ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 2 ديسمبر 2020

073 مواجع أصحاب الزعابيط!

 مواجع أصحاب الزعابيط!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 15 ديسمبر 1994م - 12 رجب 1415هـ


"أصحاب الجلاليب الزرقاء" تسمية أطلقها المحتلون على الفلاحون المصريين واكتسبت شهرة واسعة، مع ذلك فقد كان للأهرام تسمية أخرى، وهى إن لم تكتسب نفس شهرة التسمية الاحتلالية إلا أن مذقها المصرى كان أكثر وضوحًا.

ففي حملة تبناها دفاعًا عن الفلاح المصرى واستمرت بامتداد الشهور الأربعة الأخيرة من عام 1889 أثر أن يسميه "بصاحب الزعبوط" والاسم بدأ لأول وهلة وكأنه يحمل قدرًا من السخرية بهذا الانسان المصرى الكادح، إلا أن الصورة القلمية التي رسمها سليم تقلا للزعبوط في المقال الذى افتتح به الحملة تؤكد أنه لم يكن للسخرية فيه أي مكان.. قال: "من هو فلاح مصر - هو ذاك الذى يرتدى الزعبوط وهو من غرائب الملابس لأنه يقوم مقام القميص والسدرة (الصديرى) واللباس والسروال والدامير ويغنيه عن المنديل والمنشفه والفراش واللحاف والكيس والمقطف والزنبيل وغيرها. فيا له من واحد يقوم مقام آحاد"!

والحملة التي شنها الأهرام في خريف ذلك العام لم تأت من فراغ، فهى من ناحية صدرت عما شهده العام السابق من وصول فيضان منخفض على نحو غير عادى مما أدى إلى أن طالت الشراقى مساحات كبيرة من الأراضى وبالتالي إلى عجز الفلاحين عن أداء التزاماتهم نحو الحكومة أو نحو الدائنين، وكان أغلبهم غارقين في الديون، وبالتالي فرضت ما يمكن أن نسميها "القضية الفلاحية" نفسها بقوة، ولم يكن الأهرام أو غيره يستطيع أن يتجاهلها.

من ناحية أخرى فإن الأهرام لم يكن قط بعيدًا عن الريف المصرى منذ نشأته، فقد كان يعلم مع هذه النشأة أن قسمًا هامًا من الطبقة التي تبتاعه كانت من أعيان وتجار الريف، الأمر الذى بدا تأثيره في أكثر من جانب.. في بث وكلائه في سائر أنحاء الريف على نحو ربما لم يحدث من أية صحيفة أخرى، وفى الاهتمام بكل ما يعن لأبناء هذه الطبقة، من أشعار البورصة، إلى تيسير طرق المواصلات، وغير ذلك، وفى إصدار صحيفة يومية تعالج كل ذلك.. "صدى الأهرام" في البداية، قم "الوقت" بعد ذلك، ومعلوم أن الأهرام نفسه كاد أن يغلق في عصر إسماعيل لهذه العناية الزائدة بأحوال الريف المصرى، وكان السبب وراء ذلك مقال في "الصدى" عن الفلاح.

ولم تبدأ الحملة بمجرد تبنى اسم مختلف.. أصحاب الزعابيط وإنما بوصف أحوالهم مما يدعونا إلى استكمال الصورة القلمية التي رسمها سليم تقلا.. قال: هو (أي صاحب الزعبوط) ذاك الذى ينتحل جلد الرجلين فيطأ الحصى والشوك وتلسعه حرارة الأرض حافيًا ولا تنال رجله نصيبًا من جلود البهائم التي يربيها.

"هو ذاك الذى يصون الرأس بقليدة صيفًا وشتاء ويجعلها مخبأ لأوراقه وسنداته (!)

"هو ذلك الذى يربى الجواميس والأبقار والمعزى والشياه وقد حرم على نفسه أن يتمتع بلحومها وينعم بسمنها ولبنها.

"هو ذاك الذى يصرف نهاره معرضًا حر وجهه لحر الشمس القادح كادحًا قائمًا وراء المحراث أو مشتغلًا بالمعول والجارفة، ثم يتحمل في ليله برد الشتاء ورطوبة الهواء وهو إما انه أو إلى عش أو منضو إلى قهقور ينضغط فيه مع عياله مرصوصًا الواحد منهم على رفيقه..

ولم تكن هذه الصورة أكثر من توصيف لمواجع "أصحاب الزعابيط"، كان مطلوبًا بعدها تشخيص أسبابها والبحث عن وسائل العلاج.

***

في عصر لم تكن الإحصاءات في مصر قد استقرت بعد على نحو مؤسسى ثارت مناقشات حادة في بداية هذه الحملة حول الأرقام.. العدد الحقيقى لأصحاب الزعابيط، والمساحة الحقيقية للأراضى الزراعية في مصر خلال ذلك الوقت.. أواخر الثمانينات.

المصادر الرسمية نفسها في تلك السنوات اختلفت فيما بينها كما أوضح سليم تقلا في أحد مقالات الحملة..

وكيل نظارة الأشغال المستر مونكريف أدلى ببيان عام 1888 مؤداه أن مساحة الأراضى المزروعة ذلك العام بلغت خمسة ملايين فدان فضلًا عن 1.12 مليون فدان من الأراضى البور، وأن عدد أصحاب الزعابيط نيف وستة ملايين.

قلم الإحصاء الحديث الولادة ذكر أن مساحة الأراضى المزروعة بلغت 6.5 مليون فدان وعدد الأهالى نيفًا وأربعة ملايين، وقد رجح الأهرام أرقام المستر مونكريف على أرقام قلم الإحصاء.

صدر هذا الترجيح بالاعتماد على الأمر العالى الصادر في عام 1881 والذى تجدد في مايو عام 1886 "بإحصاء عدد سكان القطر المصرى وأراضيه المعلومة من واحات أسوان إلى البحر المتوسط، والذى خلص إلى أن عدد الأهالى عمومًا بلغ ستة ملايين و 800 ألف وعدد الأفدنة بلغ سبعة ملايين و900 ألف.

وقد علق الأهرام هذا الإحصاء الأخير بالقول "إذا أسقطنا بموجب ذلك الإحصاء من عدد النفوس عدد سكان العاصمة وبقية الثغور والمحافظات واستبقينا سكان المديريات في الوجهين كان الباقى فيها ستة ملايين و 170 ألف نسمة؟؟ وإذا أسقطنا مجمل عدد الأفدنة في مديريات الوجهين وأسقطنا من ذلك الأراضى البور كان الباقى خمسة ملايين و400 ألف وهذا العدد يقرب جدًا من العدد الذى قدره حضرة السير مونكريف في لائحته"!

ولم يكن البحث عن الحقيقة في تلك الإحصائيات مقصودًا لذاته، بل كان توطئة لتحديد متوسط دخل كل صاحب زعبوط، وقد تم فعلًا التوصل إلى تقدير لهذا المتوسط وكان مأساويًا.

بعد أن أسقط الأهرام من مساحة الأراضى المزروعة ما وصفه بأن "لا يد للفلاح فيه بين أراض ميرية وجفالك وأباعد إلخ كان لنا بالتعديل ما هو أقل من ثلثى فدان لكل نسمة ولكنا نتساهل بعدم الاسقاط المذكور بتمامه ونعتبر أن كل فرد من الأهالى يلحقه من الأراضى المنزرعة ثلاثة أرباع الفدان".

تأسيسًا على ذلك حاول سليم تقلا أن يحدد دخل "صاحب الزعبوط" من هذه المساحة المنزرعة فكان: قنطارًا من القطن (250 قرشًا) أردبًا من الحنطة أو الفول 80 قرشًا أردب من الذرة 80 قرشًا كمية من البرسيم وبعض أحمال التبن (110 قرشًا) ومع أن مجموع هذه المبالغ 490 قرشًا إلا أن سليم أخطأ وحسبها 390 قرشًا مما كان محل ملاحظ لأحد القراء الذى أرسل له ينبهه إلى هذا الخطأ.

المهم أنه بعد أن أسقط هذا المبلغ الضريبة أتمان التقاوى وأكلاف الرى والحرث وفوائد الديون حسب ما تبقى فلم يزد عن 220 قرشًا قسمها على أيام السنة فكان المتوسط اليومى لدخل الفلاح 30 بارة أي أقل من قرش صاغ واحد (القرش 40 بارة)، ومع ملاحظة أن هذا المبلغ كان مفروضًا أن ينفق منه على "مطعمه وملبسه ومشربه وجميع حاجاته الداخلية والخارجية"!

ومع كل ما تذرع به صاحب امتياز الأهرام من إحصاءات لتأكيد وجهة نظرة بسوء أحوال "أصحاب الزعابيط" فقط ظهرت مجموعة من القراء أخذت تفند رأيه ممن يمكن توصيفهم بحزب "محلاها عيشة الفلاح"! وهو الحزب الذى أفسح الأهرام جانبًا من صفحاته لعرض آراء أصحابها والرد عليها.

يعترف سليم تقلا أن أعضاء هذا الحزب من "ذوى المقامات والعلماء وكبار المزارعين" والذين وافوه بالخطابات من كثير من الجهات وجردوا عليه "حسام الملام" حسب تعبيره، فمن جانبه اعتبر هؤلاء أنهم أمسكوا بالرجل وهو متلبس فيما جاء من خطأ في حسابه لدخل الفلاح حين انتقص منه مائة قرش كاملة، وأنهم حتى مع قبولهم بهذه الحسبة فإن المبلغ المنتقص ليس باليسير.

من جانب آخر ارتأى أنصار حزب "محلاها عيشة الفلاح" أن الإحصاءات التي قدمها الرجل للتدليل على تدنى مستوى حياة "أصحاب الزعابيط" يعتورها كثير من أسباب عدم الدقة، وأنه اعتمد على إحصاءات وكيل وزارة الأشغال أكثر مما اعتمد على أرقام "قلم الإحصاء" والتي تعطى صورة أقل قتامة من تلك التي صورها في مقالاته.

من جانب ثالث أفتى هؤلاء بأن "أصحاب الزعابيط" هم الذين يملكون الجانب الأكبر من أطيان مصر (2.652.023 فدان) بينما يملك "أعيان الوطنيين" أقل من ذلك (1.168.196 فدان) والملاك من الأوروبيين أقل من ذلك كثيرًا (225.181 فدانًا)، هذا بعد استبعاد "طين العائلة الخديوية وأملاك الحكومة المصرية".

من جانب آخر استدل هؤلاء بأن مساحات الأراضى الزراعية التي اضطر الفلاحون إلى بيعها حتى عام 1888، وهو من الأعوام العجاف في تاريخ الزراعة المصرية، كانت محدودة للغاية، أو كما جاء في خطاب أحدهم نشره الأهرام في عدده الصادر يوم 11 أكتوبر عام 1889 أن معدل ما بيع في السنين الأربع الفائتة 17 ألف فدان عن كل سنة بواسطة المجالس (المحاكم) المختلطة فإذا أضفنا إلى ذلك ثلاثة ألاف فدان عن كل سنة بواسطة المجالس الأهلية كان لنا عشرون ألف فدان بمعدل الفدان 20 جنيهًا فكان الفلاح لم يبع من طينه في السنين الأربع إلا 80 ألفًا لوفاء مليون و600 ألف جنيه"!

وذهب هؤلاء في التدليل على خفة حدة الديون على الفلاح إلى القول أن عدد الدائنين في الأرياف خلال عام 1888 قد انخفض كثيرًا عن ذي قبل.

دعا ذلك صاحب الأهرام إلى أن يرد محاولًا تفنيد حجج قادة حزب "محلاها عيشة الفلاح"، وكان أصعبها الخطأ الحسابى الذى وقع فيه، وجاء رده طريفًا الأمر الذى يدعونا أن نثبته بنصه.. قال:

"بعد تحرى الرسائل ومراجعة ما كتبناه وجدنا أن الصواب أتى من وراء الخطأ: لأننا فيما أثبتناه لم نسقط من مجموع الداخل أكلاف الحرث والرى وهى ليس باليسير في حين أضفنا إلى الداخل له حاصلات البرسيم وأثمان التبن وجعلنا لخدمة كل فرد بهيمًا وذلك ما لا يتأتى فوجب والحالة هذه اسقاط مئة قرش من ذاك المجموع فيمسى ذاك الخطأ صوابًا ولا يكون للفلاح الفرد في مدى العام إلا 220 قرشًا وهو الاتفاق الغريب"!

على الجانب الآخر رفض القول بدقة إحصاءات قلم الإحصاء عن إحصاءات وكيل نظارة الأشغال مستندًا في ذلك إلى أن لتلك النظارة "مفتشين دأبهم التنقل من جهة إلى أخرى وتفحص الترع والأراضى وبالاستقراء يقادون إل التفحص من عدد النفوس ومراجعة ذلك للوقوف على الحقيقة اتمامًا لواجبات وظائفهم"!

على الجانب الثالث نبه الأهرام إلى المغالطة الإحصائية القائمة على حساب ما يملكه "أصحاب الزعابيط" بالقياس إلى سائر الملاك، وكيف أن متوسط ما يملكه الواحد من هؤلاء لا يزيد عن خمسة أفدنة مقابل 45 فدانًا للأوروبى و 73 فدانًا للمالك من أعيان الوطنيين.

أخيرًا وبالنسبة لديون الفلاح بكل ما استتبعها من فقدانه لمساحات من أراضيه جاء رد سليم تقلا حافلًا بالحقائق وبأسباب السخرية من رجال حزب "محلاها عيشة الفلاح"!

فبعد عقد مقارنات طويلة بين الأرقام التي أتى بها أنصار هذا الحزب وبين أرقام كان سبق وأتى بها الأهرام خلص إلى القول بأن الأخذ بقول أنصار هذا الحزب بأنه لم يتبق من ديون الفلاح سوى ثلاثة ملايين يقضى بأن يكون إما قد باع من طينه بين 500 و600 ألف فدان وإما لم يبع شيئًا أو باع كمية قليلة وعندئذ يقتضى أن يكون دينه ما بين 10 و12 مليون جنيه..، ودلف من ذلك إلى مجال السخرية بالقول: "وإما أنه فاز بكنوز مدفونة غير كنوز زراعته وإما أن البركة فاضت في درهمه وذلك من قبيل الكرامات"!

في نفس الوقت رفض سليم تقلا ما خلص إليه أنصار هذا الحزب من دلالات حول انخفاض أعداد الدائنين في الريف بل عزا ذلك إلى عكس ما ذهبوا إليه فقد قال بالحرف الواحد في العدد الصادر يوم 24 أكتوبر "لما ساءت الأحوال في السنين التي تلت عام 1880 وحدثت الثورة ووباء البشر والبقر وسقطت أسعار الحاصلات وقفت الأعمال وتكاثر الإفلاس فأمسك الماليون الدرهم عن الدائنين وهؤلاء عن الفلاحين فقل عدد الدائنين في القرى".

تحول الأهرام بعد الرد على رجال حزب "محلاها عيشة الفلاح" إلى محاولة تقديم العلاج "لمواجع أصحاب الزعابيط"!

***

تعددت وسائل العلاج التي تضمنتها "روشتة الأهرام" ويمكن تصنيفها في مجموعتين..

المجوعة الأولى تهدف إلى التخفيف من المواجع وشملت بعضًا من أدوية نستعرضها كما جاءت في "الروشتة" التي تضمنتها بضعة أعداد من الأهرام.

الدواء رقم (1) كان بالنصح بعدم الاعتماد على القطن وحده في زراعة صاحب الزعبوط "صحيح أن خير ما يجنيه الفلاح المصرى من محاصيل أرضه انما هو القطن ولكن لا وسيلة لزراعته بالاستتباع سنة بعد أخرى لئلا تتعب الأرض فتمسى عاقرًا!"..

الدواء رقم (2) للتخفيف من المواجع تمثل في المطالبة برفع الأعباء وبالذات البدلية التى تؤخذ مقابل الاعفاء من القرعة، وهو هنا لم يطالب بإلغائها بل طالب بزيادة قيمتها إلى مئة جنيه أو مئة وخمسين بدلًا من عشرين جنيه وكان على الأهرام أن يفسر سبب هذا الطلب الغريب.. قال:

"أننا بزيادة قيمتها نجعل أمام الفلاح من ذوى المرتبة الثانية والثالثة حاجزًا دون الدفع ويبقى الباب مفتوحًا للفلاح رب المرتبة الأولى أي الموسر فهذا لا يضره دفع مثل القيمة المذكورة ولكن إذا بقيت على قيمتها الأصلية ساوينا بين أصحاب المراتب الثلاث وكلنا يعلم أن الفلاح يأنف من الانتظام في سلك العسكرية عن جعل وطياشة فمتى كانت قيمة البدلية خفيفة استسهل تدبيرها باستدانتها مهما كلفه أمرها فتزداد ديونه من حيث لا يشعر وتزداد حالته تعاسة".

الدواء رقم (3) بالمطالبة بالتخفيف من الضرائب وتقسيطها على نحو لا يضر "صاحب الزعبوط" معه إلى اللجوء للدائنين.

أما عن التخفيف فقد كان في رأى الأهرام يرفع في الحال عن كاهل الفلاح بعض الأثقال التي يشكو من جرائها الهزال والكلال(!)، وأما عن التقسيط فسوف ينقذ الفلاح من "التثقيل في بعض الأشهر فيضطر ويده فارغة إلى الاستدانة".

دواء التخفيف الأخير متصل بسابقه فقد ارتأى الأهرام أن لا وسيلة للتخفيف من الضرائب إلا بالتخفيف من الديون، وعلى حد تعبيره "يأتي الوصول إلى هذا المرام بتوحيد الدين الذى يتجاوز المئة مليون جنيه وتخفيض معدله إلى ثلثه في المئة بحيث يتوفر لنا من ذلك نحو المليون جنيه فإذا أضيف هذا إلى الملايين الثلاثة الناتجة عن تحسين الزراعة كان لنا أربعة ملايين وهى بمثابة موسم قطنى ثان فإذا اقتضت لوفاء دين الفلاح أمكنه أن يوفيه في مدى ثلاثة أعوام أو أربعة".

على الصفحة الأخرى من "الروشتة" انتقل صاحب امتياز الأهرام إلى وصف الجانب الآخر من العلاج الذى استهدف الوصول إلى الشفاء.. الوصفة الأولى التي جاءت على هذه الصفحة بألا يقتصر "صاحب الزعبوط، على الزراعة" فالموارد ثلث وهى الزراعة والتجارة والصانعة وقد تضمنت هذه الوصفة حثًا قويًا وصل إلى حد المناشدة للاشتغال بالتجارة فيما جاء في الروشتة من القول: "يا ابن مصر لماذا لا يكون منك تاجر القطن والحبوب وصاحب وابور الرى والحلاجة والمقاول في انشاء الجسور وتطهير الترع والمساقى".

حث الفلاح على تعليم بنيه كان الوصفة الثانية وإن كان قد حذره من أن يتبع ذلك بالدق على "باب الوظائف".. التعليم في هذه الوصفة كان مطلوبًا لاستخدامه في تحسين أحواله "فيكون لك من زراعتك خير يعضده خير آخر من تجارة بنيك أو حرفتهم".

تحسين الزراعة كان الوصفة الثالثة على هذه الصفحة بالمطالبة بإنشاء مكتب زراعى "مؤلف من خيرة من تعلم وعمل في هذا الفن ويكون بمثابة أستاذ للفلاح يرشده إلى العمل برعاية وقت الزرع والحرث والرى والجنى ويرغبه في تحسين زراعته بتعيين معرض للمحاصيل كل عام وتخصيص مكافأة للممتاز وما شاكل ذلك.

وعند هذه الوصفة تدخل مدير تحرير الجريدة الذى كان يراقب عن كثب المعركة من القاهرة، وكان أول تدخلاته في هذا الموضوع وآخرها.. من إضافات بشارة تقلا إلى الوصفة المطالبة بإقامة مدرسة زراعية ليقف الفلاح بواسطتها على خواص المزروعات وتأثير الحر والبرد والهواء عليها وفعل السماد وغير ذلك من مباحث هذا العلم وإقامة بنك أهلى تحت ملاحظة الحكومة ليكون لأصحاب الزعابيط عندئذ بنك خاص يستدينون منه بفائض قليل جدًا ما ينقصهم في احتياجاتهم ويودعون فيه ما يزيد منهم في نفقاتهم إذ تكون أربحه عائدة عليهم.

ويلفت النظر في نهاية هذه "الروشتة الطويلة" حرص كاتبها سليم تقلا على التأكيد على أن دفاعه عن "صاحب الزعبوط" لا يحمل أي معنى للخروج عن طاعة ولى الأمر مما يبدو فيما كتبه في ذيلها.. قال: أي فلاح مصر أن عليك واجبًا لوى أمرك هو واجب تقوم به أمام عزيزك وأميرك وكاشف غمتك ونصيرك.. "أي فلاح مصر قدر واجبك لسمو توفيقك العزيز الذى درأ عوائد المحن وجعلم منها في حرز حريز.. أي فلاح مصر من تراه ينكر على أميرك ما مهد لك من العقبات وأنشأه لك من فوائد المطالب ومحامد المشروعات!!

ونعتقد أن هذا التذييل قد استوجبته خبره تجربة قديمة كان قد خاضها سليم نفسه في عصر إسماعيل، والتي ألمحنا إليها في مستهل هذه الحلقة، وهى التجربة التي كادت تكلفه حريته وصحيفته بسبب مقال واحد كتبه عن الفلاح فكيف الحال وهو قد كتب هذه المرة جملة مقالات ودخل في جدل شديد مع أنصار "محلاها عيشة الفلاح" من كبار ملاك الأراضى الزراعية، ولابد أنه قد تخوف كثيرًا من أن يكون توفيق قد انضم لهذا الحزب أو حتى تولى رئاسته!


صورة من المقال: