ads

Bookmark and Share

الخميس، 31 ديسمبر 2020

091 مفتش عموم السجون المصرية

 مفتش عموم السجون المصرية

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 27 أبريل 1995م - 27 ذو القعدة 1415هـ


في أبريل عام 1884 ساقت الصحف المصرية خبرًا ربما لم يعره أغلب القراء اهتمامًا، غير أنه كان له ما وراؤه.. قال الخبر أنه قد تقرر إنشاء منصب جديد في الداخلية هي منصب "مفتش عموم السجون"، وأن المنصب قد أسند إلى إنجليزي هو المستر هاري كروكشانك.

السبب في أن المصربين لم يعروا اهتمامًا للخبر أن تلك الأعوام قد عرفت كل يوم خبرًا يطلع عليهم بتعيين "إنكليزيًا" في أحد المناصب الهامة سواء في الداخلية أو في غيرها.

أما السبب في الأهمية التي لم ينتبه لها الكثيرين أن القضية لم تكن مجرد تولي أحد رجال الاحتلال لمنصب، مهما بلغت أهميته، بل إنها كانت مرحلة عامة لعالم كريه، ولكنه موجود.. عالم ما وراء القضبان، وهو عالم له قصة في التاريخ المصري الحديث نحاول هنا قراتها مع الأهرام ومن خلاله، ونبدأها من الصفحة الأولي؟

"داخلها مفقود وخارجها مولود"، كان القول الشائع عن مصير من يسوقهم حظهم إلى دخول السجون أو "الحبسخانات"، على حد تسمية بعض الكتابات، حتي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما دخلت على تلك الحبسخانات في مصر جملة من الإصلاحات.

ويثير الدهشة أن تلك الاصلاحات لم تفض فحسب إلى تبديد المخاوف من تلك السجون، بل وصل الأمر إلى أن البعض اعتقد أنه لا خشية من دخولها، ولا بأس من البقاء فيها!

يقرر الأهرام تلك الحقيقة في عدده الصادر يوم 24 ديسمبر عام 1889 بقوله: "لما كانت أحكام المخالفات تُصيب في الغالب الفئة المعسرة من الناس فإن بعضهم يفضل السجن على دفع رسوم الحكم والغرامة إما لأنهم معسرون وإما لأنهم لا يبالون بالسجن"!

الصورة المُخيفة لسجون العصور الوسطى لم تكن قاصرة على مصر، ہل شاعت في العالم كله، وهي الصورة التي تعدلت في غرب أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وإن احتاجت لبعض الوقت لتتغير في الشرق.

عن هذه الصورة المخيفة، لدينا شهادات بعضها أهلى وبعضها رسمي، من النوع الأول ما قدمه المقريزي مؤرخ مصر الأشهر، وقد جاء في قوله عن أحد تلك السجون، وهر سجن المقشرة الواقع بالقرب من باب الفتوح بالقلعة أنه كان من "أشنع السجون وأضيقها يقاسي فيه المسجونين من الغم والكرب ما لا يوصف عافانا الله من جميع البلاء"، وجاء في قول آخر من السجن الواقع إلى جوار باب زويلة، بالقلعة أيضًا، وهو سجن خزانة الشمائل أنه "من أشنع السجون وأقبحها منظرًا يحبس فيه من وجب عليه القتل أو القطع من السُراق وقُطاع الطريق ومن يريد السلطان هلاكه"، وصورة قريبة من تلك سجلها كتاب من القرن الثامن عشر لسجن "العرقانة"، وكان موجودًا بدوره القلعة شأنه شأن سائر السجون المصرية في الفترة السابقة على بناء الدولة الحديثة.

الجانب الآخر من الشهادة تقدمه الكتابات الرسمية، وهي في هذه المرة عن نزلاء الحبسخانات، فيما سجله أول قانون مصري خاص بالموظفين، وهو قانون السياستنامة الصادر عام 1837..

أغلب العقوبات التي تضمنها هذا القانون كانت تتحدث عن "ربط المذنب بالقلعة" لفترات تتحدد تبعًا لطبيعة ذنبه، ويصف منشور صادر في نوفمبر عام ۱۸۸۱ طبيعة المربوطين بأنهم مغلولون بالحديد في أعناقهم وأيديهم والمحافظون عليهم يسحبونهم من أطرافها"!

تشير الشهادات الرسمية إلى حقيقة أخرى وهي أن السجون لم تكن مسئولة من إطعام نزلائها، اللهم إلا في حالة "الفقراء المحتاجين" الذين كانت تُصرف لهم جراية لا تزيد عن وجبة واحدة يوميًا، وكثيرًا ما كانت تنقطع، الأمر الذي لم يكن معه ثمة غرابة من منظر مسجونين يتضورون جوعًا داخل محابسهم!

ولم يكن متوقعًا أن يستمر هذا الوضع طويلا في مصر خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولجملة من الأسباب..

التحول من المجتمع الإقطاعي إلى المجتمع الرأسمالي وما استتبعه من اتساع قاعدة التعاملات بين المصريين خاصة مع انهيار أسوار العزلة بين سائر الكيانات الاجتماعية خلق أنواعًا من الجرائم لم تكن معروفة من قبل، الأمر الذي أخذت تلح معه الحاجة إلى سن قرانين لمواجهة هذه الجرائم.. مدنية كانت أو جنائية، ولم تعد سجون القلعة التي كانت تتسع فحسب "للسُراق وقُطاع الطريق ومن يريد السلطان هلاكه" قادرة على استيعاب مرتكبي الجرائم الجديدة.

السبسب الآخر جاء مع حركة التحديث، ثم ما استتبعها من تدخل أوروبي في بعض الشئون المصرية، وكان إنجليزيًا بالأساس، حين وصلت دعاوي جماعات الانسانيين الإنجليز Humanitarians إلى مصر، وهي الدعاوى التي بدأ تأثيرها في ميدانين.. مكافحة الرق والسجن.

الميدان الأول نجح فيه التدخل الأوروبى من دفع إسماعيل إلى عقد معاهدة منع تجارة الرق مع إنجلترا عام ۱۸۷۷، أما الميدان الثاني فقد استغرق وقتًا وأن كان قد بدأ في مطلع الثمانينات، وقبل الاحتلال البريطاني للبلاد بعامين على الأقل.

في نوفمبر عام ۱۸۸۱ تم تحريم إرسال "أرباب السوابق والجنايات" إلى السجون "حالة كونهم مغلولين بالحديد وحيث هذه الحالة لا يوافق استمرارها إذ أنها تستدعي الانتقاد وما هناك إلا ما يدعو لأن يُعامل بها إلا القاتلون أو المتهمين والمشبوهون في القتل".

بعد ذلك بوقت قصير صدرت تحذيرات مشددة لمأمورى السجون من ترك بعض المسجونين "المنقطعين مع فقرهم وشدة احتياجهم" دون غذاء، أو كما جاء في تلك التحذيرات أنه "لم تحصل المراعاة أو الدقة في صرف الجراية المقتضية إليهم حسب الأوامر الصادرة"!

ومن جراء حالة الفوضى في حفظ الدفاتر بالسجون تكررت التعليمات لاستيفاء هذه الدفاتر، والسير على نسق دفتر سجن المحاكم المختلطة الذي "استوفى التوضيحات المختصة بالمسجونين"، وكان معلومًا أن أغلب نزلاء هذا السجن كانوا من الأجانب الذين كانوا يلقون معاملة خاصة، فالتفرقة بين الأجانب والمصريين وصلت حتى إلى المذنبين في السجن!

التأخير في الإفراج عن المسجونين بعد إثبات براءتهم و استيفاء المدد المحكوم عليهم بها شكل جانبًا آخر من مطلب الإصلاح، مما يكشف عنه منشور الداخلية الصادر في 12 أبريل عام 1883 والذي طالب المآمير مراجعة الأحوال "بالحبسخانات وتفقدها وإنجاز القضايا وتقديم استيفاء قضايا المسجونين على ما سواها ودوام النظر في درجة جناية كل منهم، ومن توجد جناية خفيفة وتساعد حالتها على الافراج عنه، أو تكون جنايته لا تستدعى سجنه فيُفرج عنه"!

في تلك الأثناء كان قد وصل إلى القاهرة اللورد دفرين سفير بريطانيا في استنبول مُكلفًا بكتابة تقرير عن الأوضاع المصرية، وقد احتلت أحوال السجون جانبًا مهمًا من التقرير الذي صدر خلال عام 1883، وكانت أحوالا قاتمة، وقدم التقرير الفرصة لسلطات الاحتلال لفرض هيمنتهم بتعيين الإنجليزى مفتشًا لعموم السجون المصرية، مما كان بداية لمرحلة جديدة في تاريخ هذا العالم الغامض!

***

قبل أن يمضي وقت طويل على تعيين أول مفتش لعموم السجون المصرية صدرت أول لائحة للسجون، يشكل الاطلاع عليها فصلا ممتعًا من فصول تاريخ هذا العالم.

أول ما تتضمنه هذه اللائحة خاص "بتشكيل موظفي ومستخدمي كل سجن" والذين يرأسهم المأمور ورئيس السجانة، ثم عدد من هؤلاء، فضلا عن بعض رؤساء الحرف "لتعليم المسجونين ولإدارة حركة الصنائع المتنوعة التي جرى إدخالها في سجن الحكومة".

المأمور: تتنوع مهامه وأهمها "ترتيب المسجونين وتعيين المحلات حيثما يجب أن يقيموا"، تعيين المسجونين الذين يمكن استخدامهم في الصنائع المتنوعة، ملاحظة نظافة المسجونين، فضلا عن تحميله شخصيًا مسئولية أمن السجن "فله أن يتخذ كافة الاحتراسات اللازمة لمنع فرار المسجونين وأن يُراقب كل يوم الترابيس والكوالين والحيطان من الداخل والخارج"!

رئيس السجانة: يُشارك المأمور في ملاحظة الأمن " فيطوف يوميا لهنا الغرض جملة مرار داخلا وخارجا.. وأن يحضر عند توزيع المؤونة.. ثم عليه أن يفتش ملابس المسجونين عند دخولهم إلى السجن لأجل أن ينتزع منهم أي آلة يمكنهم إساءة العمل بها وأن يأخذ منهم الدراهم والمصاغ التي يوجدها معهم"!

السجانون الذين يكونون تحت أوامر رئيس السجانة مباشرة مسئولون عن أن يراقبوا ويفتشوا بغاية الدقة جميع الحواجز والممشي والحجرات. وعن صيانة الصحة وعن العناية بأن "تكون هيئة المسجونين في غاية الحشمة والأدب وأن يكونوا دائمًا في حالة النظافة"!

الفصل الأكثر طرافة في رسم صورة عالم ما وراء القضبان هو الخاص بمعاملة المسجونين، فقد تضمن عديدًا من المراد الغربية..

تنص إحدى هذه المواد على أن "النبيذ والبيرة وكافة المشروبات المُسكرة ممنوع دخولها في السجن لأحد المسجونين بدون استثناء ما لم يأمر الطبيب له في حالة المرض، وممنوع على المسجونين كذلك شرب الدخان دون إذن من المفتش العمومى".

مادة أخرى تمنع "الغناء والصريخ وما شاكل ذلك من الغاغات"، وثالثة تقدر مدة الفسحة "بساعة واحدة كل يوم لكل مسجون".

وفي الفصل الخاص بالعقوبات يلاحظ أن أهمها ما اتصل بالتهديدات والشتائم التي كان يحلو لبعض المسجونين ترديدها ضد موظفي السجون ومستخدميها "فيجازي فاعلها بالجلد.. والمعاقية بالجلد يكون إجراؤها بحضور المأمور والآلة التي تستعمل لذلك هي الزحمة".

ونعتقد أن قارئ الأهرام قد لاحظ بعد ذلك، ومن خلال رسائل مكاتبى الصحيفة في الأقاليم أن سجون مصر قد تكاثرت على نحو يحتاج إلى رصد أولا، ثم إلى تفسير بعد ذلك..

أول ما تشير إليه عملية الرصد تصنيف القاطنين وراء القضبان إلى مسجون احتياطيًا، محكوم عليهم بالحبس أو الإقامة في السجن لعدم أداء الغرامة والرد والمصاريف، ومسجونين محكوم عليهم بالسجن، وكان لكل من هؤلاء مكانه فيما وراء القضبان.

المسجونين احتياطيا كانوا يوضعون في مراكز البوليس حيث كانوا يعانون معاناة شديدة، فيما يقرره مكاتبو الأقاليم.. يقول مكاتب بنها "وجدت السجن الاحتياطي انما هو غرفة واحدة وقد ضاقت بين فيها فالأمل النظر في ذلك مراعاة للصحة"، ويضيف مكاتب المحلة الكبري تفصيلات أكثر عن السجن الذي "لا تبلغ مساحته إلا 236 مترًا مُكعبًا وليس فيه إلا نافذتان صغيرتان في الجهة الشرقية وفيه ۸۰ مسجونًا في حين لا يجب أن يكون فيه إلا خمسة عشر مسجونا"!

تُشير عملية الرصد تلك أيضًا إلى أنه حتى نهاية القرن استمر النفى يُشكل إحدى العقوبات المعمول بها، والمعلوم أن المسئولين الحكوميين في مصر استمروا يستخدمون بعض جهات السودان كمناف لبعض المذنبين الخطرين الذين رئي أن وجودهم في السجن المصرية قد يسبب اختلالا في النظام داخلها، فضلا عن احتمالات هروبهم منها، ولقد اكتسبت مدينة فازوغلي شهرة خاصة كأهم منافي هولاء.

خلال النصف الثاني من القرن، وحتي بعد إخلاء السودان عام 1885، استمرت بعض مدنه التي لم يخلها المصريون، تستخدم لنفى هذه النوعية من المسجونين، الأمر الذي كشفت عنه بعض أخبار الأهرام..

خبر منها جاء في الأهرام المصادر في 3 سبتمبر عام 1891 من مكاتب سواكن جاء فيه أن قانونًا جديدًا للسجون وصل للمسئولين عن سجن المدينة، وتبين منه أن تلك النوعية من السجون وضعت تحت إشراف السلطات العسكرية وأنه قد ضم بعض المسجونين الصادر ضدهم أحكام من محاكم مصرية. وخبر آخر في الأهرام الصادر في 19 فبراير عام 1892 بأنه قد تم "تسفير خمسين مسجونًا من المسجونين في سجن طرة إلى طوكر" ويُضيف المكاتب بعد تقديم الخبر بأنه علم أن المنفيين من الشبان الأقوياء" الذين لم يبق من مدة سجنهم أكثر من سنة وأقل من سنتين وأنهم إذا ذهبوا بعائلاتهم إلى تلك الجهات فلا يسمح لهم بالرجوع قبل فوات المدة الباقية من سجنهم"!

ويبدو أن النفي إلى طوكر قد اكتسب سمعة سيئة حتى أنه قد استمر لوقت غير قصير التلويح به يدخل ضمن التهديدات المخيفة!

ويشير نفس الرصد أخيرًا إلى أن عملية بناء السجون استمرت قائمة علي قدم وساق خلال العشرين عامًا الأخيرة من القرن الماضى..

فضلا عن الليمانات التي كانت مخصصة للمسجونين الصادر ضدهم أحكام بالأشغال الشاقة، وكان أشهرها في طرة، فقد انتشرت السجون في المديريات إلى حد أنه تم تكد تخلو إحدى عواصمها من سجن، الأمر الذي كان موضع تقرير المكاتبين الأهراميين..

مُكاتب بنها يحصى عدد المسجونين في سجنها في مارس عام 1891 وأنهم يزيدون عن المائتين، أما مُكاتب طنطا فيعيب على السجانين فيها أنهم قد رتبوا "خزانات في ملابسهم يضعون فيها ما تصل إليه أيديهم من المأكولات والملبوسات التي ترد للمسجونين من أهليهم وأصدقائهم"، أما مكاتب الفيوم فيتحدث عن الباب المشترك للسجن بها والذي يدخل منه موظفو بعض أقلام المديرية كالدفترخانة والخزينة، والمسجونون أيضًا ويُطالب بفض الاشتباك!

أما كل من مكاتب الإسكندرية وشبين الكوم فيُشيران إلى عملية بناء السجون التي كانت تتم في المدينتين في مطلع التسعينات، وقد أثني الأخير على "حضرة الألمعى لمعى بك المأمور الحالي فإنه لا يألو جهدًا في إدارة السجن وتراه قبل الفجر قاصدًا العمل وملاحظة البناء!

ومع كل ما تشير إليه عملية الرصد الأهرامية من اتساع عالم ما وراء القضبان فإنها لابد وأن تثير التساؤلات حول ماهية الأسباب وراء هنا الاتساع..

*** 

قضية اكتظاظ السجون بزبائنها فرضت نفسها خلال التسعينات خاصة بعد أن انتشرت الأوبئة في داخلها، الأمر الذي جعلها محل أخذ ورد بين المهتمين.

فقد عرف ربيع عام 1892 انتشار الحمى الراجعة والتيفودية أولا في سجون العاصمة ثم في سجون الزقازيق وطنطا بني سويف ودمنهور، الأمر الذي نتج عنه تزايد معدلات الوفيات في تلك السجون مما شد اهتمام الرأي العام فيما عبرت عنه كتابات الأهرام، وكان من أسباب انزعاج رئيس النظار رياض باشا.

ما كتبه الرجل إلى مصلحة الصحة العمومية ورد المسئولين فيها الذى نشره الأهرام في 19 مايو من ذلك العام يكشف أصل المشكلة.

فقد جاء في هذا الرد أن حالة المسجونين قد تحسنت عن ذي قبل بما "اتخذ من التحوطات الصحية وعزل المرض عن الأصحاء، إلا أن سجن المساقطة مزدحم بالمسجونين البالغ عددهم 400 شخص والواجب ألا يبقى فيه أزيد من 250 ونقل المائة والخمسين الباقين إلى قاعة موجودة في سجن الحوض المرصود أو إلى سجن طرة".

وانكشاف سبب المشكلة على هذا النحو طرح قضية اكتظاظ السجون بالنزلاء، على نحو اتسم بالإلحاح فيما عبر عنه الأهرام بقولها "لم تزل مسألة ازدحام السجون بمصر موضوعًا للمداولة والبحث".

ساقه الصحيفة في هذه المناسبة إحصاء عن تزايد عدد المسجونين في طرة الذين كانوا 200 مسجون فحسب عام 1885 وصلوا إلى 1360 مسجونًا عام 1889، أي زادوا نحو سبعة أمثال خلال أربع سنوات فقط، وقالت أن سائر السجون قد شاهدت مثل هذه الزيادة.

الحل في رأي الأهرام، بإصدار أمر عال بالعفو عن مرتكبي المخالفات "ولاسيما الذين لم يدفعوا الرسوم والغرامة وهم مسجونون لأجلها". والحل أيضا أن تُسارع المحاكم الأهلية بالنظر في القضايا، لما يترتب على التأخير في ذلك من بقاء المقبوض عليهم على ذمتها في السجون، "إلى حين الاستيثاق من التهمة أو تحضير أسباب البراءة ووجوه الدفاع" مما يُشكل سببًا آخر من أسباب اكتظاظها.

غير أن هذه الحلول التي اقترحتها الجريدة لم تأخذ بها اللجنة التي تشكلت خصيصًا لتقديم علاج للمشكلة، والتي جاء قرارها غريبًا، بوضع تسعيرة للسجن.. مقابل كل ثلاثين قرشًا غرامة 24 ساعة سجن إذا لم يدفعها من صدرت في حقه الغرامة، وقد علقت الأهرام على ذلك بأن "هذا سيؤدي إلى ازدحام السجون أكثر من ذي قبل وأن أفضل الطرق المؤدية إلى تقليل عدد المجرنين وعدد الحوادث وتخفيف ازدحام السجون إنما هو عدم حبس أحد لأجل الرسوم وتحصيلها بالطرق المدنية".

وقد اقترن النقاش حوله قضية ازدحام السجون بمطالبات واسعة لإدخال مزيد من أسباب الإصلاح عليها..

بعض هذه المطالبات دارت حول معاملة المسجونين التي تتسم بالاستبداد "وليس من يجسر منهم على إبداء شكواه علنًا لئلا يضاعف في بلواه"، والبعض الآخر حول تحسين أوضاعها، خاصة سجون المديريات فهي "كثيرة الرطوبة خالية من المنافذ تحتبس فيها الروائح القذرة المُتصاعدة من المسجونين إلى درجة تخمُد الأنفاس وتجلِب الأمراض القتالة"، والبعض الثالث نُفضل أن ننقله بكلمات الأهرام الصادر يوم 25 مايو عام 1892..

قالت الصحيفة "أن المعاملة التي يُعامل بها بعض المحبوسين الذين لا شنيع لهم قد لا تعرض للمسجونين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، فإذا أتاهم فراش من منازلهم مُنِعُوا عن استعماله وإن أتاهم طعام أكل وأوصل إليهم ما بقي منه معطلا مخبوصًا، وإن أذن لهم بشرب سيجارة أو أكل برتقالة كلفهم ذلك أربعة أو خمسة أضعاف قيمتها، هذا فضلا على الكنس والرش ونقل القاذورات"، ومع كل ما في هذه الصورة من روح المأساة فإن مما يؤكد صحتها أن جانبا منها قائم حتى يومنا هذا، الأمر الذي يتطلب قراءة جديدة في تاريخ الحبسخانات المصرية!