ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 11 نوفمبر 2020

066 يوميات "ربة التمثيل" في مصر

 يوميات "ربة التمثيل" في مصر

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 27 أكتوبر 1994م - 22 جمادى الأولى 1415هـ


"من أكثر الشخصيات شهرة في تاريخ المسرح"، كانت هذه هي العبارة التي صدرت بها دائرة المعارف البريطانية تعريفها للممثلة الفرنسية الكبير سارة برنار Bernhardt، Sara (1844 - 1933).

ونرى أن روافد عديدة صبت في نهر الشهرة العريض لهذه الممثلة رصت دائرة المعارف المشهورة بعضها وأضاف إليها الأهرام الصادر خلال الأسابيع الثلاثة الممتدة بين 13 ديسمبر عام 1888 و4 يناير من العام التالى البعض الآخر.


وقبل تتبع الروافد التي سجلتها دائرة المعارف الشهيرة فانه مما يلفت النظر أن تستأثر سارة برنا بما يقارب صفحتين منها، وهى موسوعة من ينل سطور قليلة فيها يدخل التاريخ من أوسع أبوابه.

يلفت النظر أيضًا أنه قد تم التأريخ لحياة الممثلة المعروفة في عشرة مؤلفات على الأقل، كلها بالفرنسية والانجليزية، منها ثمانية حول سيرتها الذاتية Biographies صدرت أولها عام 1933 تحت عنوان "سارة برنار" لمؤلف اسمه بيرنج وصدر آخرها عام 1967 باسم "مدام سارة" لمؤلف آخر اسمه سكينر، أي أنها استمرت موضعًا للكتابات لما يقرب من نصف قرن، مما ينم عن قدر المكانة التي احتلتها هذه الممثلة في التاريخ، والتي نظن أنه لم يبزها فيه سوى امبراطور فرنسا الشهير نابليون بونابرت!

وتشير هذه المصادر وغيرها إلى أن مدام برنار قد فرضت نفسها منذ وقت مبكر على أكبر المسارح الفرنسية الأوديون خلال ستينات القرن الماضى والكوميدى فرانسيز خلال سبعيناته، وبدءًا من ثمنينات، العقد الذى زارت مصر في أواخره كان لها فرقتها الخاصة!

تشير أيضًا إلى قدرة فائقة في التمثيل نترك لمدير الأهرام وصفها قال: "ماذا أذكر عن حسن ألعابها المدهشة وهى قد أرتنا أدوار الحياة في جميع طوارئها وكانت تجذب قلب المشاهد إلى أن يشاركها بالتأثر في تلك الأدوار حتى كان بيدها زمام التمثيل فقط فكم أضحكت وأبكت وأبهجت وأحزنت في فترات متتابعة بما لا يشعر به الانسان في سنين متتالية هذا والعيون شاخصة إليها والقلوب واجفة من تمثيلها كلها بين الرجاء والخوف"!

تشير ثالثًا إلى أنها منذ البداية قد مثلت لكبار مؤلفى المسرح الفرنسي.. في الأوديون لاسكندر دوماس الأب ولفرانسوا كوييه الذى كان تمثيلها لروايته ذات الفضل الواحد المعنون "بعابر السبيل" Le Passant السبب في بداية تألقها، وفى الكوميدى فرانسيز لراسين وفيكتور هيجو الذى كانت تتدفق دموعه ابان مشاهدته تجسيدها لشخوصه وهو الذى أطلق عليها التعبير المشهور "صاحبة الحنجرة الفضية" ومع تشكل فرقتها اقترن اسمها بمؤلف مسرحى آخر هو ساردو الذ ألف عددًا من المسرحيات خصيصًا لها كان أشهرها "فيدورا، تيودورا، توسكا، كليوباترا، ومع ذلك فقد استمرت أكثر تألقًا في دور مارجريت جوتييه في المسرحية المعروفة التي وضعها إسكندر دوماس الابن تحت اسم غادة الكاميليا!


تشير أخيرًا إلى ما عمدت إليه سارة برنار من التجول بفرقتها في بلاد أخرى عديدة، بدأتها بعبور بحر الشمال إلى لندن عبرت بعده الأطلسى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ووصلت في جولاتها إلى استراليا وأمريكا الجنوبية.

ويلفت النظر في الموضوع التفصيلى الذى خصصته دائرة المعارف البريطانية لمدام برنار أنه خصص قسمًا لمتابعة جولاتها الفنية خارج أوروبا إلا أنها لم تشر فيه من قريب أو بعيد إلى رحلتها المصرية، مما يجعل الأهرام مصدرًا أساسيًا، وربما فريدًا ليوميات هذه الرحلة، ولنا عليه عدة ملاحظات..

* أن تجنب الصحيفة التورط في السياسات الداخلية قد أفسح مجالًا واسعًا لهذه النوعية من الأخبار التي احتلت مع مرور الوقت صفحات بأكملها، تلك التي يطلق عليها صفحات الفن!

* أدت الثقافة الفرنسية لأصحاب الجريدة إلى الاستمتاع بعروض فرقة برنار، كما أدت الحملة الفرنسية إلى الحماس لها، وكان من المنطقى أن يترجم هذا الاستمتاع وذاك الحماس إلى أن تكون كتابات الأهرام أكثر الكتابات تفصيلًا للزيارة المصرية والتي رأينا لتفردها أن نسوقها في هذه الحلقة من الديوان على شكل يوميات.

..............................

الخميس 13 ديسمبر 1888

"بلغنا أن جوقة سارة برنا ملكة التمثيل ستقدم إلينا في أواخر هذا الأسبوع وتتوجه إلى العاصمة حيث تقدم في الأوبرا الخديوية أربع روايات ثم تعود إلينا (بالإسكندرية) أواخر الأسبوع القادم فتمثل أربع روايات أيضًا ولا حاجة إلى تذكير عموم الأهالى بما لهذه الممثلة الشهيرة فإن تسابق الناس إلى ابتياع تذاكر الدخول لأكبر دليل على شوقهم لمشاهدة تمثيلها الذى شهد له بإتقانه أعظم ملوك العالم المتقدم".

..............................

الاثنين 17 ديسمبر 1888

"أقبل علينا بعد ظهر أمس من الاستانة الوابور الروسى مقلًا ربة التمثيل سارة برنار وجوقها الشهير فنزلت في فندق ابات وقبل ظهر اليوم سافرت إلى العاصمة لتمثل في المساء أول رواياتها البديعة والمقرر أنها تعود إلينا يوم الجمعة لتقدم في مسائه أولى رواياتها في "تياترو زيزينيا".

..............................

الأربعاء 19 ديسمبر 1888

"شرف الأوبرا سمو الخديو المعظم محفوفًا برجال معيته السنية وشرفت المقام أيضًا صاحبة السمو والعصمة حرمه المصون وصاحب الدولة الغازى أحمد مختار باشا ورجال دولته وكثيرون من الأعيان والوجهاء، ولقد ساءنا إذ رأينا بعض الأماكن فارغة بين كراسى وغرف إلا أننا نؤمل أن يملأ هذا الفراغ في الليالى التالية استمتاعًا بتمثيل هذه الممثلة المشهورة التي يسكر تمثيلها وغناها، كما تسكر ألفاظها ومعناها.

"وفى فترة الفصل الرابع استدعاها سمو الخديو المعظم إلى غرفته فأثنى عليها واظهر ارتياحه منها وشكرها لأنها لمن تنس مصر في ساحتها هذه وأمل أنها تصحب معها ذكرًا حسنًا فقدمت لسموه الكريم امتنانها ومزيد شكرها ودعت لجنابه العالى بالعز والتأييد.. وإنا في هذا المقام نظهر امتناننا من ولى النعم ملكينا المعظم العاضد لكل أمر مفيد والناصر مهمم ومنهضها بالتفاته..

"ثم أن نمتدح جميع المشخصين والمشخصات ولا سيما المسيو داما الذى أجاد كل الاجادة ونشكر بلسان العموم من حسن ما رأيناه مقتبسين في ذلك ما كان يردده الحضور من الثناء على مهارة هذه الفاضلة وامتداحها بكل لسان"

..............................

الخميس 20 ديسمبر 1888

"كان التمثيل أمس في الأوبرا على غاية الاتقان والابداع وقد أدهشت الممثلة المشهورة الحضور بحسن تمثيلها فكان التصفيق متتابعًا لاستحسانه، أما الرواية التي مثلت فجامعة لبعض العوائد الروسية وعنوانها فيدورا، وه ستمثل في هذا المساء رواية توسكا الشهيرة وهى أحدث الروايات لمؤلفها العالم المسيو ساردو الكاتب الفرنسوى المشهور، وسيشرف سمو الخديو الأوبرا في هذا المساء محفوفًا برجاله الكرام فالأمل أن يزداد عدد الحضور بتشريف سموه الكريم"

..............................

من مراسل الأهرام بالعاصمة: "كان التمثيل ليلة أمس وما قبلها غاية في الاتقان ولم نعجب إلا من فراغ بعض الغرف والكراسى في حين كان يجب أن يغتنم هذه الفرصة كثيرون ولا سيما أولئك الذين يصرفون أضعاف المعين لحضور التمثيل من جوق حضرة الفاضلة الشهيرة سارة برنا التي توجهت صباح اليوم بقطار خصوصى إلى ثغركم وستعود إلى العاصمة الثلاثاء".

..............................

الاثنين 24 ديسمبر 1888

"مثلت حضرة الممثلة المبدعة سارة برنار في مسائى أمس وما قبله في تياترو زيزينيا روايتى فيدورا وتوسكا وحسبنا الكلام عن تمثيلها أن تقول أنها مثلت فإن وصفه مما لا يكاد يفيه قلم أو تبلغ حقه عبارة إلا إذا قيل أنه الحقيقة بنفسها تختال في ثوب التقليد في شخص هذه الممثلة البارعة التي تحير أعمالها الأفكار وتشخص إلى دقة تمثيلها عوامل الأبصار وتلك اختصاصات عزيز وجودها، وهى ستمثل مساء اليوم رواية له متردى فورج ذات أربعة فصول وخمسة مناظر ثم تسافر صباح غد إلى العاصمة حيث تقدم ثلاث روايات ثم تعود إلى ثغرنا".

..............................

الخميس 27 ديسمبر 1888

"غدًا تعود إلينا ربة التمثيل مدام برنار لتقدم في مسائه رواية (فرو فرو) وقد بلغنا أن لجنة إدارة الجوق قد خفضت أسعار لوجات الدرجة الأولى من 600 قرش إلى 400 قرش وأسعار لوجات الدرجة الثانية من 330 إلى 150 قرشًا وذلك إجابة لدعوة الكثيرين الذين يتوقون إلى مشاهدة معجزات حضرة الممثلة ولكن ارتفاع الأسعار حال دون اشتياقهم، أما أسعار المحلات الأخرى فلا تزال على حالها".

..............................

الجمعة 28 ديسمبر 1888

"اتصل بنا أخيرًا أن الممثلة الشهيرة سارة برنار لا تأتى ثغرنا في هذا اليوم كما كنا أعلنا في عدد أمس بل أنها ستبقى في العاصمة إلى يوم الأحد ثم تأتى إلينا في مسائه وتمثل في تياترو زيزينيا رواية (فرو فرو)".

..............................

السبت 29 ديسمبر 1888

من مراسل الأهرام بالعاصمة: "كان تمثيل الأمس في الأوبرا على غاية ما يمكن من الاتقان إذ قامت له ربة التمثيل الفاضلة سارة برنار فكانت تتلاعب بالقلوب بين السرور والحزن بما كثر به تصفيق الاستحسان وقد اتقن المسيو دامالا في تمثيله كل الاتقان وكذلك سائر المشخصين والمشخصات.".

..............................

الاثنين 31 ديسمبر 1888

"مثلت حضرة الممثلة المشهورة سارة برنار في مساء أمس في تياترو زيزينيا رواية (فرو فرو) فأجادت إجادة لا يكون من ورائها إجادة وإبداع ولا يأتي عليها وصف أو نعت بحيث كثر لها تصفيق الجمهور متتابعًا دلالة على احسانها واستحسانها فإنها والحق يقال ربة التمثيل وآية المراسح في اتقان تشخصيها العجيب الذى يحير الألباب ويسترق الأبصار والأسماع بل ويتملك زمام العواطف والقلوب بين المسرات والأحزان فتبارك الله الخلاق العظيم".

"وهى ستمثل الليلة رواية أوريان ليكوفرير ذات خمسة فصول ولاشك أن سيكون الحضور عديدين استمتاعًا بتمثيل هذه الممثلة البارعة وتفكهًا بحسن لياليها الزاهرة ولاسيما وأنها قد قاربت النهاية فنحث الجمهور على حضورها فإنها من الفرص التي لا تضاع".

..............................

الخميس 3 يناير 1889

"مثلت حضرة الممثلة المشهورة سارة برنار في الليلتين الغابرتين رواية تيودورا فأجادت كل الإجادة حتى خلبت كل القلوب والأبصار وبهرت النواظر والأفكار وقد توالى لها التصفيق مرارًا بما دل على استحسان الجميع لها وقدرهم إياها حق قدرها من أحكام الصنعة واتقان التشخيص وعند انتهاء الرواية في ليلة أمس اجتمع جماعة من شبان الثغر فأعدوا لها عربة فاخرة تتقدمها المشاعل والأنور ودعوها إلى الكلوب حيث أقاموا لها مأدبة فاخرة برهانًا على استحسانهم لها فشكرتهم عل ذلك كل الشكر".

..............................

الجمعة 4 يناير 1889

"كان تياترو زيزينيا في ليلة أمس زاهيًا بكبار أهالى الثغر على اختلاف الأجناس لحضور تمثيل رواية فرانسلون من جوق ربة التمثيل سارة برنار وقد استحسن الجمهور هذه الرواية لموضوعها الأدبى والتهذيبى وخرجوا مسرورين موطدين النفس على حضور هذه الليلة الوداعية التي ستمثل فيها أربعة فصل منتقاة من خيرة الروايات".

..............................

السبت 5 يناير 1889

"كنات ليلة أمس في تياترو زيزينيا آخر ليالى الممثلة الشهيرة سارة برنار في ثغرنا إذ مثلت دور الكونت سدى ميرانا من رواية لاجيرون دى كاديلاك فأظهرت فيه من دلائل العشق والهيام ما أخذ بألباب الحضور بحيث لم يكد الفصل ينتهى حتى ارتفع تصفيق الاستحسان مرارًا يستعيدها للظهور على المرسح فعادت أربع مرات وفى كل مرة يزداد لها التصفيق ثم مثلت دور لاكونتس مارت من رواية لافه فأظهرت فيه شدة مفاعيل الندم على أثر الخيانة مما أثر في قلوب الحاضرين وفى آخر الفصل قدمت لها باقتان كبيرتان من الزهور على أبدع نظام ورشقها الجالسون على الكراسى بباقات صغيرة خيل معها أن السماء تمطر زهرًا بين رفيف أجنحة الحمام المتساقط عليها بحيث كان ذلك المنظر بين ربه التمثيل والزهر والطير من أبدع المناظر وأبهجها ثم مثلت دور فدر في الفصل الأول والثانى في رواية فدرا الشهيرة لمؤلفها رصين الشاعر الفرنساوى فأبدعت كل الابداع ولاسيما في إظهار عشقها لايبوليت واستلالها الخنجر تحاول به قتل نفسها فكان منظرًا مهيبًا ألقى الرعب في القلوب مما خيل معه أن الأمر حقيقة لا مجاز وفى نهاية هذين الفصلين قدمت لها باقة كبيرة يحملها ثلاث رجال لعظم حجمها. كل ذلك بين التصفيق المتتابع الاستحسان المستمر دلالة على ارتياح العموم إلى هذه الممثلة البارعة التي جعلت حاسات جديدة في العواطف والقلوب. وهى ستسافر اليوم على الوابور روباتينو إلى إيطاليا حيث تقدم روايتها المعجبة مخلفة بيننا أحسن ذكرى آملين أنها لا تحرم هذا القطر مرة أخرى من زيارتها فترى فيه أكثر مما رأته في هذه الزيارة".

وتنتهى بذلك يوميات "ربة التمثيل الفاضلة" في مصر منذ وصولها إلى الإسكندرية يوم الاثنين 17 ديسمبر عام 1888 على الوابور الروسى ومغادرتها إياها على الوابور الايطالى يوم السبت 5 يناير 1889، كما جاء في سطور الأهرام ويبقى قراءة ما بين السطور!

****

* أول ما يقرأ بين سطور اليوميات تعدد التوصيفات التي أطلقتها الصحيفة على مدام سارة برنار كان أقلها ملكة التمثيل والممثلة المبدعة وأكثرها الممثلة المشهورة وربة التمثيل، فضلًا عن توصيفها بالفاضلة فيما كررته الأهرام أكثر من مرة، مما يشكل حكمًا أخلاقيًا لا نظن أن مدام برنار كانت تأبه له كثيرًا!

* نفهم من سياق اليوميات ومن التعرف على السيرة الذاتية للمثلة الفرنسية المشهورة أن زيارتها للشرق التي جاءت خلالها إلى مصر كانت زيارة يتيمة جاءت خلالها إلى مصر وقبلها إلى تركيا التي توجهت منها إلى الإسكندرية، وتصبح مصر بذلك، على حد علمنا، البلد العربى الوحيد الذى قامت سارة برنار بزيارته، ونرى أن لذلك أسبابه.

فقد قامت "ربة التمثيل" بإحياء عشر ليال، خمس في القاهرة ومثلها في الإسكندرية، حيث توافر ما يسمح بوجود فرقة مسرحية كبيرة على هذا القدر من الأهمية.

توافر أولًا المناخ الثقافي الذى يسمح بهذا الاستقبال من خلال التحول الذى كان قد بدأ منذ عصر إسماعيل بوجود المسرح الأوروبى الذى بدأ بالأوبرا ثم المسرح العربى، وقد انتعشت الحياة المسرحية على نحو واضح منذ منتصف الثمانينات.

توافر ثانيًا القاعدة من المتفرجين التي يمكن أن تقبل على مسرح "ربة التمثيل"، وهى قاعدة تتشكل أساسًا من جمهور الأجانب في طبيعتهم أبناء الجالية الفرنسية، ومن المثقفين المصريين ثقافة فرنسية، وكانت الغالبية العظمى من هؤلاء تنتمى لهذه الثقافة.

توافر ثالثًا الدور المسرحية المعدة التي مكنت فرقة كبيرة مثل "جوق سارة برنار" من أن تحيى لياليها العشر.. في الأوبرا بالعاصمة وفى زيزينيا بالإسكندرية.

* يلاحظ من يقرأ يوميات "ربة التمثيل" تلك الشكاوى المتكررة التي استمر الأهرام يرددها من عدم الاقبال المتوقع على لياليها، وهى شكوى تكررت سواء بالنسبة لليالى التي أحيتها في القاهرة أو التي أقامتها في الإسكندرية، مما يمكن أن يكون محل دهشة.

غير أنه لا يمضى وقت طويل حتى تفصح الجريدة عن السبب من خلال الخبر الذى ساقته عن خفض أسعار تذاكر الدخول، وهى أسعار كانت تفوق ما اعتاد رواد المسرح دفعه بعشرة أمثال على الأقل.. لوجات الدرجة الأولى من ستين إلى ستمائة قرش ولوجات الدرجة الثانية من عشرين إلى ثلثمائة وثلاثين قرشًا، وهو فارق كان من الطبيعى أن يدعو هؤلاء إلى التفكير عشر مرات قبل أن يغامروا بارتياد "جوق سارة برنار" حتى لو كانت "ربة التمثيل"!

* ولا يبقى لقارئ هذه اليوميات إلا أن يلاحظ أخيرًا تلك الأبهة التي استقبلت بها الممثلة المشهورة.. ففي ليلتين من الليالى الخمسة التي أقامتها في القاهرة كان الخديوى توفيق في طليعة الحاضرين، حرص في أولاهما على استقبال سارة برنار في غرفته بالمسرح.

وفى نفس السياق جاءت الاحتفالات الشائقة. "بربة التمثيل" خاصة في الليالى التي أحيتها بالإسكندرية فيما فصلته اليوميات، ويمكن أن يعزى ذلك إلى غلبة الأوروبيين على الحضور في تلك الليالى، والذين اعتادوا على هذا النوع من الاحتفاء الذى اصطلح المصريون على تسميته "بالباللو"!

ولم تقتصر مظاهر الأبهة على الليالى التي أقامتها سارة برنار بل امتدت إلى سائر تحركاتها لعل أظهرها ما جاء في اليوميات من تخصيص قطار لتنقل "ربة التمثيل" بين القاهرة والإسكندرية، وهو ما لم يكن يسمح به إلا للخديوى وأسرته، وفى حالات استثنائية جدًا لغيرهم كان منها الممثلة المشهورة!


صورة من المقال: