ads

Bookmark and Share

الأحد، 28 مارس 2021

133 عالم الموالد

عالم الموالد

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 13 يونيو 1996م - 26 محرم 1417هـ


العبارة القصيرة التي جاءت في حوليات الجبرتى عن يوم 8 محرم عام 1221هـ (28 مارس 1806) لخصت بشكل بليغ هذا العالم المثير والملئ بالحيوية حيث يختلط البشر على نحو غير معهود وتمتزج الحقيقة بالأسطورة بدرجة غير مألوفة.. عالم المولد قال شيخنا الجليل:

"وفي هذه الأيام كان مولد سيدي أحمد البدوي والجمع بطندتا، هرع أغلب أهل البلد بالذهاب إليه، وأكثروا الجمال والحمير بأغلى أجرة لأن ذلك صار عند أهل الإقليم موسمًا وعيدًا لا يتخلفون عنه، إما للزيادة أو للتجارة أو للنزاهة أو للفسوق"!

وإذا كان الرجل الذى وضع مؤلفه في أوائل القرن التاسع عشر قد تعرض في عدد محدود من المواقع إلى بعض الموالد التي كانت تروج في أماكن بعينها.. خاصة الحسين في القاهرة والسيد البدوى في طنطا، وغلب على هذا التعرض روح النقد اللاذع، فإن الأهرام قرب أواخر القرن، وباعتبارها حولية العصر، قدمت صورة تفصيلية عن دنيا الموالد في أرض الكنانة، وإن بقيت تتحرك حول نفس المحاور.. الدين والاقتصاد والترويح والخلاعة!

وليس من شك أن فرص الأهرام لتقديم رؤية بانورامية عن هذا العالم كانت أفضل كثيرًا من فرص الجبرتى مما أتاحه التطورات الجذرية التي دخلت على طبيعة الاتصالات.. فالجبرتى ومعاصروه إما أن يعاينوا الحدث أو أن يتسقطوا الأخبار من وافد من هنا وزائر من هناك، أما صحيفة أواخر القرن فقد توافر لديها شبكة من المكاتبين منبثة في شتى أرجاء البلاد، فضلا عن خدمات بريدية وبرقية متاحة استمرت تتسع شبكتها مع مرور الوقت.

ولو يؤثر تطور المواصلات فحسب على قدرة الأهرام على تغطية أخبار الموالد وإنما أثر على تلك الأخيرة، كمًا وعددًا..

يكشف عن التأثير في الجانب الأول جملة من إعلانات وأخبار الأهرام، وكانت كلها متصلة بالسكك الحديدية..

فهذا إعلان من المصلحة عن نيتها على تسيير "قطر علاوة بين طنطا ومصر لنقل ركاب الدرجة الثالثة بمنسبة مولد السيد الأحمدى ثم تبطله عند نهاية المولد"، وهذا خبران متتاليان يفصل بينهما ثلاثة أيام، وكان مصدرها مكاتب الجريدة في طنطا..

الأول مؤرخ في 11 مارس عام 1891 وجاء فيه "بلغت زيادة عدد الأنفار القادمين بالسكة الحديد نحو أربعة آلاف عن مثل هذا اليوم بالعام الماضى، أما الثانى فقد جاء فيه "لا يسعنا إلا سرور العموم من حسن سير مصلحة السكة الحديد فإنها قامت براحة الركاب خير القيام وتقدر زيادة الأنفار الواردة بالسكة الحديد إلى طنطا بعشرة آلاف نفر عن العام الماضى"!

التأثير في الجانب الثانى تقرره الصحيفة من هذا العدد الكبير من الموالد الذى حفلت به مصر في شتى أرجائها، والذى استمرت الأهرام تسوق أخبارها مما ترصده خلال عقد التسعينات..

كان هناك أولا المولدان الشهيران، مولد أحمد البدوى في طنطا ومولد الحسين في القاهرة وكانت الصحيفة تتابع أخبارهما كل عام بشكل تفصيلى خاصة ما تحفلان به من غرائب.

بعد ذلك رصدت الصحيفة عددًا من الموالد الأصغر نسبيًا في المحروسة، الرفاعى، السلطان أبو العلا، السيدة نفيسة، السيدة زينب، وبالمقابل تابعت المولد الكبير الوحيد الذى كان ينعقد في الثغر، حيث الأهرام، مولد سيدى جابر.

في الأقاليم قدمت الأهرام أخبار أربعة عشر مولدًا على الأقل أبو الريش من دمنهور، البسطويسى في المحلة وطنباره، أبو المعاطى في دمياط، والمليجى في مليح البرهامى في دسوق، العفيفى في بنها، سيدى غازى في بلقاس وكانت ينعقد مولد آخر لنفس الولى في كفر الدوار والرفاعى في بورسعيد.

في الوجه القبلى لم تكن الموالد التي جاءت أخبارها بنفس الكثافة، أشهرها مولد القناوى في قنا، أبو القاسم الطهطاوى في طهطا، الروبى في الفيوم، وأخيرًا مولد السيدة حورية في بنى سويف.

والملاحظ أن الامر لم يقتصر في تلك الفترة على الموالد التي ورثها المصريون عن أسلافهم بل امتد إلى ابتداع موالد جديدة فيما حدث عام 1891 في أبى حمص حين انعقد لأول مرة مولد "سيدى يوسف الكائن ضريحه بكوم دسونس ومع كون تلك هي المرة الأولى لافتتاح هذا المولد فقد احتشد فيه زهاء العشرة آلاف نسمة".

***

تحتاج ظاهرة الموالد التي ورثها مصريو القرن التاسع عشر عن أسلافهم، أو ابتكروها، والتي ازداد انتشارها خلال هذا القرن.. تحتاج إلى تفسير..

في تقديرنا أن الجانب الأهم من هذه الظاهرة كان وراؤه مزيج من تعظيم آل البيت ونشاط الطرق الصوفية، فيما يتجسد في أحد المولدين الكبيرين.. مولد الحسين في القاهرة، الأمر الذى أكده لنا الجبرتى في روايته عن ظروف نشأته.. قال: "السبب في ذلك والأصل فيه أن هذا المولد ابتدعه السيد البدوي بن فتيح مباشر (ناظر) وقف المشهد. فكان قد اعتراه مرض الحب الإفرنجي فنذر على نفسه هذا المولد إن شفاه الله تعالى، فحصلت له بعض إفاقة فابتدأ به وأوقد في المسجد والقبة قناديل وبعض شموع ورتب فقهاء يقرأون القرآن بالنهار مدارسة، وآخرين بالمسجد يقرأون بالليل دلائل الخيرات للجزولي ثم زاد الحال، وانضم إليهم كثير من أهل البدع كجماعة العفيفي، والسمان والعربي والعيسوية فمنهم من يتحلق ويذكر الجلالة ويحرفها، وينشد له المنشدون القصائد والموالات ومنهم من يقول أبياتًا من بردة المديح للبوصيري ويجاوبهم آخرون مقابلون لهم بصيغة صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم".

تُظهر هذه القصة سببًا آخر لقيام الموالد وازدهارها.. الاعتقاد في قدرة صاحب الموالد على صنع المعجزات، أو على الأقل تحقيق الأمنيات خاصة ما كان متصلا منها بالصحة والمرض، أو ما كان يُسميه العامة "السر الباتع" مثل علاج العقم، تجنب الضوائق المالية، استقدام ابن الحلال لفتاة طال انتظارها، ولعل ذلك ما أدى إلى ارتباط الموالد بصناديق النذور التي كانت تمتلئ خلال انعقادها، والتي كثيرًا ما كانت تسبب الخلافات بين مقتسميها، وهو ما نشرت الأهرام أخبارها في أكثر من مناسبة.

ملاحظة أخرى تشير إلى أن الموالد التي كانت ترتبط بطريقة صوفية بعينها كان يمكن أن تنعقد في أكثر من بلد بغض النظر عن وجود جامع أو زاوية مدفونًا بها أحد الأولياء، وكان الأمر في مثل هذه الحالة يتوقف على عدد أتباع الطريقة في البلد الذى يُقام فيه المولد، وتتعدد إشارات الأهرام التي تؤكد هذه الظاهرة.

الطريقة الرفاعية كانت تعقد مولدين أولهما في القاهرة في مسجد الإمام الشافعى والثانية في بورسعيد، حيث يتجسد في موكب "مؤلف من أرباب الطرق والأشاير يمر في شوارع المدينة حتى يصل إلى ساحة الموالد وهناك يُتلى القرآن الشريف والأذكار الكريمة ويستقبل حضرة الحسيب النسيب مصطفى الصيد نقيب السادة الأشراف الوفود بالبشاشة والإيناس، وبعد سماع الآيات الشريفة أديرت على الحاضرين كؤوس الحلوى والمرطبات"!

السادة المُغازيين بدورهم كانوا يعقدون مولد سيدى غازى في موقعين، أولهما في بلقاس التي زارها مكاتب الأهرام فرأى "من كثرة الزوار ما خيل لى أنى بالمولد الأحمدى حتى قدر بعضهم عدد الزائرين بمائتى ألف نسمة"، والثانى في كفر الدوار حيث كان الاحتفال "بالغًا حد الإتقان والرونق فلم تزل الزوار تفد إليه ولا سيما الوجوه من كل صوب" وتذكر الصحيفة أنه كان وراء المولدين نفس الشخصية.. السيد على المغازى شيخ سجادة السادة المُغازيين.

ملاحظة ثالثة أن الأقباط كانوا بدورهم يعقدون موالد لعدد من القديسين، خاصة قرب الأديرة التي تتسمى باسمهم..

كان مولد السيدة دميانة الذى يُعقد في برية بلقاس أشهر تلك الموالد وقد تعددت أخباره، بعده مولد مارمينا العجايبى "الذى كان يَعقد الاحتفال به أعيان طائفة الأقباط في أبيار وقد توافدت إليه الزوار من جميع الجهات وسيُقام مدة ثلاثة أيام يجرى فيها سباق الفرسان"، بعدهما مولد السيدة العذراء في دقادوس قرب ميت غمر.

ويرتبط بهذه الملاحظة ملاحظة أخرى وهى أن تلك الموالد، خاصة القبطية منها لم تكن وقفًا على الأقباط، بل كان يزورها عديد من المسلمين، ولحد سببين.. إما التجارة بحكم ما توفره من أسواق رائجة، وإما لاعتقاد في صحاب المولد بشفاء المرضى أو إخراج الجان التي تلبس أجساد البعض(!)، وكان للموالد التي تعقد باسم مارى جرجس شهرة خاصة في هذا الصدد.

وعلى نفس الصعيد الدينى وفرت الموالد مناسبة مهمة لأغنياء ذلك العصر لإقامة الاحتفالات والتبرع للفقراء.. تشير الأهرام إلى ذلك في أحد أخبارها الكثيرة عن الحسين عام 1894.. جاء فيه "احتفل حضرة الحسيب النسيب محمد عبد الخالق هاشم بك هذا اليوم بمولد سيدنا الحسين فزين منزله بأجمل الزينات وأعد المآدب الفاخرة وذبح الذبائح الكثيرة ووزعت الصدقات والحسنات على الفقراء والمحتاجين".

تبقى ملاحظة عن نوع الموالد لم يلتفت إليه الكثيرون وسجلته الأهرام.. موالد لم يكن وراءها باعث دينى أو طريقة صوفية، وإنما صنعتها أسباب قبلية، وكان من الطبيعى أن تكون مضارب العربان مركزًا لتلك الموالد.

مولد الشيخ أبو عجيلة في الدلنجات في مديرية البحيرة يُقدن نموذجًا لهذه الموالد "فيتوارد إليه الزوار وفوارس العربان بالأسلحة والملابس الفاخرة وحدث سباق عظيم أحرز قصب السبق فيه جواد شيخ العرب خليل شعيب الأشهب وكان حضرات أنجال المرحوم أبو عجيلة يستقبلون الوافدين بكل بشاشة وإيناس أعاد الله هذا المولد على ذويه أجمعين بالخير والبركة"!

غير أن تعدد دوافع إقامة هذه الموالد لم يمنع من تشابه قسماتها، وهى نفس القسمات التي كان قد رصدها شيخنا العتيد في أوائل القرن.

***

(الزيارة) كانت أولى تلك القسمات..

مع أن الأهرام لم تقدم إحصاءات محددة عن أعداد زوار أكبر الموالد، مولد السيد البدوى بطنطا، غير أن ما جاء في الخبر عاليه عن نجاح السكك الحديدية أن تنقل إل طنطا في مارس عام 1891 عشرة آلاف زائر زيادة عما تم نقله في نفس الفترة في العام السابق إنما يؤكد أن أعداد هؤلاء قد تجاوزت مئات الألوف، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أولئك الزوار الذين كانوا يفدون إلى المولد من المناطق المجاورة، والذين كانت لهم وسائلهم الخاصة، غير السكة الحديد، في الانتقال إلى طنطا.

يشى بحجم هذه الأعداد القرارات التنظيمية التي أصدرتها نظارة الداخلية بالاتفاق مع مدير الغربية عام 1893 للمولد الأحمدى، والتى ضمت 15 مادة تشير إلى جملة حقائق..

1) العدد الهائل من الخيام التي كان ينصبها زوار المولد في سائر أنحاء المدينة الامر الذى هدد الأمن والنظافة، مما دعا إلى تحديد موقعها "بالجهة القبلية بالبندر خلف شريط السكة الحديد الطوالى".

ويشير خبر للأهرام عام 1895 أن عدد تلك الخيام كان في ازدياد مستمر، فقد وصل إلى أربعة آلاف خيمة بعد أن كان ثلاثة في العام السابق.

2) مراعاة نظام محدد في طريقة صف الخيام بأن يكون عرض كل شارع يتخللها من الشرق إلى الغرب عشرة أمتار "والشوارع الأخرى التي تلزم من قبلى إلى بحرى تكون باعتبار 15 مترًا".

3) تطلبت الأعداد الكبيرة من الزوار وضع شروط صحية صارمة.. منها إلزام أصحاب الخيام بالكنس والرش أمام خيامهم وفى داخلها، منع الذبيح داخل الخيام "بل يكون الذبيح بالسلخانة الأميرية".

4) يتضح مدى التكدس الذى كانت تواجهه عاصمة وسط الدلتا مما جاء في إحدى مواد القرر بمنع "نوم الناس في الطرق والشوارع داخل البندر وفى المساجد"، وكان مفهومًا مع ذلك أن ينسى الناس هذه المناسبة الاسم الأصلى للمدينة التي كانت تتسبب لصاحب المولد.. مدينة السيد البدوى!

5) نص أحد القرارات على أن "تُقام جميع الملاعب بنقطة خصوصية بالجهة المخصصة المذكورة قبلا"، ويشير ذلك إلى حقيقة مؤداها أن الأمر كان يحتاج إلى أكثر من ملعب تضم الألعاب من ذلك النوع الذى قدمه بشكل مُعبر الفنان الراحل صلاح جاهين في رائعته الباقية "الليلة الكبيرة"!

6) استمرت "مقالى الحُمص" تُشكل منطقة مهمة داخل المولد الأمر الذى حدده أحد تلك القرارات "بأن تبقى في محلها المعتاد وأن يمتنع عمله خارج هذا المحل"، وقد اقترن هذا النوع من الغذاء بالمولد حتى أصبح الشذوذ أن يخرج أحد الزوار "من المولد بلا حُمص".

لعل هذا البند الأخير يقودنا إلى الركن الثانى من أركان قيام المولد.. (التجارة)) بعد الزيارة..

ومع نقص الإحصائيات أيضًا في هذا الركن فإنه يسعفنا تلك الشكاوى التي كان يتقدم بها التجار فيما لو حدث وارتأت الحكومة لسبب ما منع انعقاد المولد في إحدى السنوات..

كان يحدث ذلك في العادة في سنوات انتشار وباء بعينه.. خاصة الكوليرا، أو ما كانت تسمى بلغة العصر بـ "الهيضة".

لا نجد ما يُعبر عن هذ أفضل من التقرير الذى بعث به مكاتب الأهرام في طنطا والذى نشرته الأهرام في 14 أغسطس عام 1891.. قال "أن أبطال المولد الأحمدى الكبير في السنتين الأخيرتين قد أثر تأثيرًا عظيمًا على أرباب التجارة في طنطا ولا سيما الذين يبيعون الأنسجة المغربية وما شاكلها من البضائع الشامية والأفرنجية لأنهم أصبحوا بحالة سيئة".

يتحول بعد ذلك إلى وصف هذه الحالة بقوله "لا يخفى على الناقد البصير أن أرباب التجارة وأصحاب الحوانيت في طنطا ينقدون الأجرة المقررة لمحلاتهم طوال أيام السنة من مالهم الخاص على أمل أنهم يعوضوا أضعافها وقت انعقاد المولد الأحمدى الكبير حيث تروج أشغالهم ويكثر تردد المشترين من بضائعهم أما الآن فقد انعكس الموضوع وأصبح أكثر الذين يشتغلون بهذه الحرفة غير قادرين على دفع الأجرة المقررة على محلاتهم نظرًا لكساد الأشغال".

ولم تكن رواج المولد أو كساده تنصرف فحسب على المنتفعين من التجار بل أنها في حالات الرواج، كثيرًا ما كانت تتحول إلى صراع بين المنتفعين بالتنور فيما تشير إليه جملة من أخبار الأهرام خلال شهرى أكتوبر ونوفمبر عام 1893..

خلال الشهر الأول يسوق مكاتب الصحيفة في طنطا خبرًا مؤداه أن "حضرات أساتذة وعلماء وخدمة الجامع الأحمدى ينتظرون توزيع النقود التي ألقيت من أهل الفضل والكرم في صندوق النذورات وقد كثرت الاختلافات في كيفية التوزيع فالبعض يودون توزيع النقود على حسب درجة كل شخص والبعض يطلبون التوزيع على مقتضى اللائحة المقررة".

وتكشف الصحيفة في هذه المناسبة عن أن إدارة الأوقاف كانت الجهة المنوط بها توزيع هذه النذور مما بدا في مناشدتها لفيضى باشا مديرها حسمه بما يضمن حق الجميع!

بعد شهر بالتمام والكمال اشتدت خلاله "وطأة المنازعات والاختلافات بين العلماء وخدمة الجامع الأحمدى" على حد تعبير المكاتب الطنطاوى أرسلت الأوقاف إسماعيل بك البرعى، الذى نجح أخيرًا في إنهاء الصراع، والذى استمر يتكرر مع كل مواد رائج!

ومثل الجبرتى لا تنسى الأهرام أخيرًا أن تصب جأم غضبها على بعض أعمال ((الفجور)) التي كانت تشهدها تلك الموالد، ولم يقتصر ضبط هذه الأعمال على مكاتب الصحيفة في طنطا بل تعداه إلى مكاتبيها في موالد أخرى..

في المولد الأول تنتقد الأهرام "تهتك المومسات ورقصهن في القهاوى بلا استيحاء وهو ما لا يُعد شيئًا في جنب ما يفعله أولاد أبى الغيط فقد رأينها الرجل منهم يتزيا بزى المرأة ويلبس القرط والسوار والحزام.. ثم يختلط الرجال بالنساء في حلقة ذكر يذكرون فيها بالرقص والصاجات يخلعون العذار ويقطعون عرق الحياء ويفعلون ما لا ينطبق على شرع وما يمجه الذوق وتتبرأ منه الإنسانية".

المكاتب الدمنهورى يُقدم صورة قريبة لما يحدث في مولد "سيدى عطية أبو الريش حين رأينا أماكن الرقص ولخلاعة وقهاوى الحشيش وكل ما يخدش الحياء مجاورًا لمسجد صاحب المولد والمومسات قد اتخذن عششًا على الطرق والشوارع لا تحجب قبائحهن عن أعين المارة والزوار وقد وافقت الحكومة على إقامتهن على تلك الحال لأنها حصلت منهم على أجر تلك العشش"!

حتى في قنا حيث مولد "سيدى عبد الرحيم القناوى" لم يسلم الأمر، فقد ترددت شكاوى مكاتب الأهرام الصعيدى مما يحدث فيه "من الأمور التي تشين الآداب في قهاوى الحشيش وأماكن الراقصات".

ويبدو أن مناسبات تجمع أعداد كبيرة من البشر، يتعبد بعضهم ويبحث آخرون عن البهجة والمتعة، كانت توفر الجو الملائم لمثل هذه الأعمال، كما كانت توفر في نفس الوقت فرصًا لبعض القطاعات المهمشة من المجتمع المصرى أن تجد لها سبيلا غير الحلال!

من هؤلاء الغوازى اللائى كن تنشطن في تلك المناسبات، ومنهم اللصوص والنشالون الذين يندسون في الجموع خلالها ليُمارسوا أنشتطهم التي كثيرًا ما كانت تحول فرحة المولد إلى "خراب بيوت" وهو الأمر الذى استمر يحدث ربما حتى يومنا هذا!


صورة من المقال: