ads

Bookmark and Share

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

125 رسائل القراء

 رسائل القراء

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 11 أبريل 1996م - 23 ذى القعدة 1416هـ


التواصل بين الأهرام وقرائه من خلال الرسائل التي يبعث بها هؤلاء بدأ منذ السنوات الأولى من صدور الصحيفة واستمر في التراكم حتى أنه لم ينته القرن التاسع عشر إلا وأصبح لتلك الرسائل مكانًا شبه ثابت احتل جانبًا من الصفحة الثانية من صفحات الجريدة الأربعة، وإن لم يكن مكانًا ثابتًا في هذه الصفحة الهامة.

صدرت أهمية هذه الصفحة من أنه كانت تشغلها الأبواب التي لقيت، فيما نعتقد، الحظوة الأكبر من قراء ذلك الزمان البعيد، أهمها باب "الرسائل الداخلية" الذى كان يشكل مع رصيفه المنشور في نفس الصفحة تحت عنوان "العاصمة" مرآة لك ما يعنى مصريى ذلك العصر، وعندما كانت تضيق الصفحة بالبابين فقد كانت الرسائل الداخلية تحتل جانبًا منها بينما ترحل بدايتها إلى الصفحة الأولى الأقل أهمية!

والمعلوم أن محررى هذا الباب كانوا من مكاتبى ووكلاء الأهرام في عواصم المديريات، ولما كان كثير من رسائل القراء يصل من الأقاليم فقد عرفت طريقها إلى "الرسائل الداخلية" وإن كان هناك فرق، فيما بدا في أمرين..

الأمر الأول ما كان يتم الإشارة إليه في تقديم الرسائل التي كان يبعث بها الأهراميون من أنها "لمكاتبنا" أو "لوكيلنا العام" تبعًا لطبيعة المرسل، وبالطبع كان يسبق التعريف بالمرسل اسم المدينة التي يمثل الصحيفة فيها، وقد اختلف الأمر بالنسبة للقراء:

"لأحد القراء" كان العنوان المحبب الذى تنشر تحته الأهرام أغلب ما يصلها من رسائل، غير أنها كثيرًا ما كانت تحدد هوية هذا القارئ، كأن تقول "أحمد عمد الدقهلية"، أو "أحد أعيان البحيرة" أو "أحد المشتركين بالغربية"، أو "أحد وجهاء المنوفية"، وكانت تكتفى في هذه الحالة بذلك التعريف، غير أنها كانت تتجاوز ذلك أحيانًا عندما تفصح عن اسم المرسل، وكانت تعنون رسالته في هذه الحالة بالقول "لحضرة الأديب صاحب التوقيع"، وكان الإفصاح عن الاسم أو كتمانه يتوقف على طبيعة الرسالة، فإذا ما كان القائمون على التحرير يرون أن الكشف عن اسم المرسل قد يسبب له "ما لا تحمد عقباه"، فقد كانوا يؤثرون الكتمان، والعكس صحيح.

وقد شجع ذلك بعض القراء على أن يبعثوا للأهرام ببعض رسائلهن دون توقيع، وهى الرسائل التي رفضت الصحيفة نشرها بحسم فيما أعربت عنه في عددها الصادر يوم 22 يونيو عام 1894 والذى جاء في صفحته الثالثة في إعلان من الإدارة "لا نقبل رسالة إلا إذا كان اسم صاحبها ظاهرًا فيها"، وكان لهذا الرفض قصة صنعها "قارئ مهزار" على حد توصيف الجريدة.

كان قد وصل للصحيفة قبل أسابيع قليلة كتاب عن "الفوضوية"، وهو اتجاه سياسى كان قد أخذ في الانتشار أواخر القرن، وبحسن نية نشرت الأهرام الرسالة لتجدها بعد ذلك منشورة في عديد من الصحف، وهو الأمر الذى لم يمر بسهولة، فقد اتهمت الأهرام بأنها تروج لهذا المذهب من خلال نشرها للرسالة المذكورة، ولما كانت صحيفة "البروجريه" الفرنسية أكثر الصحف انتقادًا للأهرام لنشرها للرسالة، فقد اتهمها محررو جريدتنا بأنها كانت وراء إرسالها فيما جاء ف قولهم "لم نكن لنصدق بوجود مهزار يتطاول إلى هذا الحد غير جريدة البروجرية لما أننا قد تعودنا أن نقرأ من كتاباتها ما لا يقل هزلا وسخرية عن هذا الكتاب"!

ويظهر أن نشر هذه الرسالة قد سبب حرجًا للأهرام حتى أمام قرائها فيما بدا في الكتاب الذى بعث به أحدهم يعتب على الصحيفة.. جاء من القاهرة بالفرنسية وعربته الأهرام وقد عجب مراسلها من "مدافعة جريدتكم عن الفوضوية فلا حاجة للإلحاح في ذلك لأننا نقرأ جريدتكم كل يوم"!

واستمرت الأهرام تنفذ هذا المبدأ بصرامة فيما أكدته في ردها على رسالة جاءتها من لبنان وردت عليها في عددها الصادر يوم 27 أكتوبر 1897.. قالت بالحرف الواحد: "وردتنا من بيروت رسالة عنوانها (الغنى والفقر) وهى دون توقيع فلم ننشرها لهذا السبب ونحن ههنا ما قلناه مرارًا من أننا لا ننشر رسالة غير موقع عليها وإذا كان الكاتب لا يريد أن يشهر اسمه فلا أقل من أن يخبر الإدارة به وهى تكتمه لديها"!

والملاحظ أن هذا الموقف العدائى من الأهرام قد انسحب على كل ما هو غفل من الإمضاء باعتباره موقفًا غير أخلاقى فيما سجلته الصحيفة في أحد أعدادها بقولها: "ما زال الجهلاء يقدمون على ارتكاب ما يشغل أفكار الحكام والعامة بتقديمهم للعرض حالات أو البلاغات المجهولة ابتغاء لمرضاة خواطرهم وشفاء لما استكن بأفئدتهم من الحزازات يجعلون الكذب صدقًا وبالعكس يا ليتهم يوقعون على تلك الأوراق حتى إذ ظهرت صحة أقوالهم تكافئهم الحكومة السنية أو ظهر كذبهم تعاقبهم بالصرامة تأديبًا لهم وإنذارًا لذويهم حتى يمتنع عن الوجود مثل تلك الأقاويل المبنية على أسس الفساد والتمويه المغائرة للأوامر العالية وللآداب أيضًا"!

بيد أن كل تلك التحوطات لم تمنع الأهرام من الوقوع في محظور "الرسائل المغرضة" بين الحين والآخر فيما اعتذرت عنه في عددها الصادر آخر يوم عام 1897.. قالت: "نشرنا رسالة وردتنا من المحلة الكبرى عن مجلسها البلدى وقد ثبت لنا بعد ذلك أن كاتب هذه الرسالة متحامل على حضرات أعضاء المجلس تحاملا في غير محله لسبب لا نعمله فإن الجميع يثنون على حضراتكم ثناء جميلا ونحن قد بادرنا بيانًا للحقيقة إلى نشر هذه الأسطر مؤملين ممن يريدون مراسلة الجريدة من غير وكلائها ومكاتبيها ألا يعبثوا بثقتها ويحملوها على القول بما ينافى الحقيقة والواقع لغرض لهم أو غاية شخصية"!

وبينما كانت الأهرام تأخذ على بعض أصحاب الرسائل إليها مثل تلك المآخذ فإنها في نفس الوقت سعت إلى أن توفر لقرائها دفاعًا معقولا إذا ما تعرض أحدهم لاعتداء من بعض الصحف فيما شكل موضوع رسالة لأحد هؤلاء... أحمد خلف التاجر بالإسكندرية.

اتهم الرجل المقطم بأنها نسبت إليه ما لم يصدر عنه ويطلب من أصحاب الصحيفة أن يتعهدوا "على صفحات جريدتهم بأننى بعد ما أثبت بالدليل القاطع اختلافهم يعترفون بأنهم نسبوا لى ما لم يصدر عنى لأثبت للجمهور صدق قولى الذى نشرته في صفحات الأهرام وهذا يكون بعد تعهدهم الذى أشرت إليه"، وتشير هذه الرسالة إلى أن فكرة حق الرد للمتضرر الذى كلفته القوانين بعدئذ أخذت تباشيرها في الظهور منذ ذلك الوقت المبكر.. ومن خلال هذا الباب... باب رسائل القراء!

ملاحظة أخرى وهى أن المسئولين عن تحرير الأهرام كثيرًا ما كانوا يتدخلون في صياغة الرسائل التي تصلهم، ربما لأسباب تتصل بقدرة المراسل أو لأسباب تتصل بالمساحة المتاحة للجريدة، أو لأسباب تتعلق بالمساءلة القانونية التي قد يتعرض لها مدير التحرير إذا ما نشر الرسالة على النحو الذى وصلت به.

وقد استدللنا على تدخل محررى الأهرام في الصياغة من أمرين، فالرسائل التي كان يتم نشرها بنصها، كانت تقدم على هذا النحو وردت لنا الرسالة الآتية من.... فأدرجناها بحرفها"، وهو ما لم تكن تتمتع به الرسائل التي تعاد صياغتها.

الأمر الثانى يبدو في الاختلاف الظاهر في فحوى رسائل المكاتبين والوكلاء العموميين وبين رسائل القراء، فبينما كانت الأولى تعنى بأخبار الأقاليم وتسوق كثيرًا من تفاصيلها، فقد كانت "رسائل القراء" تعالج قضايا مختلفة أو تبرز مشكلة شخصية أو تخوض معركة إلى جانب الصحيفة أو ضدها!

تبقى ملاحظة أخيرة عن طبيعة القراء الذين كانوا يحررون رسائل الأهرام ويمكن أن نرصد بسهولة أنهم انتموا لقوى اجتماعية جديدة كانت جذورها قد أخذت تترسخ في التربة المصرية، ملاك الأراضى الزراعية أو من رأوا أنفسهم "أصحاب المصالح الحقيقية"، وأن عليهم الدفاع عن تلك المصالح، وجاءت الكتابة إلى الصحف التي يقرؤنها كأداة لتحقيق ذلك، ويرقى هذا الاستنتاج من مرحلة الاستقراء إلى درجة الحقيقة العلمية فيما نلاحظه من توصيفات الأهرام للمراسلين، أحد عُمد.. أحد أعيان.. أحد وجهاء..!

جسد "الأفندية" القوة الاجتماعية الثانية، وهى الشريحة التي كانت قد اتسعت قاعدتها وقتئذ، من موظفي الحكومة، وأصحب المهن الحرة، وضباط الجيش، وكان هؤلاء تواقين للمشاركة في الحياة العامة، ورأوا أن الصحافة تشكل أداة أساسية في اتجاه هذه المشاركة، ومرة أخرى يتحول الاستقراء إلى حقيقة علمية برصد توصيفات الأهرام.. أحد طلبة العلم، أحد الأدباء المصريين.. وما إلى ذلك.

ونتوقف عند هذه الملاحظة الأخيرة لنطالع رسائل قراء الأهرام قبل قرن من الزمان!

***

تؤكد قراءة الباب اليومى الذى يتعامل مع رسائل القراء في صحيفتنا حتى يومنا هذا.. باب "بريد الأهرام"، أنه بينما يشغل الجانب الأصغر منه المسائل الشخصية فإن جانبه الأكبر تحتله القضايا العامة، وكان هذا هو الحال منذ أن عرفت رسائل القراء طريقها إلى النشر بالجريدة العريقة، وبينما تشابهت المسائل الشخصية إلى حد كبير فإن القضايا العامة اختلفت اختلافًا ظاهرًا.

"الشكر واجب" على العثور على بعض المفقودات كان يشكل عنوان عدد من الرسائل الأهرامية تقدم نموذجًا له فيما نشرته الصحيفة يوم 28 يونية عام 1898 وجاء فيه "بعث إلينا حضرة محمود أفندى عبد الغنى فريد التاجر في برهيم من أعمال المنوفية برسالة وجيزة عنوانها (الشكر واجب) يقول فيها أنه سافر من العاصمة على إكسبريس بعد ظهر يوم 24 الجارى ناسيًا حقيبته وملف أوراق مع شيال لم يعرف اسمه ولا نمرته فعندما وصل إلى طنطا أرسل تلغرافًا إلى ناظر محطة القاهرة يخبره بالأمر وفى صباح اليوم التالى أجاب حضرة الناظر أنه عثر على الحقيبة والملف وأرسل بهما إليه"!

"التقريظ" لأسباب شخصية شكل جانبًا آخر من جوانب رسائل القراء، فها هو قارئ يدعى "على الليثى" يبعث برسالة تنشر بحروفها تمتلئ على الثناء على حكيم العيون في الحسين على التبريزى، وكان المرسل هذه المرة بليغًا حتى أن الأهرام حرصت على أن تنشر النص فيما جاء فيه "ولولا أنه إسلامى لقلت أنه عيسوى يبرئ الأبرص فكم أفاد الترياق وأغنى بسرعة العمل عن العراق وأزال الماء وجلب الضياء أو أخرج شحمة الشرناق وسلق بألسنة أسلحته السلاق"!

وفى هذا الميدان.. ميدان التقريظ كانت الصحيفة حريصة على إدراج ما يصلها من رسائل من الخارج، خاصة عندما تحتوى على ثناء للأهرام نفسه، فيما أرسله قارئ من أطلنطا في الولايات المتحدة الأمريكية يدعى يوسف عربيلى يشكر فيها صدق الجريدة وحسن نظامها "لأنها تصلنا على الدوام بأوقاتها من غير خلل رغمًا عن بعد المسافة"، ولم يفوت المحرر الفرصة فقد علق على الرسالة شاكرًا لصاحبها ملاحظته "ونستعظم سرعة مسير الوابورات ولا سيما التي تسافر إلى أمريكا فكل ذلك من ثمار الاجتهاد والعلم"!

على الجانب الآخر استمرت الشكاوى تحتل مكانة هامة في "رسائل القراء"، وكانت بدورها ذات طبيعة شخصية..

أحد هؤلاء أرسل من الزقازيق يشكو الصيدلى أحمد أفندى عونى لسوء معاملته لزبائنه ويسوق قصة أحد الأعيان الذى استدعى طبيبًا لمعالجته بالصيدلية "فحضر وطلب من الصيدلى مرهمًا فأباه عليه بكلام لا يليق ذكره ثم تطاول فشتمه وتهدده بالضرب فساء ذلك الحضور" وينهى الشاكى رسالته بقوله: "كنت لا أود ذكر هذه المسألة لولا إلحاح السواد الأعظم من مدينة الزقازيق على بكتابتها فإن أفعال الصيدلى المذكور قد كدرت العموم لصدورها منه، فالأمل نشر ذلك بجريدتكم الغراء إقرارًا بفضل حضرة الطبيب وردعًا لمثل ما حدث من التطاول على ذوى الفضل"!

قارئ آخر هو أمين رفعت من الإسكندرية بعث يشكو من مراسل جريدة الكمال فيها لأعماله الابتزازية ويروى قصة مثيرة في هذا الشأن نسوق هنا طرفًا منها.. قال أن المراسل واسمه عبد الله العوا "قد وافانى يومًا وهددنى بأنى لم أعطه عشرة فرنكات كتب مقالة في حقى فقلت له لا أدفع لك شيئًا فذهب وكتب مقالة تحت عنوان (الوارث للوارثين) قال في آخرها وكل آت قريب ظنًا منه أنى أبحث عنه وأترجاه وأسكته بالمال، فأرسلت بكتاب إلى صاحب الكمال مع 30 قرشًا صاغًا متضمنًا ردًا على وكيله فأخذ المبلغ وضرب صفحًا عن الرسالة.. وأنى نشرت هذه الرسالة لأفهم حضرة مدير الجريدة والمكاتب أن هذه الخزعبلات لا تهمنى وأنا رجل ليس لى ميراث ولا أنا وكيل عن ورثة أكلت حقوقهم فليقولا وليتقولا عن ما شاء، أنى لست بخائفًا منهما مثقال ذرة"!

شكوى أخرى وكلن هذه المرة من صحفى وليس ضده.. صاحب جريدة الزمان الذى كن قد صدر ضده الحكم بالحبس لمدة شهر في سجن مصر بعض يشكو من أن "مأمور السجن صارم جدًا فهو يمنع عنا كل ما نطلبه فأرجوا إصدار الأوامر بإعطائى طاولة وكرسيًا وبعض حاجات تلزمنى لراحتى كما هو الجارى في البلاد المتمدنة مع التسهيل لى بمشاهدة من يزورنى"!

وبين التقريظ والشكر والشكاوى استمرت رحلة الأهرام الطويلة مع قرائه وإن كان هؤلاء قد أسهموا برسائلهم في جانب آخر منها..

جانب الاشتراك في القضايا العامة.

***

كثير من القضايا العامة التي طرحتها الأهرام وتتبعناها في "ديوان الحياة المعاصرة" كان حضور رسائل القراء فيها بارزًا.. "مواجع أصحاب الزعابيط" موضوع اعتمد بشكل يكاد يكون تامًا على تلك الرسائل، "اعتصاب الفحامين"، شغل الجانب الأكبر منه رسائل قارئ بورسعيدى، وسواها من الموضوعات التي أسهم فيها القراء بدرجات متفاوتة.

يدعونا ذلك إلى انتقاء قضايا مختلفة أسهم فيها القراء بضلع كبير وأحيانًا يكونون صناعها ولا فضل للصحيفة فيها سوى النشر..

قضية الأزمة التي تمسك بخناق الريف المصرى مع ما يصيب محصول القطن من عام إلى آخر من "غوائل الدودة" فقد كان بعض من القراء ينبرون في مثل تلك الأعوام مطالبين بالتخفيف..

علل أحدهم في رسالة له أسباب ضياع ثمرة أتعاب الفلاح بحصول "الندوة المعلوم أمرها وحصول بعض العطش الذى أصاب المزروعات وتنازل أسعار القطن نحو 40% ويرتب على هذا بعض المطالبات بالتخفيف عن الفلاحين سواء من جانب الحكومة أو من جانب الدائنين من التجار.

قضية أخرى صنعتها رسائل القراء.. قضية الحملة على مدير الدقهلية والذى اتهمه أبناء المديرية في كتب بعثوا بها للجريدة بالفساد بشكل مباشر.. نختار بعضها هنا..

رسالة من "أحد أعيان الدقهلية" حافلة بالسخرية من "سعادة مديرنا العلامة الفاضل فنحن ندرس عليه علم السياسة بفنونه وعلم الاقتصاد بقانونه وعلم الاستثمار بأساليبه وشئونه وقد مثل لنا في المديرية دولة المماليك بسطوتها ودولة الفراعنة بسؤددها"!

بهذه المقدمة الموحية يسوق القارئ مجموعة من الاتهامات صاغها في تساؤلات جاء فيها "ما هي فائدة الكلاوى التي يجمعها المشايخ من من الجزارين وما هو السبب في نقل القبانية من الحلقة القديمة إلى الحلقة الجديدة بميت حضر والسبب في نقل باعة الغلال من الساحل القديم إلى المحل الجديد ولم تنور الجهات الخربة وتترك الجهات المعمورة من غير نور ولأى خزينة تحصل الرسوم التي تؤخذ من الصيارف على باب خزينة المديرية ولماذا يعزل بعض خدمة الدخوليات في كل شهر أو شهرين ولمن تحصل العوائد الشهرية من مراكز الدخوليات..".

ومع كل هذا الكم من الفساد الذى يرصده القارئ يشكو القارئ من الاتهامات التي توجه إلى من يرفع صوته، وما يلفق للشاكى، الأمر الذى ينتهى بإلقائه في "سجن المجرمين بشبهة السطو أو شبهة السرقة"!

قارئ آخر جاء توقيعه "أحد المشتركين بالدقهلية" كان أكثر ذكاء من سابقة، فبعد أن سجل جملة من الشكاوى والاتهامات التي وجهت إلى المدير خلص إلى القول "والعياذ بالله من تقولات الناس وكثرة خرافاتهم فإننا نعلم علم اليقين أن سعادته براء من هذه التهمة الفارغة ولم يفعل ما فعل إلا ابتغاء وجه الله الكريم فقط"!

القارئ الثالث كان الأكثر جرأة فقد رأى أن الحملة على ما ينسب إلى المدير "من الأعمال المغايرة للمبادئ الوطنية والمنافية لشرف الإخلاص في الخدمة الخديوية لقيت حسن الواقع عند عامة أهالى الدقهلية وخاصتهم وهم يسألون الله توفيق المساعى وتحقيق الأمانى"!

ومع أن الأهرام لم يكشف عما أسفرت عنه تلك الحملة غير أنه يمكن القول أن قراء الصحيفة، ولو عن غير اتفاق، قد شكلوا أول جمعية لمكافحة الفساد!

حملة أخرى صنعها قراء الأهرام من خلال رسائلهم، وكانوا هذه المرة من "الجنس اللطيف"..

الحملة شهدها خريف عام 1897 وأشعلها مقال صدر في الجريدة تحت عنوان "قعود البنات" ووقعه كاتبه باسم مستعار.. ثعلبة(!)، أعرب فيه الرجل عن أسفه "لقعود البنات في البيت وجلوس الشبان في القهاوى" وعزا انصراف الأخيرين عن الزواج إلى أن "العيشة البيتية الهنيئة أصبحت أندر من الكبريت الأبيض"، ورأى أن تصرفات المرأة هي التي قادت إلى هذه النتيجة. تبع ذلك أن انهمرت رسائل "الأوانس والسيدات" على ثعلبة تتهمه بالتجنى.. بعضها كان بتوقيع والبعض بالحروف الأولى من اسم مراسلتها.

"هند" بعثت تطلب مسح المقالة من سجل الأهرام "فإننا معشر البنات غضابى ساخطات عليها"(!). "سلمى ورفيقاتها" تكتبان معبرتان عن عدم رضائهما "فما ذنب البنات قاعدات كن أو واقفات حتى نشرت الأهرام مقالة ماسة لشعائرهن حاطة من كرمتهن "متزوجة" أرسلت تنقد تحريض ثعلبة للأوانس على الزواج كيفما كان الأمر وتنصح بعدم زواج البنات إلا بالأكفاء، فالقعود خير من قرين السوء".

جاء رد الكاتب الأهرامى معتذرًا في جانب منه أن "الأهرام كدرت صفو ساعة لحضرات السيدات" وأن مقالته بعد أن طبعت وقرئت فلم يبق في استطاعته أن يغير منها حرفًا واحدًا. ومعربًا في جانب آخر عن سروره مما أثبتته تلك الرسالة "من كثرة عدد القارئات فإننى لم أكن قبل اليوم أتصور أن بناتنا لا يبتن والجريدة مطوية والصحيفة لم تقرأ وما ذلك العهد بقديم في الشرق ونعم الجدي". مادحًا في جانبها الأخير ما أصاب "حالة الأفكار بين بنات حواء"، وفى تقديرنا أن تلك الحملة التي صنعتها رسائل القارئات تشكل صفحة مجهولة في تاريخ الحركة النسائية المصرية!


صورة من المقال: