ads

Bookmark and Share

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

088 "مدارس الخواتين الفاضلات"

 "مدارس الخواتين الفاضلات"

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 30 مارس 1995م - 29 شوال 1415هـ


"بلغنى أن المدرسة التى أنشأتها حضرة الست عفيفة شالهوب فى شارع الفجالة قد نجحت جدا وكثر عدد التلميذات فيها وأن الأهلين راضون عن نظامها واعتناء رئيستها، فهذا مما نعهده بحضرة هذه الخاتون (السيدة) الجليلة من الدراية والمعرفة يدفعنا إلى أن نحث سكان مصر على إرسال بناتهم إلى هذه المدرسة التامة الإتقان"!

جاء الخبر السابق فى الأهرام الصادر يوم 12 أبريل عام 1887، تبعه فى 9 يوليو من نفس العام خبر آخر كان مما جاء فيه:

"ذكرنا فى سالف رسائلنا عن المدرسة التى أنشأتها حضرة الفاضلة الخاتون نايلة جاماتى بقصد تهذيب الشابات والفتيات فى ملك الخواجا خليل زهار أول شارع الفجالة ويسرنا الآن العود إلى الكلام عن هذه المدرسة فإنها فى زمن قريب نالت من النجاح ما يوطد الآمال بأن ستأتى إلى الكمال بهمة حضرة المؤسسة ومعاونتها"!

تعب هذين الخبرين عن همة الخاتون شهلوب والخاتون جاماتى خبر آخر من الفيوم لخاتون فاضلة أخرى هى "مريم غبريال" نشره الأهرام فى 6 يولية عام 1890، وكان طويلا نوعا ما عن سابقيه.. جاء فيه:

"إن تهذيب البنات أعظم ما تحتاج إليه الهيئة الاجتماعية وأحق ما يلزم تعميمه فى عموم البلاد والمدن المدنية.. وأن تعليم هذا الجنس اللطيف وتهذيب أخلاقه صار أمرا أشهر من أن يعرف.. فإن تعليم البنات أمر يتوقف عليه نجاح البلاد لأن عليهن تدبير المنازل وتربية أبناء يكونون فخرا للبلاد، ولما كانت مدينة الفيوم مفتقرة إلى مثل هذا المشروع ومتشوقة إليه منذ زمن فقد سعت حضرة الخاتون الفاضلة مريم غبريال بافتتاح مدرسة لتعليم هذا الجنس ما يلزم حالتهن من القراءة والكتابة والأشغال اليدوية ويسرنا إقبال أكثر الذوات إليها ورضاهم من حسن التعليم حتى بلغ عدد تلميذاتها خمسين تلميذة".

ولم يقتصر نشاط "الخواتين الفاضلات" على تأسيس مدارس البنات بل تعداه إلى طرق كافة الأبواب لتشجيع هذا النوع الوليد من التعليم فيما يشير إليه هذا الخبر من الإسكندرية عن تأليف "لجنة من نخبة الخواتين الفاضلات لإحياء ليلة فى تياترو زيزينيا يخصص دخلها لإعانة المدارس المجانية بإدارة الراهبات الفرنسيسكانيات.

ولعل هذه الأخبار العديدة التى اخترنا هنا عينة منها عن النشاط الذى أخذت تمارسه تلك الجمهرة من "حضرات الخواتين الفاضلات" إنما فتح ملفا استمرت الأهرام تضع فيه أوراقها، ورقة ورقة، حتى أصبح جاهزا للعرض.. ملف تعليم البنات فى مصر.

***

عصر " الحرملك" الذى استمر سائدا فى زمن "العثمنلى" صنوع مكونات نفسية واجتماعية كان أقلها سيادة النظرة الدونية للمرأة. وأنها حبيسة لهذا الحرملك، فلا تخرج منه إلا مرتين، إحداهما إلى بيت الزوج والأخرى إلى القبر!

ومع انتشار مثل هذه القيم يصعب تصور وجود شكل من تعليم البنات مهما بلغ كنهه، فقد كان الأمر يتطلب وقتا يتآكل فيه عصر العثمنلى بكل قيمه ليأتى محله عصر جديد، الأمر الذى استغرق ثلاثة أرباع القرن بالتمام والكمال، بين قدوم الحملة الفرنسية (1798) ونشوء أول مدرسة للبنات فى المحروسة (1873) هى المدرسة التى عرفت أولا باسم السيوفية وتغير مسماها بعد ذلك إلى السنية.

خلال تلك الفترة كانت قد نشأت روافد عديدة تصب فى نهر الحياة للمرأة المصرية لتغير مجراه..

رافد أول نشأ عن ظاهرة التحديث التى أخذت تتغلغل فى الحياة الاجتماعية لبطانة الارستقراطية الزراعية الناشئة بعد أن استقرت أسباب ملكية الأراضى، وكان من أسموا بلغة العصر الأعيان أو الذوات أول من أخذ بأسباب التحديث، فى السكنى والأثاث واللباس والغذاء والعادات، ولم يكن من المتوقع أن يبقى "حريمهم" بعيدين عن يد التحديث التى دخلت كل ركن فى حياتهم.

الرافد الثانى نشأ عما يحدث عادة عند التحول من نسق الاقتصاد الاقطاعى، وهو النسق الذى كان سائدًا فى عصر العثمنلى، إلى نسق الاقتصاد الرأسمالى، وهو الذى أخذ فى التسيد إبان الثلاثة أرباع القرن، فبينما يركد الحراك على السلم الاجتماعى فى ظل النسق الأول فإنه ينشط فى حضن النسق الثانى!

تأسيسًا على ذلك فإن تلك الطبقة التى استمرت راضية بوضعها قبل بناء الدولة الحديثة، تطلعت إلى تغيير هذا الوضع مع بناء تلك الدولة، وكان التعليم الحديث واسطتها لهذا التغيير، والذى بدأ بالفتيان ثم ما لبث أن وصل إلى شقيقاتهم!

الرافد الثالث صنعه الوجود الأجنبى فى مصر، فإن هذا الوجود الذى بدا محدودًا فى عصر سعيد، وتعاظم فى عصر خلفه إسماعيل، واستفحل فى ظل الاحتلال البريطانى، قد أتى معه بنظام الحياة الذى كان يعيشه فى مواطنه بكل مفرداته، بما فيها تعليم البنات، الذى لم يجد عند المصريين بأسًا أن يدسوا كريماتهن فيه، ولم يجد آخرون ضيرًا من أن يقلدوه.

أخيرًا فإن ظهور الصحافة وما أدته من دور فى فتح نوافذ المجتمع على العالم المتقدم قد طرح قضية تعليم البنات بإلحاح. وكان للأهرام دور فى هذا الشأن نبدأ به..

فى مناسبات عديدة نشرت الأهرام مقالات طويلة عن "تعليم النساء" نختار منها اثنين من تلك التى عرفت طريقها إلى صفحة الجريدة الأولى فى مطلع التسعينات، لما لها دلالة على الأفكار التى استمرت تروج لها فى هذا المجال..

فى مناسبات قليلة جدًا احتل مقال واحد أغلب الجريدة كان منها المقال الذى احتل كل الصفحة الأولى وأغلب الصفحة الثانية فى العدد رقم 4405 من الأهرام الصادر يوم الاثنين 29 أغسطس عام 1892، وكان تحت عنوان "تعليم النساء".

المقال فى أصله "رسالة من فاضل عالم شرقى سكن فرنسا وإنكلترا نحو 30 سنة فكان من مشاهير العلماء فى اللغة العربية" وإن كان الأهرام لم يذكر اسم هذا العالم مما قد يدفع إلى الظن بأنه من وضع أحد محررى الجريدة التى أرادت أن تضفى على مقالها أهمية بهذا التقديم!

بعد أن يقرر صاحب المقال فى مستهله أن "النساء لسن بأدنى منزلة من الرجال فى شئ اللهم إلا القوة الحيوانية (البدنية) وأن الطبيعة قد سنت أن تكون المرأة شريكة الرجل فى قيام النوع، ينتقد الفكرة السائدة عند "بعض الجهلاء" أن تعليم المرأة مُضر وينبغى منعه وفيهم "من يباهى بجهل بناته ويفتخر بأنهن لا يدرين شيئًا عن أحوال الدنيا"!

يطالب " العالم الفاضل" بعد ذلك بتعليم البنات القراءة والكتابة فضلا عن عدد من العلوم التى حددها..

"التاريخ" لأنها لو عرفت شيئا من حوادثهخ "تقصه على أولادها وتجمع لهم فيه من اللهو والتعليم فيغنيها ذلك عن أن تقص عليهم أساطير الجن والغيلان أو لصوص البادية وقطاع الطرق"!

"أصول الحساب" وذلك حتى تقوم بمساعدة "بعلها فى أعماله إذا مست الحاجة وتنوب عنه إذا غاب أو مرض وتقوم مقامه إذا اختطفته يد المنون"!

"حفظ الصحة" وهو العلم الذى يكفل للمرأة "ألا تطعم أولادها ما يضر ولا تلبسهم ما يؤذيهم".

ولا بأس بعد ذلك من الإلمام بشئ من علم الجغرافيا فإنها "تعرف منه على الأقل موقع بلدها من الأرض وإن سافر زوجها أو أبوها أو أحد أقاربها إلى بلد من البلاد فتعرف إلى أين توجه"!

يضع بعد ذلك قائمة طويلة بالأضرار التى تلحق بالأسرة والمجتمع من جهل المرأة لينهى مقاله بتحذير قوى بأنه بدون تعليم النساء "لا يقوم الصلاح العام ولا يتم للاجتماع الإنسانى حسن النظام"!

المقال الثانى كان على شكل رسالة أيضًا، ولكن من مكاتب الأهرام فى مدينة طنطا هذه المرة، وكان الرجل مُحددًا للفوائد التى ستعود على المجتمع إذا "ما تهذبت الفتاة وتلقت العلوم والمعارف"، وقد أوجزها فى أربعة فوائد.

أن تدرك ما لها وما عليها من المواجب الدينية والدنيوية، أنها بعد زواجها "تقدر المعيشة الزوجية فتحفظ مقام زوجها"، بعد ذلك "تأخذ فى بيتها بوسائل الاقتصاد الحقيقية الخالية من الإجحاف والتقييد على المعيشة، وأخيرًا تتولد فيها حاسات الشفقة والحنو فتلاحظ بنيه فى أحسن تربية جسدية وعقلية"!

وإذا كانت هذه المقالات تنبئ عن شئ فإنها تنبئ أن تعليم البنات أصبح مطلبًا عامًا الأمر الذى يتطلب البحث فى تطوراته خلال العشرين سنة الأولى بعد ولادته.

***

"تشريك البنات مع الصبيان فى التعليم وكسب العرفان" كان عنوان الفصل الثالث من كتاب رفاعة رافع الطهطاوى الصادر فى ديسمبر عام 1872 تحت عنوان "المرشد الأمين للبنات والبنين" والذى لم ينفض على ظهوره أكثر من شهور قليلة حتى تم افتتاح أول مدرسة للبنات فى مصر، مدرسة السيوفية، فى 3 أغسطس عام 1873.

وبينما يعزو الكثيرون الفضل فى بناء هذه المدرسة إلى على مبارك باشا، فإن آخرين يعزونه إلى "جشم افت خانم أفندى" الزوجة الثالثة للخديو إسماعيل، بينما نراها إفرازًا لتطورات تاريخية طويلة كان الوقت قد حان للتعبير عنها ولم يزد دور "حرم أفندينا" زو "سعادتلو ناظر المعارف العمومية" عن ترجمة هذه التطورات إلى واقع!

المهم أن أفتا هانم ابتاعت سرايا قديمة فى حى السيوفية لتصبح أول مدرسة للبنات، ووجهت الدعوة إلى الأمهات ليرسلن بناتهن إلى المدرسة لينلن التعليم والطعام والملبس دون دفع أية نفقات" ورغم إغراء الدعوة فقد استغرق الأمر نحو ثلاثة شهور حتى تقبل الفتيات على المدرسة الجديدة..

كانت مدة الدراسة فى السيوفية خمس سنوات تتعلم خلالها الطالبة فضلا عن اللغتين العربية والتركية، الحقائق البارزة فى تاريخ وجغرافية مصر، القواعد الأربعة للحساب والموازين والمقاييس مع بعض المعلومات فى التاريخ الطبيعى والطبيعة، وقد أعير اهتمام خاص لدراسة الرسم النظرى وأشغال الإبرة، وعلى العموم كل المواد التى تكون نافعة للمرأة".

ومع أنه قد أضيف إلى السيوفية فى نفس العام مدرسة أخرى للبنات هى مدرسة القربية إلا أنها لم تعش طويلا، وضمت تلميذاتها إلى مدرسة السيوفية بعد أن فصل ناظرها، وكان السبب الأزمة المالية التى أمسكت بتلابيب الحكومة خلال السنوات الأخيرة من عصر إسماعيل، حتى أن مدرسة السيوفية نفسها أحيلت إدارتها إلى الأوقاف لتنال نصيبها من ريع المحسنين!

وعادت مدرسة البنات الحكومية الوحيدة عام 1889 إلى عهدة نظارة المعارف ولكن بعد أن انحسر دورها ليقتصر على إعداد البنات الفقيرات كمدبرات بيوت أو خادمات أو عاملات. ولا شك أن هذا التحول قد أساء كثيرًا للصورة العامة لمدرسة البنات اليتيمة، وهو ما حاول رجال المعارف العمومية تداركه فيما سجلته الأهرام.

كشفت الجريدة في جانب من كتاباتها السر في تغيير اسم مدرسة السيوفية إلى المدرسة السنية، قالت في عددها الصادر يوم 26 سبتمبر عام 1889: "استبدل اسم مدرسة البنات السيوفية باسم المدرسة السنية وقد وافقت نظارة المعارف الجليلة على ذلك بالنظر إلى ما تحققته من تقدم هذه المدرسة وزيادة موارد الآداب فيها".

بعد ذلك بأسبوعين نشرت الأهرام الخبر القائل بأن نظارة المعارف قد "رفتت الست شمس جهان ناظرة مدرسة البنات والست آنا سنتماريه وكيلة المدرسة والست شزيرة الضابطة فيها لما قررته من إدخال ترتيبات جديدة في المدرسة المذكورة"!

وكان الخبر بمثابة رسالة للآباء أن السيوفية لم تعد مدرسة لإعداد الخادمات، فيما كانت عليه خلال ما يزيد عن عقد، ولعل تغيير الاسم ورفت المسئولين كان يسعى من بين ما يسعى إليه إلى محو ما اقترن بالسيوفية من وضاعة الهدف من تعليم البنات.

خبر آخر نشره الأهرام في 20 أكتوبر عام 1890 نراه على درجة كبيرة من الأهمية لتعليم البنات.. مراسل العاصمة كتب يقول:

"لقد كلفنا أنا نسأل نظارة المعارف بلسان وجهاء العاصمة أن تقيم مدرسة ثانية لتعليم البنات غير المدرسة السنية في جهة السيوفية بأجرة عادلة تؤخذ من كل بنت يرغب والدها إدخالها للمدرسة المذكورة". ويسوق بعد ذلك أسباب الطلب فكانت "أولا: لأن المدرسة السيوفية بعيدة عن المركز المتوسط في العاصمة فيصعب على سكان سائر الجهات إرسال بناتهم إليها وثانيًا: لما أنها جامعة بين بنات الفقراء اللواتى يتعلمن مجانًا وبين البنات الموسرات اللاتى يدفعن أجرة معلومة وبالنظر إلى عدم تساوى الآداب في أفراد الفئتين يأنف بعض الوجهاء من اختلاط بناتهم بمعاشرة بنات الغير"!

وخلصت الأهرام بذلك إلى القول أنه لو أقامت نظارة المعارف مثل هذه المدرسة "لمن يدفعون أجرة التعليم أقبل عليها الطالبات من جميع الجهات أو من جميع المدارس الإفرنجية التي لا يتعلمن فيها لغة آبائهن ووطنهن العربية"، وقد وضعت الصحيفة بذلك يدها على السبب الذى أدى إلى وجود "مدارس الخواتين الفاضلات" وقبلها المدارس الإفرنجية سواء كانت مدارس الجاليات أو مدارس الإرساليات التبشيرية.

***

تشير إحصاءات مدارس البنات الأجنبية في أواخر القرن الماضى أن العدد الأكبر منها كان للفرنسيين والأمريكيين والإيطاليين، بينما زاد عدد المصريات في المدارس الفرنسية والأمريكية، فقد كان قليلا بالنسبة للإيطالية بحكم ضخامة جاليتهم في مصر والتي كان يحتل بناتها أغلب مقاعد تلك المدارس.

غير أن هذه الإحصاءات تشير أيضًا إلى أنه بينما فاق عدد التلاميذ المصريين قرناءهم من الأجانب في مدارس الأولاد فإن العكس استمر صحيحًا في مدارس البنات حتى عام 1912 حين فاق عدد المصريات لأول مرة عدد الأجنبيات.

وبعيدًا عن الإحصاءات فإن أخبار الأهرام تشير إلى أن تلك المدارس قد تغلغلت في شتى أنحاء القطر المصرى.

من الإسكندرية أخبار عديدة.. "مدرسة الأخوات العازاريات توزع أوراق الدعوة للاحتفال بتوزيع جوائزها السنوية تحت رعاية حضرة قنصل فرنسا"، والاحتفال بليلة "البالو التي كان يخصص دخلها لإعانة المدارس المجانية بإدارة الراهبات الفرنسيسكانيات"، وفتح مدرسة البنات الأمريكية لأبوابها "لقبول الطلبة من البنات فمن شاء من الوالدين إدخال بناته في هذه المدرسة فليشرف محل المدرسة بقرب المحكمة القديمة في حارة اليهود"!

من المنصورة "تجتمع لجنة من أعيان الإنكليز لإنشاء مدرسة للإناث باسم بيت فيكتوريا تذكارًا لعيد السنة الخمسين من ملك جلالة ملكة إنكلترا"!

من طنطا تم الاحتفال "بمدرستى الآباء الإفريقيين للأولاد والبنات بختام السنة المدرسية فقدمت الروايات العلمية والمحاورات الأدبية وكان للدور الذى مثلته الفتاة نظلة موسى إحدى تلميذات هذه المدرسة وقع عظيم على الحاضرين"!

ومن المنيا يقول المكاتب: "قدمت الراهبة الورعة رئيسة شركة قلب يسوع ومعها راهبتان لا تقلان عنها اجتهادًا فأنشأن مدرسة للبنات يعملن فيها العربية والفرنساوية وأشغال اليد".

وفى ذلك الزحام دخلت "الخواتين الفاضلات" ويلاحظ في جملة الأخبار التي ساقتها عنهن الاهرام أكثر من ملاحظة..

* أن غالبيتهن كن إما من الشوام: كرستين قرداحى، عفيفة شلهوب، نايلة جاماتى، مدمو أزيل زكارى، وإما من الأقباط مثل مريم غبريال في الفيوم، ويبدو أن هؤلاء كن قد سبقن في الخروج من الحرملك!

* أن القليل كان يكفى هؤلاء الخواتين لفتح مدرسة فالخاتون نايلة جاماتى كانت فد اتخذت في بداية الأمر محلا في "ملك الخواجا خليل زهار أول شارع الفجالة" لم تلبث أن انتقلت منه بعد أن زاد الإقبال عليها إلى محل آخر "على مقربة منه في لمك سلحف بك وهو مستكمل شروط الصحة والراحة الضرورية يتخلله نور الشمس والهواء النقى"، والخاتون مريم غبريال أقامت مدرستها في بيتها في الفيوم!

* اختلفت برامج الدراسة تبعًا لمعارف الخاتون، فبينما اقتصرت مريم غبريال على تعليم القراءة والكتابة، فقد كانت الفتيات في مدرسة نايلة جاماتى يتعلمن فضلا عن ذلك الفرنسية والموسيقى، بيد أن جميع الخواتين كن حريصات على تعليم الأشغال اليدوية والأعمال المنزلية، وقد انسحب هذا الاختلاف أيضًا على طبيعة النظام المدرسى فقد سمحت إمكانات خواتين القاهرة أن يخصصن أماكن في مدارسهن للداخلية، وكن بالطبع يتقاضين مصروفات أكبر، وهو ما لم تسمح به إمكانات خواتين الأقاليم!

ولعل هذه الاختلافات هي التي دعت عددًا من وجهاء طنطا في أواخر مارس عام 1890 إلى أن يقرروا "إيجاد مدرسة لتعليم البنات تكون أبوابها مفتوحة لجميع الطوائف تحت أجرة مناسبة وتكون محتوية على تعليم القراءة ثم شيئًا من النحو والصرف والجغرافيا والحساب واللغتين الفرنسوية والإنكليزية والأشغال اليدوية".

ونرى أن وجهاء طنطا قد عبروا باجتماعهم هذا عن ظهور مرحلة جديدة في تعليم البنات، مرحلة التعليم الأهلى، في مواجهة التعليم الأجنبي ومدارس "الخواتين الفاضلات" التي لم تصمد طويلا أمام التعليم الجديد!


صورة من المقال: