ads

Bookmark and Share

الاثنين، 14 ديسمبر 2020

082 مصر.. "سويسرة السياحة الشتوية"!

مصر.. "سويسرة السياحة الشتوية"!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 16 فبراير 1995م - 16 رمضان 1415هـ


أول فوج سياحى وصل إلى مصر فى التاريخ الحديث جاء ذكره فى يوميات الشيخ عبد الرحمن الجبرتى المعروفة "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار" وذلك عن أحداث يوم الثلاثاء 10 ذى الحجة عام 1232هـ الموافق يوم 21 أكتوبر عام 1817، فقد قال:

"إن طائفة من الافرنج الانكليز قصدوا الاطلاع على الأهرام المشهورة بين الجيزة غربى الفسطاط لأن طبيعتهم ورغبتهم فى الاطلاع على الأشياء المستغربات، والفحص عن الجزئيات وخصوصًا الآثار القديمة وعجائب البلدان والتصاوير والتماثيل التى فى المغارات والبرابى بالناحية القبلية وغيرها. ويطوف منهم أشخاص فى مطلق الأقاليم بقصد هذا الغرض ويصرفون لذلك جملًا من المال فى نفقاتهم ولوازمهم ومؤاجريهم. حتى أنهم ذهبوا إلى أقصى الصعيد وأحضروا قطع أحجار عليها نقوش وأقلام وتصاوير ونواويس من رخام أبيض".

ولعل الفارق الأساسى بين هؤلاء أنهم وبين من سبقوهم ممن استمروا يفدون إلى مصر خلال القرون السابقة أنهم جاءوا للتعرف على تاريخ المصريين بينما كان من سبقوهم يفدون للتعرف على المصريين أنفسهم.

ونرى أن هذا الفوج كان "أول الغيث" فقد شهدت الستون عامًا التالية، وحتى صدور الأهرام، جملة من المتغيرات حولت السياحة من رحلات "للإفرنج" تحدث بين الفينة والأخرى إلى تيار مستمر وصناعة من أهم الصناعات المصرية، ولم يكن أمام الصحيفة خيار فى تتبع أخبارها.

من بين هذه المتغيرات بناء الدولة المركزية الحديثة التى أخذت مؤسساتها فى التنامى مما كفل للأفواج السياحية قدرًا معقولًا من الأمن كان الافتقار إليه من أكثر ما يعوق وصول الإفرنج لمشاهدة "النقوش والتصاوير والتماثيل"!

من بينها أيضًا الاهتمام بالآثار المصرية، والذى بدأ منذ قدوم الحملة الفرنسية، وبداية حفظ الآثار فى مخزن ببولاق تحول أيام إسماعيل إلى دار آثار كبيرة والتى كانت معرفة بالأنتكخانة، وقد صحب ذلك انتشار علم "المصريات" وتدريسه فى دور التعليم الأوربية مما خلق قاعدة عريضة من المهتمين بالآثار الفرعونية، ومن هؤلاء تشكلت الغالبية العظمى من أعضاء الأفواج السياحية.

عبر عن ذلك الأهرام فى مقال طويل له فى 28 يناير عام 1891 جاء فيه: "لا ننكر الشأن العظيم الذى كان للفتوح الفرنسوى فان نابليون الأول بعلماء تجريدته خدم العلم وبنيه أجل خدمه واكتشف أولئك العلماء عظمة المصريين. وكما كان نابلوين الفاتح قوة وعلمًا كان من ماريات باشا، السلمى المبدأ، الفاتح الأول علمًا فهو من تمكن رغمًا عن جميع العارضات من خدمة أبناء العلم خدم جليلة.. وقد أيد مبادئ ماريات الفاضل المسيو ماسبرو وأطرد المسيو غريبو تلك الخطة باكتشاف آثار جديدة يكون لها شأن يذكر فى تاريخ مصر القديم. واعترافنا بفضل هؤلاء لا ينسينا مواجب الجميل نحو العائلة المحمدية العلوية ولا سيما صاحبى السمو الخديو السابق والخديو الحالى".

من بينها ثالثًا ما عرفه عصر إسماعيل والسنوات الأولى من الاحتلال البريطانى من اتساع جسور الاتصال مع أوربا، والتى تنوعت فى كافة الاتجاهات.. البشرية والاقتصادية والسياسية، وما صحب ذلك من انتظام وسائل المواصلات الحديثة.. ملاحة بحرية، سكك حديدية، ملاحة نيلية، وعبر هذه الجسور جاءت الأفواج وراحت وانتعشت حركة السياحة وتنامت الأمر الذى نطالعه فى الجريدة العتيدة.

***

ثمة ملاحظات مبدئية حول صناعة السياحة يستطيع قارئ الأهرام فى أواخر القرن الماضى أن يخرج بها بسهولة.

* أن الموسم السياحى استمر يتركز فى فصل الشتاء. فقد كان يبدأ عادة فى أواخر نوفمبر ويبلغ ذروته خلال يناير وفبراير ثم يأخذ فى الانحسار خلال الشهر التالى.

يشى بذلك الخبر الطويل الذى جاء فى أهرام 20 مارس عام 1891.. قال: "أخذ السياح بالسفر إلى بلادهم وترى وابورات أوربا ملأى بهم وأكثرهم إن لم نقل كلهم يبارحوننا إلى النصف من الشهر القادم ولاسيما إذا أنذرهم هواء الخماسين"!

* استمر التيار الأساسى للسياح يتدفق فى اتجاه مناطق الآثار فى الصعيد من المنيا حتى أسوان، وذلك بالطبع بعد زيارة مناطق الأهرامات فى الجيزة.

وقليلًا ما كان يحدث أن يقوم هؤلاء السياح بزيارة مناطق أخرى، وإذا ما جرى ذلك فقد كان يحدث فى طريق الذهاب إلى الوجه القبلى أو العودة منه، وكانت الأهرام تحرص على اثباته..

عندما كان ينزل السياح إلى الإسكندرية ويقومون بجولة فيها تكتب الأهرام: "وصل إلى ثغرنا السياح الفرنسويون وطافوا فى شوارع المدينة بعد أن زاروا الأديرة والكنائس والمدارس الكاثوليكية".

وعندما يعرج هؤلاء على الفيوم فى طريق عودتهم من الصعيد يبعث مكاتب الصحيفة فى المدينة برسالة جاء فيها:

"ضاق نزل الفيوم بالسياح العديدين من كل جنس وطبقة وجلهم من البرنسات وأرباب العائلات الملوكية وقد أعد لهم صاحب النزل المذكور الخواجا مانولى ماتندوس جميع وسائل الراحلة فتشكروا منه".

* يشكل ما جاء فى رسالة المكاتب الفيومى عن أن جل السياح من البرنسات وأرباب العائلات الملوكية" الملاحظة الثالثة، فإن العصر لم يكن بعد عصر سياحة الطبقة العاملة أو حتى الطبقة الوسطى، فضلا عن التكلفة العالية للجولات السياحية وقتئذ، فقد كانت تستغرق أوقاتًا طويلة لم يكن يقدر على عبئها أبناء الطبقة الوسطى المرتبطون بأعمالهم وأرزاقهم.

وننتقى من الأهرام، فضلًا عن مراسلة المكاتب الفيومى، جملة من الأخبار من موسم سياحى واحد، هو موسم 1891، تؤكد ذلك..

خبر يوم 7 يناير جاء فيه: "سافر مساء اليوم سمو ولى عهد النمسا وقرينته على قطار خصوصى إلى الوجه القبلى بقصد السياحة فى أنحائه والتفرج على الآثار المصرية".

خبر آخر يوم 21 فبراير أن "سمو الدوق كمبردج ذهب أمس إلى الأهرام مع حضر نجله.. وبعد أن تنزهوا أخذ المصور رسمهم مرتين عند الأهرام وعند أبى الهول ثم تناولوا الطعام معًا فى أوتيل مينا ورجعوا عند المغرب وقد ذهب سموه اليوم إلى سقارة فى قطار مخصوص حيث صرف أكثر اليوم ورجه عند المساء".

خبر ثالث بعد ذلك بخمسة أيام جاء فيه من مراسل الأهرام فى العاصمة أنه غادرها إلى الصعيد "حضرة المالى الشهير البارون روتشيلد وعائلته".

* أن السياح كانوا جميعًا من الأوروبيين، وعندما كان يظهر سائح من غير هؤلاء كان يصبح مثارًا للتعجب، وقد علق مدير الأهرام على ذلك فى إحدى رحلاته بقوله: "يتعجب السياح إذا رأوا شرقيًا بالطربوش يتحمل مشاق السفر مثلهم للفرجة على آثار مصر وحق لهم أن يتعجبوا فإنهم لم يروا فى سياحاتهم غير أمثالهم من الأجانب"، والواضح أن صاحب الطربوش لم يكن سوى بشارة تقلا نفسه!

* الملاحظة الرابعة سجلها مكاتب الأهرام فى الأقصر الذى لاحظ ما عمدت إليه الحكومات التى تكاثر عدد رعاياها القاصدين الصعيد للسياحة، فقد عينت تلك الدول وكلاء للقناصل "حضرة مصطفى أغا وكيل قناصل الروسية وانكلترة وبلجيكا وحضرة شنودة بنقريوس لفرنسا وحضرة تادرس بولس لألمانيا وحضرة على مراد لأمريكا".

* الملاحظة الأخيرة متصلة بتلك العلاقة الحميمة بين انتعاش المواسم السياحية وبين حالة الأمن على الحدود، ففى خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر بقى احتداد حالة التوتر على تلك الحدود، تأزمًا أو انفراجًا، أحد أهم العناصر فى كساد الموسم السياحى أو رواجه، الأمر الذى يؤكده ما جرى خلال النصف الثانى من الثمانينات.

فبينما تشير متابعة أخبار السياحة فى الأهرام إلى انتعاش موسم شتاء عام 1887، فإن مواسم السنوات الثلاث التالية، ووفقًا لنفس الأخبار قد افتقرت إلى هذا الانتعاش الذى لم يعد إلا فى العام التالى.. شتاء عام 1891.

وليس من تفسير للرواج أو للكساد إلا ما حدث على الحدود خلال عام 1889 من تهديد من أنصار المهدى وصل إلى حد محاولة الغزو فى ذلك العام، وكان تصاعد هذا التهديد خلال العام السابق، والاحتياج لبعض الوقت حتى تزول آثاره ويشيع قدر من الطمأنينة خلال العام اللاحق من أهم أسباب الكساد.

ولقد اقتنص مدير الأهرام مواسم الرواج وانضم لأفواج السياح وقدم وصفًا دقيقًا لما جرى فى كل موسم، وهو أمر يستحق المتابعة ويستحق المقارنة..

***

فى صباح يوم 26 فبراير بارح مدير الأهرام العاصمة متجهًا إلى أسيوط، آخر نقطة السكة الحديد، على حد تعبيره، والتى لم يصلها إلا مساء اليوم التالى.

بقى الرجل فى عاصمة الصعيد يومين فى انتظار "رمسيس" وابور البحر الذى يتولى مسئولية الجولة السياحية حتى أسوان، وقبل أن نبارح أسيوط مع الوابور السياحى نجلس قليلًا على متنه مع بشارة ونراقب..

أول ما نلحظه أنه حتى ذلك الوقت بقيت الرحلات النيلية مقتصرة على المنطقة الواقعة جنوبى أسيوط، وأن السكة الحديد استمرت الوسيلة الأساسية أمام السياح للوصول إلى تلك المدينة.

نرى أيضًا مع بشارة أن "بوابير البحر" على حد قوله، كانت قليلة إلى الحد الذى اضطر معه الرجل إلى البقاء يومين فى أسيوط إلى حين وصول "الوابور رمسيس".

الأمر الثالث يرصده بشارة وحده وهو خاص بالشركة التى كانت تمتلك الوابور رمسيس، والتى يبدو أنها كانت حتى ذلك الوقت تحتكر الملاحة السياحية فى الصعيد.. شركة توماس كوك الانجليزية.

يتحدث مدير الأهرام عن الشركة فيصفها بأنها "محل مشهور واسع النطاق جدًا فى جميع أنحاء المعمورة وأصحابه انكليزيون وله أوراق يدفعها حاملها فى الوابور كما تدفع أوراق بنك نوت من بنك باريز أو انكلترا ويمكن للمسافر أن يتفق مه هذه الشركة للذهاب إلى أية جهة أو قارة أراد برًا أو بحرًا هى تسهيلات يستحق صاحبها عليها أحسن المدح مهما كانت أرباحه".

ثم يدلف من ذلك إلى الحديث عن الوابور رمسيس فيصفه بأنه "أكبر وابورات كوك وهذه المرة الثانية التى مخر فيها النيل صاعدًا فيه.. أما غرفه فغاية فى الإحكام والنظافة وكذلك سائر متاعه والخدمة حسنة والمائدة أشبه بأحسن الموائد فى أعلى فنادق مصر من حيث النظافة وكثرة الألوان.. وأوقات الأكل عند الصباح الساعة 8 وعند الظهر فى الساعة الواحدة ثم يقدم للمسافرين الشاى عند الساعة الخامسة ويكون العشاء عند الساعة السابعة كل ذلك بأحسن المشروبات وألذها"!

وتقلع السفينة النهرية على متنها بشارة والذى اختار عنوان "فى الوابور رمسيس" لرسائله التى بعث بها من عليها، والتى استمرت لأحد عشر يومًا فى الذهاب والعودة.

انصب أغلب هذه الرسائل عل مشاهدة الآثار بالطبع والتى انبهر بها الرجل أشد الانبهار، وهو انبهار لابد وأن يكون قد شاركه فيه سائر السياح، ومن بين كثير من الكتابات التى تنم عن ذلك قال بشارة فى احداها..

"لقد زرت مصر فى أيام الفراعنة بالمدارس الشهيرة وذاع صيتها بالفلاسفة والأطباء والعلماء فأمها الناس على اختلاف أجناسهم يقتبسون من نور أدبها ويستمدون من بحر علمها وتفنن المصريون فى إتقان الصناعة فيما تشهد بذلك آثارهم ومن جملة ما نبغوا فيه وحذقوه علمى الفلك والهندسة تدل على ذلك أبنيتهم وتشير إليه قصورهم وقد فاقوا كذلك فى علم الطب حتى برعوا فيه كثيرًا عن تجربة وامتحان".

كشف الرجل فى جانب آخر من رسائله عن أن مهنة "الترجمان" كانت قد عرفت طريقها إلى الظهور منذ الوقت المبكر حين قال "أما عدد المسافرين معنا فثلاثون وغالبهم من الانكليز وفيهم بعض الألمان والأميركان وكانت اللغة الإنكليزية هى العامة بينهم وبينما نحن على العشاء مساء الاثنين وقف الترجمان ابراهيم افندى المصرى وخطب بالإنكليزية خطابًا أبان فيه للسياح أنهم ملاقون قنا عند عصر الغد وسيزورون دندرة الشهيرة بآثارها فسر السامعون من خطابه هذا على كونه أميًا يحسن التكلم بالإنكليزية بكل سهولة وصفقوا له استحسانًا"!

المصنوعات السياحية كانت الجانب الثالث الذى رصده مدير الأهرام، ففى الأقصر لاحظ الرجل الرواج "خصوصًا عند تجار الأنتيكات التى لا يكاد مكان يخلو منهم إلا أنه قد كثر تقليدهم للقديم فعلى الطالبين ألا ينخدعوا لهم فإن الفرق بين القديم والجديد لا يكاد يستبين"!

وفى أسوان "كثر عدد البيوتات التجارية من كل جنس وللخواجا فرج الله الخورى محل تجارى واسع يقبل الأذونات بالعمولة فيرضى الجميع وقد قابلت الكثير من تجار أصوان فرأيت منهم اهتمامًا زائدًا ومنهم حضرة سر تجار البلد وإبراهيم افندى خليل وغيرهما ويسرنا أن نرى إقبال الجنس العربى على التجارة فإنها أحسن فائدة وأشرف صناعة".

غير أن هذا لم يكن إلا قليلًا من كثير فيما جرى فى الموسم السياحى التالى الذى كان بشارة أحد شهوده أيضًا.. موسم شتاء عام 1891.

***

من بين الكثير الذى سجله بشارة تقلا عن الموسم السياحى لشتاء 1891 ما هو متصل "بالوابورات السياحية"، وقد سجل عددًا من المشاهدات تنم عن حجم التغير الذى حدث فى هذا الشأن..

المشاهدة الأولى أن رحلات الوابورات لم تعد مقصورة على سفينة أو اثنتين تملكها شركة أجنبية هى "محل كوك" ولكن تشكلت شركة جديدة للقيام بهذه المهمة هى الشركة التوفيقية، ورغم أن الأهرام لم يقدم معلومات كافية عن أصحاب هذه الشركة، إلا أنها تشير فى إحداها إلى أن بعضًا من المصريين كانوا من أصحابها.. الخواجا أندراوس بسادة أحد أعيان الأقصؤ "أحد أعضاء هذه الشركة"!

المشاهدة الثانية أن الشركة كانت فى ذلك العام تملك أسطولًا من البواخر النيلية يمكن أن نرصد منها من خلال كتابات الأهرام خمسًا على الأقل: الأقصر، القاهرة، ممفيس، الخديوى والشلال بعضها بدأ الخدمة فى ذلك الموسم مما نتبينه من الخبر المنشور يوم 18 فبراير وجاء فيه: "سافر صباح اليوم الوابور الجديد ممفيس للشركة التوفيقية وفيه نحو الأربعين سائحًا وهى السفرة الأولى للوابور المذكور وقد أجمع الذين عرفوه وقابلوه مع غيره من جميع الوابورات النيلية أنه أحسنها فرشًا وأتقنها بناء، وأسرعها ملاحة"!

المشاهدة الثالثة أن تلك الوابورات أصبحت تقلع من القاهرة وليس من أسيوط، كما كان الحال من قبل، حتى أن هذه النوعية من السياح التى استخدمتها كانت تتمتع برحلة نيلية تصل إلى ثلاثة أسابيع فيما نستنتجه من رحلة ممفيس التى قامت من العاصمة يوم 18 فبراير ولم تعد إليها إلا يوم 10 مارس.

مشاهدة رابعة أن حمولات تلك الوابورات كانت تتراوح بين 21، 40 سائحًا فيما كانت الأهرام تحرص على نشره، ولم تكتفى فى هذا الصدد بذكر الأرقام، بل كانت تذهب إلى حد تقديم أسماء ركاب كل رحلة فردًا فردًا بمن فيهم "الخاتونات"، أى الآنسات من أعضائها!

ومن بين الكثير أيضًا الذى سجله مدير الأهرام أنه منذ ذلك الوقت كان لمصلحة الآثار رجالها المقيمون فى المناطق الأثرية الهامة ممن يؤدون فى نفس الوقت خدمة سياحية.

يشير إلى ذلك فى أحد الأخبار التى بعث بها عن رحلته والذى حرص فيه على إزجاء الشكر بلسان السياح على "ما لقيناه من حضرة النشيط على افندى حبيب مدير هيكل دندرة والآثار فى هذه الجهة ونؤمل من جناب المدير المسيو غريبو أن ينظر إلى هؤلاء الموظفين الصادقين نظره إلى حفظ الآثار المصرية"!

يسجل كذلك ملاحظة مؤداها أنه مع مرور الوقت غلب السياح الأمريكيون على غيرهم أو على حد تعبيره "ازدياد الجنسية الأمريكية عن كل جنسية كأنى بهمة هذا الشعب تود أن تكون أولًا فى كل الأمور، التجارية والصناعية والعلوم والصحة فهكذا الهمم وهكذا الشعوب"!

تسجل الهمة فى بناء الفنادق وكيف أن أحد أعضاء الشركة التوفيقية قد قام بطلب منها ببناء "نزل متقن للسياح فى جهة الأقصر فأتم ذلك على غاية النظام فجاء نزلًا بالغ حد الإعجاب فى جودة مركزه واتساع بنائه وحسن هندسته ونظامه"، وتعرب فى عدد آخر عن أملها فى زيادة "عدد الفنادق للسنة الآتية".

وتسجل الحرص على توفير وسائل الترفيه للسياح حين تقرر أن يكون "جوق الأوبرا أحسن جدًا من الجوق الحالى ولا نعجب إذا ارتأت لجنة التياترو أن يكون المبلغ المعتمد 150 ألف فرنك كما لا نعجب إذا قرر أولو الأمر ذلك وقد عرفوا عدد السياح الذين ملأوا مصر هذا الشتاء"!

وتسجل أخيرًا أمانيها أن تكون مصر سويسرة السياحية الشتوية فيما جاء فى قولها فى العدد الصادر يوم 20 مارس عام 1891 بأنه "يؤمل سواء كان برد الشتاء القادم قارصًا أو لا أن يزداد عدد السياح سنة عن سنة ولا سيما والاستعدادات مأخوذة فى زيادة المعدات سواء فى الأسفار النيلية أو فى فنادق مصر ومراسحها ومتنزهاتها وسيأتينا يوم نرى مصر فيه سويسرة الشتوية للسياح عمومًا"، ونظن أن أمل الأهرام قد تحقق بعد وقت قصير، وهو الأمل الذى حاول البعض مؤخرًا إجهاضه!


صورة من المقال: