ads

Bookmark and Share

الاثنين، 1 فبراير 2021

116 مدرسة القصر العينى الطبية

 مدرسة القصر العينى الطبية

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 1 فبراير 1996م - 12 رمضان 1416هـ


في أقصى المغرب العربى، وفى مدينة فاس العتيدة، وفى دار عبد السلام العلمى، علق الرجل الشهادة التي نالها عام 18745 من "المدرسة الطبية الخديوية المصرية في نفائس العلوم المستجدة الطبية المتداولة الآن.. وقد نال بذلك طريق الرشاد والسداد"!

وفى أقصى المشرق العربى، في جبل لبنان، تلقى بطريك الموارنة من رئيس الجالية المارونية الحلبية في مصر، في أريل عام 1875، رسالة كان مما جاء فيها: "من خصوص "مدرسة القصر العينى الطبية"، لا يوجد فيه محل فارغ ولا يمكن أن يفرغ محل قبل ست سنوات لأن سموه أمر بإدخال أربعة من طائفتنا هذه السنة فصار موجود الآن 25 تلميذًا على ذمة الميرى منهم 15 من طائفتنا مجانًا والباقى من سائر الطوائف، وفى السنة القادمة يفرغ محلين لابن المرحوم سمعان أبو حيدر، ولمحل الآخر لمن يخدمه السعد من الستة أنفار الذين يتعاملون على حسابهم"!

إذن فقد امتد تأثير "مدرسة القصر العينى الطبية" الشهيرة بطول وعرض الوطن العربى، الأمر الذى وفر لها مكانة خاصة، وهى مكانة صنعتها مجموعة من الأسباب..

* جسدت هذه المدرسة التي نشأت في الثلاثينات على أيدى الطبيب الفرنسي المشهور كلوت بك، النقلة العلاجية من طب العصور الوسطى إلى طب العصور الحديثة.. طب العطارة وتذكرة داود إلى طب التخصص وما استتبعه من وسائل العلاج والجراحة.

* مع أن المدرسة عند تأسيسها في عصر محمد على قد نشأت ذات طابع عسكرى شأن سائر المدرس العليا التي أقامها هذا الباشا، إلا أنها كانت أكثر تلك المدارس قدرة على التكيف مع المتغيرات التاريخية، خاصة تلك التي عرفها عصر حفيده إسماعيل بالتحول من المجتمع العسكرى إلى المجتمع المدنى، وهو ما لم تنجح فيه بنفس لقدر مدارس أخرى مثل مدرسة المهندسخانة.

قد يعزى ذلك إلى أنه بينما تعرف المدرسة الأخيرة فصلا واضحً بين فروعها العسكرية والمدنية، يعصب الفصل بنفس الدرجة بين فروع الطب، فالفصل هنا يتم وفقًا لطبيعة الأمراض لا نوعية المرضى، ومن ثم جاءت النقلة التاريخية لمدرسة القصر لعينى أكثر يسرًا.

* رغم تآكل الإدارة الأوروبية لمدرسة الطب، خاصة بعد وفاة كلوت بك، إلا أن ذلك لم يؤد إلى تقطيع الجسور بينها وبين مدارس الطب في أوربا، خاصة في فرنسا وسويسرا وألمانيا، الأمر الذى بدا في خروج أبنائها المستمر لتلك البلاد، أو في قدوم بعض أطبائها للتعليم في المدرسة العتيدة، مما كان محل عديد من أخبار الأهرم..

خبر في أكتوبر عام 1887 عن الدكتور البارع إسكندر أفندى رزق الله الذى "بعد أن درس الطب في مدرسة مصر ونبغ به ذلك إلى باريز لاتمام دروسه وقد أخذ شهدة كاملة في ذلك الشأن"، وآخر في مارس عام 1891 عن أسعد أفندى سامح الذى أتم دروسه في القصر العينى "وصرف 15 سنة في خدمات الحكومة الطبية ثم ذهب إلى باريز فدرس فيها طب العيون بأنواعه مدة أربع سنوات نال فيها أعظم الشهادات الناطقة بمهارته وحذقه حين عين في كلينيك الرمد في باريز".

من جانب آخر تتبعت الأهرام زيارات المسئولين في مدرسة "قصر العينى" لأوربا للاستفادة من تطور الطب في مراكزها، ولعل ذلك الخبر عن تكليف وزارة المعارف للدكتور كيتنج وكيل مدرسة الطب "بزيارة معامل البكتريولوجيا في إنكلترا وفرنسا وألمانيا لتنظيم معمل مدرسة الطب المصرية" يقدم نموذجًا على ذلك.

وقد بدت أهمية القصر العينى من تلك المكانة المتميزة التي استمرت تحتلها في المجتمع المصرى حتى بعد الاحتلال البريطاني للبلاد، وهو الحدث الذى كان يمكن أن يؤثر بالسلب عليها..

كان يمكن أن يؤثر بالسلب نتيجة للسياسة التعليمية التي اتبعها المستشار الإنجليزى "لنظارة المعارف العمومية، والتي قامت على عدم تشجيع التعليم العالى بكافة فروعه.

وكان يمكن أيضًا أن يؤثر بالسلب من جراء ما عرفته مصر في تلك الحقبة التاريخية من فتح الأبواب على مصراعيها أمام الوفود الأوروبية، فتدفقت عليها جموع الأوربيين من شتى بلاد القارة، خاصة من مناطقها البحر متوسطية، اليونان وإيطاليا، وكان عدد من هؤلاء ممن يمتهنون حرفة التطبيب، وفتحوا عيادات لهم في أرض الكنانة.

رغم ذلك استمر "لمدرسة القصر العينى الطبية" مكانتها وهو ما أكده الاهتمام البالغ الذى حظيت به من جرائد العصر، وفى طليعتها الأهرام، الأمر الذى تعددت مؤشراته..

الزيارات الخديوية للمدرسة، وفى مناسبات متنوعة، تقدم أهم المؤشرات على هذا الاهتمام..

في 18 مايو عام 1885 أسهبت الأهرام في وصف إحدى تلك الزيارات حيث اختير أحد تلاميذها، عبد الرازق أفندى كمال، فدى أمام الخديوى امتحانًا في الأمراض الباطنة والطب الشرعى، تبعه آخر، أحمد أفندى عبد العزيز، فامتحنت في الأقرباذين والكيمياء، أعقبتهما "الخاتون زينب رضوان ففحصت بجملة علوم وفنون وارتاح الجمهور الى تقدم الجنس اللطيق وترقيه في درجات المعارف"!

وبعد تفقد "قاعات المدرسة الفسيحة والآلات والأدوات العلمية وسائر المشاهد الطبية سُر حفظه الله مما شهد وتأكد نجاح المدرسة من يوم عهدت رئاستها إلى سعادة الفاضل عيسى باشا حمدى وأمره أن يبلغ خوجات المدرسة رضاه وارتياحه"!

وفى 25 مارس 1889 قدمت الصحيفة وصفًا تفصيليًا لزيارة أخرى للخديوى يصحبه ناظر المعارف، على مبارك، ورئيس المدرسة، ويكشف هذا الوصف أقسام "مدرسة القصر العينى الطبية" وقتئذ.. قاعة الدروس العربية، قاعة تدريس الرمد "حيث أخذ حضرة الأستاذ لدكتور محمد بك عوف يباحث التلامذة في الأعلوفوما (علم تصريف رطوبات العين)"، قاعة مجموع التاريخ الطبيعى، قسم الأجزخانة، غرفة التشريح المكروغرافى، وغرفة التشريح "وشاهد القطع التشريحية الموجودة فيها.. ثم زار بعد ذلك الاستبالية وعاد المرضى الموجودون فيها جميعًا فقابلوا هذه المنة بالدعاء"!

وإن كان ثمة ملاحظة على هذه الزيارات الخديوية فإنها بينما تعددت في عهد توفيق فقد ندرت في عهد عباس، ولعل السبب وراء ذلك ما جرى في أيام الأخير من مد الإنجليز سيطرتهم على المدرسة، مما كان يقينا محلا لعدم رضا الخديو الشاب، وإن كان لهذا قصة سيأتى ذكرها.

ملاحظة أخرى وهى أن الخديو بعث لطبيبه الخاص "سالم باشا سالم" إلى المدرسة عام 1888 للاحتفال بعيدها الخمسينى، حيث ألقى خطبة ضافية أشاد فيها بهمة "رؤسائها ومعلميها على ما جددوه من الكتب الطبية وتحسين حالة التعليم والتعلم بحسب الأزمنة المختلفة حتى بذلك تصير مدرستنا مساوية للمدارس الطبية العالية الأورباوية التي لم نزل محتاجين كل الاحتياج إلى الاستنارة منها".

وكان سالم باشا متنبهًا لأهمية متابعة تقدم سائر فروع الطب "إذ لا يخفى ما نتحصل عليه الآن من الاكتشافات العديدة بالنسبة لأسباب الأمراض والوقاية منها بالاستناد إلى علم البكتريولوجيا أي علم الجسيمات الآلية الدقيقة ومعرفة علم قانون الصحة والفسيولوجيا والكيمياء والتشريح.. ولا ننسى ما حصل من التقدم في منهج التشخيص ومعرفة الأمراض"، ولم ينس مندوب الخديو في هذه المناسبة أن يتمنى للمدرسة طول العمر بعد بداية الخمسين سنة الثانية، ولعل الرجل لو عاش ليرى المدرسة، أو كلية الطب، تدخل الخمسين الرابعة (1988) لكان أوفر سعادة، وإن كان أحفاده من أبناء القصر العينى قد رأوها!

***

لك تكتف الأهرام بتقديم الوصف التفصيلى لمبنى القصر العينى بسائر أقسامه والمناسبات الهامة في تاريخه، بل عنيت عناية ظاهرة بأبناء المدرسة العتيدة، من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس أضفوا على المبنى حيويته وصنعوا للمناسبات تاريخها.. ربما حتى يومنا هذا!

الاهتمام بالطلاب وصل إلى حد أن الأهرام كان يسوق أسماء من يفوزون بشهادة الطب النهائية من مدرسة القصر العينى، وكانوا في عام 1895 "حضرات الدكاترة إبراهيم أفندى شكرى ومحمود أفندى على السركى ومحمد أفندى صداق أحمد وأحمد أفندى عثمان وعبد الحميد أفندى أحمد".

وكثيرًا ما كانت أخبار هؤلاء تتسلل إلى صفحة الاجتماعيات..

في مجال التهنئة جاء في الأهرام الصادر في 28 مايو عام 1887 أن "جناب الدكتور فيض أفندى شيخانى قد أتم دروسه الطبية في مدرسة القصر العينى بمصر ونال الشهادة الدالة على كونه طبيبًا حاذقًا وجراحًا ماهرًا ورمديًا شافيًا فنهنئه"!

وفى إطار الشكر كتب مراسل الأهرام في العاصمة ممتدحًا ما بلغته مدرسة القصر العينى الطبية من النجاح والكمال "فتقدمت تلامذتها تقدمًا بليغًا وإليكم شاهدًا أن أحد تلاميذها النجباء حسن أفندى الأسير أخذ بمعالجتى من داء ألم بصدرى فمن دواء واحد بعد فحصه وتشخيصه المرض تقدمت إلى الصحة تقدمًا بينًا وأشرفت على الشفاء"!

وعرفت تسعينات القرن الماضى نقلة هامة في اتجاه هيمنة "مدرسة القصر العينى الطبية" على سائر أنواع التعليم الطبي في مصر..

فالمعلوم أن مدرسة الصيدلة كانت جزءًا من المدرسة الطبية وكان بعض من خريجيها يمارسون المهنة بعد حصولهن على "ديبلوم الصيدلة" من المدرسة، الأمر الذى كانت تنوه به الأهرام في مناسبات عديدة كان منها ما نشرته يوم الخميس 7 فبراير عام 1889 وجاء فيه "أعطيت ديبلوم الصيدلة إلى كل من حضرة محمود أفندى فهمى ومحمود أفندى حمدى وعلى أفندى كامل وهم من تلامذة مدرسة الطب".

غير أنه بدءًا من شهر يونية عام 1893 تقرر أن تمتد هيمنة مدرسة الطب إلى "الأجزجية" الذين "ليس بأيديهم شهادات ولم يسبق لهم تلقى دروس بمدرسة أجزائية"، ولم يكن هؤلاء قليلين، وكان الحل عند من أصدروا القانون "الدخول بصفة استثنائية في الامتحانات تبعًا لقانون المدرسة الطبية".

تضمن هذا القانون جملة من الشروط كان منها "التعهد بالانقياد للأحكام المدونة في المدرسة فيما يتعلق بالدروس والنظام الداخلى ومصاريف القيد"، أن يكون طلب الالتحاق موقعًا من "أحد أطباء المدينة التي يمارس بها الأجزجى صناعته وشهادة بحسن السلوم والأخلاق"، وأخيرًا فإن الإعفاء من نسبة الحضور لا يملكه إلا وزير المعارف نفسه، وبناء على طلب من الطالب موقع عليه من ناظر المدرسة ويتضمن "أسبابًا قوية"!

المشكلة كانت أصعب بالنسبة للأطباء البيطرين الذين، فيما تشير إليه الأهرام، كانوا يتخرجون في قسم بمدرسة الزراعة "تكون مدة تعلمه أربع سنوات وتجرى عليه أحكام قانون المدرسة الطبية".

ويبدو أن الدراسة في مدرسة الزراعة لم تلق النجاح المرجو لها حتى أن أحد قراء الأهرام، وهو أحمد عشماوى "المفتش البيطرى بمديريتى جرجا وقنا"، بعث بمقال طويل للصحيفة تحت عنوان "نهضة الطب البيطرى" بشر فيه المصريين بأن نظارة المعارف بصدد إلحاق الدارسين لهذا الفرع من الطب بمدرسة "القصر العينى".. بعد إلغاء هذا الفن مع شدة الاحتياج إليه وعزل جميع موظفيه من مصالح الحكومة عام 1885".

وصدر فعلا في صيف عام 1893 "مشروع لائحة إنشاء قسم بيطرى في مدرسة القصر العينى لتعليم الطب البيطرى وعسى أن تسعى النظارة في إنشاء قسم لتعليم طب الأسنان".

واقتضى التوسع في القصر العينى على هذا النحو، التوسع في نفس الوقت في هيئة التدريس بها، الأمر الذى بدا من الإعلانات المتوالية التي تنشرها "نظارة المعارف" في الصحف والتي نال الأهرام نصيبًا منها، ونختار هنا أحد هذه الإعلانات لما يحمله من دلالات.. جاء فيه:

"تعلن نظارة المعارف أن بمدرسة الطب وظيفتين خاليتين إحداهما مدرس لأمراض الجنون وعليه تأدية وظيفة مدرس ثان للأمراض الباطنة والكلينيك الباطنى من الدرجة الثانية ومربوطها من 7 جنيهات إلى 10"، وأشار هذا الإعلان الطريف المنشور في فبراير عام 1889 إلى أن الامتحان التحريرى سيجرى للمتقدمين باللغة الفرنسية، وأنه يشترط فيهم الإلمام الكامل بإحدى اللغات: الفرنسية، الألمانية ثم الإنجليزية التي احتلت ذيل القائمة.

ويدل ذلك على استمرار غلبة الفرنسية حتى أواخر الثمانينات في المدرسة التي أنشأها كلوت بك، وهو ما لم يكن متوقعًا أن يستكر طويلا مع تغلغل الهيمنة الإنجليزية في شتى مناحى الحياة المصرية مما كان محل معركة خلال العقد التالى تابعتها الأهرام وكانت أحد أطرافها!

***

المعتمد البريطاني الشهير في مصر إيفيلين بيرنج، اللورد كرومر فيما بعد، كان يصدر تقريرًا سنويًا عن أحوال مصر، وقد جاء في تقريره عام 1891 ما نصه: "أما تعليم الطب في مدرسة قصر العينى في القاهرة فقد تحسن بعض التحسن بدخول عدد محدود من أساتذة الطب الأوربيين في عداد أساتذتها إلا أنه لا يزال مقصرًا عن بلوغ الكمال، أما من حيث مناظرة تلك المدرسة فليس فيها من الأوربيين غير موظف واحد ولو كان بها آخر أو أكثر لكانت الفائدة أتم للبلاد ولكن كره الوزارة المصرية لزيادة عدد الموظفين الأوربيين حال دون كل شيء"، وكان ما جاء في هذا التقرير بمثابة الطلقة الأولى في معركة نجلزة القصر العينى.

البداية كانت هادئة مما ظهر فيما يمكن توصيفه بتسلل إنجليزى لوظائف أعضاء هيئة التدريس نوهت به الصحيفة في خبر عن تعيين أطباء إنجليز أحدهم للأمراض الباطنة وآخر لأمراض الرمد في المستشفى.

ولم تكن الأهرام لتصمت أمام هذا التسلل، فقد كتبت في 23 ديسمبر عام 1891 تؤكد أن "الهمة مبذولة في سلخ المدرسة الطبية عن إدارة كل وطنى ليعهد بأمرها إلى رجال الإنكليز فيسوون بينها وبين بقية الإدارات عملا بتحقيق وعود الإنكليز أي مصر للمصريين وإنفاذًا لأقوال اللورد سالسبورى أي تقريب يوم الجلاء وإنا لله وإنا إليه راجعون"!

وجاءت حملة الأهرام في مقاومة الهيمنة الإنجليزية متوافقًا مع موقف الصحيفة العام القائم على منع السيطرة الاحتلالية سواء من منطلقات وطنية، أو من منطلق حرصها على ديمومة الثقافة الفرنسية التى اعتبرت نفسها في طليعة المدافعين عنها، والتي ارتأت أن هناك سياسات تسعى إلى ضرب دورها التاريخى والحلول محلها.

ولم يضيع البريطانيون وقتًا في تنفيذ سياستهم، خاصة بعد وفاة الخديو توفيق المفاجئة في يناير عام 1892 بعد "نزلة برد"، وعزى السبب في وفاته لعجز طبيب القصر المصرى سالم باشا سالم، الأمر الذى استتبعه حملة على الأطباء المصريين بدت أهم ملامحها في الاستغناء عن العاملين منهم في عابدين وتوظيف أجانب بدلا منهم، واستثمر الإنجليز الموقف لتنفيذ سياساتهم.

جاءت الخطوة التالية في هذا الصدد باستقدام "إنكليزى لتدريس علم التشريح في مدرسة الطب"، وعندما صرح المسئولون الاحتلاليون بأن تعيينه سيكون مؤقتًا لمدة سنة، علقت الأهرام بأن هدف هذا التصريح "تسكين الخواطر ليس إلا"!

ولم تكن الأهرام أو الأساتذة المصريون هم العناصر الفاعلة الوحيدة في ميدان مقاومة استيلاء المحتلين على مدرسة الطب، فقد شهد صيف عام 1894 دخول عنصر آخر في الميدان "حضرات الأفندية طلاب المدرسة".

بدأت الأزمة الأولى بتظلمات قدمها طلاب المدرسة بإرجاء امتحان السنة الخامسة الذى كان مقررًا إجراؤه في يونية عام 1894 والإعفاء من المصاريف المدرسية وترتيب الإعانات كما كان مقررًا من قبل.

وبينما ينتظر تلاميذ المدرسة الاستجابة لطلباتهم جاءتهم الأنباء بانعقاد لجنة برئاسة مستشار المعارف المستر دانلوب لتعديل "قانون مدرسة الطب المصرية"، فيما ارتأوه إصرارًا من جانب الإنجليز على تغيير هوية القصر العينى إلى الإنجليزية، وهو ما دفعهم إلى إعلان الاعتصام داخل المدرسة في أول يونية عام 1894، الأمر الذى دفع فخرى باشا ناظر المعارف وقتئذ إلى أن يذهب إليهم بنفسه لفض الاعتصام.

ومع أن الرجل نجح في مهمته، إلا أنه على قدر المتوافر من معلومات عن العمل الطلابى، يمكن اعتبار ما حدث في ذلك اليوم أول حركة اعتصام في تاريخ هذا العمل، هذه واحدة، والأخرى أن هذا العمل قد تكرر بعد ذلك فيما روته الأهرام في عددها الصادر في 26 نوفمبر عام 1898.

رغم ذلك فقد استمرت سياسة نجلزة القصر العينى قدمًا واتبعت في سبيل ذلك سياسات عديدة..

في مايو عام 1897 نقل وكيل مصلحة الصحة ليحل محله إبراهيم باشا حسن رئيس مدرسة الطب ليخلى المكان لرئيس إنجليزى، وتعلق الأهرام بأن "هذه هي مبادئ السياسة الاحتلالية والخطط التي يجرى عليها الإنكليز لتكون كل رئاسة في مصالح مصر لهم ويكونوا الآمرين الحاكمين"!

عين فعلا الدكتور كيتنج رئيسًا للمدرسة الذى بدأ على الفور في وضع مشروع جديد ارتأته الصحيفة العتيدة على أنه قلب لنظام المدرسة هدفه "سلخ المستشفى من مصلحة الصحة بتاتًا واستئثار الدكتور كيتنج بإدارته تمامًا".

أكثر من ذلك أخذ المدير الجديد في التخلص من أعضاء هيئة التدريس المصريين، ففي 31 مايو عام 1898 "وزعت نظارة المعارف إعلانًا بالرفت على حضرات المدرسين الوطنيين في مدرسة الطب ما عدا سعادة إبراهيم باشا حسن الذى عين رئيس شرف للمستشفى وعثمان بك غالب الذى عين محاضرًا للطبيعة في مدرسة المهندسخانة"، بالمقابل بدأت أسماء إنجليزية تسطع في سماء القصر العينى.. ميلتون وسميث وغيرهم.

وكانت الأهرام محقة فيما كتبته في 22 يولية عم 1898 تنعى مدرسة "الطب المأسوف عليها وما فعل الله بالوطنيين الذين كانوا فيها وكيف مُنيت باحتلال أشد من احتلال الجنود للقلاع" فيما تمثل في مجلس الإدارة الذى تشكل لها وجله من الإنجليز، مما فتح في تاريخ المدرسة العريقة فصلا جديدًا جاءت صفحاته إنجليزية، وهو الفصل الذى استغرق القسم الأكبر من كتاب تاريخ حياة القصر العينى!


صورة من المقال: