ads

Bookmark and Share

الأحد، 3 يناير 2021

101 حلايب الملف السرى 5.. سياسات الإمبراطورية

 حلايب الملف السرى 5.. سياسات الإمبراطورية

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 5 أكتوبر 1995م - 10 جمادى الأولى 1416هـ


لسنا من المؤمنين بالتفسير التآمرى للتاريخ وبالتالى فلسنا مع القائلين أن "مشكلة حلايب" قد صنعتها مؤامرة بريطانية، غير أن ذلك لا يدفعنا إلى القول أن المشكلة ليست نتاجًا لسياسات حكومة لندن في عصر الإمبراطورية، وهو ما تكشف عنه جملة من الوثائق في الملف السرى الذى بين أيدينا.

وقبل رصد هذه السياسات فمن المطلوب التعرف على البناء الإمبراطورى الذى ساهم في صناعة المشكلة..

على رأس هذا البناء كان هناك المندوب السامى في القاهرة وحاكم عام السودان في الخرطوم، الذى استمر في نفس الوقت وحتى عام 1924، قائدًا عامًا للجيش المصرى بلقب سردار.

كان هناك بعد ذلك إدارة المخابرات في الجيش المصرى والتي كان يتولى إدارتها والعمل بها شخصيات إنجليزية، فضلا عن بعض السوريين.

كان هناك أيضًا وكالة السودان Sudan Agency في القاهرة، وقد تأسست عام 1903 بهدف أن تكون وسيلة اتصال بين حكومة السودان وسائر إدارات الوزارات المصرية وجيش الاحتلال، وكان رئيس هذه الإدارة المسمى بوكيل السودان هو في نفس الوقت مدير مخابرات الجيش المصرى، وهو منصب تولاه عدد من رجال الإمبراطورية المعروفين في مصر، كونت جليشن، إدوارد سيسل، ميجور أوين، جنرال ستاك، ميجور كلايتون، مستر مور الذى تولى المنصب عام 1920 وكان للإدارة قصة، بل قصص، مع الحدود المصرية - السودانية.

كان هناك رابعًا الإدارة التي تم إنشاؤها عام 1917، وقد أوكل إليها مسئولية إدارة مناطق الحدود المصرية، تلكم هي الإدارة التي عرفت باسم إدارة أقسام الحدود Frontier Districts Administration وقد تركزت مسئوليتها في مناطق الحدود الأربعة.. سيناء والصحراء الشرقية (البحر الأحمر) والصحراء الغربية والصحراء الجنوبية.

وكانت القوة الأساسية التي تخدم في هذه الإدارة من الهجانة من رجال قبيلة العبايدة، وكانت تقوم بدوريات منتظمة على ساحل البحر الأحمر.

ومثل سائر الإدارات التي شكلت منظومة الخدمة الإمبراطورية دخل هذه الإدارة أحد المصريين.. كان رئيسه شخصية عسكرية بريطانية تعاونه مجموعة من ضباط قوة الاحتلال تحت قيادتهم قوات الهجانة التي لم يكن لأفرادها بالطبع أي دور في رسم سياساتها!

وكان هناك أخيرًا إدارتان، إحداهما في القاهرة والثانية في الخرطوم وقد شكلتا أيضًا جانبًا من المنظومة التي تنفذ السياسات الإمبراطورية كما كانت قيادتهما من الشخصيات الإنجليزية.. مصلحة المساحة المصرية ومصلحة المساحة السودانية، وكان لهما ضلع، بل ضلوع، في تقرير خطوط الحدود، وفى تنفيذ السياسات التي تتقرر في لندن.

ومثل تلك السياسات ذات الطابع الإمبراطورى لم تك تقررها فحسب وزارة الخارجية Foreign Office التي أوكل إليها إدارة الشئون المصرية بعد الاحتلال، وإنما كان يشارك فيها بالرأى وزارة الحرب War Office والبحرية البريطانية The Admiralty عندما يكون الأمر متعلقًا بالموانئ التي قد تحتاجها هذه البحرية وكانت حلايب منها.

***

تقتضى المتابعة الصحيحة للسياسات الإمبراطورية تجاه قضية الحدود المصرية - السودانية التمييز بين فترتين من فترات العلاقات المصرية - البريطانية المتعلقة بالسودان.. الفترة بين عامي اتفاق 1899 ثورة 1919والفترة التي أعقبت ذلك والتي استمرت حتى اتفاق الطرفين على منح السودانيين حق تقرير المصير عام 1953.

خلال الفترة الأولى وبعد أن دخلت الإمبراطورية في عراك شهير مع فرنسا عام 1898، والمعروف باسم حادثة فاشودة، والتي حسمت لصالح سياسات الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لم تكن ثمة مشكلة أمام تلك السياسات فهى التي تنفذ في مصر بنفس الدرجة التي تنفذ بها في السودان.

المشكلة بدأت بعد قيام ثورة 1919 وبعد أن اعترفت حكومة لندن أن الحماية على مصر لم تعد سياسة مرضية، في ذات الوقت بدت عدوى الثورة تنتقل إلى السودان، وكان مطلوبًا إعادة النظر!

في العام التالى، 1920، أرسلت دار المندوب السامى واحدًا من أهم موظفيها، وهو المستر كين بويد Boyd، إلى الخرطوم لوضع تقرير عما إذا دعت الحاجة، نتيجة لتطور الأوضاع في مصر، إلى إنهاء الوجود المصرى في السودان.. سواء في جناحه العسكرى و في جناحه المدنى، وكتب الرجل تقريرًا وضع فيه سيناريو إخراج المصريين من السودان، وهو السيناريو الذى نفذ بالحرف الواحد بعد أربع سنوات كاملة من كتابة التقرير، أواخر عام 1924.

ينطلق هذا السيناريو من المقولة التي استمر يروج لها كرومر خلال السنوات الأولى من الاحتلال، وهى "أننا لا نحكم مصر وإنما نحكم الذين يحكمون مصر"، بعد إدخال تعديل خفيف عليها وهو تعديل جاء نتيجة لثورة 1919 الشعبية وكانت له ثمة صلة بالسودان، ثم انعكس بعد ذلك على قضية الحدود معه.

التعديل في المقولة "إننا لا نحكم مصر وإنما نحكم الذى يتحكم في مصر"، وليس من يتحكم فيها مثل مياه النيل القادمة من السودان، الأمر الذى أصبح معه الأخير هو طريق الإمبراطورية للتحكم في مصر.

تتجمع الشواهد بعد ذلك على السياسات الإمبراطورية للتخلص من الوجود المصرى في السودان، والسعى إلى كسب امتيازات له على حساب الجانب المصرى يعنينا منها تلك التي مست الحدود بين البلدين، وتكشف الأوراق السرية للخارجية البريطانية عن جانبين من تلك المحاولات، أولهما خاص بإعادة رسم الخرائط على نحو تظهر معه الحدود الإدارية وكأنها الحدود لوحيدة بين البلدين وثانيهما محاولة تعليم الحدود بين البلدين على أساس الخط الإدارى.

أشهر المحاولات الخاصة بتعديل الخرائط تلك التي جرت عام 1924 عام قمة الأزمة في العلاقات.

قمة الأزمة في العلاقات المصرية - البريطانية ويروى قصتها ملف كامل من ملفات الخارجية البريطانية..

يبدأ هذا الملف بطلب من قائد الاحتلال في مصر بحسم قضية الخرائط المتصلة بالحدود المصرية - السودانية، وهل هي كما أظهرتها خريطة المساحة المصرية عام 1909 والتي تبين الحدود السياسية عند خط 22 وتميزها عن الحدود الإدارية أم أنها كما بينتها خريطة رئاسة الأركان في وزارة الحرب البريطانية التي اكتفت بالحدود الإدارية بين البلدين وأغلقت الحدود السياسية.

كان من رأى وزارة الخارجية البريطانية "تبنى خط عرض 22 شمالا المحدد في اتفاقية كرومر - بطرس عام 1899 في كل ما يخص مسائل الحدود في المستقبل بين البلدين" (أنظر الوثيقة رقم 1).

في تلك الظروف وبينما الأزمة تزداد احتدامًا بين وزارة زغلول والمندوب السامى اللورد اللنبى انبرى وكيل حكومة السودان في العاصمة المصرية، المستر مور يدافع عن خط الحدود الإدارى باعتباره الخط الذى ينبغي الاقتصار عليه في الخرائط البريطانية، ووجد الرجل من يصغى إليه، ليس في دوائر دار المندوب السامى فقط، إنما في الدوائر الإمبراطورية في العاصمة البريطانية.

انتهى الأمر عند وزارة الحرب البريطانية في يونيه عام 1924 التي وافقت على تبنى الخط الإدارى باعتباره خط الخدود بين البلدين مما كان له مضاعفات مستقبلية.

ففي رسالته للدكتوراه يعدد الدكتور البخارى عبد الله سبعة أطالس صادرة كلها عن دار نشر في لندن أو أكسفورد باستثناء واحد صدر في أمستردام، وجميعها تقر الحدود الإدارية باعتبارها الحدود بين البلدين، ولعل القانوني السودانى في هذا الاستشهاد لا يعرف أصل الحكاية.

نجد هذا الأصل في إحدى ملفات الخارجية البريطانية خاص بشركة طباعة أطالس أمريكية هي شركة راند ماكنلى، ومقرها شيكاغو، ففي مراسلة من هذه الشركة عن خط الحدود المعتمد بين مصر والسودان.. السياسى أم الإدارى مؤرخة في أول مايو عام 1928 جاء رد الخارجية باعتماد الخط الثانى وأصدرت الدار أطلسها على هذا النحو، ليتبعها بقية الأطالس التي رصدها الدكتور البخارى.

***

الجانب الثانى تبدى في المحاولات التي جرت من جانبي مصلحتى المساحة في القاهرة والخرطوم لتعليم خط الحدود بين البلدين بإدماج الحدود الإدارية والسياسية، وقد جرت محاولتان في هذا الصدد، أولاهما خلال العشرينات والثانية خلال الأربعينات.

المحاولة الأولى جرت عام 1923 وكانت المناسبة القيام بعمل مساحة حديثة لمديرية حلفا وطالبت بتعيين هذه الحدود على الطبيعة ووضع علامات تحديد ثابتة على الخط الفاصل بين القطرين Demarcation ثم تعمل أرصادها وتبين مواقعها على الخرائط المسحية حتى يمكن إعادة تثبيت ما ينزع من مكانه من هذه العلامات مع مرور الزمن.

وقد تقدمت مصلحة المساحة السودانية لوكالة السودان في القاهرة والتي كانت مسئولة عن العلاقات مع مصر، بهذا المطلب، غير أن هذه الوكالة رأت أن الوقت غير مناسب لتقديم مثل هذ الاقتراح للحكومة المصرية.

تكررت المحاولة مرة أخرى عام 1941 عندما تقدمت نفس المصلحة إلى مصلحة المساحة المصرية بذات الاقتراح، وقد رأى المسئولون في المصلحة الأخيرة أن يقترح على وكالة حكومة السودان تشكيل لجنة من مصلحة المساحة المصرية ومصلحة المساحة السودانية "لمعاينة الطبيعة تمهيدًا لتقديم اقتراحاتها بخصوص تعيين الخط الفاصل بين القطرين في الأراضى الزراعية والصحراوية حتى إذا ما تم الاتفاق بين الحكومتين أمكن تثبيت ذلك بعلامات واضحة وعمل أرصادها لتبيان موقعها على الخرائط".

وبعد نحو عامين من الاقتراح، وبعد أن عرض الموضوع على قسم قضايا وزارة الخارجية أبدى هذا القسم رأيه في كتاب مؤرخ في 2 أغسطس عام 1943، وجاء كالآتى:

"لا يوجد مانع من أن يعهد إلى لجنة مؤلفة من ممثلين لمصلحة المساحة المصرية والسودانية لوضع علامات ثابتة عل الخط الفاصل بين مديريتى أسوان وحلفا وعمل أرصادها لتبيان مواقعها على الخرائط على أنه في هذا الشأن فإن المادة 11 من معاهدة الصداقة والتحالف بين مصر وبريطانيا العظمى احتفظت بمسألة السيادة على السودان وأن الحكومة المصرية ما فتئت تطالب بهذه السيادة فلا يجوز أذن أن يتصرف الأمر إلى تعيين حدود سياسية بين البلدين بل يجب أن تقتصر مهمة اللجنة على الناحية الإدارية المحضة. ورغبة في إظهار ما يسم مهمة اللجنة من الطابع الفني الإدارى يحسن الامتناع عن عرض المسألة على مجلس الوزراء فيعالجها وزير المالية بماله من السلطة عن طريق مباحثات تدور رأسًا بين مصلحتى المساحة المصرية والسودانية دون أي تدخل رسمي من رئيس مجلس الوزراء".

ومع أن هذه الاتصالات لم تسفر عن شيء غير أنها تظهر من جانب أن المسئولين في الإدارة القانونية بوزارة الخارجية المصرية قد حرصوا على استمرار الطابع الإدارى للترتيبات التي تم اتخاذها خلال عام 1899 و1902، ثم أنهم من جانب آخر رأوا قصر عملية التعليم الإدارى على الخط الفاصل بين مديريتى حلفا وأسوان، أي فيما يتصل بالحدود النيلية فحسب وليس الحدود البحر أحمرية، فضلا عن ذلك فإن تلك المحاولات تنفى المقولة السودانية أن الترتيبات التي صنعتها قرارات عامي 1899 و1902 قد صنعت حدودًا معلمة Demarcated، لأنه لو كان ذلك حقيقيًا لما احتاجت مصلحة المساحة السودانية أن تبذل تلك المساعى المتكررة لإتمام التعليم.

ومعنى أن الحدود المصرية - السودانية، سواء السياسية أو الإدارية لم تشهد أيًا من أعمال التعليم فإن ذلك يعنى أنه لم يتم تعليمها، والادعاء بأن التعليم قد تم من خلال الحجر الذى تم وضعه في أدندان وفرص ومكتوب على أحد وجهيه مصر وعلى الوجه الآخر السودان، محاولة تثير الدهشة عند أي طرف له علم بألف باء عملية تعليم الحدود.

ويمكن أن نخلص من كل هذا لحقيقة مؤداها أن ما جرى إنما تم لأغراض تخدم مصالح الإمبراطورية، يضعف من تأثيرها حقيقتان.. أولاهما أن الجانب المصرى لم يكن أبدًا طرفًا فيها، وثانيتهما أن بريطانيا نفسها ما لبثت أن عدلت عنها بعد أن انتهت هذه المصالح.

***

أثار اتفاق عام 1953 قضية أخرى بالنسبة للحدود المصرية - السودانية هي المتصلة بالانتخابات التي جرت بناء على الاتفاق، إذ يرى بعض السودانيين أن الانتخابات لتشكيل البرلمان الذى نص عليه قد جرت في مثلث حلايب مما يعنى تسليمًا من الجانب المصرى بوقوعه داخل حدود السودان.

يستوجب هذا القول العودة إلى الجدول المرفق بالاتفاق بشأن توزيع الدوائر وينقسم إلى أجزاء ثلاثة..

الجزء الأول عن دوائر مجلس الشيوخ وتضم 30 دائرى مقسمة على المديريات بحيث تكون كل مديرية دائرة واحدة، ولا يظهر في هذا التقسيم إلا أسماء المديريات.

الجزء الثانى عن دوائر مجلس النواب التي تجرى فيها الانتخابات المباشرة وعددها 35 دائرة وتشمل المناطق الحضرية، وليس فيها أية إشارة إلى حلايب أو غيرها من بلدان المثلث.

الجزء الثالث والأخير ويضم دوائر الانتخابات غير المباشرة وتضم 75 دوائر مرقمة من الدوائر 36 إلى الدائرة رقم 92.

ونعثر في هذا الجزء على الدائرة رقم 70 وكان مسماها "الأمرار والبشاريين"، ووصفها "نظارات الأمرار والبشاريين"، وهناك أكثر من ملاحظة حول هذه الدائرة التي يفترض الجانب السودانى أنها قد ضمن منطقة مثلث حلايب:

1) أن توصيفها يتسم بالتعميم الأمر الذى يصعب معه كثيرًا القول بأنه كان يضم مناطق البشاريين الواقعة "بأراضى الحكومة المصرية" على حد تعبير قرار عام 1902 أو لا.

2) أن الانتخابات فيها تجرى "بشكل غير مباشر" على نحو بينته سائر مواد الاتفاق بالتفصيل.

ويتبين من ذلك أن مثل هذه الانتخابات لا تتعلق بالمكان فيما هو ظاهر بالنسبة للانتخابات المباشرة وإنما تتم من خلال التجمعات البشرية أينما وجدت، بمعنى آخر أنه يمكن القول بأن الانتخابات لم تجر في المناطق المصرية الواقعة ضمن إدارة حكومة الخرطوم وإنما تمت بين القبائل التي اتفق أنها تابعة لهذه الحكومة مما لا يرتب أي حقوق سيادية على المنطقة، فضلا عن ذلك فإن الانتخابات جرت ولم تنته بعد الإدارة الثنائية مما لم ير معه الجانب المصرى أنها تؤثر على حقوقه السيادية على المنطقة.

أخيرًا فإن أية مبادرة من جانب الحكومة المصرية وقتذاك لمنع الانتخابات لشيوخ البشرية كان سيترتب عليها مضاعفات سياسية وجدت نفسها عازفة عنها.

وعلى الرغم من كل ما صنعته السياسات الإمبراطورية من سعى لتحويل الحدود الإدارية إلى حدود سياسية، فإن حكومة لندن لم تتردد حين انتفاء مصالحها في العدول عن هذا الموقف، فيما حدث في أكثر من مناسبة..

من بين هذه المناسبات التي رصدناها اعتراف من حاكم عام السودان إلى السفير البريطاني في القاهرة مؤرخ في 23 يناير عام 1941، تعليقًا على أثر معاهدة 1936 جاء فيه بالحرف الواحد أن "المنطقة الواقعة بين الحدود السياسية والإدارية قد تحددت بشكل غير رسمي على أنها منطقة مصرية، ونحن نفضل أن نتركها كذلك"! (أنظر الوثيقة رقم 2).

من بينها أيضًا، وبعد ما يقرب من عشرين عامًا، الشهادة التي تقدم بها المستر ستريتر، وكان أحد العاملين في إدارة أقسام الحدود ونشرت في التايمز اللندنية، بتاريخ 26 فبراير عام 1958، وقد جاء فيها بالحرف الواحد "في عام 1919 صدرت لى التعليمات بالإبقاء على فصيلة مصرية في مرسى حلايب وأن تصبح تلك المنطقة ضمن نطاق الدوريات التي أقوم بها، وقد استمر معمولا بهذا النظام إلى أن غادرت مصر عام 1922".

تبقى آخر هذه المناسبات وتتضمنها مذكرة وضعها القائم بأعمال المستشار القانوني لوزارة الخارجية البريطانية في عم 1958 بعد أن تقدمت السودان بشكوى إلى مجلس الأمن حول ما أسمى بالتعدى المصرى على حلايب، وطلب المندوب البريطاني في المجلس من حكومته أن توافيه بالوضع القانوني للمنطقة المتنازع عليها، فأحالت الخارجية الموضوع على المستر فاليت F. A. Vallet الذى وضع تلك المذكرة.

بعد استعراض تاريخى طويل خلص الرجل إلى حقيقة مؤداها أنه لو لجأ الطرفان إلى التحكيم الدولى فإن موقف السودان يتسم بالقوى بالنسبة لنتوء وادى حلفا، أما بالنسبة لمنطقة حلايب فالعكس صحيح، إذ تستطيع مصر بسهولة أن تكسب قضيتها.

وقد خلص الرجل إلى هذا الرأي معتمدا على جملة من الحقائق.. منها أنه بالرغم من وجود مركز إدارى وقوة بوليس تابعة لحكومة السودان في المنطقة فإنها لم تدخلها أبدًا أية مجموعة عسكرية تابعة لقوة دفاع السودان S.D.F.، بينما كان يمكن ان تدخلها في أي وقت قوات الجيش المصرى، وأن المصريين كانوا يدخلون إلى المنطقة ويخرجون منها دون أية مساءلة من جانب السلطات الإدارية السودانية، وأن رخص التنقيب عن المعادن استمرت تصدر من القاهرة.

وكان هذا الرأي هو الذى دفع الحكومة البريطانية إلى أن تصدر تعليماتها إلى ممثلها في مجلس الأمن ألا يعطى تأييدًا سياسيًا مطلقًا للجانب السودانى رغم التعاطف معه، مما يشكل صفحة في الأزمة التي نصبت حول الحدود بين البلدين عام 1958 والتي ارتبطت باسم عبد الناصر.


صورة من المقال: