ads

Bookmark and Share

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

061 حرم أفندينا

 حرم أفندينا

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 22 سبتمبر 1994م - 16 ربيع الآخر 1415هـ


عهد الخديوى توفيق (1879 - 1892) عرف الانتقال من عصر "حريم أفندينا" إلى عصر "حرم أفندينا"، وهو انتقال لم يحدث بالصدفة، وانما جرى في اطار جملة من المتغيرات الاجتماعية التي شهدتها مصر وانتقلت خلالها من العصر "العثمنلى" بكل مفرداته إلى العصور الحديثة بكل مفاهيمها ونظمها.

مفردة أساسية من المفردات الاجتماعية للعصر الأول كان "الحريم" والذى كان يضم فضلًا عن الزوجات اللاتى كن يصلن عادة إلى الأربع، جملة من المحظيات والجوارى يعشن في جناح منفصل من الدار هو الذى يطلق عليه اسم الحرملك.

ونتوقف قليلًا عند باب الحرملك في مصر لنسجل جملة من الحقائق..

* أنه كان يشيع بين أبناء الطبقات العليا من المجتمع من الحكام وكبار الملتزمين والتجار.

* لما كانت النسبة الأكبر من هؤلاء من العناصر الوافدة لا العناصر المحلية المقيمة، فقد اكتسبت طابعًا تركيًا أكثر مما اصطبغ بالطابع المصرى، حيث استمر أبناء البلاد من أعضاء طوائف الحرف وأبناء الريف يكتفون عادة بزوجة واحدة تقاسمهم هموم الحياة اليومية التي لم يكن فيها متسع لحرملك!

* كان هذا الجناح المخصص للنساء يتسع ويتقلص تبعًا لمقدرة سيد الدار على تحمل أعباء الاعاشة للزوجات المتعددات وأبنائهن مع جملة المحظيات والجوارى، ومن ثم كان من الطبيعى أن يكتسب "حرملك" السلاطين العثمانيين في استنبول شهرته الطاغية، وهى الشهرة التي انتقلت لحكام أسرة محمد على بعد أن استقرت في مصر إلى أن توقفت بعد عصر إسماعيل.

وفى محاولة جادة لأحد الصحفيين الشبان بمتابعة نساء حكام مصر الخمسة، بدءًا من محمد على وانتهاء بإسماعيل، وجد أن عددهن قد ناف عن الخمسين، بلغ نصيب مؤسس الأسرة العلوية تسعًا وعشرين، بينما وصل نصيب الخديوى الأشهر، إسماعيل، أربع عشرة امرأة بين زوجة ومستولدة، والمتسولدات هن المحظيات اللاتى كن يلدن للحاكم بعض أبنائه!. وهو النظام الذى توقف تقريبًا بالنسبة للأسرة الحاكمة بعد عزل الرجل.

فبدءًا من عهد الخديو توفيق وحتى عزل آخر أبناء الأسرة، الملك فاروق الأول عن العرش، عام 1952، لم يكن لأى من الحكام الخمسة الذين اعتلوا سدة الحكم خلال تلك الأعوام الثلاث والسبعين سوى زوجة واحدة تحمل لقبًا محددًا.. صاحبة السمو والعصمة حرم الخديوى (1879 - 1914)، عظمة السلطانة (1914 - 1922)، ثم جلالة الملكة خلال الثلاثين عامًا التالية.

صحيح أن أغلب هؤلاء الحكام الخمسة قد اقترنوا بزوجتين إلا أنهم عندما جلسوا فوق عرش مصر لم يكن إلى جوارهم، وبدون استثناء، سوى زوجة واحدة بعد أن كان يتم الخلاص من الثانية بالطلاق أحيانًا وبالانتقال إلى رحمة الله أحيانًا أخرى!

يحاول أحد رجال حاشية الخديوى في عهد توفيق أن يفسر لنا في مذكراته الأسباب التي دعت الرجل إلى إرساء التقليد الجديد، فيعزوه إلى ما أسماه بعفة الخديوى، أو كما قال بالحرف الواحد "وكان عفيفًا معتدلًا في شهواته لم يتزوج غير واحدة ولم يتخذ الخليلات والسرارى" ونحن لا نوافقه على ذلك، فعفة حاكم أو اعتداله في شهواته لا تصنع ظاهرة استمرت تشكل أحد الأركان الأساسية للنظام الاجتماعى لأسرة محمد على ما بقى أبنائها في حكم البلاد، القضية كانت أكبر من ذلك، فالظاهرة كانت قد أخذت تفرض نفسها منذ أواخر عصر إسماعيل.

***

أخذت تفرض نفسها بعد المتغيرات الكبيرة التي شهدها هذا العصر والتي تم من خلالها تحديث المجتمع بعد أن كان قد تم تحديث الدولة في عصر محمد على، وهو التحديث الذى أدى في النهاية إلى التخلي عن عديد من الأنمطة الاجتماعية العثمانية، وكان منها نظام الحريم.

وفى اطار هذا التحديث كان غريبًا أن يبقى هذا النظام في البلاط الجديد الذى أقامه إسماعيل في عابدين، فقد استمر هذا البلاط الذى أقيم على نمط بلاطات ملوك وأباطرة أوربا مفتقدًا إلى عنصر هام من عناصره.. سيدة البلاط التي قدم وصول الإمبراطورة الفرنسية أوجينى إلى مصر للمشاركة ف احتفال قناة السويس عام 1869، قدم نموذجًا لها، يشير المؤرخون إلى أن إسماعيل قد هام بها اعجابًا!

ومنذئذ بدأت مجموعة من المؤشرات التي كشفت عن أن نظامًا جديدًا في طريقه إلى الخروج من رحم الحريم نرصد منها مؤشرين على الأقل:

الأول: أن بعضًا من زوجات الخديوى قد خرجن من محبسهن في الحريم للمشاركة في الحياة العامة، وبمقاييس العصر طبعًا..

لعل أشهر هؤلاء "جشم آفت هانم" زوجة إسماعيل الثالثة التي ارتبط اسمها بإنشاء تعليم البنات في مصر، فقد كانت وراء إقامة أولى مدارس هذا التعليم. مدرسة السيوفية التي أسست عام 1873.

ولنا أن نسجل هنا ملاحظتين، فهذا العمل غير المسبوق الذى أقدمت عليه إحدى هوانم الحريم قد تم بعد افتتاح قناة السويس وليس قبله مما يكشف عن تأثير الاحتكاك بالملوك والأمراء الأوربيين الذين قدموا مع زوجاتهم.. امبراطورات وملكات وأميرات للاحتفال بالمناسبة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فليس من المتصور أن جشم آفته هانم قد أقدمت على هذه الخطوة دون رضاء بل وتشجيع من الخديوى إسماعيل نفسه، آخر أصحاب "الحريم" من أبناء أسرة محمد على.

الثانى: أن والدة توفيق "كلدفان هانم" قد وضعت بصمة أخرى في طريق انتهاء عصر الحريم، ولها قصة..

جانب من هذه القصة أن تلك الهانم كانت احدى مستولدات إسماعيل ولم تكن احدى زوجاته، وكان حظها حسنًا أن أنجبت له أكبر أبنائه.

جانب آخر أن إسماعيل في سعيه لتثبيت أسرته في الحكم قد نجح في أن يستصدر من السلطان العثمانى في مايو عام 1866 فرمانًا بتعديل نظام وراثة الحكم من أكبر أبناء الأسرة إلى أكبر أبناء الخديوى، الأمر الذى وجدت معه "كلدفان هانم" نفسها فجأة والدة ولى العهد، ولابد أن سعادتها قد تضاعفت عندما رفض السلطان عبد العزيز أن يصدر هذا الفرمان قبل أن تتحول والدة ولى العهد المنتظر من "مستولدة" إلى زوجة وهو الأمر الذى كان إسماعيل مستعدًا لقبوله بغض النظر عن درجة الإعزاز التي تحتلها الهانم في قلبه!

جانب أخير تبدى في أن "كلدفان هانم" قد ارتأت تمييزًا لها عن بقية الحريم أن تهجر عابدين، ويخبرنًا أحمد شفيق رجل القصر في مذكراته بهذه الحقيقة حين يقول أنها "قد انفصلت بعد زواجه بها وأقامت في سراى القبة وذلك عقب صدور الفرمان السلطانى بجعل ولاية مصر وراثية في أكبر أبنائه".

ونرى أن الفرمان المذكور وما اقترن به من هجر "كلدفان" للحريم كان البداية العملية في التحول إلى عصر "حرم أفندينا".. عصر انفراد سيدة القصر بالوجود الاجتماعى. الأمر الذى أنه عصر الحريم بكل أسراره وطقوسه ومؤامراته والتي نتوقف عندها قليلًا لنرى تأثيرها على تاريخ الأسرة الحاكمة في مصر..

فمن المعلوم أن الحاكم الوحيد الذى اغتيل من أبناء هذه الأسرة.. عباس الأول (1848 - 1854) قد راح ضحية من ضحايا إحدى مؤامرات الحريم!

ومن المعلوم أيضًا أن الأطعمة التي كان يتناولها الخديو كان يتم ارسالها من المطبخ إلى جناحه الخاص في أوان ملفوفة بالقماش ومختوم عليها بالشمع الأحمر الذى لا يفض إلا وقت تناوله لها مخافة أن يدس له فيها السم، وكانت طريقة مشهورة من طرق الاغتيال في الحريم!

غير أن هذه البداية "بكلدفان" كان لها ما بعدها وهو ما شهده عهد توفيق ومنذ أيامه الأولى..

***

كان على الرجل أولًا أن يصفى "الحريم الخديوى" وهو ما شرع فيه على الفور بعد توليه السلطة ولا يمكن القول ما إذا كان تعجيله في ذلك قد جاء نتيجة لتحريض من والدته "كلدفان هانم" أم نتيجة لإدراكه أن تطورات العصر لم تعد تسمح بوجود مثل هذا النظام، أم نتيجة للعاملين معًا.

المهم أن حريم الخديو إسماعيل قد اخذ في الاختفاء السريع خلال الشهور الأولى من عهد خلفه، فمن ناحية قام الخديو المخلوع بتسهيل مهمة ابنه في هذا الصدد عندما اصطحب معه إلى منفاه زوجاته، باستثناء والدة توفيق التي آثرت البقاء إلى جوار ابنها، وقام الأخير باستكمال المهمة بتزويج من يليق من المتبقيات من بنات الحريم ببعض رجال الحاشية.

يسجل أحمد شفيق هذه الحقيقة في مذكراته وأن توفيقًا أصدر أمرًا إلى أحد رجاله "بتزويج كل الجوارى والحريم مع صرف النفقات اللازمة لهن في الزواج من الخاصة"، وقد نال شفيق نصيبه من الوليمة.. "فتاة شركسية جميلة" على حد توصيفه، ليبدأ بعد ذلك عصر "حرم أفندينا" والذى نستقى أغلب معلوماته عن شاهد رئيسى من شهود العصر.. صحيفة الأهرام.

فمن مجمل الأخبار التي استمرت الصحيفة تنشرها بامتداد الثمانينات عن نشاطات الأسرة الخديوية يمكن التأكد أن نظام "حرم افندينا" كان في طريقه إلى الترسخ يومًا بعد يوم.

أول ما يلاحظ في هذا الشأن أن امرأتين ظلتا تحظيان بالمكانة الرفيعة في حياة القصر.. "صاحبة السمو والعصمة حرم خديو"، و "ذات العصمة والفضل والنبل والدة الخديوى"، مما استمر حتى 18 مارس عام 1884 حين خضعت الأخيرة "لحكم القضاء المبرم في الساعة الثالثة من بعد نصف الليل فانتقلت إلى جنة الخلد مودعة بالنفوس مشيعة بالقلوب" فيما جاء في الخبر الذى ساقه الأهرام عن وفاة كلدفان هانم أو غصن الورد كما أشارت الجريدة في ترجمتهم لاسم "ألفقيدة المبرورة".

هذا فيما يتصل "بذات العصمة والفضل والنبل"، والتي نراها أول من أرسى تقليد "حرم افندينا"، والواضح أنها كانت ذات مكانة كبيرة لدى ابنها حتى ان الأهرام تقول أنه عند فاتها "شمله الأسف وعمه اللهف فلزم العزلة وامتنع من المقابلة حزنًا على الوالدة الحنونة والخريدة الفريدة مثال الكرامة والتقى ومنوال الوداعة والهدى"!

أما فيما يتصل "بصاحبة السمو والعصمة حرم خديوى". فالمعلوم أن توفيق قد اقترن بها في فترة ولايته للعهد، وكان زواجًا ملكيًا بكل المعايير. فلم تك واحدة من محظيات القصر كما كان الحال بالنسبة لوالدته أو بالنسبة لأغلب زوجات أبناء الأسرة بل كانت ابنه صميمة لها.. فقد كانت "البرنسيسة أمينة" ابنة الهامى باشا ابن عباس الأول أي تجرى في عروقها الدماء الزرقاء!

وكان الزواج ملكيًا أيضًا فيما بدا في الاحتفال به والذى قدم رجل السراى، أحمد شفيق باشا، وصفًا تفصيليًا له، بدءًا من الموكب الذى اخترق طرقات المدينة بجهاز العروس، ومرورًا بانتقال العروس من سراى الحلمية إلى القصر الكبير استعدادًا للزفاف، وانتهاء "بعربة التشريفة الكبرى المذهبة التي تجرى ستة من كرام الخيول" التي سارت في موكب عظيم إلى سراى القبة حيث جرى الزفاف.

وكان من الطبيعى مع كل هذا. أن تتصرف البرنسيسة تصرفات الملكات بعد أن اعتلى توفيق العرش وبعد أن أصبحت "صاحبة السمو حرم خديوى" فيما يمكن رصده أيضًا من صفحات الأهرام.

***

أول ما ترصده الصحيفة من التصرفات الملكية لصاحبة العصمة متصل بظهورها في المناسبات الاحتفالية التي يحضرها الخديوى، والتي لا يحضرها أيضًا..

الاحتفال باستعراض الجيش الجديد في 31 مارس عام 1883 والذى "شرفه الطابع التوفيقى بموكبه الحافل وحضره رجال المعية السنية وغالبية النظار الكرام" تشرف أيضًا "بحضور صاحبتى العصمة والدولة والدة خديوى وحرم خديوى".

من المناسبات التي كانت ترافق فيها صاحبة العصمة الخديوى الحفلات التي كانت كثيرًا ما كان يحضرها توفيق في "الأوبيرة الخديوية"، سواء كان الذى يقيمها بعض الفرق العربية أو الأوروبية.

يلفت النظر من تلك المناسبات الخبر الذى نشرته الأهرام في 18 ديسمبر عام 1888 وجاء فيه "عاد سمو الخديوى صباح اليوم من حلوان محفوفًا بمعيته السنية وقد عادت أيضًا صاحبة السمو حرم خديوى المصون وسيشرفان الأوبيرة الليلة لحضور تمثيل سارة برنار وجوقها الذين وصلوا اليوم بطريق ثغركم".

الاحتفال بجبر الخليج في 6 أغسطس عام 1887 تسافر صاحبة السمو الإسكندرية إلى القاهرة خصيصًا لحضوره. وتتوجه من المحطة رأسًا إلى النيل حيث كان في انتظارها "حضرات النظار الكرام وكبار الأعيان والموظفين بينما الوابور الخديوى فيض ربانى مزدانًا بالزينة الباهرة في انتظار تشريف سموها" وهو الاحتفال الذى ترك لها توفيق واجب تمثيل الأسرة الخديوية فيه.

ترصد بعد ذلك تحركاتها في رحلة الصيف والخريف. بالاتجاه إلى الإسكندرية مع مطلع الفصل الحار، في أوائل شهر يونية في العادة، ثم بالعودة إلى العاصمة بعد أن تبدأ نسمات الخريف اللطيفة في الهبوب، في أوائل شهر أكتوبر على الأغلب.

والملاحظ في هذه الرحلة السنوية انها كانت تتم مع الخديوى، ولكن ليس بصحبته، فبينما كان يخصص لتوفيق قطار خاص يقل الحكومة(!) إذا كان يصحبه في العادة رئيس النظار والنظار وكبار الدولة، فقد كان يخصص لصاحبة العصمة قطار آخر يقل الأسرة الخديوية، ويقوم بعد القطار الأول بسويعات قليلة ويلقى نفس المراسم الاحتفالية التي يلقاها قطار الحكومة.

نطالع مع قارئ أهرام يوم 23 سبتمبر عام 1887 جانبًا من هذه المراسم. جاء فيه: "فى نحو الساعة الثالثة بعد ظهر أمس بارحت حضرة صاحبة العصمة والسمو حرم الخديوى المعظم بمعيتها السنة سراى رأس التين العامرة فأطلقت المدافع معلنة بذلك وكانت محطة الثغر مزدانه برايات وفيها العدد العديد من حضرات حرم الذوات يتقدمن البرنسات الكريمات وحرم دولتلو الغازى مختار باشا ثم العدد الكثير من ذوات الثغر وكبار موظفيه وأعيانه وتجارة يتقدن الجميع عطوفتلو مصطفى فهمى باشا ناظر الداخلية والحربية فاستقبلوا حضرتها بمزيد الاحتفاء ثم ركبت القطار الخصوصى وأطلقت المدافع من طابية كوم الدكة وقدم ذلك الجمع لسموها وجبات الوداع فسار بها القطار على الطائر الميمون"..

هذه المراسم استمرت تقدم الجريدة توصيفًا لها في أربع مناسبات سنويًا على الأقل، مرتان في الذهاب وأخريان فى الإياب.

الانتقال من سراى إلى آخرى بدوره مناسبة تحتفى بها الجريدة بصاحبة العصمة احتفاء ملحوظًا، خاصة عندما كان يتم هذا الانتقال إلى السراى التي أقامها الخديوى في حلوان والتي كان يقضى أوقاتًا طويلة من الشتاء فيها.

وبامتداد الفترة بين النصف الثانى من أكتوبر وحتى أوائل فبراير من العام التالى كانت تتتالى الأخبار ليس فقط عن سفريات صاحبة العصمة إلى الضاحية المشهورة بل أيضًا عن استقبالاتها في السراى المقيمة بها والتي كانت تشمل أبناء الأسرة وعائلات كبار موظفي الحكومة في مقدمتهم النظار ورئيسهم فضلًا عن أسر الممثلين الأجانب في العاصمة الذين فتنتهم حلوان بحماماتها منذ ذلك الوقت المبكر.

***

مما رصده الأهرام أيضًا الدور المؤثر الذى كانت تقوم به صاحبة العصمة الأميرة أمينة في الاحتفالات التي تخص الخديوى.. الاحتفال بعيد الميلاد والاحتفال بعيد الجلوس، فقد كان الترتيب لهذه الاحتفالات والدعوة إليها يتم بمبادرة منها.

عيد الميلاد الذى كان يحتفل به يوم 4 أبريل كان يحضره "حضرات البرنسسات من العائلة العلوية الكريمة عند صاحبة السمو والعصمة حرم خديوى فخر السيدات وغرة الأميرات يهنئن سموها وهى مسرورة بهذا العيد المأنوس"، وعيد الجلوس الذى كان يحتفل به في 14 مايو كان المدعوون بعد أن ينالوا العديد من ألوان الكرم يتوجهون إلى "حضرة المحترم مرجان باش أغا حرم خديوى الذى كان يقابل الوفود بلطفه وظرفه ويكلف من قبلهم بتقديم فروض الاحترام والتشكر لصاحبة العصمة والدولة جعل الله أيام سمو مليكنا العزيز أعيادًا"!

بقى بعد كل ذلك الواجبات العائلية والاجتماعية التي كانت تقوم صاحبة العصمة بأدائها، والتي استمرت بندًا ثابتًا من بنود أخبار الأسرة الخديوية في الجريدة العتيدة.. أن تستقبل إحدى زوجات إسماعيل لدى وصولها إلى القاهرة فيما تضمنه خبر، أن تسافر الى الإسكندرية خصيصًا لتعود جدتها والدة الهامى باشا في مرضها مما جاء في خبر آخر، أن تعنى عناية خاصة بسفر هذه الجدة لأداء فريضة الحج مما كان موضوع جملة من الأخبار، أما عن الواجبات الاجتماعية فقد كان أبرزها قبولها أن تقام الحفلات الخيرية تحت رعايتها والتي تعددت أخبارها.

***

لم يكن ثمة غرابة مع كل هذا أن تلقى صاحبة العصمة الاهتمام، ليس فحسب من المصريين، بل من غيرهم مما بدا في الخبر الطويل الذى زفته الجريدة في عددها الصادر يوم 21 يوليو عام 1885 والذى جاء فيه أن "الحضرة العلية الشاهانية (السلطان العثمانى) تكرمت بنيشان الشفقة المرصع الجيلي السامى على صاحبة الدولة والعصمة حرم محترم الجناب العالى"، وتستطرد الجريدة في وصف الاحتفال بتلقى الحرم المشار إليها "هذا الاحسان الجليل لابسة الملابس الرسمية ومتجلية بأنواع الجواهر المفتخرة وصحبتها صاحبة الدولة والعصمة قادين افندم والدة جنتكمان الهامى باشا وبعض من الفاميليا الفخام" ولعل التوصيف "بالفاميليا" في نهاية هذا الخبر يقدم أفضل خاتمة لوصف التحول الذى حدث من عصر الحريم إلى عصر الفاميليا.


صورة من المقال: