ads

Bookmark and Share

الأحد، 3 يناير 2021

103 حلايب الملف السرى 7.. تغيير الـ "ستاتوس كو"!

 حلايب الملف السرى 7.. تغيير الـ "ستاتوس كو"!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 19 أكتوبر 1995م - 24 جمادى الأولى 1416هـ


استمر المطلب السودانى بعد نشوء الأزمة الأخيرة على الحدود بين البلدين بالعودة إلى الوضع القائم STATUS QUO في مثلث حلايب قبل شهر مارس عام 1992، الأمر الذى يدو إلى تعريف للتعبير، هذا من جانب، وإلى البحث في ماهية الوضع الذى كان قائمًا قبل هذا التاريخ، من جانب آخر.

الـ STATUS QUO كما يعرفه قاموس الديبلوماسية والشئون الدولة "عبارة لاتينية يقصد منها الاحتفاظ بالوضع الحالي بالنسبة إلى الأوضاع القانونية السابقة وعدم إحداث أي تغيير فيه"، وهو تعبير يعرفه على نطاق واسع الباحثون في ميادين السياسة والقانون والتاريخ.

أما ماهية "الوضع القائم" في المثلث الواقع شمال خط 22، والمعروف بمثلث حلايب، أو مثلث علبة، فمسألة تستحق التوقف..

تستحق التوقف بسبب تباين الآراء، وتستحق التوقف أيضًا بسبب طول الفترة التي بقى الوضع الراهن راهنًا!

الجانب السودانى يرى أن استمرار الوضع القائم بإدارة سودانية للمثلث لنحو تسعين عامًا (1902 - 1992) قد أكسبه حقوقًا على المنطقة، وأن الإدارة مع طول هذا الوقت قد تحولت إلى سيادة وأصبح المثلث الواقع شمال خط 22 جزءًا لا يتجزأ من التراب الوطنى السودانى.

الجانب المصرى بالطبع له رؤية مختلفة..

فهو من ناحية يرى أن الفترة الأكبر من التسعين عامًا (1902 - 1956) كان السودان خلالها تحت السيادة المصرية، ومن ثم كانت كل الأراضى السودانية، وليس مثلث علبة فحسب، جزءًا من الأراضى المصرية.

وهو من ناحية أخرى يرى أنه طوال ذلك الوقت استمرت مصر تمارس أوانًا من السيادة على المنطقة، بحرية حركة الجيش المصرى دخولا وخروجًا، وهو ما لم يكن متاحًا لقوة دفاع السودان، وبحرية تنقل الأفراد المصريين إلى المنطقة ومنها دونما اعتراض أو إذن من الجانب السودانى، فضلا عن استمرار إصدار التراخيص للتنقيب عن المعادن من المصلحة المختصة بذلك في القاهرة.

يرى الجانب المصرى أيضًا أنه لم يتأخر كثيرًا في إثبات سيادته على المنطقة، فالتسعون عامًا التي يدعيها لجانب السودانى، تتقلص إلى عامين فحسب، بين إعلان استقلال السودان في مطلع عام 1956 والأزمة الأولى حول الحدود في بداية عام 1958، التي انتهت بالموافقة على الإبقاء على الوضع الراهن إلى حين الانتهاء من الانتخابات السودانية.

غير أن استمرار "الوضع الراهن" لنحو ثلث قرن بعد ذلك أمر يستحق التفسير، أو على الأقل الاجتهاد فيه..

في تقديرنا أنه كان وراء هذا الاستمرار جملة من الأسباب يمكن استقراؤها على النحو التالى:

(1) ترتيب الأولويات في العلاقات المصرية - السودانية، فقد كان من الطبيعى أن يهتم المسئولون في القاهرة في أثناء تشييد السد العالى بالتوصل إلى اتفاقية جديدة لتقسيم مياه النيل بين البلدين بدلا من المعقودة عام 1929، وكانت إثارة مسألة حلايب في تلك الظروف تسئ للمفاوضات بين الجانبين في هذا الشأن، وبالفعل تم التوصل إلى الاتفاقية المنشودة عام 1959..

(2) العلاقة الخاصة بين مصر والسودان، فرغم استقلال الأخير استمر المسئولون في القاهرة ينظرون إلى السودان في ضوء الثوابت التاريخية نظرة خاصة مما انعكس أثره على الإبقاء على الوضع الراهن.

فقد كان هؤلاء المسئولين، بالنسبة لمسألة تسوية قضية الحدود، خيارات أحلاهما مر، فإذا وجدت حكومة في الخرطوم ذات علاقة طيبة بمصر كان يخشى من إثارة القضية تحسبًا لإخراج هذه الحكومة وإذا حدث العكس كانت تبقى الخشية تحسبًا لاستخدام هذه الحكومة للقضية للمزايدة على الشارع السودانى، وقد رؤى في دوائر صنع القرار المصرية، كما نعتقد أن أفضل الحلول الإبقاء على الوضع الراهن.

(3) لعله مما شجع المصريين على اختلاف حكامهم، الرئيس عبد الناصر، الرئيس السادات، الفترة الأطول مما انقضى من عهد الرئيس مبارك.. لعل الذى شجعهم على الاستمرار في هذه السياسة أمران..

الأول: أن الجانب السودانى لم يحاول في أي وقت تغيير الوضع الراهن، سواء فيما يتصل بحقوق التنقيب، فلم تتعرض شركة مصر للفوسفات التي كانت تستخرجه من المثلث، وتبعث به إلى سائر أنحاء مصر إلى أية مضايقات من هذا الجانب، فضلا عما حدث في مطلع السبعينات، وفى إبان احتدام حرب الاستنزاف حين وضعت السلطات المصرية عشر نقاط لمراقبة الطيران الإسرائيلي، الذى كان يصول ويجول في السماوات المصرية خلال تلك الفترة، النقاط من بديع 1 إلى بديع 10 دون ثمة اعتراض من جانب سلطات الإدارة السودانية، مما اعتبره المصريون استمرارًا لحقوقهم في السيادة على المنطقة التي لم يدخلها الجيش السودانى قط، على الأقل قبل عام 1956، بينما، كما سبق القول كان أمر حمايتها مسنودًا إلى القوات المصرية.

الثانى: أن العلاقات المصرية - السودانية، قد شهدت خلال السبعينات ومطلع الثمانينات شهر عسل طويل من خلال سياسة التكامل بكل ثمارها، والتي ارتآها كثيرون صيغة جديدة من صيغ وحدة وادى النيل التي تداعت قبل ذلك بنحو عشرين عامًا.

ولا نظن أن كثيرًا ممن عاشوا تلك الفترة القريبة قد نسوا بعد الاحتفالات التي كانت تقام، وتنقلها سائر وسائل الإعلام، عن الاجتماعات المشتركة للبرلمانين المصرى والسودانى.

ولم يكن مناسبًا بالطبع تنغيض شهر العسل المصرى - السودانى بمسألة المثلث التي ارتأى البعض إمكانية حلها في إطار سياسة التكامل.

ونرى ونحن هنا في مجال التفسير، ولسنا في مجال التبرير، أننا نملك أسبابًا مقنعة للموقف المصرى في الإبقاء على "الوضع الراهن"، وإن كان لجانب السودانى قد فسره بشكل مختلف!

***

الأزمة الأخيرة بدأت تنشأ مما اعتبره السودانيون تغييرًا في الوضع القائم في المنطقة الحدودية الواقعة شمال خط 22، وذلك عندما قامت القوات المسلحة المصرية بوضع نقطة مراقبة خرى هي النقطة بديع 11 في مارس عام 1992، فضلا عن إقامة مبان في نقطتين أخريين وتحويلهما إلى نقاط ثابتة، وأخذوا في المطالبة بعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل هذا التاريخ.

ولم يجد الطلب آذانًا صاغية من الجانب المصرى، العكس هو الصحيح فقد سار هذا الجانب قدمًا في سبيل تغيير الـ "ستاتوس كو" الذى كان قائمًا في المثلث الحدودى منذ عام 1958، مما يثير التساؤلات حول الأسباب التي دفعت المسئولين في القاهرة إلى تغيير موقفهم القديم بالحفاظ على "الوضع القائم".

الإجابة على هذه التساؤلات يصعب العثور عليها في أرض حلايب فحسب، والتي تبلغ مساحتها ألف ميل مربع (نحو 1850 كم مربع مع ملاحظة أن النزاع على طابا كان حول ما يزيد قليل عن كيلو متر مربع واحد)، إذ يتطلب هذا العثور البحث في مجمل العلاقات المصرية - السودانية بعد الانقلاب العسكرى الذى قاده عمر البشير في 30 يونية عام 1989، والتي تعرضت لتغيرات درامية لم تعرفها، ربما منذ عام 1924، وهى تغيرات أثرت في "الوضع القائم" لتلك العلاقات أيما تأثير.

يبدو حجم الدراما مما هو معروف من محاولة نظام الحكم السودانى بعد ما أسمى "بثورة الإنقاذ الوطنى" في السودان لزعزعة الثوابت في العلاقات المصرية - السودانية، وهى ثوابت يكاد يكون هناك اتفاق كامل مصري سودانى حولها..

الدور التعليمى المصرى في السودان كان أحد الثوابت التي طالتها أيدى النظام الجديد، وندعوه ثابتًا لما هو معلوم من استمرارية هذا الدور وتحت أية ظروف..

كان موجودًا بشكل غير مباشر قبل بناء الدولة الحديثة في مصر من خلال الطلاب السودانيين الذين كانوا يفدون إلى الأزهر وكانت لهم أروقتهم الخاصة، ثم يعودون بعد ذلك وينتشرون في سائر أنحاء البلاد.

وكان موجودًا بعد بناء هذه الدولة عندما بعث عباس الأول في منتصف القرن التاسع عشر بجمهرة من أشهر علماء مصر آنئذ إلى السودان على رأسهم رفاعة الطهطاوى ومحمد بيومى عالم الرياضيات المعروف الذى توفى في الأراض السودانية.

وكان موجودًا في ظل الإدارة الثنائية عندما انتشرت المدارس المصرية في سائر أنحاء السودان من تنقسى شمالا إلى جوبا جنوبا.

وكان موجودًا في هذا العهد تقلبت على السودان خمس حقب (حكم الأحزاب الأول 1956 - 1958، حكم العساكر الأول 1958 - 1964، حكم الأحزاب الثانى 1964 - 1969، حكم العساكر الثانى 1969 - 1985، حكم الأحزاب الثالث 1985 - 1989)، ولم يقترب الحكام في أي من تلك الحقب لهذا الثابت.

ولقد استمر هذا التعليم يؤدى دورًا قوميًا بالمحافظة على عروبة السودان في مواجهة نوعية التعليم العالى الذى كانت قد أنشأته السلطات البريطانية تحت اسم كلية غودن، ثم تحول بعد ذلك إلى جامعة الخرطوم.

وبجرة قلم جاء النظام الجديد ليضم المدارس المصرية إلى مدارس التعليم السودانى، هذا من ناحية، ويوقف التعليم الجامعى المصرى في البلاد، والذى اقترب عمره من الأربعين عامًا، من ناحية أخرى، وكان معنى ذلك ببساطة هز إحدى ركائز "الوضع القائم" في العلاقات المصرية - السودانية، وبشدة!

الجانب الثانى من الدراما تبدى فيما أصاب الأمن القومى المصرى من النظام الجديد من تهديدات كانت تأتى لمصر دائمًا عبر البحر المتوسط أو من الشرق أو الغرب، أما الجنوب فقد كان يقوم دائمًا بدور مختلف.. دور العمق المصرى للتهديدات التي كانت تجيئه من شتى الاتجاهات.

استعراض تاريخ مصر خلال نصف القرن الأخير يؤكد ذلك..

فعندما تعرضت الأراضى المصرية عام 1942 للغزو المحورى القادم من الغرب خلال الحرب العالمية الثانية، جمعت الحكومة المصرية أوراقها وكانت في سبيلها للتوجه إلى الخرطوم لولا إيقاف هذا الهجوم في اللحظة الأخيرة عند العلمين.

وعندما تعرضت مصر للهجمة الإسرائيلية عام 1967 لم يكن أمامها، استكمالا للاستعداد لصد هذه الهجمة سوى إرسال بعض بنيها إلى الأراضى السودانية لإتمام تدريباتهم العسكرية، حيث لقى هؤلاء كل ترحيب من السلطات السودانية، كيفما كان كنهها.

اما أن يحدث أن يكون السودان نفسه مصدرًا لتهديد الأمن القومى المصرى فيُشَكِل نتوءًا غير معهود في العلاقات بين البلدين، وخروجًا غير متوقع على "الوضع القائم"..

وقد تعددت مصادر التهديد من جانب النظام السودانى..

التحالف مع قوة إقليمية، هي إيران، في وضع تنافسى مع مصر، يقدم أول أشكال هذا التهديد، وهو تحالف لا يسعى الإيرانيون بالطبع من ورائه إلى تحقيق مصلحة سودانية، بقدر ما يسعون إلى أن يكون وسيلة للضغط على مصر.

ودعم المتطرفين الإسلاميين وتسريبهم إلى الأراضى المصرية، في نفس الوقت التورط في تهريب السلاح الذى يقوى من عضدهم، بكل ما استتبع ذلك من خلق حالة من عدم الاستقرار في مصر، شكل لونًا آخر من ألوان التهديد.

أخيرًا فإن يصل الأمر إلى تورط النظام السودانى في تدبير محاولة اغتيال رئيس مصر على أراضى بلد ثالث يعنى خروج هذا النظام، ليس فقط عن كل قواعد الوضع الذى استمر قائمًا في العلاقات السودانية - المصرية، بل يعتبر خروجًا عن كل قواعد العلاقات الدولية، ويبدو أن ثقة النظام السودانى في نجاح المحاولة التي كان قد أعد له إعدادًا دقيقًا لم ينبهه إلى العواقب الوخيمة التي يمكن أن تترتب على فشلها، فيما حدث فعلا!

آخر هذه الثوابت يتصل بمياه النيل، والذى يصل إلى حد المقدسات في العلاقات بين البلدين.. صحيح أن النظام السودانى لم يجرؤ على المساس بهذا المقدس لما يعلمه من عواقب يمكن أن تترب على هذا المساس، إلا أنه استمر يلوح به بين الحين والآخر..

لوح به أثناء حرب الخليج الثانية وعندما اتخذت في الخرطوم موقفًا مناقضًا لموقف القاهرة من هذه لحرب، وجاء هذا التلويح على شكل تهديد بضرب السد العالى بالصواريخ التي حصل عليها السودان من العراق!

ولوح به أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال الرئيس مبارك حين تحدث أحد أقطب هذا النظام، الدكتور حسن الترابى، عن استعداد سودانى لمنع مياه النيل من الجريان إلى مصر.

ويمثل هذا التلويح اعتداء على "قدس الأقداس" في "الوضع القائم" في العلاقات المصرية - السودانية.

ولم يكن ثمة غرابة مع كل ما لحق بالوضع القائم في هذه لعلاقات أن ينتقل ذلك إلى الأرض.. إلى مثلث حلايب، التي يشكل ما حدث فيها الصفحة الأخيرة من تغيير هذا الوضع.

***

للحقيقة فإن محاولات تغيير الوضع القائم في المثلث الحدودى بدأت من الجانب السودانى، وللحقيقة أيضًا فقد بدأت حتى قبل انقلاب البشير في يونيو عام 1989 حين أخذت السلطة الإدارية مدعومة بقوة عسكرية في منع شركة الفوسفات المصرية من نقل إنتاجها إلى سائر أنحاء مصر.

ويبدو أن حكومة القاهرة قد تغاضت عن هذا العمل استشعارًا منها أنه يتم لأسباب خاصة بالمزايدات الحزبية في الداخل، وهو ما حدث أيضًا عندما أرادت حكومة السيد الصادق المهدى إنهاء ميثاق التكامل وإحلاله بما أسمته ميثاق الإخاء دون أي اعتراض من جانب مصر.

سبب آخر من أسباب التغاضى ما بدت معه الحكومة المدنية في الخرطوم من ضعف وتفكك، وصل إلى حد التناحر، مما كان ينبئ أن التجربة الديموقراطية الثالثة في السودان في طريقه للانهيار، ولعل ذلك ما دعا دوائر صنع القرار المصرية للترحيب بانقلاب البشير في أيامه الأولى.

غير نه بعد أن ثبتت أقدام رجال الانقلاب، وفى خلال الفترة بين 1990 و1992 ساورا قدمًا في العمل على تغيير "الوضع القائم" في المثلث الحدودى مما بدا في أكثر من إجراء..

من هذه الإجراءات منح إحدى شركت البترول الكندية حق التنقيب عن النفط في المثلث، وهو حق كانت تحتفظ به مصر دائمًا باعتباره أحد مظاهر سيادتها، تبعت ذلك بأن أعطت إحدى الجامعات اليابانية حق التنقيب عن الآثار، ومعلوم أن المنطقة يقع فيها ميناء عيذاب الذى كان له شأن كبير في العصر الإسلامي، ثم ختمت كل ذلك بإرسال دُعاتها إلى قبائل البشارية في المنطقة لتكوين ما تسميه باللجان الشعبية.

باختصار حاول نظام البشير، وفى الغالب لكسب شعبية في الداخل، أن يضفى على نظام الإدارة السودانية في منطقة حلايب لونًا من السيادة، مما شكل إخلالا شديدًا "بالستاتوس كو" الذى تباكى عليه ممثلوه بعد ذلك، ولم يكن لأى حكومة مصرية أن تتغاضى أكثر من هذا، خاصة وأنه كان لديها أسبابها الإنسانية والسياسية التي تدفعها إلى ذلك، الأمر الذى دعا دوائر صناعة القرار في القاهرة، في الرئاسة والجيش والخارجية إلى السعي إلى إنهاء الإدارة السودانية وممارسة حقوق السيادة على جزء من التراب الوطنى المصرى.

الأسباب الإنسانية تبدت في ملاحظات حكومة القاهرة أنه بامتداد الأعوام التسعين التي أدارت خلالها الخرطوم المنطقة، لم يحدث أي تغير في الأحوال البدائية لسكانها من البشارية، ولم تقدم لهم أية خدمات صحية أو تعليمية أو مرافق عامة، خاصة أن المنطقة تفتقر بشدة إلى المياه العذبة، الأمر الذى تفقد معه هذه الإدارة سبب وجودها.

من ثم جاء تقديم هذه الخدمات على نطاق واسع من خلال لجان الإغاثة والإمداد بالمواد الأساسية من خلال نظام بطاقات للتموين مثل ذلك المعمول به في سائر أنحاء مصر، في الوقت الذى بدأت فيه خدمات صحية ومدنية، وتوفير المياه العذبة والكهرباء، وإقامة المباني التعليمية، الأمر الذى عرفه البشاريون لأول مرة، وقد ترك لهؤلاء حرية الاختيار بين البقاء في السودان أو الحصول على الهوية المصرية من خلال استخراج بطاقات لهم، وفضل أغلبهم الخيار الأخير!

أما الأسباب السياسية فتعزى إلى ما وفره نظام البشير، ولأول مرة في تاريخ العلاقات بين البلدين، من فرصة لحكومة القاهرة لتصحيح وضع طالما كانت راغبة في تصحيحه، لولا حرصها على عدم استعداء حكومة الخرطوم، فجملة أفعال هذه الحكومة أكدت للقاهرة أنه لم يوجد في السودان نظام أكثر عداوة من النظام القائم.

يفسر ذلك التحركات التي قامت بها مصر فيما بعد، أولا بزيادة عدد نقاط المراقبة بنقطة بديع 11 ثم ما تبع ذلك من تكثيف الوجود العسكرى الذى وصل وفقًا لآخر تصريحات الرئيس مبارك إلى خمسة آلاف جندي، كان من أهم ما قاموا به، في رأينا، إنهاء وجود نقاط سودانية على الحدود الإدارية القديمة في شلاتين، ووضع علامات حدودية على طول الخط الدولى.. خط 22 شمالا، مما كان بمثابة إنهاء "للستاتوس كو" الذى عاش لنحو ثلث قرن.


صورة من المقال: