كبعض جسمها"!

وفى هذه الظروف تظهر الاهرام التي لم يلتفت الباحثون إليها كثيرًا وقد ناصرت قاسم أمين على طول الخط فيما يتبين من متابعتها إبان تلك المعركة.

تظهر هذه المناصرة من أن جريدتنا كانت قد بدأت تروج لـ "تحرير المرأة" حتى قبل ظهوره فيما نخرج به من الخبر الذى نشرته في عددها الصادر يوم 25 فبراير عام 1899، أي قبل صدور الكتاب بما يقرب من ثلاثة شهور.. جاء في هذا الخبر:

"علمنا أن الكتاب الذى وضعه حديثًا حضرة العالم الفاضل قاسم بك أمين المستشار في محكمة الاستئناف الأهلية وسيسرع في تمثيله.

بالطبع قريبًا يتضمن أبحاثًا مهمة مبينًا فيها ضرورة تعليم المرأة وتربيتها لترقى بها الأمم في معارج الحضارة وأن من أعظم الأسباب في تأخر الشرق جهل النساء فيه وأن الدين الإسلامي يدعوا لتهذيب المرأة".

ويعرف من درس حياة محرر المرأة أنه كان يلتزم بنظام صارم في حياته اليومية.. في المحكمة صباحًا، عصرًا وحتى السابعة مساء مخصص لراحته وأسرته، وحتى العاشرة في القراءة، ثم يغادر بعد ذلك داره لقضاء سهرته مع أصدقائه والتي كثيرًا ما كانت تمتد حتى الواحدة من صباح اليوم التالى.

يعرفون أيضًا أن الرجل كان يقرأ في هذه الجلسات بعض فصول من كتابه، وما لم يعرفوه، ولا نحن، أن الأهرام كان يحضر بعض هذه الجلسات مما يكشف عنه الخبر السابق، ونعتقد أن هذا الحضور جاء من خلال بشارة باشا تقلا نفسه، فمثل تلك المجالس التي ضمت محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفى السيد لم يكن ليحضرها أقل من الباشا صاحب الجريدة!

والموقف المؤيد للأهرام لم يمكن أن يرد لانتماء أصحابه للشوام من المسيحيين القادمين من جبل لبنان، والأكثر انحيازًا لأفكار التقدم الأوروبى بحكم احتكاكهم المستمر به.

يتأكد ذلك من أن أبناء هذه الأقلية كانوا أكثر من أرسل بناتهم إلى مدارس الإرساليات، فضلا عن أن تلك المحاولات المبكرة لفتح مدارس خاصة لتعليم البنات قام بها عدد من نسائهم ممن يحفل تاريخ التعليم المصرى بأسمائهم.. كريستين قرداحى، نايلة جاماتى ومدموازيل زكارى وأخريات.

***

استقبلت الأهرام صدور "المرأة الجديدة" بمظاهرة صحفية بدت في جملة من مقالات الترجيب الحار بالكتاب..

تحت عنوان "تحرير المرأة" وفى يوم 20 مايو خصصت الجريدة مقالا شغل أغلب صفحتها الثانية، استعرض كاتبه في مستهله محتويات الكتاب مما اعتبره أسمى كلام "في تربية المرأة ووظيفتها في الهيئة الاجتماعية وفى العائلة وفى حجاب النساء من الجهتين الدينية والاجتماعية.. وفى الزواج وتعدد الزوجات والطلاق وفى وجوب العلم وضرورة نشره"، مما وصفه الكاتب "الفصول الرائعة والأبحاث المفيدة التي تنير بصائر الشعوب وترقى الأمم".

ولأن الأهرام كانت تعلم من أين ستهب الرياح على "محرر المرأة" فقد حرص صاحب المقال على إبراز أن "الشرع الإسلامي سبق سواه إلى مساواة الرجل بالمرأة وأن تربية المرأة وتعليمها أمران واجبان لا مناص منهما خلافا لما يعتقده بعض الشرقيين.. وإن الحجاب المتبع الآن ليس هو الحجاب الذى يحرم المرأة اكتساب فوائد الاختبار ويعود على الهيئة الاجتماعية في الشرق بالتقهقر والانحطاط".

وقد حمدت الأهرام لعزتلو قاسم بك أنه لم يفعل مثل غيره من "أفاضل المسلمين الذين نسمع منهم أقوالا في هذا الأمر الخطير ولكن لم نر منهم من أقدم على طرق هذا الباب".

ولم تنس الجريدة في هذه المناسبة أن تحث القراء على اقتناء الكتاب فهو "مطبوع على ورق جيد وبأحرف جميلة في 162 صفحة وثمنه 10 غروش صاغًا وأجرة البريد غرشان"!

ويبدو أن بشارة تقلا الذى كان بالإسكندرية وقتئذ قد ارتأى أن مقال الصفحة الثانية غير كاف للتعبير عن أهمية الكتاب مما نلاحظه في أن الرجل وضع مقالا شغل أغلب الصفحة الأولى في عدد الأهرام الصادر بعد يومين، وقد حفل بالحماس للمؤلف وعمله مما بدا في قوله "أن أمين خدم دينه ودنياه على نحو قلما فعله غيره من قبل"..

أما خدمته لدينه فقد "فند مزاعم خصوم المسلمين من الكتاب الذين تطاولوا على معتقداتهم وقالوا إن الإسلام عقبة في سبيل الإصلاح والمدنية والحقيقة إن الإسلام لم يقل ذلك مطلقًا وأيد المؤلف ذلك بالنصوص والآيات التي فضحت جهال المسلمين".

وأما خدمته لدنياه فبدت في استلفاته أبناء وطنه المصرى "للمدافعة عن الحقوق الوطنية الشريفة إرجاع مجد أجدادنا وتعزيز شأن الشرقى وتحريره من الاسترقاق الأجنبي"، تبع ذلك أن دعا الألوف إلى أن تتبع "الكاتب الفاضل" لأنه "إذا كان العلم قد حرم كثيرين من معرفة مواجبهم فالحاجة قامت تستيقظهم"!

وقد وصل حماس صحيفتنا إلى ذروته عندما طالبت قاسم بك أن يعنى بترجمة كتابه إلى الفرنسية فيصبح بذلك صاحب فضل مزدوج "إذ يعرف الأجانب بأن المرأة عندنا ليست على ما يظنونه من الاسترقاق والعبودية".

على الجانب الآخر اتخذت الأهرام موقفًا شديد الفتور من منتقدى "تحرير المرأة".. مما بدا في أكثر من مناسبة..

منها الكتاب الذى وضعه "عبد المجيد أفندى خيرى مدرس الرياضة في مدرسة الجمالية" تحت عنوان "الدفع المتين في الرد على قاسم بك أمين"، والذى أهداه إلى الأهرام فعلقت عليه بقولها "إننا نأسف لقيام بعض الكتاب الأدباء كحضرة مؤلف الدفع المتين على بقاء القديم على قدمه في حين أن الأمم الشرقية لا خلال لها مما هي فيه سوى بترك الضار من العادات القديمة".

الكتاب الثانى وضعه "محمد طلعت حرب أفندى العامل بالدائرة السنية" (هو نفسه طلعت حرب الاقتصادى الشهير بعدئذ) تحت عنوان "تربية المرأة" والذى رحبت به سائر الصحف باعتباره أفضل الردود على تحرير المرأة، وهو ما لم تستطع الأهرام إنكاره وإن كانت قد أبدت استغرابها من قول حرب أفندى أن المرأة أقل إدراكًا من الرجل وبوجوب تربية المرأة قبل المرأة.

وبعد أن تزايدت السهام التي وجهت للكتاب وصاحبه لم يجد قاسم أمين بك بدًا من الرد وهو ما قاده إلى إصدار عمله الثانى "المرأة الجديدة" في مطلع عام 1901، بعد عام ونصف من كتابه الأول، مما اعتبرته الأهرام استمرارًا في الجهاد وثباتًا للسعى "لترقية المرأة الشرقية".

غير أننا نلاحظ أن جريدتنا اتبعت العمل الثانى لقاسم بك منهجًا مختلفًا فيما بينته باستقبالها له بقولها "نرجئ الكلام على هذا السفر الجديد لنكون فيه باحثين لا مقرظين مادحين لأن الغاية من هذا التأليف جلاء الحقيقة والحقيقة بنت البحث".

بعد أسبوعين، وبعد قراءة متأنية من بشارة تقلا، بدأت الأهرام توفى بوعدها على شكل سلسلة من المقالات تحت عنوان "المرأة الجديدة" ظلت تحتل الصفحة الأولى بدءًا من يوم الإثنين 4 فبراير عام 1901.

اعتبر تقلا باشا هذه المقالات من "قبيل الجزية الواجبة علينا لحضرة المؤلف لا لأنه كتب في هذا الموضوع فقط بل أنه ثبت في خطته بالرغم من أقوال المنددين وكتابات المعارضين وأنه لم ييأس كالشرقى الذى تقعده معارضة أخواته بل سار كما سار أفراد الغرب الذين قبلوا سابقًا الهيئة الاجتماعية في أوروبا بفضل كتاباتهم غير خائفين استبداد الحكام ولا محجمين أمام جهل العامة"!

وقد توقفت الأهرام عند عبارة قصيرة جاءت من المرأة الجديدة أراد صاحبه من خلالها التأكيد على تأخر الشرق عمومًا، وليس البلاد الإسلامية فحسب صادر عن انحطاط مكانة المرأة فيما جاء في قوله "انحطاط المسلم كانحطاط الهندى والصينى وجميع سكان الشرق عدا اليابان"، توقف تقلا عند هذا الاستثناء الأخير وانتهزها فرصة لتقديم تفسيره الخاص عن أسباب تقدم اليابانيين.. قال:

"الياباني تقدم لا لأنه تعلم في أوروبا علمها فقط بل لأنه لم يكن عنده ما يدعوه إلى التمسك بمبادئ أجداده وآبائه الأولين ولو تمسك بها تمسك الصينى أو الشرقى على وجه عام لما أفلح فلاحه الحالي" ودلل على ذلك بأن الذين يدرسون في أوروبا من العثمانيين يربو على عدد اليابانيين ولكن النتيجة كانت على طرفى نقيض!

فى مقال آخر دلل الأهرام على صحة ما نادى به صاحب المرأة الجديدة عندما ساق عددًا من أخبار الحوادث التي كانت قد نشرته الصحف مؤخرًا.. رجل ضرب زوجته ضربًا مبرحًا لأنها خرجت تزور أمها، آخر رأى امرأته تنظر من النافذة فظل يضربها حتى سقط معها على مصباح فأمسكت النار بهما وتوفيا محترقين، ثالث انصرفت زوجته عنه بإعداد الطعام فضربها وقطع شعرها، ورابع وخامس، الأمر الذى دعا الجريدة إلى التعبير عن دهشتها من أن منتقدى قاسم بك انصرفوا عن تلك الحوادث وملأوا أعمدة "الجرائد خوضًا في نقطة دينية لا تعنيهم وإنما هي من حق مشايخ الدين"!

ضربت الأهرام على هذه النغمة في سائر مقالاتها ورأت أن هناك سوء فهم بين المؤلف وخصومه "فهم ينظرون إلى قوله برفع الحجاب ولا ينظرون إلى رأيه في رفعه فهم فهم يتوهمون أنه يريد إخراج المخدرات والمصونات من خدورهن إلى الشوارع حاسرات فيهيجهم مثل هذا ولكنه لا يرى ذلك بل تربية المرأة وتعليمها حتى تصبح سيدة بيتها وشريكة زوجها ومربية ولدها".

ويختم صاحب الأهرام مقالته الأخيرة بقوله أنه على يقين "أن هذه الحركة الصغيرة ستكون أكبر حادثة في تاريخ مصر"، وأن الفاضل عزتلو قاسم بك أمين لم يصده عن المثابرة في السعي إلى تحقيق الآمال أن "الجمهور من العامة لم يلتفت إليه ثم أن بعض الكتاب أظهروا السخط عليه ما بين منتقد لم يتفق رأيه مع رأيه وساخر يقضى عمره في السفاسف ومغتر ينكر عليه حسن نيته"، ونظن أن الأهرام كان مصيبًا في هذا التشخيص، ولا يزال الملف مفتوحًا!


صورة من المقال: