ads

Bookmark and Share

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

065 "سعادة المدير الهمام"!

 "سعادة المدير الهمام"!

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 20 أكتوبر 1994م - 15 جمادى الأولى 1415هـ


"لائحة زراعة الفلاح وتدبير إحكام السياسة بقصد النجاح" الصادر في يناير عام 1830 جاءت كأول تنظيم إدارى شامل للريف المصرى في التاريخ الحديث، بعد ما استمر هذا الريف بامتداد العمر العثمانى يعيش في ظل النظام الاقطاعى المعروف بنظام الالتزام.

وهذه اللائحة التي أصدرها محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، أرست أول الأنظمة التي استخدمت توصيف المديرية للأقسام الإدارية الكبيرة من الريف بدلًا من تسمية المقاطعة التي استمرت سائدة من قبل.


وخلال السنوات الأربع بعد صدور هذه اللائحة كانت قد تشكلت القسمات الإدارية للريف المصرى في ثمان مديريات على رأس كل منها "مدير" لم تنس اللائحة المذكورة أن تحدد اختصاصاته..

من بين هذه الاختصاصات تحصيل "مطلوبات الميرى في أوقاتها وحفظ الجسور والترع وملاحظة كافة رى الأصناف في زمن النيل.. وعمار البلاد وإعطاء كل ذي حق حقه بالعدل والانصاف دون غدر أحد... والنظر في دعاوى المظلومين بأى نوع.. وملاحظتهم الأشوان والمخازن واشغال كافة المستخدمين بهم إن كانوا قائمين بوفاء خدمتهم".

وقد استقرت هذه الاختصاصات بعد تضمينها في "قانون السياستنامة" الصادر عام 1837 والذى كان بمثابة أول دستور للدولة المصرية في التاريخ الحديث.

بيد أنه خلال الخمسين عامًا التالية وبعد أن أصبحت أخبار مديرى المديريات تشكل بابًا ثابتًا في الأهران الذى كان يصفهم في العادة "بسعادة المدير الهمام"، جرت تطورات عديدة أثرت في جوانب صورة صاحب هذا المنصب الهام، ولكن ليس كلها..

من التطورات التي أثرت، توقف نظار الاحتكار الذى ساد خلال عصر محمد على، وهو توقف ترتب عليه التخلص من الاشراف على شون الحكومة التي كان يتم تجميع المحاصيل فيه، وكانت من أهم اختصاصات المدير.

منها أيضًا استقرار الملكية الزراعية بكل ما استتبعه من انحسار ظاهرة هروب الفلاحين من أراضيهم فيمن كانوا يسمون "بالمتسحبين" ممن كان المدير مسئولًا عن منع تسحبهم.

غير أنه على الجانب الآخر استمر جملة مديرى المديريات ينحدرون من أصول تركية، كما كان الحال دائمًا بامتداد نصف القرن، وبالرغم مما جرى خلال تلك الفترة، خاصة في عهد سعيد من محاولة تمصير عدد من الوظائف الكبيرة، إلا أن هذا التمصير لم يطل بحال أصحاب هذه الوظيفة، وإن كان قد طال وظائف قريبة منها مثل وظيفة وكيل المديرية.

ولعل المسئولين في الحكم قد استمروا يؤمنون بالقولة التي كان العلماء قد ردوا بها على محاولة نابليون لتولية بعض المصريين المناصب القيادية من أن "الفلاحين لا يخافون إلا من جنس الأتراك"(!)، هذا فضلًا عن تمسك هؤلاء بصلاحياتهم لدرجة أنهم دخلوا في صدام شديد مع وكيل نظارة الداخلية الانجليزى السير كليفورد لويد حينما حاول الانتقاص من تلك السلطات عام 1884، واعتبروا ذلك لونًا من اهتزاز هيبة الحكومة، الأمر الذى انتهى باعتزال الرجل منصبه.

ومع حدوث كل تلك التطورات كان مطلوبًا إعادة صياغة اختصاصات "سعادة المدير الهمام"، وجاءت المناسبة بعد إقالة نوبار في 9 يونية عام 1888 وتشكيل وزارة مصطفى رياض الثانية، وقد اعتقد الرجل أنه قد حان الوقت لإعادة ضبط الإدارة المصرية.

يسوق الأهرام الصادر بعد تشكيل الوزارة الرياضية بتسعة أيام خبرًا مؤداه أن رئيس النظار قد اجتمع بالمديرين "وحرضهم على وجوب انجاز الأعمال بأوقاتها وتنفيذ جميع الأوامر التي تصدر لهم بغاية الدراية".

بعد ذلك بأربعة أيام، وبناء على تعليمات رئيس النظار صدرت إلى المديرين ثلاثة منشورات تحدد ماهية صلاحياتهم.. يهمنا منه المنشور الصادر من نظارة الداخلية والموجه إلى المديرين مباشرة...

اعتبرت "مسألة الضبط والربط" أهم أعمال المدير وذلك على حد نص المنشور "بضبط الوقائع في حين وقوعها بغاية السرعة والحماسة بحيث لا يفوت زمن يتمكن فيه المسئولون من تغيير حقيقة الواقعة مع سرعة الاستحصال على من اجترأ على فعل الجناية لأنه يغير هذه الواسطة لا يتوصل لمجازاة الجانين على جناياتهم وايقاع الرعب والاعتبار على أمثالهم!

"مسألة الرى" كانت الاختصاص التالى من اختصاصات المديرين، لأنها "من الأمور التي عليها مدار الثروة والعمارية" وينصحون في هذا الصدد أن يتم النظر في هذه المسألة بالاتفاق مع "نظارة الأشغال".

الاختصاص الثالث المتعلق "بالصحة إذ لا يخفاكم أهميتها وما يترتب عليه من المنافع والفوايد العمومية"، وقد يكون من الطريف في هذه المناسبة الإشارة إلى أن "مصلحة الصحة" كانت حتى ذلك الوقت ضمن إدارات نظارة الداخلية.

يبقى الاختصاص الإدراى الذى رأى رئيس النظار أنه ينبغي أن يكون للمديرين "المراقبة والملاحظة على سير جميع فروع الإدارة المشكلة منها هيئة حكومة المديرية"، وذلك باعتبارهم النواب العاملين عن الحكومة في مراكز مديرياتهم.

وخوفًا من اغفال أي من الاختصاصات الأخرى فقد أنهى ناظر الداخلية الذى لم يكن سوى رياض باشا نفسه"!".. أنهاه بتنبيه المديرين بأنهم "المسئولون عن كليات وجزئيات مديريتكم فالأمل أن تكون دائمًا ماهرين ومستيقظين"!

غير أن الاختصاصات على الورق شيء وعلى أرض الواقع شيء آخر يتفق أحيانًا مع ما على الورق ويختلف أحيانًا أخرى، الأمر الذى نتابعه من أخبار الجريدة عن "سعادة المدير الهمام".

***

ما لم تشر إليه السياستنامة أو منشور رياض باشا ما استجد من مؤسسات على أيدى الاحتلال في الريف المصرى كان على المدير أن يتحمل مسئوليتها.

أهم هذه المؤسسات كانت "مجالس المديريات" التي أقيمت بناء على نصيحة اللورد دفرين ونص عليها القانون الأساسى الصادر عام 1883، وبحكم هذا القانون انتخب في كل مديرية من المديريات الأربع عشرة التي كانت قائمة وقت الاحتلال مجلس يرأسه "المدير الهمام"، وقد حدد هذا القانون اختصاصاته.

هذا ما يعمله دارسو النظم النيابية في مصر، غير أن ما لا يعلموه أنه قد صدر عام 1887، أي بعد أربع سنوات كاملة، أمر عال يقرر "لائحة مجالس المديريات الداخلية"، الذى نشرته الأهرام كاملًا في عددها الصادر في 11 فبراير من ذلك العام والذى يفصل دور المدير في إدارة المجلس.. بالدعوة إليه. وبتعيين كاتب سر من أعضائه، وبتقبل حلف اليمين للأعضاء المستجدين "وعليه أن يدير المباحثات ويجمع الآراء ويحافظ على النظام".

ونرى أن هذه اللائحة قد صدرت نتيجة لأن القانون الأساسى وإن تضمن تشكيل مجالس المديريات واختصاصاتها إلا أنه لم يتضمن سير العمل فيها مما كان سببًا لكثير من الارتباكات.

صحيح أن هذا المجلس لم يكن ينعقد سوى مرة واحدة في العام، وصحيح أن جلساته كانت سرية، إلا أنه كان يشكل جانبًا من مهام "سعادة المدير" لم يفطن إليه كثيرون ممن كتبوا عن تاريخه.

ما لم يفطن إليه هؤلاء أيضًا أن المديرين لم يكتفوا بهذه المجالس باعتبارها احدى قنوات الاتصال بأهالى المديرية "والتعرف على رغائبهم" فقد كان يعمد هؤلاء بين الحين والآخر إلى عقد ما كان يسمى "بالجمعية" والذى كان يتم بمبادرات من المديرين أكثر مما كانت تحدده القوانين في اللوائح، مما كانت تؤكده تقارير مكاتب الأهرام في الأقاليم..

جاء في تقرير لمكاتب الجريدة في قنا: "يثنى الجميع على سعادة المدير محمد بك نجيب لما ابداه من الهمة في تحصيل الأموال بالرغم من العسر المالى وقد جمع مؤخرًا نظار الأقسام والعمد والمشايخ وشرع في عقد جمعية منهم وعلمنا أنه قد تباحث معهم فيما يعود بالفائدة على الحكومة وحثهم على انجاز التحصيل وملاحظة الجسور والقناطر".

مكاتب ببا كتب بأنه قد "صدر أمر مديرينا إلى حضرة ناظر قسمنا بالحضور لمراكز المديرية وبرفقته عمد ومشايخ البلاد لانعقاد جمعية بها"، وبعده مكاتب طنطا الذى تناول موضوع انعقاد "الجمعية من مأمورى البلاد وصيارفتها ومشايخها".

وإذا كان ثمة ملاحظة على هذه القناة فإنها مع عدم رسميتها كانت أكثر مرونة من مجالس المديريات، وأكثر عونًا من تنفيذ المهام الإدارية.

الاتصال المباشر كان القناة الثالثة من قنوات اتصال المديرين بأبناء مديرياتهم، ويقدم الأهرام في هذا الجانب صورة مختلفة جد الاختلاف عن تلك الصورة التي ترسب في الوجدان العام.. عن الباشا التركى المدير ذي الشوارب المفتولة والوجه المتجهم المتترس في داخل مكتبه الضخم الفخم الذى يصعب معه رؤيته ناهيك عن مقابلته.

فقد حفلت الصحيفة بأخبار الجولات التي كان يقوم بها أصحاب هذا المنصب، والوصف "بالهمام" كان أكثر ما يستخدم لدى متابعة تلك الجولات.

وفى محاولة لحصر أخبار المديرين خلال السنوات الخمس التي تشكل النصف الثانى من الثمانينات وجد أن أكثر من نصفها كان يتناول أخبار تلك الجولات.. نتخير هنا بعضها.

خبر من مراسل بنها جاء فيه: "بارحنا سعادة المدير الهمام وحضرات مأمور البوليس وباشكاتب المديريرية ورئيس قلم التحريات إلى القناطر الخيرية لتفقد الأحوال".

خبر آخر من مراسل دمنهور يقول: "لا يزال سعادة مديرنا متجولًا في أنحاء المديرية لاستطلاع أحوالها وقد ناب عنه في القيام بمهام المديرية حضرة مأمور مالية البحيرة"!

خبر ثالث من طنطا عن "قيام سعادة المدير إلى أنحاء المديرية لتفقد أحوالها وأن سعادته قد ذهب إلى مركز شربين وتفقد حركة المستخدمين وحضهم على القيام بشئون مأمورياتهم".

وأخبار أخرى كثيرة تؤكد زيف الصورة القديمة، ونظن أنه كان وراء هذه الحركة الدائبة للمديرين في تفقد أحوال مديرياتهم، العمل على إشاعة الشعور بوجود الحكومة في كل أنحاء المديرية، لأنه في نهاية الأمر كان المدير أكثر من يجسد هذا الوجود..

عبر الأهرام في أحد مقالاته عن تلك الحقيقة فقال بالحرف الواحد "ان الأهالى تعودوا على أن لا يعرفوا لهم حاكمًا من امد بعيد غير المدير الذى يسكن بينهم فهم لا يرهبون سواه ولهذا كانوا يقولون لمن يستحسنون اجراءاته (نسأل الله أن يجعلك مديرًا علينا) ويقولون لمن يتمنون له خيرًا (انشاء الله تبقى مديرًا)!

مالم تتضمنه الاختصاصات التي نصت عليها القوانين واللوائح ما يتوجب على المدير عمله في حالات الطوارئ، وما أكثرها في الريف المصرى، انتشار الأوبئة الذى يجسد تفشى الكوليرا عام 1883 نموذجًا لها، غوائل دودة القطن التي انزلت بالفلاحين أفدح الأضرار عام 1885، ارتفاع فيضان النيل إلى حد أصبح يمثل معه خطرًا داهامً يغرق بعض جهات المديرية فيما عرفه عام 1887.

في مثل تلك الحالات كانت تتحول مسئولية المدير إلى تعبئة كل قوى المديرية من الوكيل إلى أصغر غفير لمواجهة الخطر وإلا كان عليه أن يتحمل الشكاوى التي ترسل في حقه إلى المحروسة أو انتقادات الصحف التي كان لا يتردد مكاتبوها في مثل تلك الظروف في كشف وجوه التقصير.

وفى مثل تلك الظروف لم تكن سلطات القاهرة تكتفى بجهود المديرين التي يبذلونها من تلقاء أنفسهم، بل كثيرًا ما كانت تعمد إلى إصدار أوامر عالية لتقنين تلك الجهود لعل أشهرها الأمر العالى الصادر يوم 9 سبتمبر عام 1887، خلال بلوغ فيضان ذلك العام ذروة الخطر والذى أجاز للمدير طلب "ألمساعدة من كل انسان قادر على العمل بنفسه"، وخول رئاسة "قومسيون للحكم بعقوبات بالحبس من عشرين يومًا إلى ثلاثة أشهر أو بغرامة من مائة قرش إلى ألف قرش".

هذا بعض ما لم تتضمنه القوانين واللوائح الأمر الذى لم يكن بالإمكان اكتشافه إلا من خلال متابعة يومية لنشاطات "المدير الهمام" وليس أفضل من "ديوان الحياة المعاصرة" لرصدها.

***

غير أن ذلك لم يكن كل عمل الديوان فقد كشفت قراءته خلال ذلك العقد عن جانب آخر ربما لم ينتبه إليه كثيرون.

علاقة "سعادة المدير الهمام" بالسلطة المركزية في القاهرة كانت تمثل هذا الجانب..

وقبل أن نستعرض جوانب تلك العلاقة التي تابعتها الأهرام ينبغي التذكير بمجموعة من الحقائق..

منها أن مديرى المديريات كانوا ينتمون حتى ذلك الوقت إلى الأرستقراطية التركية التي تمسك بتقاليد السلطة في القاهرة، على رأسها الخديو توفيق نفسه، الأمر الذى يمكن القول معه أنه لم يوجد ثمة تناقض اجتماعى بين الطرفين، بل أنهما كان يتحدثان لغة واحدة ونعنى هنا بالطبع اللغة الاجتماعية.

منها أيضًا أن هذا المنصب الرفيع كان يؤهل من يشغلونه للعودة بعد فترة إلى العاصمة لمنصب أكثر رفعة وغالبًا ما كان منصب النظارة وتؤكد دراسة السير الذاتية لنظار هذا العصر أن أغلبهم قد خدم في وقت من الأوقات في منصب المدير، وكان في الغالب "همامًا"!

منها ثالثًا أنهم كانوا أتوقراطى النزعة بطبعهم مما كان لا يسهل معه منازعتهم في بعض ما كانوا يستأثرون به من سلطة، الأمر الذى أدى إلى معارضتهم لكثير من سياسات الاحتلال أو رجاله الذين انبثوا في الريف خاصة مفتشى الرى.

وقد تبدت هذه الحقائق في كثير من جوانب علاقة المديرين بالسلطة المركزية في القاهرة..

الجانب الاحتفالى بدا غالبًا خاصة فيما يتصل بالعلاقة مع رؤوس هذه السلطة.. الخديو ورئيس النظار وناظر الداخلية.

وتتعدد روايات الأهرام عن طبيعة الاستقبالات التي كان يعدها المديرون عن قيام أحد هؤلاء بزيارة مديرياتهم نختار منها ما جاء من مراسل الجريدة في الفيوم يوم 10 أكتوبر عام 1887.. قال: "ذهب لاستقبال الجناب العالى على المحطة سعادة المدير وجميع الأعيان والأشراف والرؤساء ولما أقبل جنابه العالى أطلقت المدافع ثم نزل من القطار وسار إلى سراى المديرية فتشرف بمقابلة سعادة المدير.. ولما كان الليل ركب سموه العربة وسار بصبحة سعادة مراد باشا المدير وموكبه الحافل. وفى صباح اليوم التالى توجه جنابه العالى على السفينة ببحر يوسف فتفقد أحوال النيل وسر من همة سعادة المدير.."

الاتصال المباشر لتلقى الأوامر من رئيس النظار أو ناظر الداخلية شكل الجانب الثانى من العلاقة مع المسئولين بالعاصمة، ويلاحظ قارئ الأهرام أن استدعاء رئيس النظار للمديرين كان يتم بشكل منتظم نختار فيه من اخبارها هذا الخبر المنشور  في أهرام 27 أغسطس 1888 الذى تحدث فيه كاتبه عن "اجتماع المديرين اليوم برئاسة دولتلو رياض باشا"، وأن الأخير قد حرص على اظهار "أهمية المراكز الموجودين فيها وعظم المسئولية التي ترجع عليهم فقال أنكم أيها السادة في مركز نواب الحكومة فأنتم المسئولون بوجود الأمن..".

بيد أنه على الجانب الآخر تفصح الجريدة عن صراعات حول السلطة بين المديرين وبعض إدارات النظارات الأخرى التي لا تتبع الداخلية، الأمر الذى تطلب أن يصدر الخديو أمرًا عاليًا في أغسطس عام 1888 يؤكد فيه أن "جميع الموظفين الموجودين في المديريات يجب عليهم الإذعان لسلطة المدير أيًا كانت النظارة التابع لها هؤلاء الموظفون"!

أكثر من الإفصاح كان انحياز الأهرام "للمدير الهمام" فيما يخص مهامه الأمنية التي صارعه عليها "المحاكم والبوليس"، وكانت مؤسسات ناشئة تخضع للسيطرة الاحتلالية.

بدا هذا الانحياز في إحصائية ساقتها الصحيفة عن "حال الأمن والعهدة في المسائل الجنائية على المديرين وبين حالة والعهدة في المسائل المذكورة يتنازعها رجال المحاكم ورجال البوليس" وخرجت منها إلى التدليل على أن الحال يكون أفضل "والعهدة على المديرين".

ولا تمر سوى أيام قليلة إلا وتزف الحصيفة بعدها إلى قرائها الخبر بأن "الحكومة قررت وضع مسألة الضبط والربط تحت ملاحظة المديرين"!

يبقى عن علاقة المديرين مع القاهرة ما كان يعمد إليه بعض هؤلاء من رغبة في التجمل أمام سلطات القاهرة، مما بدا في أخبار عديدة كان تنشرها الأهرام لمكاتبيها في الأقاليم يشتم منها القارئ أنها لم تكن بريئة تمامًا..

فهذا خبر من مكاتب قنا عن شعور "أهالى المديرية بغاية الممنونية من إجراءات سعادة المدير لأن حضرته لم تيرك فائدة تعود بتقدم المديرية إلا وجربها". وهذا خبر من مكاتب أسيوط عن "المدح والثناء على سعادة أحمد باشا شكرى المدير المحبوب من الجميع لما أجراه في هذه المديرية من الألفة وحسن الانتظام"، وثالث من مكاتب الفيوم عن "أن أحوال إدارة المديرية سائرة على محور العدل والاستقامة بإدارة حضرة مديريها سعادة محمد بك رفعت" وهى وغيرها أخبار تكشف عن آفة في الإدارة المصرية لا نظن أنها برأت منها حتى يومنا هذا!


صورة من المقال: