ads

Bookmark and Share

الخميس، 22 أبريل 2021

142 كشف الستار عن تمثال المرحوم!

كشف الستار عن تمثال المرحوم!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 15 أغسطس 1996م - 30 ربيع أول 1417هـ


في الساعة الحادية عشر والدقيقة 13 من صباح يوم الجمعة 17 نوفمبر 1899 بعث مدير تحرير الأهرام "تلغرافًا خصوصيًا" إلى مقر الجريدة بالقاهرة من بورسعيد حيث كان يحضر الاحتفال بكشف الستار عن "تمثال المرحوم دى لسبس"، وهو "التلغراف" الذى يستحق أن نطالعه من قراء الأهرام في العدد الصادر في اليوم التالى.. السبت 17 نوفمبر.

"كان ابتداء الاحتفال الساعة التاسعة، فلما شرف الجناب العالى أطلقت المدافع واحدًا وعشرين إجلالا وعلت أصوات الدعاء والتهليل، فافتتح الاجتماع بخطاب بليغ ذكر فيه أن دى لسبس بعمله العظيم حقق أمنية كانت أشبه بالأحلام وأنه استحق به أن تحمد الإنسانية وتجل قدره المدنية، ثم شكر للشركة إقامتها للتمثال كما شكر لها دعوتها سموه لهذه الحفلة التي مكنته من إظهار ما في فؤاده من المنزلة الرفيعة لذلك الرجل.

"وعند إنهاء الخطاب كشف الأمير الستار عن التمثال بين مظاهر السرور العام، ثم تكلم البرنس دارنبرج (رئيس الشركة) فأثنى أطيب الثناء على الجناب العالى وأجداده الكرام وقال أن القنال دولى عام تحافظ عليه دول أوروبا أجمع وذكر تاريخ المشروع إداريًا من نشأته إلى الساعة.

"ثم تلاه الكاتب العالم الشهير دى فوجيه من أعضاء المجمع العلمى الأدبى الفرنسوى وأبان في قوله فضل المرحوم دى لسبس وعظم قدره على اعتباره مهندسًا وعالمًا وجغرافيًا واسع الاطلاع، ثم خطب الكونت شارل دى لسبس وطيب المجلس بمدح سمو الأمير وذكر مآثره ومآثر أجداده العظام وشكر للشركة إكرامها لأبيه وكانت بذلك نهاية الحفلة في منتصف الساعة العاشرة.

"أما التمثال فشكله يؤثر في النقوس مهابة واحترامًا لصاحبه وله شبه تام بالدقيقة حتى يخال حيًا لولا الجمود والبكم. وكان عدد الحضور في المحتفل نحو خمسة آلاف وكان نحو الألوف وقوفًا في الخارج".

انتهت البرقية ولكن لم تنته قصة تمثال المرحوم، وهى القصة التي نتابعها على صفحات الأهرام قبل هذا الاحتفال بما يقل قليلا عن خمس سنوات.

***

عن عمر اقترب من التسعين، وفى قصره بشناى La Chenaie في أواسط فرنسا توفى المسيو "فردينان ملرى فيكون دى لسبس" مساء يوم 7 ديسمبر عام 1894 بعد أن قضى تسعين عامًا من القرن التاسع عشر، فالرجل مولوج في مطلعه (1805)، ولا نظن أنه بعد فيكتوريا، ملكة إنجلترا وإمبراطورية الهند، اقترن اسم إنسان بذلك القرن كما اقترن به اسم هذا الديبلوماسى والاقتصادي والمغامر الفرنسي الشهير.

ومع أن انجاز الرجل في شق برزخ السويس وفتح القناة المشهورة للملاحة يبقى أشهر أعماله، إلا أنه لم يكن عمله الوحيد، فالمعلوم أن المسي ودى لسبس كان صاحب المبادرة في شق قناة بنما، غير أنها المحاولة التي انتهت بصدور حكم بسجنه خمس سنوات، وإن لم تقم السلطات الفرنسية بتنفيذه على الرجل العجوز (88 سنة)، غير أن ما عنى به المصريون بعد أن تلقوا أخبار وفاة صاحب مشروع القناة كان ما اتصل بدوره فيه..

تحت عنوان "المرحوم دى لسبس" نقلت الأهرام في عددها الصادر يوم 17 نوفمبر عام 1894 المقال الذى وضعته التايمز، والذى حفل بأسباب المديح للرجل مما دعا جريدتنا إلى أن تضع تعليقًا طويلا كشف تمامًا عن مشاعر الرأي العام المصرى.. كان مما جاء فيه:

"هذا ما قالته جريدة التايمز عن المرحوم دى لسبس بعد موته وليست هذه بالمرة الأولى التي دافعت فيها عنه هذه الجريدة وغيرها من الجرائد الإنكليزية، ولم يقتصر الأمر عليها فقط، فإنه لما ارتطم هذا الرجل في مشكلة بناما رأينا الأمة الإنكليزية ترثى لبلوائه وتعزيه أجمل عزاء وفى مقدمتها جلالة الملكة فكتوريا التي على ما نذكر بعثت إلى باريز في ذلك الحين تأمر سفيرها اللورد دوفرين بأن يزور منزله ويضع فيه بطاقة زيارتها إظهارًا لاحترامها لقدره وبيانًا لسوء ما جنى الفرنسويون عليه"!

ويكشف ذلك عن أن حكومة لندن التي قاومت بكل الوسائل مشروع المسي ودى لسبس مع بداياته في منتصف الخمسينات حمدت للرجل عمله خلال سنواته الأخيرة، وقد عزت الأهرام ذلك لسببين:

1) أن القناة فتحت بابا تدخل إنجلترا منه إلى مصر وتحشد جيوش الموظفين في إدارتها.

2) أنها عززت قوة إنجلترا البحرية ومهدت طريقها إلى الهند "وهى لم تحتل مصر إلا للمحافظة على هذا الطريق".

لعل هذا الموقف البريطاني من "المرحوم"، هو الذى أدى إلى أن يتسم استقبال الأهرام لوفاته بقدر من الفتور غير المتوقع من جريدة اشتهرت بالحماس لكل ما هو فرنسى، وهو الفتور الذى بدا فيما جاء في نهاية تعليقها على مقال التايمز، قالت:

"لو وضعنا فوائد قنال السويس في كفة ووضعنا أضراره في كفة أخرى رأينا أنهما متوازنان أو ربما رجحت أضراره على فوائده في عرف الفريق الأعظم من رجال السياسة والخبيرين والسلام"!

ولعل هذا الموقف هو الذى دفع الجريدة إلى أن تتلقى بفتور الأخبار التي بدأت تصل من بورسعيد بعد أسابيع قليلة من وفاة دى لسبس عن تشكيل لجنة من كبار رجالات المدينة، وكانوا من الأجانب طبعًا ونهم عدد من كبار شخصيات الشركة، لصناعة تمثال يوضع عند المدخل الشمالى للقناة، ولعله أيضًا هو الذى دفع الحكومة المصرية إلى التردد في الترخيص للجنة بإقامة "تمثال المرحوم فردينان دى لسبس بأن تقيم هذا التمثال في مدخل الشارع المسمى باسم الفقيد، وكذلك تأجلت حفلة نصبه إلى أجل غير مسمى"، كما جاء في عدد الأهرام الصادر يوم 24 أبريل عام 1895.

غير أنه لم تمض سوى أيام قلايلة حتى تراجعت النظارة المصرية عن موقفها فيما يبدو أنه قد حدث تحت ضغوط إنجليزية، وصدر الإذن بإقامة التمثال "وقد سلم سعادة المحافظ هذا الإذن لرئيس اللجنة لتجرى بموجبه"!

وقد استغرق "الجريان بموجبه"، على حد تعبير الإذن، نحو أربع سنوات اختفت خلالها أخبار المرحوم من على صفحات الأهرام حتى ظهرت يوم 3فبراير عام 1899 حين نشرت الصحيفة ما يفيد أنه تم في باريس صناعة التمثال الكبير الذى "يمثل البوغاز تمثيلا بديعًا"، وأنه سيعرض أولا في معرض التماثيل والصور في العاصمة الفرنسية إلى حين نقله إلى بورسعيد.

النحات فريميه كان الفنان الذى صمم التمثال الذى تم صبه من النحاس والذى بلغ وزنه 17 ألف كيلو جرام، وتقرر نقل قطعه إلى مدخل القناة بعد أن عرج على العاصمة البريطانية، ولا ندرى سبب هذا التعريج.. دواعى النقل أم تأكيدًا على تقدير الإنجليز للرجل.

في يوم 3 أكتوبر وصلت قطع التمثال إلى بورسعيد حفظت، بينما كانت تجرى الاستعدادات على قدم وساق للاحتفال بتركيبه وكشف الستار عنه مما استغرق نحو شهر ونصف، الأمر الذى كان محل أخبار عديدة.

جاء في 7 أكتوبر عن النية على أن تدوم الحفلات التي ستقام لنصب تمثال المرحوم دى لسبس فاتح خليج السويس من 17 إلى يوم 20 نوفمبر، ويقال أن عددًا غير قليل من الأجانب سيأتون من أوروبا لحضور الحفلات.

تزيد الأهرام هذا الخبر تفصيلا بعد يومين فتقدر عدد المدعوين من الأعيان الأوروبيين بثلاثمئة وأنهم "سيحضرون على باخرتين خصوصيتين من بواخر الميساجيرى فيقيمون يومين أو أكثر في بورسعيد ثم يزورون القاهرة وبعد ذلك يعودون إلى أوطانهم".

ولم تكن المناسبة لتمر دون مظاهرة بحرية أوروبية قام بها الأسطول الفرنسي هذه المرة، فالمرحوم في نهاية الأمر محسوب على فرنسا، وهو ما كشفت عنه الجريدة يوم 12 أكتوبر بأن "الأسطول الفرنسي الكبير لزيارة الشرق سيصل إلى بورسعيد في وقت الاحتفال بنصب تمثال المرحوم دى لسبس".

التمثيل المصرى في حفل "كشف الستار" كان موضع جدل، ومع أن رجل القصر "أحمد شفيق"، قد نفى في مذكراته هذه الحقيقة غير أن متابعة الأهرام تؤكد عليها..

جاءت رواية شفيق باشا مختصرة في هذا الشأن ومؤداها أنه بينما كان الخديو في أوروبا وصلته دعوة من اللجنة التي أقامت الاحتفال تحت رعايته وبحضوره "فرد جنابه بالقبول".

رواية الأهرام جاءت مختلفة، فأول الأخبار عن التمثيل المصرى في الاحتفال كشف عن أن النية متجهة على الاكتفاء بحضور "حسين بك واصف محافظ القنال" الذى توجه إلى العاصمة "لمذاكرة الحكومة في كيفية اشتراكه بالحفلات التي سُتقام" إكرامًا لنصب تمثال المرحوم فردينان دى لسبس مخترق البوغاز"، ويبدو أن ذلك لم يكن يعجب المحتلين أو ممثل فرنسا، ناهيك عن اللجنة المنظمة.

بعد يومين تستجيب الحكومة المصرية لطلب اللجنة برفع التمثيل المصرى إلى مستوى النظار الذين تقرر أن يسافروا إلى بورسعيد لحضور "الحفلة الشائقة"، وإن كانوا مترددين في السفر قبل موعد الحفل أم في صباح نفس اليوم" بحيث يصلون قبل موعد الحفل بقليل"، ولم يلق ذلك أيضًا القبول من الجانب الآخر، الأمر الذى تطلب أسبوعًا آخر وافق عباس في نهايته على حضور الحفل مع هيئة النظارة، الأمر الذى أبرزته الأهرام في أحد "تلغرافاتها الخصوصية" في العدد الصادر يوم 26 أكتوبر، وقد جاء فيه "سيشرف سمو الخديوى يوم 17 نوفمبر القادم حفلة كشف الستار عن تمثال المرحوم فردينان دى لسبس وبمعيته حضرات النظار".

ولم يبق بعد كل ذلك سوى إقامة الاحتفال..

***

المدعوون، برنامج الزيارة، الاحتفال.. كانت كلها شواغل اللجنة خلال الأيام القليلة التي أعقبت موافقة الخديوى على الحضور إلى بورسعيد لكشف الستار عن ستار المرحوم.

كان أول القادمين إلى بورسعيد البرنس دارنبرج رئيس مجلس إدارة الشرمة من مقر إقامته في العاصمة الفرنسية وفى صحبته مدير أشغال الشركة "لإتمام المعدات الأخيرة لاستقبال الجناب الخديوى والمدعوين".

بالنسبة للأجانب تعددت طبيعة المدعوين.. بين رسميين وشخصيات أوروبية وأخرى من الأوروبيين المقيمين في مصر..

مدير القسم السياسى للشرق بوزارة الخارجية الفرنسية وقرينته، والمسيو دى بلينار المراقب الفرنسي السابق في الحكومة المصرية كانوا في طليعة الشخصيات الرسمية فضلا عن حضرات "القناصل الجنرالية"، وإن تقرر ألا يرتدوا الملابس الرسمية في الحفل.

المدعوون من أوروبا، وعددهم ناف عن مئة وخمسين، تقرر أن يبحروا من مرسيليا على الباخرة أندوس يوم 11 نوفمبر، وقد لاحظت الأهرام أن من بينهم عددًا غير قليل من "محررى الجرائد الباريسية الكبرى"، لتوفير ما نسميه الآن التغطية الإعلامية اللازمة لحفل الكشف عن التمثيل.

المدعوون من الأجانب المقيمين في مصر أو من كبار الشخصيات المصرية بمن فيهم عدد من محرر الجرائد الكبرى، كان من بينهم بشارة تقلا، تقرر أن يستقلوا قطارًا خاصًا يبرح القاهرة "في 16 الجارى الساعة الحادية عشرة صباحًا فيصل إلى الإسمعيلية في الساعة الثانية والدقيقة 15 ومنه ينتقل المسافرون إلى قطار الترامواى البخارى الذى يبرح الإسمعيلية في الساعة الثانية والدقيقة 45 فيصل إلى بورسعدي الساعة الخامسة مساء".

المدعوون من الإسكندرية غادروها بطريقين.. قطار خاص بارح الثغر الساعة التاسعة من صباح نفس اليوم، 16 نوفمبر، والباخرة الخديوية (توفيق ربانى) تقل أربيعن "من كبراء الثغر المدعوين في عدادهم صاحب الدولة البرنس عمر باشا طوسون والبرنس عزيز بك حسن".

وتكشف الأهرام في هذه المناسبة عن اعتذار بعض الأمراء عن حضور الاحتفال كان منهم "البرنس محمد على باشا والبرنس جميل باشا طوسون". ورغم أن الصحيفة لا تفصح عن أسباب الاعتذارات إلا أنه قد يعبر عن حالة عدم الرضاء عن المناسبة التي ساورت قطاعات من المصريين.

تكشف أيضًا عن أن أعضاء مجلس إدارة الشركة "تلطفًا منهم ومجاملة للمساهمين قرروا أن تصدر الدعوات بأسمائهم وأن يقوموا بنفقات السفر للمدعوين دون الشركة"، وقد قدرت الأهرام جملة التكاليف في أعقاب الحفل، فكانت إيجار الباخرة أندوس بمبلغ خمسة آلاف جنيه، فضلا عن نفقات المآدب والمراقص، فأصاب كلا منهم، وعددهم 32 مديرًا، ستة آلاف فرنك، ونرى أنه كان مبلغًا كبيرًا بمقاييس العصر، وإن كان متواضعًا بالقياس لما كانوا يجنونه من الشركة من فوائد وأرباح.

(البرنامج) تعددت جوانبه، فقد كان هناك برنامج الاحتفال ذاته، فضلا عن برنامج للزيارات التي قرر المنوط بهم الحفل أن ينظموه، خاصة للمدعوين القادمين من أوروبا.

تقرر بعد انقضاء الاحتفال أن يجتاز المدعوون على الباخرة أندوس القناة حتى البحر الأحمر ثم يعودون على متنها إلى فرنسا، فيما حدث فعلا ورصده مكاتب الأهرام في السويس في رسالة طويلة له بعث بها يوم 22 نوفمبر كان مما جاء فيها:

"أقيمت الاحتفالات والزينات في المدينة احتفاء بقدوم المدعوين الذين استقبلهم مدير الشركة وأسرة دى لسبس ومدت موائد الطعام فأكلوا هنيئًا وشربوا مريئًا ثم ابتدأت حفلة الرقص وكانت في منتهى البهاء والجمال وفى منتصف الليل فتح (البوفيه) فتناول المدعوون ما لذ وطاب وما زالوا في فرح وسرور حتى مطلع الفجر"!

ونظن أن مكاتب الأهرام في السويس كان مع غيره من أبناء المدينة سعداء بالمناسبة بحكم ندرة ما كان يصيب المدينة القديمة من عوائد الشركة، فقد تميزت عنها دائمًا المدينتان الجديدتان اللتان ارتبطت نشأتها بقيام القناة، بورسعيد والإسمعيلية.

أما الراغبون في زيارة القاهرة أو غيرها فقد خصص لهم المسئولون عن الحفل قطارًا خاصًا ينقلهم إلى العاصمة، وهو ما حدث فعلا يوم 18 نوفمبر حين غادر القطار بورسعيد في الثامنة وخمسين وأربعين دقيقة صباحًا ليصل إلى محطة العاصمة في الثالثة وخمس دقائق، حيث أعد للمدعوين برنامج لزيارة أهم معالم المحروسة انتهى بعدها بنقلهم إلى الإسكندرية على قطار خاص آخر حيث كانت تنتظرهم باخرة من بواخر المساجيرى ماريتيم لنقلهم إلى فرنسا.

الشطر الأخير من البرنامج، وبناء على دعوة من عباس "تتشرف أسرة دى لسبس وحضرات مديرى شركة قناة السويس بتناول الغداء على مائدة الجناب الخديوى وأن يشرف جنابه الوليمة الشائقة التي تولمها الشركة مساء نفس اليوم وأن يشرف حفلة الرقص التي تبدأ الساعة العاشرة".

(الاحتفال) نترك لسليم تقلا وصفه إلى الرسالة الطويلة التي بعث بها للأهرام التي نشرتها في 18 نوفمبر كان مما جاء فيها..

"في الساعة التاسعة من صباح هذا اليوم (السابع عشر) حضر المدعوون مئات وألوف إلى مدخل البوغاز حيث أقيم تمثال المرحوم دى لسبس.. وقد كان في ساحة الاحتفال نحو خمسة آلاف نفس وحواليه مثلها من سكان المدينة. وفى مقدمة المدعوين حضرات مختار باشا والأمراء والقناصل وكبار الموظفين والأعيان، وعند الساعة التاسعة أطلقت المدافع بشبرا بتشريف سمو الخديوى فقابله أعضاء شركة القنال وفى مقدمتهم حضرة البرنس دارنبرج وكشف سموه الستار عن التمثال بين التهليل وضجيج الاستحسان".

بعد أن قدم مدير الأهرام عرضًا وافيًا لكلمة الخديوى لخص الخطبتين اللتين ألقاهما رئيس مجلس إدارة الشركة واستغرقت ثلاثة أرباع الساعة والكونت دى فوكيه نصف ساعة وانتهت الحفلة الرسمية التي لم تبلغ أكثر من ساعة ونصف.

في السابعة مساء أقيمت مأدبة كان مدير تحرير الاهرام من بين حضورها ونترك له مرة أخرى الوصف.. قال: "قدمت الألوان الفاخرة وجرت الشمبانيا أنهارًا. وكان في مقدمة المئتين والخمسين الذين أجابوا الدعوة أصحاب الدولة مختار باشا الغازى والأمراء.. واستمرت الوليمة إلى الساعة التاسعة ثم انتقل الحضور إلى الردهات الواسعة المعدة للمخاصرة على الباخرة اندوس وفى العاشرة كمل عدد الوافدين، ثم بزغ الطالع العباسى المبارك فحيته الموسيقى بالسلام الخديوى.. وبعد أن دارت المخاصرة إلى نحو الساعة الثانية عشرة فتحت أبواب المائدة فشرفها سمو الأمير وكانت مستوفية الإتقان جامعة دلائل الكرم الواسع"!

ورغم أن فخامة الاحتفالات وإبهارها كان كفيلة بأن تنسى الحضور أي شيء سواها إلا أن الأهرام لم تستطع ذلك فيما بدا في أكثر من مناسبة.

من هذه المناسبات استعراض الصحيفة للجدل الدائر حول المناسبة غداة يوم الاحتفال، وكيف اختلفت آراء المصريين في عمل دى لسبس "فمن قائل أنه أفاد مصر تجاريًا وأدبيًا وعلميًا وجعلها الصلة بين الغرب والشرق فأكسبها بذلك أهمية لا مزيد عليها. ومن قائل أنه جلب الاحتلال وهو شر يفوق ذلك الخير الكثير"!

لحظة كشف الساتر قدمت المناسبة الأخرى، وكانت المناسبة الأكثر صدقًا بحكم عفويتها، قال مدير الجريدة "أن هذا الموقف ذكرنا باحتفال صاحب التمثال بفتح البوغاز من ثلاثين سنة، كما ذكرنا الاحتفال الذى دعا إليه اسمعيل باشا ملوك أوروبا وقياصرتها وأمراءها.. أما اليوم فأصحاب الدعوة هم أصحاب أسهم القناة المتمولون وأرباب الأموال ملوك هذا العصر"، ويُعبِر مدير تحرير الأهرام في هذه المناسبة عن حسرته مما يذكره إياه هذا اليوم" لما كانت عليه مصر من استقلال إدارتها وسلامة حقوقها الأهلية وما وصلت إليه الآن حيث لا يضيفها الأجنبي بل يملك ناصيتها إدارة وسياسة ومالا".

ونرى أن بعضًا من هذا الشعور قد اجتاح المصريين بعد نحو ستين عامًا (1956) حين اقتلعوا التمثال الكبير من مكانه في ظروف شعروا معها أنهم يقتلعون رمزًا للاستغلال والتبعية والمهانة!


صورة من المقال: