ads

Bookmark and Share

الثلاثاء، 6 أبريل 2021

136 "مسألة العساكر"!

"مسألة العساكر"!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 4 يوليو 1996م - 18 صفر 1417هـ


في يوم الخميس 15 مارس عام 1900، وتحت حراسة مشددة، دخل سبعة من ضباط الجيش المصرى إلى قاعة الاستقبال الرئيسية بسراى عابدين، وظلوا وقوفًا في انتظار تشريف سمو الخديو عباس حلمى الثانى..

بعد هينهة دخل ولى النعم وبصحبته ناظر الحربية ونائب السردار وعدد من كبار لواءات الجيش ووجه كلمة في الضباط الوقوف، كانت بمثابة الفصل الأخير من قصة تكاد تكون مجهولة في التاريخ المصرى.. قال:

"قد أحضرتكم أمامى لأظهر لكم شديد كدرى على ما وقع منكم لأنه أمر يجلب العار على الجيش ولذلك قد طردتكم من سلك العسكرية حيث أنكم غير أهل للبقاء فيه وأمرت بتجريدكم من مرتباتكم ونياشينكم وليكن معلومًا أنى على الدوام معضد للسردار وموافق على كل ما يجريه لسحن نظام الجيش وإذا لا سمح الله وحصل أمر من نوع ما وقع فتيقنوا أن الجزاء يكون أشد"!

الضباط السبعة الذين تلقوا الكلمات القاسية، اليوزباشى محمد أفندى مختار، اليوزباشى حسن أفندى لبيب، ملازمون أوائل مصطفى أفندى لطفى وصالح أفندى زكى ومحمد أفندى توفيق، ملازمون ثوانى أحمد أفندى شاكر وعبد الحميد أفندى شكرى.

قبل التعرف على هذا "الأمر من نوع ما وقع" على حد تعبير الخديوى والذى كان محل اهتمام الرأي العام المصرى خلال الشهرين السابقين، ينبغي التعرف على بعض الظروف التاريخية التي شهدها العام الأخير من القرن الماضى، والتي كان لها الضلع الأكبر في صنع هذا الأمر..

أحد هذه الظروف نتج عن جملة استعادة السودان وانتقال القسم الأكبر من الجيش المصرى إلى جنوب الوادى بتركيبته التي شكلها لمحتلون على نحو يسمح بأكبر قدر من أسباب الهيمنة عليه.. عساكر من السودانيين أو الفلاحين المصريين، صغار ضباط من الطبقة الوسطى المصرية، كبار ضباط أغلبيتهم من الإنجليز وأقليتهم من الأرستقراطية المنحدرة من أصول تركية.

ظرف آخر نتج عن احتدام الحرب بين الإنجليز والمستوطنين من أصل هولندى في جنوب أفريقيا والتي عرفت باسم "حرب البوير" وإن كانت الأهرام قد ظلت تسميها بحرب الترنسفال، فنتيجة للنكسات العديدة التي لقيها الإنجليز تقرر استدعاء اللورد كتشنر أوف خرطوم بعد إجهازه على الدولة المهدية، وما اكتسبه خلال ذلك من خبرة واسعة في الحرب في الميادين الإفريقية.. تقرر استدعاؤه لقيادة العمليات العسكرية في الحرب الترنسفالية!

ظرف ثالث صنعته الحركة الوطنية الوليدة التي كانت تتصاعد خاصة بعد أن أصدر مصطفى كامل جريدته الشهيرة.. اللواء فى مطلع عام 1900 وشنت مع ظهورها حملة شديدة على اتفاقية 1899، فصدرت يوم 19 يناير مجللة بالسواد بمناسبة ذكراها الأولى، وكان من الطبيعى أن تقع تلك الحملة على صغار الضباط المصريين من أبناء الطبقة الوسطى موقعًا مؤثرًا!

وفى إطار فهم هذه الظروف يمكن الإمساك بالخيط الأول من هذه القصة.. كما قدمتها الأهرام..

***

أول سطور القصة نشرتها الصحفية في العدد الصادر يوم 2 فبراير عام 1900 في خبر متعدد الجوانب، جانب منه جاء نقلا عن المقطم التي كتبت في اليوم السابق مقالة تحت عنوان "تمرد العساكر" ذكرت فيه أن الحربية كانت قد أمرت بتجريد جنود الجيش المصرى الموجودين في أم درمان من الذخيرة فأبى رجال أورطتين سودانيتين ذلك غير أنهم سلموها بعد وقت قصير، الجانب الآخر جاء نقلا عن البروجريه التي قدمت الرواية بشكل مختلف وهو أن بعض الجنود خالفوا النظام العسكرى فرأى الضباط أخذ الذخيرة منهم تحفظًا فتظاهرت أورطتان بالرفض ثم أطاعتا، الجانب الأخير نقلته عن الجازيت التى قالت أن السبب في جمع الذخيرة ما أصاب بعضها من فساد أفضى إلى عدد من الحوادث فاعتبر رجال الأورطتين هذا العمل نوعًا من سوء الظن بهم غير أنهم سلموا الذخيرة دون حدوث ما يكدر.

علقت الأهرام على كل تلك الروايات بقولها: "كنا قد ذكرنا خبر أخذ الذخائر من الجنود منذ شهر ونيف ولم ننشر ما اتصل بنا إلا تلميحًا لأن رجال المخابرات أكدوا لنا بطلانه وأخبرنا أحد القادمين من السودان حديثًا أن روح الاستياء لم تكن دابة في قلوب الأورطتين السودانيتين فقط بل وفى صدور الضباط والجنود كلهم.. ولا عجب أن يكون قد تجسم الغضب وكبر بعدما أرسل الإنكليز بالمدافع من أم درمان إلى القاهرة فرأس الرجاء وهذا هو السبب الصحيح لأن الأسلحة في السودان ليست ملكًا للإنكليز بل ملك مصر"، ووضع الأهرام بذلك يدها على السبب الحقيقى الذى أشعل "مسألة العساكر"!.

كشف عن ذلك الأوراق الخاصة للسير ريجنلد Wingate الحاكم العام الذى تولى تولى إدارة السودان قبل شهر فحسب من الحادثة.. وجاء في هذه الأوراق بأن قوات الفرقة 14 من الجيش المصرية هجمت يوم 28 يناير على مخزن السلاح في أم درمان ونهبت كل الذخيرة بعد أن فقد الضباط البريطانيون كل سيطرة عليهم.

جاء فيها أيضًا أنه لم يستطيع أن يوقف الحادثة إلا بعد أن هدد جنود الفرقة بأن قوة بريطانية كبيرة في طريقها إلى العاصمة السودانية لوقف هذه الأعمال.

جاء فيها ثالثًا أن الضباط المصريين للفرقة السودانية كانوا وراء الحادثة، بسبب عدائهم للاتفاق الثنائى، وبسبب ما تقرر من تعديلات في معاملتهم المالية مما أثار احتجاجات واسعة في صفوفهم، وأخيرًا بسبب شائعة قوية سرت بينهم وهى أنه سيتم نقلهم، بعد نجاحهم في القضاء على الدولة المهدية، إلى جنوب أفريقيا للاشتراك في الحرب ضد البوير.

كشفت عنه أيضًا رسالة بعث بها صحفى "يظن أنه ألمانى مقيم في مصر" على حد تعبير رجل القصر أحمد شفيق باشا في مذكراته الذى يقول أنها ألمت الخديو أشد الإيلام لما فيها من حقائق.. الصحفى المجهول ارتأى أن ما فعله الضباط المصريون يستحق الشكر لا العقوبة، فقد طالبوا بألا تقل مرتباتهم عن مرتبات الضباط الإنجليز "وهل جلد المصرى أقل من جلد الإنجليزى!؟" وأن كل ما فعله الضباط المدانون أنهم احتجوا على "سلب مدافع المكسيم المصرية لاستخدامها في جنوب أفريقيا، وأنت لم تفعل شيئًا لمعاقبة السارق!" ونظن أن سر حماس الصحفى الألماني في الدفاع عن الضباط المصريين ممن رأى "أن أسماءهم ستنقش في صحائف من النحاس تخليدًا لعملهم الجليل".. صادر عن الموقف الألماني المعادى للإنجليز في حرب البوير.

وتأسيسًا على فهم الموقف من أوراق وينجت الخاصة ومن رسالة الصحفى الألماني المجهول يمكن متابعة الموقف الأهرامى من القضية..

أهم ما نلاحظه في هذ الموقف اختلاف النظرة للواقعة بين توصيف المقطم، الصحيفة الموالية للاحتلال، وبين الأهرام صاحبة المواقف المعادية منه، مما شرحته جريدتنا في عددها الصادر يوم 3 فبراير.. قالت تحت عنوان "مسألة العساكر":

"راق لبعضهم (تقصد المقطم) أن يصفوا هذه المسألة بالتمرد مع أنها مسألة مطالب لم ينلها الجنود باللين والالتماس فتحولوا إلى الإلحاح فقد عرفنا جنودًا مصرية يفتحون السودان فلا يرقون رتبة ولا يزادون راتبًا فساءهم أن يكون بعض الآمرين من الضباط الإنكليز وأن يكون من ضباطهم من يقومون بحقير الأعمال كالخدمة وأن يجردوا من السلاح وتؤخذ منهم الذخائر".

إذن فتشخيص القضية في رأى الأهرام يرفض توصيف التمرد ويحولها إلى مطلبين عادلين.. مطلب المساواة في الترقية بسواهم والعدالة في المعاملة، وهو المطلب الذى كان قد سبق لعبد الجواد بك قائد الآلاى الخامس أن تقدم به للسردار في عريضة أجبر بعد ذلك على سحبها "مما أثر أشد التأثير في نفوس إخوانه وزملائه وظلت الحرقة في صدورهم"!

ومطلب الإبقاء على الذخيرة في السودان بعد القرار بنقلها إلى مصر ووضعها في مستودعات بحراسة الجنود الإنكليز فاستنتج العساكر المصريون من هذا العمل أنه دليل على عدم ثقة السردار بالضباط وبالجنود المصريين بعد أن كلفوا بالحرب فحاربوا وأنشأوا السكك الحديدية ثم أمروا بإنشاء السراى للحاكم والسركل والكلوب ولما جاء وقت المكافأة كوفئ غيرهم وتركوا"!

وهذا التيار الذى عبرت عنه الأهرام شارك فيه آخرون.. المؤيد باعتبارها أولى الجرائد الناطقة بلسان الوطنيين، اللواء حديثة الصدور والتي ارتأت في هذه الحادثة مناسبة للتأكيد على ما ظلت تعبيره كارثة لحقت بمصر من جراء اشتراك إنجلترا لها في حكم السودان، مما يمكن القول معه أنه قد ظهر موقفان حيال هذا العمل الاحتجاجى من إحدى فرق الجيش المصرى.. الأول تمثله القوى الموالية للاحتلال والتي ظلت تؤكد على أنه أحد أعمال التمرد العسكرى، والثوى المعادية له والتي صورته على أنه أحد أعمال المقاومة المشروعة.

وقد بدا خلال العام المنصرم، ومنذ عقد اتفاقية الحكم الثنائى بعض من مؤشرات على حالة التذمر التي أخذت في الانتشار بين الضباط المصريين في السودان، فقد شكلت مجموعة منهم جمعية سرية تحت اسم "المودة" وأخذت تراسل السياسيين المصريين على رأسهم الخديوى معبرة على عدم رضائها عن السياسات الإنجليزية في السودان، من جانب آخر لاحظ المتابعون تعدد الرسائل التي بعث بها بعض القراء للمؤيد واللواء في أعقاب ظهورها، وقد حفلت بالشكاوى من أحوال الضباط المصريين في السودان، وكان واضحًا مما حوته من معلومات، ومن أن مرسليها قد حرصوا على عدم التوقيع عليها، أنهم من هؤلاء الضباط.

انحازت الأهرام لأصحاب الموقف الثانى.. الموقف الذى نظر إلى ما جرى في أم درمان خلال شهر يناير عام 1900 بأنه مقاومة مشروعة، ففضلا عن حرصها على أن نسوف أخبار الأحداث التي جرت تحت عنوان "مسألة العساكر" فقد ظلت تفند الاتهام بالتمرد مما خصصت له مقالا طويلا في عددها الصادر يوم 7 فبراير جاء في مطلعه "كبت الاغطون فقد ظهرت الحقيقة واتضح الأمر وتأكد ما قلناه من أن الجنود المصريين وضباطهم في السودان لم يتمردوا ولم يشقوا عصا الطاعة بل أنهم استاءوا من أخذ ذخائرهم منهم بدون عله وتركهم جنودًا بلا سلاح كأنهم صبية جمعوا للعب بالكرة"، ثم انتهت إلى القول "الأمر ليس فيه شيء من التمرد فلو تمثلنا هؤلاء الجنود العشرين ألفا يجردون من أسلحتهم لغير سبب لكفانا ونحن ناظرون أن نتكدر فهذا الفعل سبب القلق ولكن لا تمرد ولا عصيان فليفهم المهولون"!

انعكس هذا الخلاف بين الموقفين على جنبى السلطة.. الخديو عباس الثانى على ناحية ودار المعتمد البريطاني في القاهرة على الناحية الأخرى..

في صباح يوم 10 فبراير قابل اللورد كرومر رئيس النظار وطلب منه أن يصدر الخديو أمرًا باعتبار الضباط متمردين فأبى عباس ذلك وقد ارتأت الأهرام أن المحتلين حولوا المسألة بذلك إلى "سياسة بحتة" وهو ما لم توافق عليه سلطات عابدين.

فقد رد عباس على هذا المطلب بأن أصدر أمرًا "بأنه قد بلغه حدوث بعض القلاقل وأنه يعتبر كل عمل مخالف للقانون مخالفًا لإرادته فلهذا يأمر سعادة السردار بإبلاغ أمره هذا لجميع الضباط والجنود بالمحافظة على القانون كما أنه يجب على سعادة السردار معاملتهم أيضًا بمقتضى أحكامه"!

لم يرض السير وينجت عن الأمر الخديوى وطلب من المعتمد البريطاني بالقاهرة أن تستصدر أمرًا ثانيًا باعتبار هؤلاء الضباط متمردين خاصة بعد أن رد هؤلاء على الأمر الأول بإنكار التمرد، وتحت الضغط الإنجليزى أصدر عباس أمرًا ثانيًا وصفته الأهرام بأنه "أشد من الأول لهجة ولكنه لا يعزو التمرد إلى الضباط فلم يرق لجناب اللورد كرومر.. ومأمولنا أن تكف يد السياسة عن هذه المسألة"!

أخيرًا سويت القضية بإرسال الخديوى برقية للسردار تضمنت جملة القواعد التي تعامل المسألة في إطارها، وكانت:

1) إظهار الأسف من أن حالة التمرد التي ظهرت من بعض عساكر الجيش لم تحسم نهائيًا.

2) يأمل الخديو أن يستعمل السردار أقصى حكمة في علاج المسألة وتحرى كامل الدقة في التحقيق حتى لا يقع تحت طائلة الاتهام سوى المتهمين الحقيقيين.

3) يُحاكم الضباط الذين تثبت مخالفتهم للأوامر أمام مجلس عسكرى وفقًا للقوانين العسكرية.

4) تخويل السردار نشر هذا الأمر العالى على الضباط والعساكر إذا كان ذلك مفيدًا في عودة هؤلاء إلى الطاعة والسكينة.

علقت الأهرام على هذه التسوية بقولها "وبناء عليه تحول الأمر من اعتبار الجناب الخديوى المتهمين متمردين إلى ما يحسب من قبيل التحقيق والتدقيق"، وبدأت بعد ذلك المرحلة الأخيرة من المسألة.. مرحلة المحاكمة.

***

بعد مشاورات بين سائر الفرقاء تقرر أن يتشكل مجلس التحقيق من أغلبية من الضباط المصريين برئاسة إنجليزية، الميرالاى جاكسون بك، ومعه قائد الأورطة الخامسة عشرة، فرجسون بك، وربعة من قواد الأورط المصريين على رأسهم الميرالاى إبراهيم فتحى بك "قومندان الأروطة السابعة بيادة".

أشاع هذا التشكيل التفاؤل في صفوف الرأى العام في القاهرة مما عبرت عنه الأهرام بقولها "لا شك أن سعادة السردار راعى ذلك في تأليف المجلس وبهذه الوسيلة يؤكد للجيش حسن نيته وصافى طويته".

ومع التفاؤل استمرت الصحافة الوطنية المصرية، في طليعتها الأهرام في حملتها المنحازة للضباط المتهمين مما جاء في قولها أن أول جلسة لمجلس التحقيق "ظهر من خلالها أن المتهمين ليسوا بمقترفين جرمًا كبيرًا وأن الروايات جسمت وتناقل الألسنة والأقلام زاد على ما زاد من حقيقة"!

لعشرة أيام اختفت أخبار المسألة من على صفحات الجريدة، التي عادت إلى متابعتها بنشر الأمر العسكرى الخصوصى الصادر في أم درمان في العدد الصادر يوم 26 فبراير.

وقبل قراءة هذا الأمر المثير لنا أن نلاحظ أن الفترة بين القرار بتشكيل مجلس التحقيق وصدور الحكم كانت قصيرة مما ينبئ عن الطبيعة السريعة للمحاكمات العسكرية، فضلا عن انقطاع الأخبار يشير إلى حقيقة أخرى وهى أن المحاكمة جرت على نحو سرى شأن أغلب محاكمات العسكريين.

ملاحظة أخرى أن مجلس التحقيق لم يأخذ بتسمية أي من الفرقاء في توصيف القضية، فهو لم يسمها "تمرد العساكر" كما آثرت الصحف لموالية للاحتلال تسميتها، كما لم يسمها "بمسألة العساكر" فيما تمسكت به الصحف الوطنية، وإنما ابتكر اسمًا أكثر ملاءمة للطابع العسكرى للقضية.. أسماها "حوادث عدم الانقياد"!

ملاحظة ثالثة أن تلك الأحكام على حد تعبير الأمر "حازت تمام القبول والتصديق من لدن حكومة الجناب العالى الخديوى صار نشرها على الجيش ويصير قراءتها في ثلاثة طوابير متتالية"!

بعد ذلك جاء توصيف الأحكام وكانت أقرب إلى مذبحة للضباط ممن شاركوا في "عدم الانقياد"!

اليوزباشى محمد أفندى مختار من أورطة 14 سودانية "مسئول رأسًا عن حالة عدم الانقياد التي حصلت في الأورطة ويوصى المجلس باتفاق الآراء بطرد هذا الضابط من خدمة الحضرة الفخيمة الخديوية".

الملازم أول مصطفى أفندى لطفى من نفس الأورطة جاء القرار ضده طبق الأصل من قرار مختار ومع أن القرار نفسه صدر ضد الملازم ثانى أحمد أفندى شاكر غير أن المجلس أوصى أن ينظر لمسألته بعين الرأفة وأن يصير إحالته للاستيداع "نظرًا لحداثة سن وقلة اختبار (خبرة) هذا الضابط!

انتقلت الأحكام بعد ذلك إلى رجال الأورطة 11 السودانية فتم طرد اليوزباشى حسن أفندى لبيب لأنه "المذنب الرئيسى"، وتم عزل الأنباشى "بلال النور لدرجة نفر ونقله إلى بلوك التأديب لمدة كما تقتضيها إرادة الحضرة الفخيمة الخديوية وبعد ذلك يرفت بالعار"!

رجال الأورطة 8 بيادة طرد منهم الملازم أول صالح أفندى زكى وتقرر "تكدير الملازم الثانى مصطفى أفندى محمد الشامى تكديرًا صارمًا وأن يوضع اسمه في آخر كشف أقدمية الملازمين الثوانى في الجيش"!

بعد يومين صدرت القائمة الثانية من العقوبات وقد تضمنت مجموعة أخرى من الضباط وتحت نفس التهمة.. عدم الانقياد للأوامر العسكرية..

إحالة اليوزباشى محمود أفندى حلمى على المعاش، طرد الملازم أول محمد أفندى توفيق والملازمين ثوانى عبد الحميد أفندى شكرى وإدريس أفندى عبد الله، وتكدير الملازم ثانى عثمان أفندى عارف "تكديرًا صارمًا"!

شاغلان أخذا بتلابيب المسئولين الإنجليز بعد ذلك، السردار سير ريجنلد وينجت، وإدارة مخابرات الجيش المصرى التي كان يديرها الإنجليز ولم تكن تضم مصريًا واحدًا..

الشاغل الأول نتج عما لاحظه هؤلاء من فشل سياسة التأمين التي اتبعت من قبل والقائمة على أساس الفصل بين الضباط المصريين وجنودهم السود مما لا يوفر لغة مشتركة بين الطرفين، فقد أثبتت المسألة أن الجنود قد استجابوا لأوامر ضباطهم وصنع الجميع حالة "عدم الانقياد" للقيادة الإنجليزية، وكان مطلوبًا التخطيط لسياسات جديدة تفرق بين الطرفين.. الضباط المصريين والجنود السود..

الشاغل الثانى بدا في رغبة سلطات الاحتلال في صناعة الأمثولة من الضباط الذين لم ينقادوا، ولم يكن الحكم كافيًا لذلك، ومن ثم جاءت مقابلة الخديوى لهؤلاء ونشر أخبار هذه المقابلة في كل الصحف المصرية ولنقرأ المسألة من أولها!


صورة من المقال: