ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

068 حضرة وكيل البوسطة

 حضرة وكيل البوسطة

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 10 نوفمبر 1994م - 6 جمادى الآخرة 1415هـ


الصورة الروائية التي قدمها الأستاذ يحى حقى في رائعته المعروفة "البوسطجى" طرحت قليلًا من كثير عن هذه الشخصية المدهشة التي تغلغلت في المجتمع المصرى، الريفى قبل الحضرى، حتى النخاع..

شخصية "حضرة وكيل البوسطة" كما كانت الأهرام تسمى صاحبها، ومن بين ما استمرت تقدمه عنها الجريدة انما يؤكد أن الحقيقة في كثير من الأحيان قد تفوق الخيال.. وكل ما ينقصها صناعة الحبكة الدرامية!


وترتبط قصة "حضرة وكيل البوسطة" بنشأة هذا الجهاز الذى لم ينتشر جهاز مثله في الريف المصرى خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر سوى جهاز "الصرافين"، مع فارق أساسى أنه بينما كان يمثل هؤلاء دور "الجابى"، وهو دور غير محبب على وجه اليقين، فان وكيل البوسطة كان موجودًا لتقديم خدماته، وهى خدمات أخذت تتزايد أهميتها وفقًا للتطورات الاقتصادية والاجتماعية التي بدأت في النصف الأول من ذلك القرن وتسارعت خطاها خلال نصفه الثانى.

من بين هذه التطورات سقوط أسوار العزلة التي كانت تفصل بين سائر الكيانات الاجتماعية وتشابك المصالح الاقتصادية، وأخذ في الاختفاء انسان القرن السابق الذى كان يمكن أن يولد ويموت دون أن تعبر أقدامه حدود قريته أو أبواب حارته!

من بينها أيضًا نشوء طبقة اجتماعية جديدة من كبار ومتوسطى ملاك الأراضى الزراعية الذين تعدت مصالحهم حدود ممتلكاتهم في قراهم، وتعددت وسائطهم لتحقيق تلك المصالح، وكانت "البوسطة" احداها.

من بينها ثالثًا خروج شراح من أبناء القادرين إلى المدن لتلقى العلم، والحاجة إلى قناة اتصال منتظم بينهم وبين ذويهم، وقد وصل الحال ببعض الشرائح الأقوى إل أن ترسل بأبنائها إلى خارج "بر مصر" كله، واستمرت "المكاتب البريدية" الوسيلة الأساسية للتواصل!

من بينها بعد ذلك ما صحب ظهور الصحافة الأهلية وانتشارها من أسباب تزايد أهمية البوسطة التي كانت الواسطة الوحيدة لنقلها لسائر مواطن القراء، داخل مصر وخارجها، فجهاز التوزيع الضخم بكل أدواته من سيارات نقل ودراجات بخارية وغير بخارية لم يكن قد ولد بعد.

من بينها أخيرًا تزايد الوجود الأوربي في مصر بكل ما اعتاد هؤلاء من استخدام البريد كواسطة لتصريف شئون الحياة اليومية.

ولم يكن الأهرام بعيدًا كثيرًا عن الصواب حين نقل في عدده الصادر في 19 يونية عام 1890 عن تقرير مصلحة البوسطة القول: "هي من أهم مصالح الدنيا في الفائدة وشدة اللزوم بما يتوقف عليه من نماء التجارة وسهولة المواصلات والتكفل بقضاء حوائج كل فرد من الأمة بين ارساليات ورسائل وغيرها".

على ضوء كل تلك الحقائق السابقة لم يكن غريبًا أناه عندما نشأت "إدارة البوسطة" في عهد محمد على أن تخصص "لمراسلات الميرى" فقط، فلم تكن القوى الاجتماعية التي احتاجت إليها قد ظهرت على الساحة بعد!

ولم يكن غريبًا أن تنشأ "البوسطة الخصوصى" أو "بوسطة الأهالى" في نهاية عصر هذا الباشا الشهير محدودة للغاية وعلى أيد أجنبية، حين أقام ايطالى يدعى "كارلو ميراتى" إدارة بريد خاصة بالإسكندرية عام 1843 لنقل المراسلات بين القاهرة والإسكندرية وإرسالها إلى الخارج، ونظن أن المتعامل الرئيسى مع ميراتى كانوا من الأجانب.

تطور ذلك المشروع الخاص خلال العشرين عامًا التالية بعد أن تسمى باسم "إدارة البوستة الأوروبية" وهى الأعوام التي كانت قد جرت فيها مياه كثيرة في نهر البوسطة، بالزيادة الهائلة في أعداد الأوروبيين أو في نمو الطبقات الاجتماعية المصرية الساعية إلى استخدامها، أو في النشأة المبكرة لسكك حديد مصر وسرعة انتشارها مما خلق لونًا من العلاقة الحميمة بين الجانبين إلى أن انتهى الأمر في أوائل عصر إسماعيل بتحويل المشروع الخاص إلى مشروع عام ليظهر بدءًا من أول عام 1865 "مصلحة البوسطة الأميرية" ويصدر معها أول طابع بريد في التاريخ المصرى وكانت علامته المائية الأهرامات الثلاث.


بيد أننا نلاحظ أن النشأة الأوروبية قد خلفت بصماتها على نشأة المصلحة الجديدة في جانبين على الأقل، الأول: في استمرار الإدارة الأوروبية للمصلحة الجديدة لفترة غير قصيرة، ولم يكن هذا غريبًا على ذلك العصر، فقد استمرت مصلحة السكك الحديدية، شقيقة مصلحة البوسطة تدار أيضًا من خلال أوروبيين. والثانية: أن ادارتها قد بقيت في الإسكندرية ولم يكن هذا غريبًا أيضًا سواء بحكم الوجود الأجنبي في الميناء، وهو الوجود الذى كان بمثابة المستخدم الرئيسى لفاعليات المصلحة، أو لأن الإسكندرية ظلت المنفذ الرئيسى لاستقبال وارسال البوسطة المصرية.

كان هذا وضع "مصلحة البوسطة المصرية" مع نهاية عصر إسماعيل وبدايات عقد الاحتلال، عقد الثمانينات، الذى شهد تطورات هائلة في هذه المصلحة رصدها الأهرام ونرصد معه هنا..

***

أول ما رصدته الصحيفة العتيدة العمليات المستمرة التي كانت تقوم بها المصلحة لإنشاء مزيد من المكاتب لها في سائر أنحاء القطر، ولعل أهم ما يلاحظ فى هذا الشأن أن ذلك الانشاء انما كان يتم تحت إلحاح شديد ومستمر من الأهالى.

ولعل ذلك الخبر الذى بعث به مراسل الأهرام في ميت غمر يكشف عن ذلك.. قال: "أعلن وكيل بوسطة زفتى أن مصلحة البوسطة قد عدلت عن إتمام وعدها بإنشاء مكتب لها في بندرنا فساء هذا الأمر عموم الناس لما يكابدونه من المشقات والنفقات في عبور البحر إلى زفتى لقضاء أشغالهم المتعلقة بالبوسطة لأن الساعى الموجود لا يوزع إلا مراسلات المشتركين في الصناديق وهم قليلون في جانب العموم وكثرتهم"!

خبر آخر من ناحية بشبيش يكشو أهلوها "من عدم وجود مكتب للبوسته فيها مع أنها أهل لذلك بكثرة سكانها ووفرة تجارتها واتساع أرضها وقد اجتمع كبارها وأعيانها وقدموا عريضة لمدير عموم البوستة فالأمل من حضرته أن ينظر في التماسهم"!

وأخبار أخرى من الصالحية والحوامدية والسنبلاوين وكلها تصب في نفس المجرى.. مجرى المطالبة بمزيد من المكاتب لتكل الجهات.

ومع "المكاتب" ظل يدور ما يمكن توصيفه بمعركة الصناديق، وهى معركة بالغة الطرافة، فقد استمر مراسلو الأهرام في الأقاليم يطالبون باسم الأهالى بنشر "صناديق البوستة" في جهاتهم، ونختار هذا الجانب من المعركة الذى يمكن أن نسميه "صناديق المحلة".

أو أخبار هذه المعركة جاءت في شهر يونية عام 1887 وقد أفاد أن مصلحة البوسطة قد استجابت لمطلب أهالى البندر وأمرت بأن تضع ثلاثة صناديق بداخله وكتبت بذلك لوكيل البوسطة بالبلدة.

بدت نذر المعركة حين علق مراسل الأهرام بالبندر أن حضرته.. يقصد وكيل البوسطة "لم يجاوب إلى الآن فرجاؤنا أن يجيب المصلحة على رغبة الأهالى".

وانتظر الناس لأكثر من عام دون مجيب ولم يجدوا بدًا من اللجوء إلى الأهرام مرة أخرى الذى نشر في مستهل عام 1889 يذكر بالصناديق الثلاث التي تقرر وضعها "وإلى الآن لم نرى لذلك الوضع انجازًا"!

وللشهور الأربعة التالية تستمر المطالبة ولا تنتهى إلا في يونية حين تمت استجابة جزئية لمطالب أهالى المحلة، بوضع صندوف واحد بدلًا من ثلاثة صناديق في سوق السلطان، ويعلق مراسل الأهرام بأن السبب في التأخر "انما كان إلى عدم وجود صندوق بوسطة"!

وما نسميه "معارك الصناديق" كان لها دائمًا مبرراتها.. في البلاد التي كانت مواقع مكاتب البوسطة بها بعيدة عن مناطق الكثافة السكانية كأن يطالب مراسل أشمون بوضع صندوق في سوق البندر "لأنه بعيد عم مكتب البوسطة"، أو في البلاد ذات النشاط الاقتصادى الخاص ذي الطبيعة الموسمية.. في دمنهور مثلًا حين تنتعش صناعة الحليج مع جنى القطن، فقد استمر مراسل الصحيفة في عاصمة البحيرة يلتمس باسم الأهالى وضع صندوق في وسط البلدة متذرعًا مرة "ببعد محل البوستة عن مركز التجارة وآلات الحلاجة"، ومتحججًا مرة أخرى بمنع "المشقة عن الأهالى البعيدين عن البوستة ولاسيما وقد قرب موسم القطن".

وفضلًا عن المكاتب والصناديق كانت هناك "الوابورات"، ويكشف الأهرام عن نشاط من أهم أنشطة "مصلحة البوسطة المصرية"، ذلكم هو نشاط النقل النهرى، فقد امتدت الخدمات البريدية إلى مناطق لم تكن تصله السكك الحديدية الأمر الذى واجهته المصلحة بتسيير خطوط "وابورات البحر" ولم يقتصر عملها على نفل الرسائل والطرود وانما امتد إلى الركاب.

من خبر نشره الأهرام في 20 أبريل عام 1887 عن مكاتب البوسطة المفوضة "بإعطاء تذاكر السفر بالوابورات الخديوية" يتبين أنه فضلًا عن القاهرة والإسكندرية كان هناك 16 مكتب منتشرة في الوجه البحرى وأربعة في الوجه القبلى، حتى أننا لم نجد مدينة مصرية كبيرة لم توفر فيها مصلحة البوستة هذه الخدمة.

تكشف أخبار أخرى عن أن المصلحة كانت تسير بين الحين والآخر خطًا نهريًا جديدًا كان يلقى الترحيب البالغ من أهالى المناطق التي يخدمها ولعل ذلك الخبر الذى ساقه الأهرام في أبريل 1890 عن "سرور الأهالى والتجار في منوف من مشروع البوسطة في تسيير وابور لها في البحر الأعمى" يقدم نموذجًا على ذلك.

وقد استمرت العلاقة وطيدة بين مصلحة الرى ومصلحة البريد تبعًا لارتفاع أو انخفاض المياه في فروع النهر والرياحات والترع التي تستخدمها وابورات المصلحة الثانية، فكثيرً ما كانت تتوقف خطوط بعينها في أوقات بذاتها نتيجة لانخفاض منسوب المياه، الأمر الذى كانت تصدر معه المصلحة الإعلانات بالتوقف المؤقت، ومن الطريف أنه عندما كانت تستجيب مصلحة الرى برفع منسوب المياه في مجار بعينها فدق كان هذا يلقى ترحيبًا بالغًا من سكان المناطق المار بها، ليس لأسباب تتعلق بالبوسطة وانما لأسباب تتعلق بالزراعة أيضًا.

يسجل مراسل الاهرام في المنصورة هذا اللون من الترحيب في تقرير له في أول مارس عام 1890 كام مما جاء فيه: "عاد وابور البوسطة إلى المسير بين المنصورة والمنزلة لأن المياه زادت عن الأول ومأمولنا أن تدوم هذه الزيادة لأن المزارعين يطلبون ذلك لرى مزروعاتهم"!

غير أن مصلحة البوسطة لم تكن فحسب مكاتب وصنايق ووابورات.. كان هناك البشر، الذين رصد الأستاذ يحى حقى حياة أحدهم في روايته الشهيرة، والذين تعقب الأهرام بقيتهم!

***

"حضرة وكيل البوسطة"، على حد تسمية الأهرام، كان الشخصية الرئيسية في المنظومة البريدية في مصر أثناء تلك الحقبة التي نطالع الصحيفة خلالها..

يشير إعلان صادر في الأهرام في 23 يناير عام 1889 إلى الطريقة التي كان يتم بها انتقاء صاحب هذه الوظيفة.. الإعلان عن "ثلاثة محلات خالية لقبول تلامذة فيها وذلك في بوسطات اسكندرية ومصر والزقازيق" والطريقة هي: "التقدم بالشهادات الدالة على سبوق استخدامه أو عدمه وبالديبوما أو الشهادة الدراسية وأن يكون مستعدًا للامتحان وأن يكون عمر الطالب بين 17 و 26 سنة وأن يكون عارفًا اللغة العربية واحدى اللغات الافرنجية كما يجب أن يعلم بأن المصلحة تفضل المرفوتين من مصالح الحكومة وتلامذة المدارس الأميرية على غيرهم".

ويشير ذلك الإعلان إلى جملة من الحقائق لعل أهمها أن صاحب هذه الوظيفة يقضى فترة تدريب بالمصلحة أو ما أسماه الإعلان بالتملذة، وأنه لم يشترط شهادة بعينها وأن كان قد اشترط اجادة احدى اللغات الأجنبية، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا بحكم أن جانبًا كبيرًا من المراسلات التي كانت تتعامل فيها المصلحة كانت من أجانب.

بيد أن ذلك يقودنا إلى ملاحظة وهى أنه بالرغم من النشأة الأوربية فقلما وجدنًا واحدًا من "حضرات وكلاء البوسطة" أجنبيًا.. مرة واحدة وفى خبر غريب من نوعه جاء فيه "تعين جناب المسيو ريستو في مكتب بوسطة بورسعيد بدون أن يمتحن أمام اللجنة الدائمة وذلك بصفة استثنائية".

بيد أن أسباب الغرابة تتبدد بملاحظة أن المكتب الذى تعين فيه المسيو ريستو بدون امتحان كان مكتب مدينة القومبانية.. المدينة التي كان جل سكانها يطلبون خدمة البريد من الأجانب.

البقية كانوا من المصريين الذين استقروا في سائر المراكز والبنادر ونجح أغلبهم في عقد أوثق العلاقات الإنسانية فيما تشير إليه جملة الشكاوى والتوسلات التي كان يبعث بها أهالى تلك الجهات كلما تعرض أحد هؤلاء للنقل نختار بعضها هنا.

مراسل طهطا يكتب في 25 يناير 1887 أن "إدارة عموم البوستة المصرية قد قررت نقل جناب باخوم افندى خليل إلى وكيل بوستة فرشوط فبالنظر لاستقامته في أعماله قد عز هذا الأمر على كثير من التجار وأرباب المراسلات فكتبوا عدة تلغرافات إلى الإدارة المؤمأ إليها ملتمسين منها ابقاءه في وظيفته".

مراسل جرجا يكتب في 14 نوفمبر من نفس العام أنه قد "صدر أمر عموم البوستة بنقل حضرة جرجى افندى شنوده وكيل بوستتها إلى مثل وظيفته في قنا فاستاء لذلك جميع الأهالى لما لحضرته عندهم من حسن السيرة وقضاء حق الوظيفة بالأمانة والصدق".

واستمر مثل هذا الخبر يشكل بابًا ثابتًا في أخبار البوسطة في الجريدة، وفى كثير من الأحوال لما كانت المصلحة لا تستجيب لطلبات الأهالى لم يكن هؤلاء يملكون سوى طلب المكافأة للوكيل المنقول!

ومن جملة موظفي الحكومة في مديريات مصر كان "حضرة وكيل البوسطة" أكثرهم ارتباطًا بمصالح الناس..

فهو لم يكن من رجال الإدارة الذين اتخذوا في تلك المديريات صورة الآمر الناهى، مثل المأمور والمعاون، وانما كان من رجال الخدمات الذين ارتبطت مصالح الناس بهم، واستأمنوهم في كثير من الأوقات على أموالهم، ولهذا قصة، هي قصة الصرر!

فمصر حتى ذلك الوقت لم تكن قد عرفت العملة الورقية، كما لم تك قد عرفت أيضًا نظام الحوالات البريدية، ولم يكن أمام أي مصري يرغب في ارسال بعض الأموال من جهة إلى أخرى سوى أن يذهب إلى مكتب البريد ليحولها إلى صرة يتم نقلها إلى الجهة المطلوب ارسالها إليها، ولم يكن لأحد من موظفي المكتب حق الصر سوى حضرة وكيل البوسطة!

وكانت الشكوى في بعض المكاتب الفرعية التي لا يرأسها وكيل أناه كانت لا تقبل الصر مثل مكتب بور توفيق، فقد كان على راغبى الصر أن يذهبوا إلى مكتب السويس، أو مكتب دراو على الخط بين أسيوط وأسوان، مما انعكس على مطالبات أهالى المدينتين بتعيين وكيل في المكتبين.

ومع كثرة الحديث عن أعمال "الصر" فلم يكد الأهرام يشير إلا إلى حادثة في مكتب الزقازيق جاء فيها أن أحد التجار أرسل صرة بمبلغ 250 جنيهًا إلى مصر فلم تصل إلى وجهتها "فوقعت الشبهة على بعض المستخدمين في بوستة الزقازيق ولم يزل التحقيق جاريًا".

وفى مناطق بعينها امتد "حضرة وكيل البوسطة" بجذوره ليصبح عنصرًا فاعلًا في الحياة الثقافية، ولدينا في هذا الصدد خبران جاء أحدهما من منوف والثانى من الطور..

خبر منوف جاء فيه: "لما كان بندر منوف من البنادر الأولية في مديرية المنوفية تزيد أهلوه عن العشرين ألف نسمة ولم يكن فيه مدرسة أميرية لتعليم الشبان وتهذيبهم أخذ حضرة الأديب عزيز افندى زند وكيل بوسطتنا الحبيبة فاشترك مع حضرة النبيه شكرى افندى عقاد فأسسا مدرسة أهلية تعلم العربية والفرنسية بفروعها والتاريخ والجغرافيا ونحوهما...".

خبر الطور جاء على شكل رسالة موقع عليها من بعض أعيانها يشكرون فيها "حضرة وكيل البوسطة هناك فانه لما رأى خلو البلدة من المدارس وحاجة أبنائها إلى العلم فرض له بعض الأوقات من فراغه لتعليمهم اللغة العربية والحساب، وقد قدم هؤلاء التلاميذ تحت إدارته رواية ذات ثلاثة فصول حضرها جل أهالى البلدة!".

وبينما استمر "حضرة وكيل البوسطة" يشكل الشخصية الرئيسية في هذا الجهاز المنتشر في كل فج في مصر فانه ظهر إلى جانبه بدءًا من شهر مايو عام 1889 "الطوافون" الذين استكملوا أسباب وجود المصلحة في أي ركن من أركان المعمورة المصرية.

أكد ذلك الإعلان الذى نشره الأهرام في 26 أبريل من العام المذكور والذى تضمن أسماء 116 قرية في مديريات الوجه البحرى و42 قرية في مديريات الوجه القبلى تشملها هذه الخدمة.

وكان رأى الأهرام أن الخدمة البريدية قد امتدت بذلك إلى "أهالى الأرياف عمومًا وأهالى القرى والمزارع خصوصًا"، الأمر الذى اعتبره هؤلاء بشرى عظيمة بينما ارتآه بعض أهالى الجهات التي لم تصلهم مثارًا للتشكى والتظلم.

لعل الرسالة التي بعث بها مراسل كنوف في 2 مايو 1890 وقد ضمنها شكوى أهالى بلدة سرس "وهى بلدة كبيرة ذات تجارة واسعة ومن أشهر بلاد المديرية" من أنه لا يمر بها خط طوافة تقدم نموذجًا على ذلك!

ويلفت النظر أن أعمال مصلحة البوسطة قد استمرت تؤدى في جو آمن فلم نكد نعثر على ما يسبب تهديدًا لأعمالها إلا في حوادث نادرة كان أظهرها الحادثة التي نشرته الأهرام في 26 يونية عام 1889 وقد جاء فيها أن بريد البوسطة بينما كان متوجهًا من أسيوط إلى الواحات "صادفه بعض أشخاص من عربان المعازة مدججين بالأسلحة فسلبوا البوسطة و3 جمال وحمارة".


ولعل هذا الجو الآمن هو الذى دعا الأهرام إلى أن ينوه في أواخر عام 1890 "بتوسيع نطاق إدارة البوسطة لتسهيل العلاقات وتوطيد أرجان التجارة في الجهات البعيدة والقريبة قيامًا بحق المدنية التي اتصلت إلى خطة تذكر فتشكر"!


السيول فى أرشيف الديوان


* عواصف وأمطر مفاجئة على مصر - غرق 30 بدرومًا - 4 حرائق بالقاهر ة - 13 حادث تصادم - الماء يغرق بسيون وأهلها يخرجون إلى الخلاء هربًا من المياه التى بلغ ارتفاعها فى بعض الأماكن 70 سنتيمترًا

الأهرام 30 نوفمبر 1957


* هطول أمطار غزيرة فى البلاد - مطر لا مثيل له فى القاهرة منذ 23 عامًا - ارتفاع الماء 44 مليمترًا فى الفيوم و55 مليمترً فى السويس و23 فى القاهرة - تعطيل المواصلات فى القاهرة والضواحى - انهيار 500 منزل فى عزبتى الفولى والبصرى ناحية المعادى - التدابير لإيواء السكان الذين أصبحوا بلا مأوى وتوزيع الغذاء والكساء عليهم.

الأهرام أول يناير 1945


* لم يشهد سكان القاهرة مثل الأمطار التى هطلت فى اليومين الماضيين فقد احترقت أكثر قطارات الترامواى فاضطرت الشركة إلى تخزينها من الظهر، ونقل إلينا أن المياه فى الحسينية والدرب الأحمر منعت الناس من المرور إلا فوق الأعناق وانقطع التيار الكهربائى فى بعض الجهات وكذلك تعذرت المواصلات التليفونية.

الأهرام 10 ديسمبر 1921



صورة من المقال: