ads

Bookmark and Share

السبت، 12 ديسمبر 2020

077 انقلاب فى السراى العامرة

 انقلاب فى السراى العامرة

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 12 يناير 1995م - 11 شعبان 1415هـ


ليست المصادفة التاريخية وحدها المسئولة عن أن غالبية من تولوا عرش مصر من أبناء أسرة محمد على، كانوا إما من الكهول أو من الصبية(!)، وإنما شارك فى صنع هذه الظاهرة أسباب أخرى، وقبل تحرى تلك الأسباب يتوجب رصد الظاهرة..


فمن بين تسعة من خلفاء الباشا مؤسس الأسرة عرف ثلاثة كهول على الأقل، إبراهيم باشا (59 سنة)، عظة السلطان حسين كامل (61 سنة) جلالة الملك فؤاد الأول (49 سنة)، واشتهر صبيان على الأقل أيضًا "سمو الخديو عباس حلمى الثانى"، و"جلالة الملك فاروق الأول".

والتسمية بالصبى ليت من عندياتنا، فبالنسبة للأول استمر اللورد كرومر المعتمد البريطانى فى القاهرة وقت توليه يطلق عليه هذه التسمية The Boy لفترة غير قصيرة، وهى نفس التسمية التى أطلقها السفير البريطانى فى العاصمة المصرية، اللورد كليرن، على فاروق خلال سنى حكمه الأولى.

وللتسمية بالصبى أسبابها فعندما اعتلى عباس الثانى العرش غداة وفاة أبيه الخديو توفيق، لم يكن قد بلغ بعد الثمانية عشر عامًا،سن الرشد الذى كان يسمح له بتولى السلطة، غير أنه بحساب هذا السن يالتقويم الهجرى كان قد تعدها بخمسة عشر يومًا الأمر الذى دعا إلى الأخذ بهذا التقويم(!)، أما فاروق فانه لم يكن قد بلغ السن المطلوبة حتى بعد أن حسب بنفس التقويم، الأمر الذى تطلب الانتظار لأكثر من عام قليلًا، وهو العام الذى شكل خلاله مجلس الوصاية.

هذا عن الظاهرة، أما عن صناعتها فقد كان ورائها بالأساس نظام وراثة العرش داخل الأسرة العلوية، ففى الفترات التى ساد فيها نظام تولى أكبر أبناء هذه الأسرة، الذكور طبعًا، كانت الأغلبية من الكهول، بينما جاءت الأغلبية من الصبية فى الفترات التى ساد خلالها نظام تولى أكبر أبناء الحاكم الذى انتهت مدة حكمه.

والمعلوم أن الصبى الأول، عباس الثانى، قد تولى العرش وفقًا هذا النظام الذى تقرر فى الفرمان الذى كان جده الخديو إسماعيل قد نجح فى استصداره من الباب العالى عام 1866 والقاضى "بانتقال مسند ولاية مصر وملحقاتها إلى أكبر أبناء الباشا"، أما فاروق فقد تولاه بناء على الأمر الملكى الصادر فى أبريل عام 1922، والذى أعاد الإقرار بتولى أكبر الأبناء بعد أن كان قد تم التخلى عنه بعد إعلان الحماية البريطانية على البلاد فى ديسمبر عام 1914.

والملاحظ أن مصير الصبيين كان واحدًا.. الخلع، الأول على أيدى الانجليز بعد إعلان الحماية عام 1914، والثانى على أيدى ثوار يوليو بعد نجاحهم فى الاستيلاء على السلطة.

والملاحظ أيضًا أن عصريهما قد شهدا الكثير من العواصف السياسية، الأمر الذى هددا معه بالخلع عن العرش من جانب السلطات البريطانية، عباس من جراء الأزمة المعروفة بأزمة الحدود عام 1894، وفاروق خلال حادثة 4 فبرار 1942.

والملاحظ أخيرًا أن العواصف قد بدأت منذ الأيام الأولى لتولى الصبيين وهو ما رصدته المراجع التاريخية، وإن كانت صحف العصر قد رصدته بتفاصيل أدق وبشكل انسانى، والتى نقرأ من خلال إحداها، وهى الأهرام طبعًا، نذر تلك العواصف التى أخذت فى الهبوب منذ الأيام الأولى من عام 1892، عام وفاة وفيق، وهى نذر كانت من صناعة الصبى!

***

يقر عباس حلمى الثانى فى مذكراته التى وضعها بعد عزله بأنه لم يكن راضيًا عن أمور كثيرة فى ظل حكم أبيه، وأولها طبيعة الرجال المحيطين بتوفيق.. ونترك الكلام لما جاء على لسان الرجل أو بقلمه.

جاء فى موقع من هذه المذكرات " حينما كنت أحضر أثناء العطلات لزيارة والدى كنت أصدم دائمًا بالتفاهة الفكرية والمعنوية للوسط المحيط بتوفيق، والدى، وكانوا جميعًا من المتقدمين فى السن".

ويعزو عباس سبب وجود هؤلاء بالأسباب الفاجعة والعنيفة (يقصد أحداث الثورة) التى واجهت والده والتى "كانت تجعل اختيار موظفين أصدقاء، ومخلصين، وقادرين أمرًا صعبًا، وكان المتعاونون معه متقدمين فى السن للغاية وليست لهم طاقة".

ويخرج من ذلك إلى القول أنه اعتقد فى بداية حياته أنه قد يجد عند هؤلاء الشيوخ آراء حكيمة "ولكن لم يكن هناك شئ من ذلك، وسرعان ما تأكدت أننى لن أحصل على شئ من هؤلاء المستشارين الطبيعيين للعرش، ولم يكن النظار عاجزين عن إبلاغى بحالة البلاد، فحسب، بل كانوا يجهلون كل اختصاصاتهم ولم يكونوا فى حالة تسمح لهم بمساعدتى، وقد وجدت نفسى وحيدًا وعمرى سبعة عشر عامًا"، ولم يكن هذا الكلام من الخديوى عباس دقيقًا تمامًا، فلم يكن وحيدًا إلى هذا الحد.

فهو من ناحية يعترف أنه قد اصطحب فى رحلة العودة ستة من المستشارين أغلبهم من النمسويين، أربعة من العسكريين وعالمين.

وهو من ناحية أخرى يسجل الحوار الطويل الذى جرى خلال الرحلة بينه وبين أحد هذين العالمين، وكان سويسريًا واسمه لوى روييه Rouiller، والذى دار حول "شروط نهوض مصر والخطوات التالية لعملية إعادة بعث تدهش العالم"!

من ناحية أخيرة فلاشك أن الاستقبال الحافل الذى لقيه عباس بعد أن وطأت أقدامه أرض مصر، بل وربما قبل ذلك، قد قلل كثيرًا من شعوره بصغر السن، وهو ما نقرأه فى الأهرم..

لعل مطالعة البرنامج الطويل لاستقبال "سمو الخديو المعظم عباس باشا" الذى وضعه مجلس النظار المصرى فى جلسة عقدها خصيصًا لهذا الغرض يوم الاثنين 11 يناير عام 1892 يؤكد ذلك.

* يتوجه لمقابلة سموه على ظهر الباخرة صاحبا الدولة البرنس حسين باشا (عمه) ومختار باشا (القوميسيير العثمانى فى القاهرة) وحضرات النظار وسعادة السردار (قائد الجيش المصرى).

* يكون بانتظاره فى سراى رأس التين اثنان من رجال التشريفات والعلماء والأعيان وقناصل الدول وكبار الضباط والموظفين.

* تطلق مدافع طوابى الإسكندرية عند وصول الباخرة التى تقل سموه 21 مدفعًا وتصطف العساكر الانجليزية وبلوك من العساكر المصرية مع الموسيقى المصرية عند رصيف سراى رأس التين.

* يتقدم بعد ذلك موكب سموه إلى محطة الإسكندرية فى مقدمته المركبة الخديوية يليها خمس مركبات تقل كبار رجال الدولة يخفره الفرسان.

عند وصول القطار إلى القاهرة يعود نفس الموكب مع تعديلات بسيطة اقتضتها ضرورة أن يكون بعض من صحبته فى الموكب الأول فى شرف انتظاره فى عابدين الأمر الذى دعا إلى أن يسبقوه إلى السراى العامرة!

* عند باب التشريفات فى عابدين يقف فى اليمين "حضرات العلماء والأعيان وإلى يساره حضرات قناصل الدول الجنرالية ومديرو صندوق الدين والدومين ومصلحة السكة الحديدية وإلى الجهة المقابلة للباب حضرات كبار الموظفين أما العساكر المصرية فتقف فى وسط الساحة وفى مقدمتها سعادة السردار والعساكر الانجليزية أيضًا وفى مقدمتها حضرة الجنرال ووكر".

* لدى وصول "الصبى" يخف لاستقباله حضرات النظار ويتلو "عطوفتلو مصطفى باشا فهمى رئيس النظار صورة التلغراف الوارد من لدن الحضرة السلطانية بتعيين سموه خديويًا على مصر".

وقد تم تنفيذ هذا البرنامج بحذافيره، ولم يكن متوقعًا بعد ذلك أن يظل الشعو بالدونية حتى لو كان مصدره صغر السن، ملازمًا لعباس، وقبل أن تمضى أيام قليلة كان الفتى يمارس سلطاته الخديوية وبشكل لم يكن يتوقعه أحد. وقد طالت هذه الممارسة أو ما طالت رجال "سراى عابدين العامرة" مما كان أشبه بالانقلاب، وهو ما ظلت الأهرام تتابعه باندهاش أحيانًا وبدون تعليق فى أغلب الأحيان، فقد تجاوزت الأحداث أى تعليق!

***

كان أول ضحايا الانقلاب الطبيبان اللذان كانا مسئولين عن علاج أبيه، وقبل ذلك الأسرة الخديوية، "صاحبا السعادة سالم باشا سالم وعيسى باشا حمدى"، ولم يكونا فحسب من كبار الأطباء المصريين بل كان الأخير مديرًا لمدرسة الطب بالقصر العينى.

ونظن أن قارئ الأهرام لم يستقبل تلك الأخبار الأولى للانقلاب بدهشة ولعله عزاها إلى تقصير من الرجلين تسبب فى وفاة توفيق المبكرة، وإن كان هذا الظن يحتاج إلى إعادة نظر.

فمن ناحية آثر الخديوى الجديد أن يغلق ملف التحقيق فى ملابسات وفاة الخديوى الراحل بعد أيام قليلة من وصوله، ومن ناحية أخرى لم يعرف عن عباس تعاطف حقيقى مع سياسات أبيه الذى وصفه فى مذكراته بأنه "كان يتميز بأمانة دقيقة وطيبة لا نهاية لها، ولكن المحيطين به كانوا لا يخدمونه بصدق، وكان يكره العنف"، ولا نظن أن مثل هذا الوصف يحمل فى طياته أى رنة إعجاب، ومن ناحية أخيرة فلعل عباس قد ارتأى أن رحيل أبيه قد وفر له فرصة التغيير، ومن ثم وبغض النظر عن تداعياته العاطفية، فإن هذا الرحيل لم يكن بالضرورة مصدر غضب إلى حد العصف بمن أهملوا فى رعاية الخديوى الراحل!

غير أن تصرفات عباس خلال الأيام الأولى من وصوله أثارت الهواجس ووجدت فى نفس الوقت لإشاعات مؤداها أن الخديوى فى طريقه للتخلص من رجال أبيه.

عبرت الأهرام فى ذلك فى خبر نشرته بعد وصول الخديوى بثلاثة أيام جاء فيه: "كثرت إشاعات العزل والتبديل والتعيين على اثر جلوس الجناب الخديوى المعظم عباس الثانى على الأريكة الخديوية وخصوصًا فى تعيين مستشار خصوصى لسموه على أننا علمنا من مصدر ثقة أن هذه إشاعات جميعًا مختلقة لا أثر لها من الصحة لما أنه إذا كان لابد من تغيير وتبديل فمن الحكمة أن يكون سموه قد تعهد الأعمال وعرف العمال"!

غير أن نفس العدد من الصحيفة قد تضمن خبر له دلالته.. جاء فيه "أن جناب الخديوى قد عزم ألا يلبس غير لباس العسكرية فكان لهذه الإشاعة وقع حسن عند العموم وخصوصًا جيش سموه لما أنهم قد توسموا بذلك مزيد الفخر والنجاح"!

ومع أن الأهرام قد وضعت هذا الخبر فى مرتبة الشائعة أيضًا إلا أن ما حدث بعد ذلك من وضعه موضع التنفيذ كان يعبر عن النية على تبنى سياسات تتسم بالإرادة والقوة، وهو ما لم يتأخر كثيرًا!.

لعل ذلك ما دفع الأهرام بعد أيام قليلة إلى أن تبدل موقفها من الشائعات حول "عزل واستبدال أكثر موظفى المعية" وقد ارتأت أنه حتى لو استبدل سموه بعض الموظفين فلا تكون غايته عزل موظفى البلاط الخديوى بل استخدام الذين استبدلهم بوظائف إدارية أو غيرها فى خدمة الحكومة حتى لا يقطع وظيفة أحد"!

فى تلك الأثناء وحتى آخر شهر يناير 1892، نفس الشهر الذى تولى فيه، كان عباس يسير قدمًا فى تثبيت سلطته وبمجموعة من الإجراءات غير المتوقعة..

من بين هذه الإجراءات ما عمد إليه من ترجمة وضعه القانونى قائدًا أعلى للجيش المصرى إلى وضع فعلى، من ثم حول المناسبة القانونية لحلف يمين الطاعة والإخلاص من جانب ضباط هذا الجيش للخديوى الجديد إلى مناسبة وطنية فيما جرى يوم 25 يناير من اجتماعه بضباط الجيش الذين أقسموا يمين الولاء، وقد لاحظت الأهرام أنه قد لحقه تغيير هام..


جاء فيه: أقسم بالله ثلاثًا، وبكتبه المنزلة عمومًا، وبرسله، وذمتى وشرفى، أن يكون صادقًا للحضرة الفخيمة الخديوية، ولحكومتها السنية مطيعًا لجميع أوامرها الحكيمة.. منفذًا لإرادة الجناب الخديوى بالبر والبحر داخل القطر المصرى وخارجه".

وقد حضر الشيخ الإمبابى، شيخ الإسلام هذا القسم، ولا شك أن مثل هذا التغيير، ان كان قد استهدف أمرًا، فهو تغليب سلطة الخديوى على سلطة القيادات البريطانية للجيش المصرى.

من بين هذه الإجراءات أيضًا اتخاذ جملة من القرارات بالعفو عن بعض رجال الثورة العرابية، فيما ساقته الأهرام بدهشة ظاهرة..

ففى يوم 4 فبراير عام 1892 نشرت الأهرام خبرًا جاء فيه أنه قد "صدر العفو الكريم عن خمسة من الأشخاص المشتركين فى الثورة العرابية وقد رد الأمر إلى نظارة الداخلية"، ولم تدل الصحيفة بأى تعليق!

فلم يكن أصحاب الأهرام قد نسوا بعد ما نالهم على أيدى رجال الثورة، ويقينًا أنهم لم يكونوا سعداء بتلك التطورات، خاصة وأنهم قد اضطروا إلى أن يغيروا من توصيفهم للعرابيين من العصاة إلى الثوار، وهو التوصيف الذى جاء فى القرار "بالعفو الكريم".

غير أنه من جانب آخر كان للخديوى الجديد فى عرابى رأى مغاير، وهو الرأى الذى سجله فى مذكراته أيضًا بقوله: "جاءت أحداث الإسكندرية لتضع نهاية حزينة، وهكذا اخ0تفى حاملًا معه عزة وحب بلاده، وأنه قد خدمها دون أن يخون أبدًا أى أحد"!

ولا شك أن مثل تلك الإجراءات قد لقيت استجابة واسعة فى أوساط المصريين، الأمر الذى كشف عنه خبر مؤداه أن "أصحاب العرائض يقفون فى طريق موكب الخديوى ليسلموها، وأنه لا يترك عريضة إلا ويقرؤها، وأن "سموه" يقف أوقاته الشريفة فى خدمة الأهلين وفى سبيل مصلحة البلاد" على حد تعبير الأهرام.

وفى مثل تلك الظروف بدأ التخلص من رجال توفيق، وكان فى طليعتهم ثابت باشا الذى قدم استقالته فقبلها الخديوى فورًا وتبع ذلك بإحالة ذو الفقار باشا إلى المعاش، والاثنان من كبار رجال التشريفات فى السراى، وكان للخديوى ملاحظاته عنها فى مذكراته".

فقد جاء فى جانب من هذه المذكرات: "فى أول اجتماع لمجلس النظار الذى رأسته كان كبير الأمناء، ذو الفقار الكهل، الذى كان مع ذلك ناظرًا للخارجية من قبل لا يعر وضع الشخصيات حول مائدة المداولات. وأفاد المستشار المالى الانجليزى، والذى كان مكانه المعتاد فى الآخر من هذا الوضع. وجاء لكى يستقر أمام رئيس المجلس نفسه نتيجة لسابقة خطيرة نتجت عن جهل كبير الأمناء وثابت باشا رئيس الديوان"!

تبع ذلك بتعيينات جديدة فى تلك المناصب القيادية فصدر الأمر العالى بتعيين "سعادة عبد الله فوزى باشا ياورًا أول مع رتبة اللواء الرفيعة وأنعم سموه برتبة ميرميران على عزتلو توفيق بك".

علقت الأهرام على تلك التغييرات الأولية بقولها: "إن جميع موظفى المعية السنية على رتبًا وزادوا راتبًا وكثيرًا نالوا الأمرين ولكن ذلك لم يحل دون عزل البعض ولا يضمن عد عزل آخرين لأنهم يؤكدون تغيرات وتبدلات قريبة"!

وفى أعقاب ذلك طالت التغييرات "الياور الأول لجناب الخديوى المعظم سعادتلو أحمد حمدى باشا" وإن كان إخراجه قد تم بشكل كريم فصدر الأمر بإحالته إلى المعاش فى كتاب تضمن كل معانى "الرعاية والإكرام"!

وفى مثل ذلك الجو يسود الارتباك صفوف رجال القصر ويسارع بعضهم إلى تقديم استقالته بدلًا من انتظار إعفائه من وظيفته، فقدم "حضرة النبيه عزتلو عزيز بك معاون التشريفات استقالته من وظيفته لأسباب مرضية وقبلها الخديوى، على النقيض من ذلك جاء رفض قبول استقالة "سعادتلو عثمان باشا رأفت سر ياوران الخديوى".

وفى مثل ذلك الجو أيضًا تنتشر الشائعات بتعيينات جديدة ولكنها قد لا تحدث أبدًا، منها تلك الشائعة التى نشرها الأهرام عن "تعيين عزتلو على بك حيدر قومندان الأورطة الخامسة فى وادى حلفا فى وظيفة مهمة فى المعية السنية".

وتعبر الصحيفة عن أملها فى إتمام هذا التعيين لأن "البك المشار إليه من خدمة الحكومة المستحقين اعتبارها وعنايتها بالنظر إلى ما عرف به من النباهة" وهو أمل لم يتحقق!

وفى مثل ذلك الجو أخيرًا يفاجأ قراء الأهرام كل يوم بأصحاب أسماء جديدة يدخلن السراى ولم يكونوا من أهلها.. "سعادتلو عبد الحليم باشا عاصم" الذى أنعم عليه برتبة اللواء وعين ياورًا أول، عزتلو عبانى بك وكيل محافظ بورسعيد الذى عين بوظيفة "تشريفاتى أول خديو بدلًا من سعادتلو محمد زكى باشا".

ولم يطل الانقلاب رجال السراى فحسب بل طال نظام استقبالاتها، أو ما كان يسمى بنظام التشريفات.. فقد تتابعت الأخبار عن أوامر خديوية بإصدار قانون للتشريفات، وهو ما كان قد ترك من قبل لاجتهادات القائمين على شئون السراى، على أن يتضمن هذا القانون تنظيم "كيفية المقابلات وملابسها العادية والرسمية ومقام كل حسب رتبته ووظيفته".

وقبل أن يمضى وقت طويل كان مجلس النظار قد أعد القانون الجديد ورفعه إلى "الأعتاب السنية" ليحظى بالموافق الخديوية.

ويبدوا أن حج التغييرات كان كبيرًا إلى الحد الذى لفت أنظار الصحف الأجنبية، على رأسها الصحف الفرنسية التى استبشرت خيرًا فى الخديوى الجديد بعد أن رأت مبادراته قد تعيد "المسألة المصرية" إلى الحياة بعد أن أدت سياسات والده إلى تجميدها.

فمن مقال طويل نقلته الأهرام عن جريدة الكومبا تحت عنوان "سمو الخديو عباس الثانى" جاء القول: "كانت باكورة أعماله أنه قبض بيده على زمام حكومته وأعلن نفسه رئيسًا لجيشه وأعاد نظام المقامات فأوقف كلًا عند حده واضطر الجميع للاعتراف بأن لا أحد يقدم على الخديوى والموظفين المصريين الذين هم من مصر فى بلادهم ويجب أن كون لهم فيها النفوذ والأمر" غير أن ما كان يسعد الفرنسيين كان بالضرورة يغضب غيرهم، خاصة رجال سلطات الاحتلال فى القاهرة، الأمر الذى انعكس على العلاقات بين سراى عابدين ودار المعتمد البريطانى وشكل فصولًا من الصراع بين المؤسستين سجلته الأهرام بامتداد العقود الثلاثة التالية.


صورة من المقال: