ads

Bookmark and Share

السبت، 2 يناير 2021

095 المعرض الوطنى للفرجة والاعتبار!

 المعرض الوطنى للفرجة والاعتبار!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 25 مايو 1995م - 25 ذو الحجة 1415هـ


"كان أمس الأول الموعود للاحتفال بافتتاح المعرض المصرى الأول، فعند الساعة التاسعة صباحًا أخذ المدعوون لحضور حفلة هذا الاحتفال الباهر يتوافدون إلى هذا النادى البالغ الاتقان بين وجهاء وأعيان وموظفين وتجار وأرباب جرائد من وطنيين وأجانب يتقدمهم حضرات النظار ووكلاء الدول وقناصلها ورجال المعية السنية حتى إذا كانت الساعة العاشرة أقبل الجناب الخديوى المعظم بموكبه الحافل تحف به كوكبة من الجند فضج الجمهور بالدعاء وصدحت الموسيقى بالسلام وسار سموه باسمًا يحيى الجميع بوجهه الوقور حتى بلغ الكشك المُعد لمقامه السامى فارتقاه مع نظاره وكبار رجاله".

بهذه المقدمة وصف الأهرام الصادر يوم 23 أبريل عام 1894 حفل افتتاح أول معرض في التاريخ المصرى، وله قصة مليئة بالمقدمات، كما أنها حافلة بالطرائف والفوائد، أو على حد تعبير الصحيفة، جديرة بالفرجة والاعتبار!

***

المقدمات سبقت قيام المعرض الوطنى بخمس سنوات، وفى مايو عام 1889 على وجه التحديد حين انشغل المصريون بمعرض كان يقام وقتذاك في العاصمة الفرنسية باريس وكان أول معرض دولى تحصل مصر فيه على جناح خاص.

الجناح كلف الحكومة المصرية 100 ألف فرنك بلغت مساحته 300 متر مربع احتل جانبًا منه نموذج لجامع قايتباى وآخر لسبيل ماء وثالث لبيوت مصرية تمثل المباني المصرية القديمة تحتها محال تجارية لبيع الحلى والحلوى والكنافة والعطور الشرقية.

من أطرف ما قدمه الجناح خمسين حمارًا تم استحضارها من مصر مع المكاريين والبياطرة وصناع البرادع وكانت تقوم بنقل الركاب من الجناح المصرى إلى الجهات القريبة نظير فرنك للراكب وكان الإقبال شديدًا عليها فضلا عن ذلك فقد أقيم مقهى على النظام المصرى وبه عدد من الراقصات جذبن برقصاتهن جموع زوار المعرض الباريسى.

وليس من شك أن أخبار هذا المعرض التي استمرت تحتل مساحات غير صغيرة من الأهرام والصحف الأخرى لأسابيع متوالية، قد شدت الاهتمام ثم أثارت الرغبة في أين يكون لمصر معرضها، وهى الرغبة التي اقتضت خمس سنوات حتى تظهر إلى الوجود.

الظهور حدث في الإسكندرية وكان ظهورًا طبيعيًا، بحكم أن الميناء المصرى الشهير استمر الجسر الذى تنتقل عبره من أوروبا الأفكار، وبحكم تركز كثير من المؤسسات المالية الأجنبية في الثغر، وهى مؤسسات تملك القدرة على المبادرة والاستعداد لتبنى مثل هذه المشروعات.

الأخبار المتناثرة عن أول المعارض المصرية التي كان ينشرها الأهرام أواخر عام 1893 تحولت إلى اهتمامات يومية من جانب الصحيفة أوائل العام التالى، وصلت إلى احتلال الصفحة الأولى، وبمساحة شغلت أغلب هذه الصفحة خلال الشهر السابق على الافتتاح، مما قدم صورة متعددة الجوانب للمعرض.

(الموقع) وراء بورصة طوسون باشا في أول طريق المحطة الحديدية على مساحة قدرها 6500 متر مربع.

(التصميم) مربع كله أروقة للمعروضات، يبدأ من الباب رواقان طويلان الطول 45 مترًا والمعرض سبعة أمتار لهما أبواب ونوافذ زجاجية لعرض الأشياء التي يخشى عليها من الرطوبة أو حرارة الشمس أو نحوها!

رواق طويل آخر على امتداد المعرض للآلات البخارية على أنواعها مما لا يخشى عليه أصحابه من عوارض الجو مثل آلات عصير السكر والرى والأرز وما شاكلتها".

قاعتان متساويتان تقرر أن تكونا معرضًا للفنون مثل التصوير والحفر والتماثيل وما جرى مجراها من سائر أنواع الفنون، فضلا عن تخصيص مساحة في إحدى هاتين القاعتين "لعمال يعملون بأشغالهم المعهودة أمام المتفرجين الخراطة والحياكة ونحوها".

(الترفيه) تعددت أنواعه بدءًا بوسط المعرض حيث أقيمت ساحة واسعة جعلت حديقة للمتنزهين في وسطها ثلاثة أكشاك أولها لاستراحة الخديوى وأوسطها للموسيقى وثالثها لأعضاء اللجنة المسئولة عن المعرض فضلا عن أربعة أكشاك أخرى أصغر على زوايا الحديقة الأربعة "لباعة الدخان والحلوى والخشاف".

الأهم من الحديثة القاعة المستطيلة التي أُعدت إلى جانب الرواق الرئيسى المعدة "للقهاوى وأمامها حديقة توضع فيها الكراسى لمن يحبون تناول القهوة أو غيرها وإلى جانبها مرسح للتمثيل يسع نحو 500 نفس وفى صدره لوج لسمو الخديوى وحلوه أروقة على شكل الواج مستطيلة لجلوس المتفرجين ثم يخرج منه إلى قاعة ثانية معدة للجعة (البيرة) وهى على نسق القاعة المعدة للقهاوى وإلى يمينها مكان واسع توضع فيه الآلة الكهربائية التي تقام لإنارة المعرض بالضوء الكهربائى.

(العارضون) من يرغب في الاشتراك يتقدم للجنة المعرض مبينًا ما يحتاجه من مكان، وما عنده من معروضات، وقد اشترط على من يقبل طلبه أن يضع مكان ما يبيعه للطالبين مثله في الحال وأن يبقيه إلى ما بعد نهاية المعرض لكى لا يكون فيه مكان فارغ"!

تقرر تخصيص جوائز بالنسبة لهؤلاء العارضين ينالها "أصحاب البضائع المتقنة أو الاختراع الحسن كما هو الشأن في المعارض الأوروبية، وأن تتولى لجان خاصة اختيار من يحصلون على هذه الجوائز التي تقرر أن تكون على شكل وسامات من ذهب وفضة".

وقد توقف الأهرام عند قضية العارضين مرتين.. مرة عند لجان التحكيم التي نصحت أن يعهد أمر اختيارها للعارضين لينتخبوا من يرون فيهم "اللياقة والأهلية وتلك أحسن طريقة لمنع التقولات عن اللجنة ونسبة الأغر اض إليها" ومرة أخرى عند ما لاحظه مدير الجريدة من أن أغلب من تقدم من العارضين كانوا من الأجانب وأن الوطنيين لم يقبلوا عليه الإقبال الذى كان يرجى منهم لمعرض يقام في بلادهم ولفائدتهم وهو استياء لم يستمر طويلا على أي الأحوال!

(نظام الدخول) أجرة الدخول يوم الافتتاح عشرون قرشًا أم بعد ذلك فخمسة قروش، وعرض للبيع "دفاتر من أوراق الدخول في كل دفتر منها 10 أوراق وللمشترى دفتر منها الحق مجانًا بورقة يانصيب من أوراق المعرض".

وقد هاجمت الأهرام ارتفاع قيمة رسم الدخول، بمقاييس العصر طبعًا، ورأت أنه ليس به شيء من الحكمة والتسهيل فكأنما يقصد بذلك عدم التصريح بالتردد على هذا المعرض إلا لفئة من الأغنياء بحيث يُحرم أواسط الناس ولا سيما الوطنيون منهم فوائده.. وإذا كانت اللجنة تقصد بذلك عدم الازدحام ومنع الرعاع من الاختلاط بالوجوه فلا أقل من أن تجعل الرسم منخفضًا في أيام معلومة من الأسبوع فلا يُحرم أحد من فوائد المعرض"!

ولعل ذلك ما دفع اللجنة المسئولة إلى أن تصدر بيانًا جاء فيه أنه بعد تستوفى نفقاتها سوف تقوم بتخفيض رسم الدخول، أو ربما تلغيه تمامًا!

وانتظر الجميع بعد ذلك اليوم الموعود للاحتفال بالافتتاح.. يوم 22 أبريل الذى جاء توصيفه في مستهل هذا الموضوع، وكان لهذ الاحتفال ما بعده.

***

رغم الطابع التهليلى الذى غلب على توصيف مدير تحرير الأهرام لحفل افتتاح المعرض المصرى الوطنى الأول، كما أسماه إلا أنه ساق انتقادات اتسمت بقدر من الحدة لتقصير ارتآه فيه.

مصدر التقصير أن عدد العارضين فيه مصنوعاتهم وبضائعهم من الوطنيين قليل جدًا في جانب عدد الأهلين في هذا القطر إلا أنهم يعذرون في ذلك فقد كان من واجبات الحكومة أن تزيد لهم في المساعدات المادية والأدبية التي تمكنهم من ذلك شأن جميع الدول التي عملت على تنشيط الصنائع وإقامة المعارض في بلادها وفى مقدمتهن الدولة الفرنساوية"!

رغم ذلك فإن مكاتب الأهرام في المعرض قد خصص جانبًا كبيرًا من تقاريره عن المعروضات الوطنية، "وهى حسنة ومتقنة الوضع والصنع وتدل على همة الوطنيين واجتهادهم في الصنائع والفنون".

أحد هذه التقارير رصد فيها عددًا من الصناعات الأصيلة الأنسجة المصرية التي تصنع في أخميم وما جاورها الخيام العربية وما عليها من الكتابة والأشعار مما يوضع في الموائد والأعراس والخشب المحفور والمرصع بالعاج والأبنوس والنرد والمناضد والكئوس المصنوعة من عظام الخرتيت قطعة واحدة على أجمل هندسة الأثاث والمقاعد من الخشب المخروط المستدير مرصعًا بالكتابة ونفيس الأشعار مما يناسب معنى المجالس والترحيب في الدعوات وكلها على أجمل اتقان يسر الخاطر والنظر".

وقد أعار مراسل الأهرام في المعرض اهتمامًا خاصًا لاختراع مرشح مصري "وهو آلة اسطوانية مستطيلة لها أنبوبتان توصل أحداهما في مصب النيل من حنفية أو سواها ثم يخرج من الثانية مقطرًا صافيًا "ولإنتاج معمل بولاق من الآلات الكهربائية" ومنها ساعة تدار على الكهربائية وآلة للتلغراف وغيرها وكلها تدل تقدم الوطنيين ومهارتهم في هذه الفنون"!

وكان الاهتمام بالإنتاج الوطنى في المعرض المصرى الأول مناسبة لطرح بعض من القضايا الاقتصادية..

قضية الاستيراد من الخارج بكل مضاعفاتها احتلت المساحة الكبرى من الاهتمام، والمثير أن الذى طرحها كان مراسل الأهرام في أسيوط التي كانت قد وصلتها "الأخبار المفرحة بشأن معرضنا الوطنى الاسكندريى"، وقد يكون ذلك مفهومًا على ضوء ما تحفل به المديرية الصعيدية من مراكز صناعة النسيج وغيرها..

جاء في تعليق الرجل "جميع لوازمنا وأخصها الصناعة نشتريها من الخارج وصناعنا هؤلاء الذين يعرضون مصنوعاتهم بمعرض إسكندرية يقولون بأن الرجل الصانع لا يكتسب طول يومه قرشين أو ثلاثة وليس من يرغب لمشتراها إلا بشق الأنفس نظرًا لمزاحمة البضائع الأجنبية" ويرى أن الحل "أن نشترى الآلات والماكنات ونفتح المعامل والمصانع ونشتغل لوازمنا فتكون أرخص وأمتن وأحرص لحجز ثروتنا"!

ولم ينس الرجل في هذه المناسبة أن ينزل تقريعًا على حضرات أغنياء البلاد، فقد رأى أن "حرصهم في عدم توسيع نطاق الصناعة وتمهيد سلبها وكثرة انتشارها هو عين التبذير والإسراف لأن بلادنا متوفرة فيها اللوازم الطبيعية فمن العبث والتبذير أن نترك هذه النعم الوافرة حتى ترد لبلادنا من أوربا باثنى عشر أو بثلاثة عشر مليون جنيه سنويًا من المصنوعات الغربية المزخرفة وفى هذا التنبيه كفاية"!

القضية الثانية طرحها مكاتب القاهرة فقد رأى الرجل أن المعرض لم يقدم صورة حقيقية عن الإنتاج المصرى فعندنا من المصنوعات نفائس جمة لم يجد لها أثرًا في المعرض، وقد عزا ذلك إلى سببين، أولهما: أن بعضًا من المنتجين كانوا في حاجة إلى العون المادى لنقل انتاجهم إلى مقر المعرض، والثانى: مخاوف البعض الآخر من نقل بضائعهم أن تتلف في الطريق أو لا تُباع في المعرض.

ولم ينس مكاتب القاهرة بدوره أن يلوم كبراء الشعب المصرى الذين "لا ينظرون إلى جديد مفيد إلا كأنه حرام ولا يرون في الخروج عن المألوف اليومى إلا شذوذًا ولا منفعة به ولا نجاح يرجى منه".

وبغض النظر عن اللهجة الانتقادية التي حملتها تعليقات مكاتبى الأهرام في العواصم الثلاثة، القاهرة والإسكندرية وأسيوط، فإن تلك الكتابات تعكس في نهاية الأمر صورة مؤداها أن الاهتمام بالمعرض الوطنى قد شمل مصر من أقصاها إلى أدناها، وهو اهتمام لم يقتصر على مراسلى الصحف بل امتد إلى سائر المصريين.

يؤكد ذلك الأخبار التي استمر يسوقها الأهرام عن الإقبال على المعرض نختار منها هذا الخبر المنشور في العدد الصادر يوم 22 مايو.. جاء فيه.. "أمس معرضنا الإسكندرى ملتقى أعيان وذوات البلدة إذ توفرت فيه المعدات اللازمة لرضا الزوار والمتفرجين ويسرنا أن نرى كبار القوم وفى مقدمتهم دولتلو نوبار باشا يزورون المعرض في أكثر الأيام.

يؤكده أيضًا الإعلان الذى نشرته مصلحة السكك الحديدية في الصحف، بما فيها الأهرام، وقد جاء فيه "أن المصلحة قررت تسيير قطارات نزهة بين مصر والإسكندرية طول مدة المعرض تقوم من مصر يوم الخميس من كل أسبوع الساعة الواحدة وخمسين دقيقة".

ومع أن الأهرام حيت مصلحة السكك الحديدية على هذا القرار إلا أنها قد رأت أن المصلحة قد "سها عليها أن تسيير القطارات بهذه الكيفية لا يصلح إلا لمستخدمى الحكومة فقط الذين يخرجون من مصالحهم الساعة الواحدة مساءًا ويتغيبون يوم الجمعة وأما مستخدمى التجارة والبنوكة الذين عددهم لا يقل عن خدمة الحكومة فلا ينالون هذا الحظ بالنسبة لعدم انقطاعهم عن العمل يوم الجمعة".

وطالبت بعد ذلك بتسيير قطار آخر يوم السبت وفى نفس الميعاد حتى يتسير لهؤلاء زيارة المعرض "فليس الوطنى من يخدم الحكومة فقط بل السواد الأعظم من خدمة التجارة هو وطنيون أيضًا"!

الجناح الذى لقى أيضًا اهتمامًا ملحوظًا من جانب جمهور المعرض الوطنى الأول في الإسكندرية كان جناح الفنون التي تنوعت الأمر يستحق معه اصطحاب مكاتب الأهرام في زيارته له..

***

الجناح على هيئة قاعة كبرى أول ما يلفت النظر في ساحتها صندوق زجاجى كبير فيه

* جميع أنواع الأسلحة النفيسة من سيوف وخناجر وغدارات وبنادق كلها مرصعة بالياقوت والماس لعارضيها سعيد بك وعمر بك طوسون، ولا ينسى المراسل في هذه المناسبة التنويه بفضل الأميرين اللذين قبلا إقامة المعرض على رض فضاء يملكانها، وبدون مقابل.

* سرج من الفضة الخالصة كان "للمغفور له سعيد باشا عزيز مصر وهو من المعروضات النفيسة التي تستحق الفرجة والاعتبار".

* بعض محفوظات الاجنب.. النقود على أنواعها للبارون فلكس دى منشه.. العاديات على اختلاف أشكالها وأزمانها للمسيو إسكندر زغيب.

بعد ذلك ضمت القاعة عددًا كبيرًا من اللوحات الفنية، وقد قرر مراسل الأهرام أن يعمل ناقدًا فنيًا لهذه اللوحات، أو التصاوير، حسب تسميته، وأن كان قد اعتذر في بداية مقاله النقدى الذى نشره تحت عنوان "الفنون في المعرض الوطنى المصرى".. اعتذر بمعرفته القاصرة راجيًا من أصحاب التصاوير "أن يأخذوا كلامى على محمل الإصلاح والتحسين في المستقبل لا على التحامل والإيقاع فإن الحقيقة بنت البحث والعلم نتيجة الانتقاد!"

استعرض مكاتب الأهرام سليم حداد في هذا المقال الانتقادى عشرين لوحة كلها لرسامين من الأجانب..

نال المصور "فليبوتو" نصيب لأسد فقد كانت له سبع لوحات، والواضح في اختياره لموضوعاته أنه بلغارى فإحدى هذه اللوحات صورة مسكن بلغاريين وقد أعجب الناقد الأهرامى فيها الفارس الجالس على جواده وأجفال الجواد الطبيعى من الخنازير التي ترعى بجانبه، والأخرى عن مناوشات الباشبوزق (الجنود غير النظاميين) في البلقان وهى تمثل حركة الأشخاص الطبيعية ورسمهم الحسن إلا أن ألوان الأرض البعيدة عنهم غير متقنة!

تؤكد سائر لوحات هذا الفنان أنه قد جاء إلى مصر وعاش فيها وحاول التعبير عن سائر مظاهر الحياة بين جنباتها.. صورة سبيل مياه في خان الخليلى، وصورة مملوك رسم بالحبر على الورق وهى حسنة للغاية، مصري بائع بطيخ حسنة الرسم جدًا وإن كانت مقلوبة للجهة الثانية فكأنه رسمها من قفا الورق تمامًا، شيخ مصري يلبس القفطان ووضع يده الواحدة على الأخرى مما يدل على درس المصور أخلاق أهل البلاد وعاداتهم!

يلى المصور البغارى المصور الأرمنى مردجان، وكان له في المعرض خمس لوحات، وكانت في مجملها صورًا لأشخاص، وقد نالت تعليقات قارسة من الناقد الأهرامى فلوحة "فتاة صغيرة كان يجب أن يستبدلها لجنة المعرض بما هو خير منها" وصورة "مدام ل. بيك غير كاملة التصوير" ولوحة "رأس بدوية لم يراع فيها فعل النور كما يجب وخصوصًا فعله من الثياب والوشم الأزرق في وجهها لا يمثل الطبيعة وصورة "رقص النحل غير حسنة وهى كباقى أشغاله غير تامة التصوير"!

صورتان لبعض أفراد الأسراة الحاكمة للمصور ليكى أعجب سليم حداد بواحدة وانتقد الأخرى.. الأولى لمحمد على باشا أعجبه فيها ليس فحسب دقة الملامبح لمنقولة عن صورة شمسية، وإنما الديوان الجالس عليه مؤسس الأسرة العلوية والمسند والكرسى الصغير أمامه، والثانية لأمير عمر بك طوسون ولم يعجبه فيها أنها تظهر الجسم محدوبًا وهوما لا يوافق فتى بهذا السن ويبدو أن الناقد الأهرامى قد أراد أن يجامل الأمير المشهور أغنى أغنياء الإسكندرية!

غير هؤلاء عرض الرجل للوحات لباتولينى، جول بونار، بيانولى، روسى، فضلا عن رسامة واحدة هي المد موازيل حسا، وقد تراوح عرضه بين المدح والقدح!

واستمر المعرض الوطنى الأول بين الفرجة والاعتبار لشهرين كاملين يتوافد عليه المصريون من شتى أرجاء البلاد وكان يوم انتهائه في 24 يونية مناسبة لإعلان أسماء الفائزين وجاء في طليعتهم اثنان من المصريين.. محمد افندى حسبو والحاج حسن الطرابيشى.. الأول عن "جودة معروضاته الميكانيكية وشهادة ببراعته واجتهاده" والثانى عن "حسن الصنائع والفنون  التي قام بعرضها، ولم  ينس الأهرام في هذه المناسبة الإشارة إلى الجائزة التي نالتها الخاتون كريستين قرداحى، السورية صاحبة المدرسة بالثغر عن "الزهور الاصطناعية الجميلة" التي صنعتها تلميذاتها.. وبينما كان هذا الإعلان خاتمة لمتابعة الأهرام وغيرها الأخبار المعرض الوطنى الأول فإنه كان بداية للاستعداد لإقامة المعارض التالية، مما أصبح تقليدًا مؤسسيًا في التاريخ المصرى بعدئذ!


صورة من المقال: