ads

Bookmark and Share

الخميس، 24 ديسمبر 2020

085 القمر الذى هوى!

 القمر الذى هوى!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 9 مارس 1995م - 8 شوال 1415هـ


العدد رقم 4391 من الأهرام الصادر يوم الاثنين 8 أغسطس عام 1893 كان عددًا عاديًا يتناسب مع حالة الاسترخاء الصيفية التى تنتاب البشر والصحف.


شغل أغلب صدر الجريدة رسالة لمديرها الذى كان فى باريس، الصفحة الثانية تضمنت البابين التقليديين.. الأستانة العليا والعاصمة، ولم يأت بهما فى ذلك اليوم أخبار ذات قيمة، وفى الحوادث المحلية أخبار عن الخت المحروسة ونقل اللحوم من المسلخ، لينتهى بالتلغرافات العمومية التى عنيت بانتشار الكوليرا فى موسكو!

بعد هذا العدد العادى فوجئ قارئ الأهرام بانقطاع جريدته عن الصدور، الأمر الذى لم يعتده إلا فى الحوادث الجلل، وهو الانقطاع الذى دام لأربعة أيام متتالية إلى أن عادت مرة أخرى للصدور يوم السبت 13 أغسطس بالعدد التالى... العدد رقم 4392، وكان عددًا غريبًا!

فمن بين المرات القليلة جدًا فى تاريخ الأهرام التى تزحف فيها صفحة الوفيات لتحتل سائر صفحات الجريدة الأربع حدثت بالنسبة لهذا العدد، بل وأكثر من ذلك يضيف المسئولون عن التحرير ملحقًا لها على صفحتين، لتتيح للصفحة إياها رقعة أوسع، وكانت المسألة تستحق.

ففى ظهر يوم الاثنين، وبعيدًا عن مقر الأهرام، فى قرية "بيت مرى" فى جبل لبنان "هوى القمر" على حد تعبير الأهرام، الذى نشر قصيدة شعرية مطلعها.

لهفى على الهاوى الصريع

              كأنه قمر هوى من أوجه فتكورا

لهفى على هذى البنان تقطعت

              لو أنها اتصلت لكانت أبحرا

ولم يكن ذلك القمر الذى هوى "سليم بك تقلا" صاحب امتياز الأهرام ومؤسسها، وحينما نطالع الجريدة بامتداد الشهور السابقة نشعر بوقع المفاجأة على قرائها، وهى مفاجأة تعددت أسبابها.

من بين هذه الأسباب أن أصحاب الأهرام وكتابها درجوا على ألا يتحدثوا عن أنفسهم إلا فى حالة "شديد القوى"، وقلما كان ينصرف هذا الحديث إلى شئونهم الشخصية، وهو تقليد نعتقد أن الأهرام لا زالت تلتزم به حتى يومنا هذا.

من بينها أيضًا أن سليم تقلا استمر يكتب مقاله الأسبوعى تحت عنوان "لمحة" حتى يوم 18 يونية، وكان آخرها الصادر فى ذلك اليوم تحت عنوان "ضالة الشعب المصرى مسألته" هاجم فيها سياسات الاحتلال بحرمان المصريين من الوظائف فى بلادهم. وحينما توقف عن كتابة هذا المقال خلال الخمسين يومًا التالية عزاه القراء إلى أن البك صاحب الجريدة فى المصيف فى الجبل كما هى عادته كل عام!


من بينها ثالثًا أن مدير الأهرام بشارة تقلا كان يوافى الجريدة بتقاريره عن رحلته التى كان يقوم بها فى ذلك الصيف إلى فرنسا، صحيح أن الصحيفة قد نشرت يوم الخميس 4 أغسطس خبرًا مؤداه أنه قد "حضر إلينا اليوم عن طريق مرسيليا سعادتلو مدير جريدتنا قادمًا من أوربا" إلا أن هذا الخبر كان لا يعنى شيئًا سوى أن رحلة الرجل قد انتهت.

من بينها أخيرًا أنه من الأخبار القليلة جدًا عن سليم التى نشرتها الأهرام كان ذلك الذى نشرته يوم الأربعاء 3 أغسطس وجاء فيه:

"لا تزال الرسائل البرقية ترد إلينا كل يوم مبشرة بتقدم سعادة صاحب جريدتنا الفاضل إلى الصحة والشفاء بحمد الله تعالى ونحن ننشر ذلك مسرورين مستبشرين"، وهو السرور والاستبشار الذى لم يدم طويلًا!

***

لم يعد خافيًا الآن أن المعلومات التى تضمنتها صفحة الوفيات فى الأهرام تدخل الحواسب الآلية فى مراكز البحوث وإدارات المخابرات المعنية بالشئون المصرية لتخرج منها بدراسات تتعلق بكل مناحى حياة المصريين، بدءًا من نظام الإدارة ومرورًا بالأوضاع الاجتماعية وانتهاء بتشكيل النخبة السياسية الحاكمة، فهذه الصفحة تكشف من تحت الستائر السوداء التى تكللها عما لا تكشفه أية صفحة أخرى!

هذا بالضبط ما فعله العدد رقم 4392 من الأهرام الذى كشف من تاريخه ومن تاريخ الصحافة العربية، ومن تاريخ الجبل اللبنانى بل ومن تاريخ مصر، مالم تكشف الأعداد الـ 4391 السابقة!

أول ما كشف عنه الطريقة التى حصل بها "القمر الذى هوى" على رخصة الجريدة العتيدة، ومع أن مصادر أخرى قد روت القصة، إلا أنها لم تروها على النحو الذى رواه بها العدد الذى بين أيدينا.

القصة باختصار أن سليمًا كان يعمل قبيل قدومه إلى مصر فى المدرسة البطريركية، التى أسسها الشيخ ناصيف اليازجى، معلمًا للغة العربية التى ألف فيها "كتابًا للنحو والصرف على طريقة مبتكرة لم يسبق إليها فى اللغة العربية وألقاه بين يدى أساتذتها وطلابها كنزًا ثمينًا وموردًا قريبًا صافيًا".

أهله إلى ذلك نظم الشعر حتى "نظم قصيدته التاريخية بحسن سبكها ودقة معانيها وبرح المدرسة مودعًا بقلوب من فيها ومشيعًا منهم بالدعاء والإبصار حتى ورد القطر المصرى ورفع قصيدته المشار إليها إلى حضرة الخديوى الأسبق إسماعيل باشا وتقرب إلى من فيها من رجال الفضل والعلم والمراتب".

هذه "القصيدة التاريخية" رغم أهميتها، فعلى حد علمنا، لم يعثر عليها، كما أن مراجعة أعداد الأهرام وحتى وفاة صاحبها، تؤكد أنها لم تنشرها قط رغم أنها قد تكون السبب فى مولدها، وبالتالى فلم يخضع مثل هذا العمل لدراسة علمية تكشف عن روح العصر ومزاجه.

بيد أن ذلك يقود إلى تصور عام ليس فقط عن طبيعة حكام هذا العصر، بل الأهم من ذلك عن تلك العلاقة الناشئة بين السلطة، باعتبارهم ممثليها، وبين هذا الوليد الجديد، الصحافة الأهلية.

فالصحافة الأهلية دخلت إلى بلاط الحكام آنئذ من هذا الباب الذى طالما دخل منه آخرون فى العصور السابقة، باب الشعر... وعلى وجه التحديد شعر المديح، وهو باب استمر مفتوحًا بعد ذلك سواء بالنسبة للأهرام أو بالنسبة لغيرها من صحف العصر.

فلم تكن الصحيفة تفوت مناسبة لولى النعم إلا وتثبت فى صدرها قصيدة عصماء للتهنئة أو للتحية، خاصة المناسبات المتعلقة بأفندينا.. يوم المولد السعيد ويم الجلوس المانوس ناهيك عندما تكون المناسبة يوم التولية الميمونة. فسواء بعد خلع إسماعيل أو بعد وفاة توفيق، فقد صدرت الأهرام وعلى صفحتها الأولى صورة الخديوى الجديد بينما تحتل بقية الصفحة قصيدة طويلة فى تعداد مناقبه، كانت من نظم سليم يقينًا حتى وإن لم يوقعها!

كشف العدد رقم 4392 عن حقيقية أخرى، وهى أن الحبل السرى بين أصحاب الأهرام وبين جبل لبنان، من حيث جاءوا، لم يكن قد انقطع بعد، مما تؤكده مجموعة من الشواهد...

لا نضع فى هذه الشواهد أن سليمًا عندما اقتربت منيته عاد إلى الجبل ليموت هناك، فالحقيقة أن الرجل كان فى رحلته الأخيرة يطلب الاستشفاء من داء القلب الذى كان قد أصابه قبيلها، ولم يكن يظن أنه قد ذهب ليدفن فى مسقط رأسه!

العلاقة الخاصة بين الأهرام والصحف اللبنانية تقدم الشاهد الأول، وهى علاقة تحدث عنها باستفاضة أصحاب تلك الصحف الأخيرة بمناسبة "تهاوى القمر"، نقدم هنا شهادة أحدهم.

صاحب جريدة "لسان الحال" سليم أفندى سركيس، خصص عددها الصادر يوم 10 أغسطس 1892، أى بعد يومين من وفاة سليم، للحديث عن "يد الموت التى سطت على ركن الأهرام" وقد ذهب بعيدًا فى هذا التعبير عن مشاعر الحزن إلى حد أنه فضل بانى "الأهرام" الصحيفة على بانى "الأهرام" الأثر، فيما جاء قوله "أين بانى أهرام الأمس من مؤسس أهرام اليوم كلاهما توارى فى الرمس ولكن، تلك صامتة عن بيان ماضيها وهذه ناطقة بفضل منشيها"!

ولا يلبث بعد ذلك أن يدلف إلى العلاقة الخاصة التى ربطت بينه وبين الأهرام فيقول "وقد عشت معه طويلًا وكاتبت جرائده سنين جمة وواصلته الكتابة إلى أيامه الأخيرة فى السراء والضراء والقرب والبعد وقد كان له على فضل التعليم الأدبى والعلمى والسياسى بل كان له على مصر وسورية خدمات جليلة تشهد بها تلك الجملة الرنانة التى نشرتها جرائده".

صحيفة أخرى هى "لبنان" التى خصصت بدورها أغلب صفحات العدد الصادر يوم 11 أغسطس لوفاة سليم وقد جاء فيها قولها: "وها لبنان اليوم تشترك مع شقيقتها الأهرام اشتراك اللبنانيين والمصريين فى هذه الفاجعة".

الشاهد الثانى يقدمه هذا الاحتفاء الهائل برحيل الرجل، والذى يتبدى منه أن لبنان بكبار ممثليه نظروا إلى سليم باعتباره مبعوث الجبل إلى أرض الكنانة!

بعض من هذا الاحتفاء يظهر فى احتضان الأسر الكبيرة لمراسم الجنازة، بكل ما يعنيه ذلك فى الجبل، فيما جاء فى أكثر من مواقع وصف الأهرام للمناسبة.

ففى موقع الحديث عن نقل جثمان الرجل إلى مسقط رأسه فى "كفر شيما" تقول الجريدة "... حملوا النعش على أيديهم وساروا به فى مشهد حافل حتى وضعوه فى سراى الأمراء الشهابيين الأفاضل وكانت الساعة السادسة من صباح يوم الثلاثاء".

وفى موقع وصف تشييع الجثمان جاء القول "أخذ المعزون بالوفود من جميع أنحاء لبنان وثغر بيروت فلم يكن الظهر حتى امتلأت تلك الساحة بالجماهير ينوف عددهم على العشرة آلاف ويتقدمهم الأمراء الشهابيون والارسلانيون وكبار رجال الحكومة وموظفيها وأعيان البلاد ووجهاؤها وفرقة من الجنود اللبنانية منكسة السلاح"!

رغم ذلك فإن العدد 4392 كشف عن أن عدم استقرار الأحوال فى الجبل كان من أهم الدوافع التى قادت "آل تقلا" إلى شد الرحال إلى مصر بقيادة كبيرهم سليم.

جاء ذلك الكشف فى الموقع الذى استعرضت فيه الأهرام حياة سلم قبل مجيئه إلى مصر حين تحدثت عن انقطاع انتظامه فى مدرسة "عبيه" وكان السبب نشوب "الثورة اللبنانية عام 1860 وكان من أمرها ما هو معلوم فبرح المدرسة لاضطراب تلك الجهات واختلاف الأحزاب فيها"، ونرى أن الأهرام كان حريصًا هنا أشد الحرص، فقد تناول هذه المرحلة من حياة مؤسسه باقتضاب ظاهر، فضلًا عن أن ما أسماه "ثورة" قد دخل كتب التاريخ تحت مسمى "أحداث الستين" فى أغلب الأحيان و"فتنة الستين" فى أحيان أخرى، وهو ما لم ترغب الأهرام فى استخدامه!

يكشف أخيرًا هذا العدد من الأهرام وهو يرصد "الرتب والوسامات التى تواردت عليه من الدول تباعًا عن استحقاق وأهلية".. يكشف عن أثر توجهات الرجل، التى كانت بالطبع توجهات الأهرام فى تكريمه من جانب تلك الدول.

كان من تلك الرتب والوسامات "الرتبة الأولى من الصنف الأول والنيشان المجيدى الثانى (عثمانية) ونيشان الليجون دونور من رتبة شفاليه (فرنسى) ونيشان الافتخار التونسى من رتبة كومندور ونيشان الشمس والأسد من تلك الرتبة (فارسى) ونيشان المجمع العلمى الفرنسى من رتبة أوفيسيه (فرنسى أيضًا)، وغيرها من الوسامات والألقاب العالية الشاهدة بفضله والباقية من بعده دليلًا على اجتهاده"!

وفيما يلاحظ فإن الرصيد الأكبر من الأوسمة التى نالها الرجل جاءته من استنبول وباريس. ولأسباب ظاهرة، فبالنسبة للدولة العثمانية استمر الأهرام مدافعًا عن حقوق الدولة العلية فى مصر مقابل انتهاك تلك الحقوق من جانب سلطات الاحتلال البريطانى، ولقب البكوية الذى حصل عليه الرجل جاءه من جانب الباب العالى وليس من إنعامات أفندينا!

أما بالنسبة لفرنسا فإن مواقف الرجل مما أسماه الوطن الثانى استمرت ثابتة منذ أن جاء إلى مصر وإلى عودته الأخيرة إلى الجبل... موقف الدفاع، وموقف الانتماء، والذى عبر عنه بحصوله على الرعوية الفرنسية التى كفلت له الحماية أكثر من مرة... من عصف الخديوى إسماعيل مرة، ومن محاولة الإغتيال من قبل سلطات الاحتلال مرة أخرى".

لعل ذلك يقودنا إلى تتبع أثر "التهاوى المفاجئ للقمر" على الصحافة فى مصر، وفى مقدمتها الأهرام بالطبع.

***

حرص الأهرام البالغ على أن ينقل كل ما كتبته الصحافة المصرية عن وفاة سليم بك رسم خريطة دقيقة للصحف التى كانت تصدر عام 1892 فى مصر ، رسمية، أجنبية وعربية.

"الوقائع المصرية" و"الجريدة مصرية الفرنسوية Le Journal Officiel نشرت الخبر بالشكل الرسمى الذى يتناسب مع طابعها.. "فى صباح التاسع من هذا الشهر الأفرنجى نعت إلينا أخبار سورية وفاة الطيب الذكر سعادتلو سليم بك تقلا صاحب جريدة الأهرام ومنشئها ومحررها".

ورغم ما يبدوا على الخبر من اقتضاب نتيجة لرسمية الصحيفتين فإن مجرد نشره فى الوقائع يدل على مكان الرجل فى عالم الصحافة.

أما الصحافة الأجنبية التى تناولت الخبر فتدل على أنه كان يصدر فى مصر عامئذ ثمانى صحف أجنبية على الأقل، أربع فرنسية، صحيفتان يونانيتان، صحيفة إيطالية وأخرى انجليزية.

الصحف الأربع الفرنسية، الفارد الكسندرى، السفنكس، السكارابيه وأخيرًا البوسفور إجبسيان، وكان من الطبيعى أن تبدى اهتمامًا كبيرًا "بالقمر الذى هوى"، بحكم العلاقة الحميمة التى ربطته بهم، خاصة الصحيفة الأولى السكندرية الموطن والبوسفور إجبسيان التى كانت تعرضت فى وقت ما للإغلاق مع الأهرام.

الصحيفتان اليونانيتان: التلغراف والأمونيا، ويلاحظ أنهما قد اهتمتا بالجانب الإنسانى أكثر من غيرهما... بالزوجة التى "لا تكاد سنو اقترانه بها تتجاوز السنتين"، والشقيق بشارة "الذى سقط مغشيًا عليه من هول ذلك الخطب العظيم"، وأخيرًا ما أظهره الفقيد من "أفكار نادرة وآراء عجيبة فى عرفان حقائق الأحوال والظروف"!

الصحيفة الإيطالية "التليفونو" شهدت للرجل بما "طبع عليه من اللطف وحسن الخلق وما كان يأتيه من حسن الصنيع"!

الجريدة الإنجليزية "الإجبشيان جازيت" غلب الطابع الخبرى على ما قدمته فى هذه المناسبة.. المرض، الوفاة، الأوسمة، أنهته بعبارة مقتضبة جاء فيها "نشارك أسرة زميلنا بحدادها عليه ونقدم لحضرات أرملته وأشقائه عبارات الأسف والتعزية". ولا شك أن مثل هذا الموقف الفاتر من الجريدة التى تمثل الجالية الإنجليزية فى مصر إنما كان يعبر عن العلاقة السيئة التى ظلت قائمة بينها وبين الأهرام!

الصحف التى كانت تصدر بالعربية فى مصر والتى شاركت فى المناسبة بلغت اثنتى عشر صحيفة...

على رأس هذه الصحف كانت المؤيد والمقطم، ورغم أن صاحب الأولى ومدير تحريرها كان مصريًا، هو الشيخ على يوسف، فقد كان يجمعها مع الأهرام ولاء ظاهر للدولة العلية، وعداء معلن للاحتلال الانجليزى، وهو ما لم يتوافر بالنسبة للثانية رغم أن أصحابها كانوا منحدرين بدورهم من أصول شامية.

لم تخجل المقطم فى تلك المناسبة من أن تسجل هذه الحقيقة بقولها "وإن كنا والمرحوم على طرفى نقيض فى المبادئ والآراء فلم نكن نرعى لشخصه إلا العواطف مقرونة بالإخلاص والوفاء"!

الصحف العشر الأخرى كانت النيل، السرور، الوطن، الفلاح، الاتحاد، المصرى، الحقيقة، المحروسة، المحاكم، الحقوق، الإعلان. والملاحظ أن أغلب تلك الصحف كان يصدرها شوام: سليم حموى، نقولا عبد المسيح، أمين شميل وغيرهم. وكان من الطبيعى أن يعبروا عن التياعهم لفقدان كبيرهم "اللواذعى الكامل المرحوم المبرور سعادتلو سليم بك تقلا حضرنلرى محرر الأهرام الغراء"!

تبقى الأهرام نفسها التى كان عليها أن تواجه الموقف بعد وفاة مؤسسها، وكان شقيقه مدير الجريدة بشارة بك قد عاد من رحلته الأوربية قبل الوفاة مباشرة، بينما كان الشقيقان الآخران، وكانا يقيمان بالإسكندرية أيضًا، عزتلو الدكتور إبراهيم بك وحبيب بك قد سافرا إلى الجبل لتولى العناية بأخيهما الأكبر فى أيام مرضه.

ورغم ما كتبته الصحف من أن بشارة قد انهار لما بلغه خبر تهاوى القمر إلا أن ما حدث بعد ذلك يؤكد أن مدير الجريدة لم يضع وقتًا فى إعادة تنظيم البيت...

أولًا أعطى لنفسه مهلة حين أوقف صدورها الأربعة أيام التى أعقبت وصول الخبر، خلال ذلك كان يعد لإصدار العدد المشهود من الأهرام الذى استقينا منه أغلب معلومات هذه الحلقة. تبع كل ذلك بأنه فى العدد التالى مباشرة، وبعد أن كان يكتب على رأس الصفحة "أن جميع المكاتبات التى ترسل متعلقة بالأهرام ينبغى أن تكون باسم بشارة تقلا مدير الجريدة، أضيف إليها هذه العبارة "أن تكون باسم بشارة تقلا مدير (وصاحب) الجريدة".

رصدت الصحف المعاصرة هذا التغير السريع وعلقت عليه المحروسة بقولها "هذا وقد صدرت الجريدة مذيلة بتوقيع سعادة بشارة بك تقلا مديرها الذى لا ننكر همته وسعيه فى توطيد دعائم الجريدة ونشرها بين العالم".

بيد أن جريدة النيل اعتبرت أن التغيير بمثابة الصدور الثانى للأهرام فيما جاء فى قولها "وكان تاريخ صدور الأهرام للنشأة الثانية يوم السبت 12 أغسطس ولها من العمر سبع عشرة سنة صدرت فيها 4391 عددًا ومبدأ عددها الأخير 4392"، وكان على المتابعين أن يتطلعوا إلى القمر الجديد، ولم يكن غريبًا عن سماء الصحافة المصرية!


صورة من المقال: