ads

Bookmark and Share

الأحد، 27 ديسمبر 2020

087 "نصيحة مصرى صادق"

 "نصيحة مصرى صادق"

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 23 مارس 1995م - 22 شوال 1415هـ


شهد عام 1893 تقليد المقال الافتتاحى وقد أخذ يمد جذوره فى صفحة الأهرام الأولى، وهو التقليد الذى كان قد بدأه سليم تقلا، قبيل وفاته (1892) بأعوام قليلة، من خلال مقاله الافتتاحى "لمحة".

والمتابع للجريدة العتيدة خلال ذلك العام يلاحظ أن مدير الصحيفة وصاحبها، بشارة تقلا، لم يحتكر كتابة هذا المقال وإنما شاركه فيه آخرون من محرريها.. خليل مطران، نجيب حداد، شكيب.

يلاحظ أيضا أنه كثيرا ما شارك آخرون فى كتابة المقال الافتتاحى، وبأسماء مستعارة: رفيق، وطنى، أسيوطى، صعيدى، حسن، مصرى صادق، ونتوقف عند هذا الاسم الأخير.

نتوقف عنده أولا لأنه لم يفعل مثل الآخرين، يكتب مقالا ثم يختفى، فإنه قد أمكن إحصاء تسع مقالات لصاحب التوقيع، نشرت فى مكان بارز فى الصفحة الأولى من الأهرام، فى فترة لا تتجاوز الشهور الأربعة.. نشر أولها فى العدد 4545 الصادر يوم السبت 11 فبراير عام 1893 واختار له صاحبه عنوان "نصيحة وطنى" وجاء تاسعها فى العدد رقم 4620 الصادر يوم الأربعاء 31 مايو من نفس العام تحت عنوان "هذه معاهده فأين عهوده"!.

ونتوقف عنده ثانيا بحكم النغمة الوطنية التى اكتسيت بها هذه المقالات، وهى نغمة لم تكن معتادة من صحافة العصر عموما، ومن الأهرام على وجه الخصوص.

يكفى للتدليل على ذلك أن نسوق هنا مطلع المقال الأول، والذى جاء فيه:

"إيه يا سماسرة السوء، إيه يا أعداء الإنسانية، إيه يا جراثيم الفساد لقد والله تماديتم فى البغى وقد تدانيتم من كل إثم قصى تسعون فى الأرض بالفساد وحتام تعظمون الصغير دون الكبير، ولم هذا الإرعاد والتهويل، وما هى الغاية التى تسعون إليها من زرع بذور الفساد وإضرام نار الفتنة بالاختلافات الواهية والإشاعات الكاذبة"!

ونتوقف عنده ثالثا لما كشفت عنه الحقائق بعد ذلك وهى أن "المصرى الصادق" لم يكن سوى الزعيم الوطنى مصطفى كامل، الذى اكتسب شهرة، وأى شهرة بعد ذلك، ولم يكن عمره قد تجاوز وقتئذ التسعة عشر عاما.

والمعلوم أن مصطفى كامل قد اكتسب شهرته من رافدين أساسيين، الصحافة والخطابة، والمشهور أيضا أن شهرته من الرافد الأول جاءت من اللواء التى أصدرها فى مطلع عام 1900، بيد أنه غي معلوم بدرجة كافية أنه قد بدأ كتاباته الصحفية قبل سبع سنوات، وفى الأهرام، الأمر الذى يشكل صفحة هامة من تاريخ الاثنين، الصحيفة والزعيم، وهى صفحة ينبغى أن تقرأ!

***

الكتابة فى الصفحة الأولى من الأهرام لفتى يافع، مهما كانت قدرته البلاغية، خصوصا مع هذه النغمة التى لم تعتدها الصحافة، يصعب القول أنها قد أتت بطريق الصدفة، أو أن الوازع ورائها كان مجرد الإعجاب من القائمين على الجريد، بما دبجه قلم الزعيم الشاب فيقينا كانت هناك مقدمات..

المقدمات ذكرها رجل القصر أحمد شفيق في ثلاثة سطور من مذكراته بينما سجلها الأهرام في نهرين كاملين..

تحت عنوان "مظاهرة وطنية" قال رجل القصر تعليقا على أزمة وزارة ال 72 ساعة: "وبدا الروح الوطنى يسرى في الشباب بقوة، وكان من أثر ذلك أن هاجم فريق من الشبان على رأسهم مصطفى كامل الطالب بالحقوق إدارة جريدة المقطم لموقفها العدائى من الروح الوطنى الذى يبثه الخديو".

ونتوقف قليلا لنذكر أن المجموعة السورية التي كانت قد أصدرت المقتطف عام 1885، فارس نمر ويعقوب صروف وشاهين مكاريوس، كانوا قد أصدروا المقطم عام 1889، والتي لم يمض وقت طويل حتى أسفرت عن هويتها باعتبارها الجريدة الناطقة بلسان الاحتلال في العاصمة المصرية مع شقيقتها الناطقة بالإنجليزية، الاجبشيان جازيت، الأمر الذى أدخلها في معارك حامية مع الأهرام، هذا من جانب، والذى أغرى من جانب آخر مجموعة من الوطنيين على إصدار جريدة المؤيد التي أوكلوا تحريرها إلى كاتب مصري، وهو الشيخ على يوسف، لتشارك في المواجهة.

ولم يكن ثمة غرابة مع هذا أن تتبنى المقطم خلال أزمة وزارة ال 72 ساعة موقف دار المعتمد البريطاني، الأمر الذى استفز العناصر الوطنية المصرية.

المهم أن قصة المظاهرة التي أرودها أحمد شفيق في سطور قليلة أفسح لها الأهرام مساحة واسعة من الصفحة الثانية من العدد الصادر يوم الاثنين 23 يناير عام 1893، وكان كاتب قصة الأهرام بشارة تقلا نفسه.

جاء تقرير مدير الجريدة وصاحبها طويلا مما يدعونا إلى التوقف عند علامات رئيسية منه..

العلامة الأولى تشير إلى ما حدث يوم الأربعاء 18 يناير، يوم تسوية أزمة الوزارة الفخرية تحت وطأة الإنذار الاحتلالى "بالتظاهرات الوطنية المصرية بالمقابلات الخديوية ثم بالتلغرافات المتعددة من جميع أنحاء القطر السعيد وقدوم الوفود من الداخلية مهنئة"!

العلامة الثانية تسجل أحداث المظاهرة التي قادها مصطف كامل يوم الجمعة 20 يناير والتي أفسح لها بشارة مساحة واسعة والتي تحدث فيها عن "تجمع الألوف ظهر الجمعة يهللون ويدعون للجناب الخديوى بالعز والتأييد وأهم من ذلك كله أن تلك المظاهرات الوطنية هي مباشرة دفعتها الخواطر المصرية والعزة الوطنية والأريحية الشرقية فلم يتوسط أمرها ضابط أو مدير أو ناظر ولم نتعود أمثال ذلك في شرقنا عموما وفى مصرنا خصوصا ولا نعجب إذا كان لمصرنا فضل السبق قديما وحديثا".

لفت نظر محرر الأهرام نوعية المتظاهرين الذين وصفهم بأنهم لم يكونوا "من رعاع الناس وسفلتها ولا من الذين أغراضهم مصالحهم الذاتية بل من العقلاء والنبهاء الذين دينهم رفعة مصلحة وطنهم الملية والسياسية ومذهب تعزيز أمتهم وحياتهم بوجودهم السياسى".

"العقلاء والنبهاء" الذين لفتوا نظر بشارة بك لفتوا نظر المؤرخين بعد ذلك، وإن لم يكن يأخذوا بتصنيف الاهرام.. تصنيف السفلة والنبهاء(!) بل ارتأوا في هؤلاء قوة اجتماعية جديدة دخلت معترك الحياة السياسية، وأصبحت القوة الأشد تأثيرا في ذلك المعترك، قوة المثقفين ثقافة مدنية أو "الأفندية" بلغة العصر.

العلامة الثالثة أعرب فيها الأهرام عن اختلافه مع المتظاهرين في الهجوم الذى شنوه على صحيفة المقطم، وعبر عن قناعته بأن الرأي يواجه بالرأى وليس بأعمال العنف، سجل ذلك في قوله.

"مهما كنا على اختلاف في سياستنا الوطنية مع أصحاب المقطم فلسنا نرى بالتظاهر ضدهم ما يوافق الغاية المصرية التي نسعى إليها جميعا ونحن ضد ما يمس حرية الأشخاص والأقلام ولا يعدم المصريون الوسائط العادلة والقانونية التي يتمكنون بها من عدم معرفة ما يكتب ضد خديويهم ووطنهم وضدهم إذ ليس من يجبرهم على قراءة تلك الجريدة"!

ورغم المقال الطويل ورغم علاماته العديدة التي توقفنا عندها فإن مما يثير الانتباه أن الأهرام لم يشر من بعيد أو من قريب لاسم مصطفى كامل، بيد أن ذلك لا يعنى أنه لم يعرفه".

تشير الكتابات الضافية التي تتبعت حياة مصطفى كامل منذ ذلك الوقت أن الشاب الذى قام برحلة قصيرة إلى الإسكندرية حيث التقى مع بشارة تقلا خلال الأسابيع الثلاثة التي انقضت بين قيام المظاهرة التي قادها (20 يناير)، وبين نشر أول مقالاته في الأهرام (11 فبراير) وهى وإن لم تسجل ما جرى في هذا اللقاء، فالواضح أن اتفاقا قد تم بين صاحب الأهرام والشاب الصاعد على أن يعد هذا الأخيرة الجريدة ببعض كتاباته.

ومع أنه من غير الواضح وجود طرف ثالث دبر لهذا اللقاء، فإنه يرجح أن الخديوى عباس الثانى نفسه كان وراء الترتيب له، إذ تجمع المصادر أن قيادة مصطفى كامل لمظاهرة الجمعة 20 يناير قد لفتت أنظار الحاكم الشاب للفتى الذى برز في هذه المناسبة، وكان أمرا طبيعيا أن يتفاهما، فقد كان الاثنان من مواليد عام واحد.. عام 1874.

وبدا في أعقاب ذلك نشر المقالات الأولى للزعيم المصرى الذى نال شهرة كبيرة، والذى يقسم المختصون حياته الصحفية إلى ثلاث حقب، في الأهرام ثم في المؤيد وأخيرا في اللواء، ونبدأ هنا بالمقالات الأولى من الحقبة الأهرامية!

***

ما نسميه المقالات الأولى من الحقبة الأهرامية نقصد به ما سبق تحديده من تلك الحقبة، بين 11 فبراير و31 مايو عام 1893، ولا يعنى هذا أن الصحفى الناشى قد توقف عن الكتابة في الجريدة العتيدة بعد ذلك، فقد استمر يكتب في الأهرام حتى عام 1895 ولكن بشكل متباعد في أول الأمر، ثم شديد التباعد بعد ذلك، حتى بدأ في حقبة جديدة هي الحقبة المؤيدية التي أسلمته في نهاية الأمر إلى الحقبة اللواءية!

وأهمية المقالات التسع التي نشرها الأهرام لمصطفى كامل خلال تلك الحقبة أنها ترسم في النهاية صورة جديدة، ليس لمصطفى كامل، وإنما للحركة الوطنية المصرية التي تزعمها، وحتى وفاته عن 34 ربيعا!

كان من الطبيعى أن يشكل الهجوم على الاحتلال المحور الأساسى لمقالات مصطفى كامل الأولى والأخيرة(!) وهو هجوم تفاوتت الأهداف التي سدد إليها سهامه تبعا لمقتضى الحال.

أما مقتضى الحال خلا عام 1893 فقد نتج عن عودة الأحرار للحكم برئاسة جلادستون، وكانوا أكثر الأحزاب في إطلاق الوعود بالجلاء عن مصر، ومن ثم لم يكن هناك مندوحة من أن تعزف المقالات على هذا الوتر.. وتر التذكير بالوعود..

في المقال الأول تحت عنوان "نصيحة وطنى" ختمه الشاب الواعد بالقول "والإنسانية تنادى قاتل الله القسوة والاستبداد وما أمسهما بشرف أما الحرية وما أشر عاقبتها من عاقبة على نابذىالعهود، وهم قيودها وناكسوا لوعود هم معززوها، فلقد كشفوا عن غايتهم الغطاء، وأظهروا للعالم المتمدين ما تكنه ضمائرهم من سوء".

أما المقال الأخير فإن عنوانه يشى بما فيه. كان "هذى معاهدة فأين عهوده؟" وكانت المناسبة ما أدلى به جلادستون من تصريحات في مجلس العموم جاء فيها أن الانجليز منتظرين إلى حين إتمام الإصلاح و"نشر راية الأمن وتعميم أسباب الفلاح ثم التخلي بعد ذلك عن هذا القطر لأهله".

دعا ذلك "المصرى الصادق" الى أن يسخر في مطلع هذا المقال ممن أسماه شيخ الأحرار فيحمد الله على "أن الإصلاح قد تم والأمن شمل وعم وقد أحيطت دوائرنا برجال الانجليز وتحسنت حالنا بهمم أبناء التاميز وهذه آثارهم بادية علينا ونتائج احتلالهم ظاهرة علينا".

بعد هذا الفاصل التهكمى يتساءل مصطفى كامل "فما لشيخ الأحرار يحاول بوفاء وعوده وهذى معاهده فأين عهوده كأنى به تمسك من وسيع أمله بحبل من مسد فرجع عن قوله السديد إخلافا بما وعد فقام يتلو في بارلمانه آيات بيانه ويلدغ العقول بعقارب لسانه ويحسن له أخلاف الوعد ونقض العهد"!

السياسة التعليمية في مصر كانت الميدان الثانى لحملة طالب الحقوق على سلطات الاحتلال، وهو ميدان لم يتركه حتى بعد أن ترك مرحلة التلمذة فقد طالب أحد المبادئ العشرة التي وضعها مع قيام الحزب الوطنى في ديسمبر عام 1907 "بالعمل على نشر التعليم في جميع البلاد على أساس وطنى صحيح بحيث ينال الفقراء نصيب منه".

المطالبة بإتاحة الحق في التعليم للجميع خصص لها مصطفى كامل المقال الثالث والذى جاء تحت عنوان "المدنية وتعميم التعليم".

ذكّر فى هذه المناسبة بمكانة العلم فى الإسلام وأنه "لم يترك الخلفاء فى عهدهم وسيلة من وسائل تعميم التعليم إلا اتخذوها، ولا طريقة لبث أنوار المعارف إلا سلكوها".

تبع ذلك وفى مقاله السادس تحت عنوان "المعلمون والتعليم فى مصر" أن عدّد الانتقادات للسياسة التعليمية الاحتلالية.

انتقد أولا سياسة نجلزة التعليم وانتشار "معلمون يخالفون التلامذة لغة ومشربا وقد جعلوا عنايتهم بث مبادئ جنسيتهم بين الأولاد واجتهادهم فى تعليمهم اللغة التى ينتمون إليها دون النظر إلى لزوم إتقان بقية العلوم والفنون، فكانت المدارس المصرية لهذا السبب بمثابة مدارس لغات لا مدارس علوم وفنون"!

انتقد ثانيا التفرقة بين المعلمين الإنجليز والمصريين "وجعل رواتبهم قليلة جدا بالنسبة لرواتب المعلمين من الإنكليز الذين امتازوا بهذه النعم المصرية. فقضوا على الوطنيين باليأس من اجتهادهم والقنوط من مستقبلهم".

انتقد أخيرا حالة البطالة التى يعانى منها المتعلمون فى ظل "المصلحين الإنجليز" فقد رأى الشبان المصريين بعد أن يتلقوا نصيبهم من التعليم، "ويفنون زهرة عمرهم فى سبيل تحصيل العلوم التى تؤهلهم لخدمة الحكومة ونفع الوطن العزيز وعندما يقصدون لها بابا يجدون دونه من الموانع سدا قد أحكمت وضعه يد الغايات"!

وفى مقال تحت عنوان "الأعمال بمقاصدها" فضح سياسات الاحتلال الأمنية والعسكرية، بكل ما ترتب عليها من نتائج وخيمة على الأمة.

فعلى الجانب الأول اتهم المحتلين "بحصر سلطة المديرين فى جباية الأموال ونزع ما كان لهم من نفوذ بواسطة تسلطهم على البوليس وناهيك بما ترتب على ذلك من زيادة جرأة الأشقياء على انتهاك حرمة القانون وعدم تهيب الحكومة بسبب ضعف نفوذ المديرين".

وعلى الجانب الثانى اشترط المحتلون "إدخال بعض الضباط الإنكليز فى الجندية ليتم بواسطتهم المرغوب كما هو معلوم.. وحصلوا عليه أيضا بتحويل مئات من الضباط الخبيرين على المعاش وترقية سواهم ممن لا خبرة لهم بأمور الجندية قط، ثم ناطوا السردارية ومعاونيها برجال منهم فأصبحت الجندية المصرية آلة فى يدها تديرها كما تريد".

وقد ارتأى مصطفى كامل أن كل تلك السياسات هى التى قادت فى النهاية إلى فصل السودان عن مصر، وكما قال "والله لو لم يكن للإنكليز سيئة فى هذا القطر إلا فصل السودان عنه لكفاها ذلك مسودا لبيض أعمالها ودليلا على نتائج مقاصدها"!

وكان من الطبيعى أن ينصرف جانب من هذا الهجوم على عملاء الاحتلال من أصحاب جريدة المقطم الذى كان هدفا ثابتا فى أغلب مقالات تلك الحقبة من حياة مصطفى كامل الصحفية.

المقال الأول استهله بالهجوم على هؤلاء وأسماهم سماسرة وأعداء الإنسانية وجراثيم الفساد. وفى مقاله الثانى وصف المقطم بالجريدة المصرية اسما والإنكليزية صبغة بحق المدافعة المبتاعة منهم (أي من المحتلين) بالأصفر ذي الوجهين.(!) ويتهمهم في مقال آخر بأنهم "حولوا أقلامهم لتعرير المصرى بالاستسلام إلى عوامل اليأس والقنوط فجددوا لطمبور الغايات نغمة واختلقوا لتضليل الأوهام فكر جديد"!

ويمكن لقارئ تلك المقالات الأولى "للمصرى الصادق" أن يلحظ أن فلسفته في الحركة الوطنية قامت على أربع ركائز لأزمته بامتداد نضاله السياسى خلال عقد ونصف بالضبط عاشها بعدها (1893 - 1908).

* استخدام الذرائع السياسية كانت الركيزة الأولى، وقد نشأت عن المخاوف من الحجج التي استمرت دولة الاحتلال ترتكن إليها لتأجيل جلاء قواتها عن البلاد. "حالة الاضطراب وانعدام الأمن بفعل المهيجين والمتعصبين"، وهو ما عبر عنه في مقاله الأول وهو يخاطب المصرى بقوله: "وأعلم أن سماسرة السوء يتربصون بك الشر والمحتلين ينظرون إلى وطنيتك بعين الغدر حتى إذا رأوا منك شررا جعلوه نارا يوقدون به مصابيح التهويل في ظلمات الباطل"!

* حرية الصحافة، فقد كان يعلم أنها من أهم الذرائع السياسية التي قرر أن تكون منهجه في النضال الوطنى، فيما قرره في مقال من هذه المقالات الأهرامية.. قال: "أصبحت الجرائد لدى الشعوب المتمدنة من أهم ما تدعو إليه الحاجة وتقوم به حياة الشعوب الأدبية، وتدور عليه رحى السياسة فهى مجرى أقلام الكتاب، ومطمع نظر الساسة، ومنعكس أشعة أفكار العلماء، وبها تعلن جلائل الأعمال، وتشتهر مناقب الرجال"!

* تدويل القضية، فيما كانت تراه الأهرام أيضا، كما سبقت الإشارة، وهو ما سجله في مقاله "الحق يعلو ولا يعلو عليه" بقوله: "أقامت الدول ذات الشأن على حكومة إنكلترا النكير وأرسلت عليها من أفواه الحق نذير"!

* الجامعة الإسلامية التي خصص لها المقال الخامس والذى جاء تحت عنوان "الجامعة" ومع أن مصطفى كامل لم يذكر في هذا المقال "الجامعة الإسلامية" على وجه التحديد، لأن الدعوة لها لم تكن قد نضجت بعد، إلا أنه على الأقل كان يؤمن بدعوة "الشعوب إلى أن تطلب المتعة بقوة التضام والالتئام، بالتجائهم إلى جامعة عامة تتحد بها الكلمة وتشتد العزيمة فتقوى على دفع بعضها البعض".

ونرى أنه منذ ذلك الوقت المبكر حاول الرجل التوفيق بين فكرة الجامعة والفكرة الوطنية "حيث تصان المصلحة الوطنية المضمونة بقوة الجامعة التي لا فرق لديها بين تباين الأجناس وتعدد المشارب"!

ويثير العجب، وربما الإعجاب أن "المصرى الصادق" ابن الأعوام التسعة عشر، كان له من نفاذ البصيرة، أن جملة المبادئ التي وضعها في تلك المقالات خلال الحقبة الأهرامية، قد انتقل بها إلى الحقبة المؤيدية، وحملها معه إلى جريدته المشهورة اللواء، بل أكثر من ذلك كانت هي ذاتها التي أخذ يبشر بها في الجرائد الأوروبية التي أفسحت له مكانا في صفحاتها، مما حدث في نفس العام حينما قام الشاب الصغير بأولى رحلاته إلى باريس في 23 يونية عام 1893..


صورة من المقال: