ads

Bookmark and Share

السبت، 23 يناير 2021

109 أسواق مصر

 أسواق مصر

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 14 ديسمبر 1995م - 21 رجب 1416هـ


كل سوق تدخله تقول هذا أكثر زحامًا فإذا خرجت منه لآخر وجدته مثله أو أشد، وقد شاهدنا الناس في بعض الأسواق تارة يقفون هنيهة لا يقدر أحد على أن يتحرك يمينًا ولا شمالًا من غير أن يكون هناك حاصر لهم من أمام إلا الزحام وربما رفع بعضهم صوته بالتكبير فيكبرون حتى يظهر لهم بعض تحرك فيندفعون مثل السيل إذا اجتمع في مكان ضيق، كان هذا بعض ما جاء في وصف "أسواق المحروسة" لرحالة مغربى زار مصر في أواخر القرن الثامن عشر.

بعد ذلك تقدم لنا لأهرام، وبامتداد أعدادها، وصفًا أكثر تفصيلا وأكثر متعة لأسواق مصر.

وقبل تقديم هذا الوصف التفصيلى الممتع نرى أن هناك بعضًا من الملاحظات ينبغي الإمساك بها.

انتقلت مصر خلال ذلك القرن من العصر الإقطاعى بأسواقه التي تعج بالسلع الاستهلاكية إلى العصر الرأسمالى بأسواقه التي تتسم بالتخصص في جانب، وبالمنتجات النقدية في جانب آخر، فيما حدث في محصول نقدى مثل القطن الذى أصبحت له أسواقه.

لا يعنى ذلك ن الأسواق القديمة قد اختفت، الأمر الذى أكده مكاتبو الأهرام في الأقاليم، ولعل هذه الرسالة التي نشرته الصحيفة لمكاتب أسيوط في 10 أكتوبر عام 1890 تؤكد هذه الحقيقة، قال/ "لكل قرية ومدينة سوق يجتمع فيها الفلاحون وسائر الأطراف حاملين ما لديهم من ثمار ومواش وغيرها للبيع فلو مررت هنالك لوجدت أصحاب الأثمار على جانب والجزارين على جانب آخر حتى تظن نفسك واقفًا في بلدة مستكملة النظام وهذه الأسواق تنعقد مرة واحدة في الأسبوع فتزدحم فيها الناس ازدحامًا عجيبًا بين شار وبائع".

* استتبع ذلك أن غلب على تلك الحقبة طابع فترات الانتقال في التاريخ حين يتداخل القديم والجديد في حياة الناس وفى مؤسساتهم ومنها الأسواق.

* حدث من جراء هذه التطورات تغيرات أخرى بدا بعضها في اتساع الأسواق القديمة التي أصبحت تخدم مجموعة من القرى بدلا من قرية واحدة نتيجة لتيسر المواصلات، السكك الحديدية الفرعية، فضلا عن السكك الحديدية الضيقة، أو ما كان يعرف بسكك حديد الدلتا، والطرق الزراعية التي تمت العناية بها بشكل ملحوظ خلال تلك الحقبة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الحاجز الاقتصادى والنفسى الذى كان يمنع سكان الريف المصرى من الانتقال من جهة إلى أخرى قد سقط مع بناء الدولة الحديثة.

بدا البعض الآخر في اتساع الاستخدام النقدى بديلا عن المقايضة، كَسِمَة أساسية من سمات العلاقات الإنتاجية للنظام الرأسمالى الذى بدأ يسود في البلاد، وهو اتساع وفر قدرًا من حرية الحركة في التعامل في تلك الأسواق لم يكن متاحًا من قبل.

***

نبدأ أولا مع الأهرام في رصد ما أخد يمسك بتلابيب الأسواق القديمة من جراء التغييرات التي عرفتها مصر وكابد من نتائجها المنتفعون منها.. باعة ومشترون!

أغلب تلك الأسواق كانت خارج القاهرة والإسكندرية، ومن ثم جاءت معلوماتنا الأساسية عنها من مكاتبى الصحيفة في الأقاليم، ونبدأ من هؤلاء بمكاتبى أسيوط وقويسنا وفاقوس ودمنهور والمحلة الذين عبروا عن رغبة أهالى تلك البلاد في نقل أماكن الأسواق بها بسبب ما عرفته من أسباب الحداثة..

كان من أهم تلك الأسباب ما نتج (أولا) عن امتداد خطوط السكة الحديد إلى أغلب بلدان مصر وما ترتب على ذلك من أن القرب من محطاتها أصبح يشكل سببًا من أهم أسباب رواج الأسواق القديمة أو كسادها مما عبر عنه مكاتبو الأهرام في أكثر من مراسلة.

القرب من المحطة كان مطلب مكاتب أسيوط، وهو قد برر مطلبه بأن السوق القائم "غير موافق صحيًا لضيقه وازدحام الناس به ازدحامًا تضيق لها الأنفاس"، الأمر الذى دفعه للمطالبة بنقل السوق إلى مكان أمام البوسطة بجوار المحطة وشرقيها وبأن "يُكلف أصحاب الأراضى التي يستحسن إعدادها للسوق بمنع زراعتها في نظير ما يأخذونه من الأجرة من الأهالى".

مكاتب قويسنا قدم مرافعة طويلة عن دواعى نقل سوقها، وقد طالب بدوره بأن تنتقل السوق إلى قرب السكة الحديد "لأن وجودها بجانب المحطة يسهل طريق لعمران فضلا عن أن النقطة المعدة لها رحبة جدا ونقلها إليها يمنع تشكيات الأهالى"، ودعم الكاتب مطلبه بأن السوق القائمة تقع في منتصف الطريق "بين قويسنا وبركة السبع فلو حضر أحد التجار من إحداها لا يمكنه النزول إلا في الثانية ثم يستأجر إليها حمارًا فتزيد عليه المصاريف"، كما أيده بالإشارة إلى أن تلك السوق مجاورة للمزروعات "وكثيرًا ما شكا أربابها مما لحقهم من المضار الجسيمة التي لا تخفى".

مكاتب فاقوس عبر عن هذا الموقف عندما تقرر نقل سوقها إلى مكان لا يمكن الوصول إليه إلا بالعبور على الخط الحديدى، "ولا يخفى ما لهذ من مخاطر"، على حد تعبير المكاتب الذى أضاف أن المكان قريب من "القرافة مع ما فيه من إضرار بالصحة وربط الناس لدوابهم على المقابر".

مكاتب المحلة سجل طلب المتعاملين في "سوق البهائم" بنقله من قرب محطة السكة الحديد لوضعه تحت جسرها "حيث يكثر مرور القطارات وكلها ذو خطر على البهائم فنرجو من أولى الأمر أن يلتفتوا إلى ذلك ولهم الفضل"!

بيد أنه كانت هناك أسباب أخرى دعت سكان المدن الإقليمية للمطالبة بتغيير أماكن أسواقها..

مكاتب دمنهور رفع صوت أبنائها بالمطالبة بنقل السوق العمومية الواقعة بحرى البلدة "التي يجتمع فيها ألوف الماشية التي تترك للسكان فضلاتها" ثم يأتي الهواء البحرى الذى يتحول من نسمة رقيقة مرطبة إل عفونة تملأ جو المدينة..

من جانب (آخر) ونتيجة لاتساع السوق، عبر مكاتبو الأهرام عن رغبة البعض في إغلاق الأسواق القديمة بعد أن وجدوا البدائل، أو في إعادة أسواق كانت قد أغلقتها السلطات..

أهالى عزبة شلقان الواقعة بجوار القناطر الخيرية طالبوا بذلك غير أن "نظارة الأشغال العمومية عارضت الطلب لما للسوق المذكورة من أهمية"، نفس الطلب تقدم به أبناء محلة أبو على القريبة من دسوق "لاستبداد مؤجرى سوق المواشى ولأنه ليس للحكومة ملك هناك"، وقبلت السلطات مطلبهم وتقرر الاكتفاء بسوق المواشى في دسوق "لأن بها ملكًا ومركزًا للحكومة".

على العكس من ذلك جاء مطلب أهالى الزقازيق بإعادة فتح الأسواق التي تم إغلاقها "نظرًا لحالة الكساد التي بدأت تؤثر على الناس".

من جانب (أخيرًا) فقد أدى التطور الذى صاحب ظهور الحياة المدينية بمعناها الحديث، وتقديم الحكومة لخدمات معينة، مثل الكنس والرش وتوفير المياه العذبة.. إلخ.. إلى سعى أبناء تلك الأسواق للحصول على هذه الخدمات، مما استمر يمثل أحد شواغل هؤلاء، خاصة تلك الأسواق التي لم تكن تقع فيما نسميه الآن "كوردون" المدن مما كان يحرمها من الخدمات المذكورة، يدل على ذلك العريضة التي تقدم بها المتعاملون في "سوق العامود" بالفيوم إلى "سعادة المدير يلتمسون بها إدخال شارعهم في الشوارع العامة لينال حقه في الكنس والرش"!

على صعيد ثان فرضت قضية من تلك الأسواق نفسها على المتعاملين فيها الذين لم يجدوا نتيجة لافتقاده إلا الكتابة للجرائد، وكان منها الأهرام..

في صورة قلمية مثيرة عبر أهالى كفر الدوار عن ذلك بقولهم "لم نكد نر أحدًا من باعة أسوقنا إلا ويشكو من اللصوص فمن فاقد كيس نقود ومن مسروقة بضاعته ومن مأخوذ دابته حتى خيل أن نصف السكان أو جلهم لصوص بحيث قدم ملأ الوجل أفئدة العموم فإلى تلك الحال نوجه أنظار البوليس"!

ويسوق مكاتب بنها واقعة محددة تقول أنه بينما كان ثلاثة من كفر مناقر عائدين من سوق كنانة خرج عليهم اللصوص ورموهم بالرصاص ثم سلبوا ما معهم وفروا هاربين" بينما يوجه مكاتب الجيزة أنظار البوليس إلى "مراقبة الأشخاص الذين يحضرون السوق الأسبوعية ويغتنمون فرصة الازدحام فيسلبون كثيرًا من أموال الناس".

لعل ذلك ما دفع الأهرام إلى أن تخصص مقالا في صفحاتها الأولى في العدد الصادر يوم الاثنين 23 ديسمبر عام 1895 عن "خفارة الأسواق" استدلت فيه من خلال وقائع محددة ساقتها عن أهمية إسناد مسئولية تلك الخفارة إلى أشخاص بعينهم، وكيف كانت تسير الأمور سيرًا حسنًا في سوق قويسنا التي يحتشد فيها نحو عشرين ألفًا من مديريات الغربية والمنوفية والقليوبية ما دامت خفارتها موكولة "إلى حضرة عمدة قويسنا ولكن بدأ يحدث فيها أخيرًا سرقات ومشاكل وغيرها من الأمور المخلة بالأمن المعطلة لتجارة السوق لنقلها إلى مكان آخر بعدت به عن قويسنا ولم يعد حضرة عمدتها قادرًا على خفارتها".

قضية ثالثة فرضت نفسها وبشكل متكرر ومن أسوق عديدة.. قضية استغلال الباعة في بعض تلك الأسواق لظروف خاصة تمر بها السوق، أو لاحتكار نجح من خلاله بعض التجار في التحكم في سعر سلعة بعينها.. أسواق الخضراوات استمرت ميدانًا للشكوى من تحكم السماسرة في الأسعار، ولعل هذه الشكوى التي نشرها مراسل الأهرام في الجيزة عن سوق "منيل شيحه" تقدم نموذجًا لذلك.. جاء فيها:

"يوجد بناحية منيل شيحه التابعة لمديرية الجيزة سوق لمبيع الخضراوات يأتي إليها التجار لشراء الخضراوات وتوزيعها في بنادر بحرى وقل أن تخلو هذه السوق يومًا من المشاكل بأسباب السماسرة الذين هم واسطة للبيع والشراء ما بين الأهالى والتجار لما يستعملونه من الغش وسلب ما تصل إليهم أيديهم"!

نفس الشكوى تكررت من سوق "ليا الوقف" لبيع اللحوم، وكيف أن رطل اللحوم يباع للبعض بقرش ونصف لى وللبعض الآخر بقرشين" وسوق للخضراوات في طنطا حيث بلغت أثمان الخضراوات أضعاف ما كانت عليه من قبل ولا سيما صنف الطماطم فإنه بلغ ثمن الرطل الواحد منه قرشين صاغ"!

وإذا كانت هناك شكوى تستحق أن ننهى بها هذا الاستعراض من الشكاوى من جانب المتعاملين في الأسواق بكل دلالاته، فهى الشكوى التي تقدم بها "وجهاء الطائفة الإسرائيلية" في ميت غمر والذين طالبوا بإبطال سوق المدينة التي كانت تنعقد يوم السبت يوم لليهود المقدس. واستبداله بيوم الاثنين!

***

مع لأسواق القديمة بكل التأثيرات التي تعرضت لها نتيجة للتطورات الاقتصادية والاجتماعية، فإن تلك التطورات نفسها صنعت أسواقًا جديدة تناسبها، وكانت مختلفة عن شقيقاتها القديمة في أكثر من جانب:

1) أنها لم تكن تجتمع وتنفض كما كان حال الأسواق القديمة، وإنما كانت في بنايات حديثة تراعى فيها معايير صحية خاصة.

2) لم تكن هذه الأسواق تنعقد يومًا معينًا في الأسبوع، بل كانت قائمة للبيع والشراء ستة أيام على الأقل وأحيانًا كل الأيام السبعة!

3) ارتبطت هذه الأسواق بمناطق الكثافة السكانية بالمدن، سواء في القاهرة أو الإسكندرية، أو مدن الضواحى الجديدة مثل حلوان، وإن كنا نلاحظ في كتابات الأهرام أنها لم تعرف طريقها إلى البنادر، حتى الكبيرة منها، إلا فيما ندر، إذ يبدو أن سكان المدن الإقليمية كانوا قد اعتادوا على الأسواق القديمة وألفوها على نحو لم يستشعروا معه بالحلجة إلى أسواق دائمة في مبان.

"الأوقات العمومية"، وكانت إدارة تابعة للخديو رأسًا قامت بدور مبكر في بناء الأسواق الجديدة، وكان أهمها ما أسمى "بسوق المرور" والتي قام على بنائها رئيس وقف خليل أغا.

تصف الأهرام الصادرة يوم 26 نوفمبر عام 1894 هذه السوق فتقول أنها "كأحسن الأسواق نظافة واتقانًا وموافقة للشروط الصحية وكان فيها موسيقيان يعزفان وأبواب مخازنها مفتوحة جميعها وقد نضدت فيها البضاعة بما يروق العيون ويوسع الرجاء بحسن مستقبل هذه السوق".

احتلت سوق "العتبة الخضراء بمصر لأجل مبيع الخضار" مساحة غير قليلة من الصحيفة، وكان الهدف الأساسى من وراء بناء هذه السوق الجديدة أن تحل محل سوقًا قديمة، فقد "أجمع العموم على التنديد بسوق الخضراوات الموجودة في مدخل الموسكى وأنها مضرة بالصحة العامة"!

وتقدم الأهرام وصفًا ممتعًا للاحتفال الذى أجرى بمناسبة وضع حجر الأساس لسوق الخضار في ساحة العتبة الخضراء فتقول: "كانت قد أعدت مظلة رحبة ليستظل بها الجميع فعندما انتظم عقدهم تلا أحد مأمورى إدارة الأوقاف تاريخ البقعة المنوى بناء السوق عليها ثم التاريخ المذكور ومعه نسخ من الجرائد المطبوعة في القطر المصرى وطع من العملة المصرية الجديدة ضمن حجر الأساس.. أنا المساحة التي سيُبنى عليها السوق فتبلغ 4500 متر".

وبعد أن تم بناء السوق الجديدة حدث جدل شديد حول انتقال تجار الموسكى إلى العتبة مما يُشكِل صفحة من التاريخ تكررت بعد ذلك بنحو قرن عندما تقرر انتقال تجار نفس السوق.. سوق الخضروات، من روض الفرج إلى العبور.

وصل الأمر إلى أن تطلب مصلحة الصحة العمومية إلى وزارة الداخلية أن تنبه "على باعة الخضروات وغيرهم في السوق الواقعة بأول شارع الموسكى بالانتقال إلى السوق الجديدة لأن بقاء السوق القديمة على حالتها الحاضرة مضر بالصحة العمومية".

ومن الطريف أن الأهرام قد انحازت في هذا الخلاف إلى الباعة العازفين عن ترك سوقهم القديمة، وكان رأيها أن "إخلاء المحلات الحاضرة قد يضر بأصحاب الأملاك والباعة معًا ضررًا ماليًا فادحًا تمكن نجاتهم منها بإصلاح حالة السوق الصحية ونظافتها"، وأن إيرادات السوق التابعة للأوقاف "ينفق منه على بعض الجوامع وقارئى القرآن والأيتام والأرامل"!

وبينما كان الجدل محتدمًا حول انتقال التجار من سوق الموسكى، التابعة للأوقاف، إلى سوق العتبة، لتابعة للأوقاف أيضًا، كان هناك آخرون يعملون بجد في بناء أسواق جديدة بعيدًا عن روتين الحكومة.

من هذه الأسواق السوق التي أقامتها شركة حديد حلون (سوارس) في الميدان الرئيسى للضاحية الجديدة، وقد وصفتها الأهرام بأنها "تماثل الأسواق التي تقام في المعارض العمومية فيُباع فيها من جميع أنواع السلع والبضائع الفاخرة بأرخص الأثمان الممكنة.. ولهذا فإننا نحث الجمهور على الإقبال على هذه السوق العائد نجاحها بالفائدة الغزيرة على البائعين والمشترين معًا".

كان منها أيضًا سوق التوفيقية "التي تحركت همة حضرة الجنرال الكونت سالا باشا فشرع في بنائها لتكون أشبه بأسواق أوروبا نظامًا وإحكامًا وقد تقدم كثيرون واستأجروها أكثر محلات السوق المذكورة وقد وضعها سالا باشا تحت نظارة إدارة الصحة حتى لا يكون هناك داع للتشكى ونعم ما فعل "ويستطرد بشارة تقلا الذى كتب هذا الخبر في تقريظ هذه السوق الواقعة "في نقطة متوسطة أكثر من غيرها وأقرب إلى الأزبكية وشبره والفجالة والإسماعيلية فضلا عن أنها في مكان طلق ولا سيما في أيام الصيف"!

والواضح أن قضية أن تكون السوق في مكان متجدد الهواء وتحت إشراف مصلحة الصحة كانت دائمًا ضمن شواغل المسئولين عن تلك الأسواق الجديدة الأمر الذى نضحت به صفحات الأهرام في مناسبات مختلفة.

فى عدد الصحيفة الصادر يوم 8 أبريل عام 1889 خبر طويل عن اجتماع بين محافظ القاهرة والمسئولين عن الصحة فيها "لبحث حالة جميع أسواق العاصمة"، وهو الاجتماع الذى عرضت فيه لائحة خاصة للأسواق تقرر بمقتضاها "عدم رمى ريش الطيور والعظام والقاذورات في المماشى والدكاكين وأمام الأبواب وعدم صب المياه إلا في الأقنية المؤدية إلى المجرى العمومى وعدم بيع الخضروات المتعفنة أو غير الناضجة وأن يعهد بنظارة تلك الأسواق إلى أحد ضباط الصحة ونفر واحد من أنفار من أنفار البوليس فيزوراها كل يوم ويقدما تقريرًا بحالها"!

وقد بلغ الاهتمام بالجانب الصحى للأسواق إلى حد إغلاقها في أوقات انتشار الأوبئة، للضيف الثقيل لذى كان يزور لمصريين لين وقت وآخر، بحكم أنه من مجلبات الوباء ما ينشأ عن تلك الأسواق "من الزحام ويتخلف من الفضلات والأقذار"!

مع المواصفات الصحية أوليت عناية خاصة للموازين والمكاييل التي تقرر استخدامها في الأسواق الجديدة، فقد تقرر استبدال نظامها القديم والمعروف "بالعيارات السلطانية" بنظام جديد، هو النظام المستخدم في البلاد الأوروبية والذى يعتمد على النظام العشرى (سيستام ميتريك)، على حد توصيف الأهرام.

ولا شك أن هذا التغيير قد أصاب المتعاملين في الأسواق بضيق شديد لا سيما أنه قد غلب عليه استخدام التعبيرات الأجنبية، التي وإن كانت شائعة بين جموع المتعلمين فإنها لم تح بالقدر المطلوب من القبول بين الباعة، الأمر الذى عبرت عنه الأهرام في صورة إنسانية لا نجد أفضل من تقديمها ختامًا للحديث عن أسواق مصر.. قالت:

"غير خاف ما في اتباع هذه الطريقة من الصعوبات على العموم أو أن الإصلاح العربى الذى اعتاد على استعماله هذا القطر من مدة أجيال عديدة سينسخ في مدة ساعة واحدة يضطر الأهالى إلى استعمال ألفاظ واصطلاحات جديدة افرنجية في لغتهم العربية التي كانت تماثل لغة بنائى برج بابل"، ولعل الأهرام كانت تقصد باستخدام هذا التوصيف اختلاط الحابل بالنابل، أو القديم بالجديد في الأسواق، وهو اختلاط عرفه العصر في مناح أخرى من الحياة!


صورة من المقال: