ads

Bookmark and Share

الاثنين، 9 نوفمبر 2020

060 حيادة بوغاز السويس

حيادة بوغاز السويس

بقلم: د. يونان لبيب رزق

الأهرام الخميس 15 سبتمبر 1994م - 9 ربيع الآخر 1415هـ


قضية "حياد قناة السويس" أو ما كانت تسمية "عزلة البوغاز" أحيانًا، و"حياة بوغاز السويس" أحيانًا أخرى... استمرت أحد الشواغل الأساسية المصرية والدولية في نفس الوقت بطول العشرين عامًا الممتدة بين افتتاح هذا الممر المائى الحيوى، وإلى وقعت الدول في العاصمة العثمانية، الأستانة، في 29 أكتوبر عام 1888 على المعاهدة التي تنظم هذا الحياد، والتي لا زالت فاعلة حتى يومنا هذا.

مع كثرة الكتابات العلمية عن هذه المعاهدة فإنه يبقى التاريخ لها بعين معاصر، وهو عين تختلف كثيرًا عن تلك الكتابات ذات العين الباردة(!) هو بالنسبة الينا ليس إلا الأهرام.

الملاحظ أن هذه القضية كانت تطرح نفسها بإلحاح بعض الأحيان وكانت تتوارى وراء الأحداث أحيانًا أخرى، وبعد صدور الأهرام عام 1876، ومن خلال رصد موقفه فان "حيادة البوغاز" فرضت نفسها على الجريدة في مناسبتين على الأقل.

المناسبة الأولى كانت خلال الحرب الروسية - التركية (1876 - 1877) حين تدخلت الحكومة الإنجليزية لتأمين الملاحة في القناة مخافة من هجوم روسى باعتبار انها جزء من الأراضى العثمانية، وانتهت الاتصالات بين لندن وسان بطرسبرج بتسليم الحكومة القيصرية بأنها "لا تريد أن تحصر بوغاز السويس ولا تقطعه ولا تهدده كيف كان الأمر" وان قناة السويس مشروع دولى "يتعلق بصالح تجارة العالم فلا يدخل في ميادين المعامع"!

المناسبة الثانية جاءت في أعقاب الأحداث الحربية التي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر والتي كانت منطقة القناة خلالها ميدانًا لتلك الأحداث فيما عبر عنه الأهرام الصادر يوم 27 يناير عام 1883 بقوله: "الحوادث الأخيرة نبهت الأفكار خصوصًا إلى بوغاز السويس لما تهدده من الخطر أثناء المدة القصيرة التي تغلبت فيها الثورة. وثانيًا لاحتلال الجيوش الإنكليزية هذا البوغاز واتخاذها إياها نقطة لأعمالها التي اتبتعها بقصد امداد سمو الخديو وعضد سلطته. وثالثًا للخطة التي انتهجتها إدارة شركة البوغاز ومستخدموها في غضون زمن القتال".

وفى هذه المناسبة طفت لأول مرة فكرة أن تتحول حيادة البوغاز إلى عمل تعاقدى في المذكرة التي وجهتها حكومة لندن الدول تشرح فيها نظام للوصول إلى وضع حالة القنال على أساس متين يحصنه ويصونه على أسس ثمانية.

تتضمن الأساسان الأولان "بحرية البوغاز فتمر به السفن في كل الأزمان"، وأنه "في زمن الحرب يجب أن تحدد مدة معلومة للسفن الحربية المنتمية إلى الدول المتقابلة التي توجد حالتئذ في البوغاز ولا يرخص بأن تنزل على ضفافه عساكر أو ذخائر حربية".

يقر أساسان آخران بحقوق مصر على القناة فيما تضمنه البند السادس بأنه "يقتضى على مصر أن تتخذ كل ما في وسعها من الاحتياطات لضمانة انفاذ الشروط المرسومة على سفن الدلو المتحارب بمرورها في البوغاز" استكمل ما جاء في البند الثامن من أن هذا النظام "لا يجب أن ينقض أو يمس بوجه من الوجوه حقوق الحكومة المصرية".

 وبالرغم من رفض الحكومة الفرنسية للمذكرة البريطانية قد ارجأ القضية برمتها، فإنها قد طرحت مرة أخرى في المفاوضات التي جرت بين بريطانيا والدولة العثمانية بشأن "انجلاء الإنكليز عن مصر" والمعروفة بمفاوضات وولف - مختار والتي انتهت عام 1887 إلى مشروع معاهدة نصت مادتها الثالثة على أن "تجرى احكام العزلة على بوغاز السويس ويباح المرور فيه في زمن السلام وفى زمن الحرب"، وهى التي لم تخرج إلى حيز الوجود نتيجة لمعارضة فرنسا وروسيا، بيد أن ذلك لم يدفن القضية... قضية حيادة البوغاز.

بعد أن تأكد فشل معاهدة وولف - مختار اتجهت الدولتان الكبريان المعنيتان بالقضية المصرية إلى أسلوب جديد بدأت ملامحه تتضح من خلال الأخبار التي يسوقها الأهرام منذ أوائل يناير عام 1887.

يقوم هذا الأسلوب في أحد جوانبه على الكف عن التعامل مع القضية المصرية بنظام "الصفقة الواحدة One Package" وتجزئتها اعتقاد بفائدة هذا النهج القاضي بالتعامل مع المواضيع الاتفاق وإرجاء مواضيع الاختلاف مما يمكن أن يقود في النهاية الى تحجيم هذه المواضيع الأخيرة وإمكان التوصل إلى حلول لها.

شرحت الأهرام هذه السياسة في عددها الصادر في 20 أبريل عام 1887 بقولها: "ان غاية بريطانيا قسمة المسألة إلى قسمين مختلفين أولهما مسالة البوغاز والثانى مسألة مصر.... أن إنكلترا تحب حسم النازلة المصرية مع الدولة العلية تاركة مسألة البوغاز لتسوى شأنها مع الدول".

وقد خلص مدير تحرير الأهرام من ذلك إلى القول أنه بحل مسألة البوغاز حل للمسألة المصرية، وأنه لا حل لمسألة الترعة (البوغاز) ما لم تحل المسألة الأولى (القضية المصرية) بحيث كانت المسألتين مرتبطتين ارتباطًا دقيقًا". وقد أثبتت الأحداث أنه كان متفائلًا أكثر مما يجب.

يقوم في جانب آخر على قصر التفاوض أولًا حول قضية "حيادة البوغاز" على بريطانيا وفرنسا، على ضوء أنهما الدولتان صاحبتى المصلحة الرئيسية في هذا الممر الدولى... الأولى باعتبارها أكثر الدول استخدامًا له والثانية نتيجة للطابع الفرنسي للقناة.

واللجوء إلى هذا النهج قد جاء في جانب منه من جراء فشل معاهدة وولف - مختار الناتج عن تدخل أطراف متعددة على رأسها كل من روسيا وفرنسا، وجاء في جانب آخر عن الاعتقاد بأنه طالما توصلت الدولتان الكبريات المتصارعتان إلى اتفاق فسوف يصعب على أية قوة أخرى أن تفسده.

عبرت الأهرام عن ذلك الفهم بالقول أنه في "المؤتمرات العديدة التي عقدت للمسألة المصرية ساد الظن أنه لا يمكن أن يكون لها حل أوربى ما لم يكون مبنيًا على رغائب الدولتين الأوربيتين ومصالحهما".

وفى خلال المباحثات بين الحكومتين التي استمرت نحو عشرة شهور لم يكن ثمة خلاف على القواعد الأساسية "لحيادة البوغاز"...

من بين ما قضت به هذه القواعد أن "تبقى ترعة السويس على الدوام حرة مفتوحة في زمنى الحرب والسلام لكل سفينة تجارية وحربية على اختلاف أعلامها".

منها أيضًا ما اتصل "بحيادة البوغاز" في أوقات الحربو فلا تجرى أعمال حربية أو عدائية فيها ولا فيما يجاورها ولا في الموانى الموصلة إليها ولا على ضفافها".

منها ثالثًا امتناع الدول المتحاربة عن أن تنزل "جنودها في الترعة ولا في الموانى الموصلة إليه ولا أن تأخذ منها جنودًا أو ذخائر أو معدات حربية".

أخيرًا النصر بعدم حق الدول في أن تبقى في مياه القناة بما فيها البحيرات (التمساح والمرة) في حربية "عل أنه يحق لها أن تجعل في الموانى الموصلة للترعة كميناء بورسعيد والسويس سفنًا حربية لا تزيد عن سفينتين لكل منهما".

لم يكن هناك اختلاف حول كل تلك الشروط وانما نشأ الاختلاف عن سبل تنفيذها، أو على حد تعبير الأهرام أن "نقطة الخلاف منحصرة في شروط الوفاق على عزلة البوغاز المذكور لا العزلة نفسها"، وهو ما شرحته الجريدة في آخر عدد بقولها أن الخلاف حول "التحوطات والضوابط التي ترومها الدول لجعلها مصونة من شوائب العداء حرة للملاحة في جميع الأزمنة"، وهو الخلاف الذى تعددت وجوهه.

الوجه الأول كان حول الاقتراح الفرنسي بتشكيل مجلس (قومسيون) يتألف من معتمدين تعينهم الدول، وأن يقوم هؤلاء بالاتصال بربابنة السفن التي ترفع أعلام دولهم في المياه المصرية، وأن يقوموا بمراقبة تنفيذ المعاهدة بما يلزم "من الجلسات وان حدث خلالها انقسام التجئ حينئذ إلى الغالبية وهى تقرر ما يكون من الوجوب اتخاذه".

وكان معنى هذا الاقتراح تدويل إدارة القناة على نحو وجد الانجليز أنفسهم معه معرضين للمخاطرة بمصالحهم، ويعت حكومة لندن إلى تجريد الاقتراح الفرنسي من كل فاعلية.

ومن ثم جاء الاقتراح المضاد بأن يخول "معتمدو الدول في مصر بمراقبة انفاذ ما يجرى الوفاق عليه بأن يجتمعوا عند الحاجة بطلب رئيسهم ويتداولوا فيما يكون من الحوادث ويعرضوا قراراتهم على حكومة الحضرة الخديوية لترى رأيها فيها".

وكان معنى ذلك ببساطة ألا يتشكل "قومسيون خصوصى" لتولى المهمة وانما تصبح جزءًا من مهام الممثلين الديبلوماسيين للدول في العاصمة المصرية، بكل ما يعنيه ذلك من تهميش عمل اللجنة، هذا من جانب، ومن جانب آخر عمد الاقتراح الانجليزى إلى اضعاف ما يمكن أن تتخذه اللجنة من قرارات بإحالتها إلى الحكومة المصرية التي يهيمنون عليها.

المفاوضات التي دارت بين الطرفين بعد ذلك حول هذه القضية انتهت إلى الاتفاق على تشكيل اللجنة من المعتمدين على أن يجتمعوا مرة كل سنة، وأنه يشترط "لإنفاذ قرارات اللجنة أن تكون بإجماع الآراء" مما يمكن اعتباره انتصارًا لوجهة النظر الإنجليزية، فأكثر ما يضعف قرارات اللجنة الدولية اشتراط الاجماع، وليس الأغلبية فيما طالب به أصل الاقتراح الفرنسي.

الوجه الثانى كان حول ما يتعلق بحرية الدول في القناة وسلطتها فقد طالبت فرنسا بحظر اجراء أعمال عدائية ليس في القناة فقط بل أيضًا في الموانى الموصلة إليها وفيما جاورها بل في مياه مصر جميعها.

وقد ترتب على هذا الطلب محظوران رفضهما الجانب الانجليزى بإصرار:

المحظور الأول: بتحديد منطقة على الجانبين بطول القناة "تعتبر معتزلًا لا يحق لاحدى الدول أن تتعداه"، وقد أردف الفرنسيون مطلبهم هذا بأنهم على استعداد لارسال رجال "من ذوى الخبرة ليخططوا البقعة اللازمة على شرط أن تكون على ضفاف الترعة وقصيرة العرض".

المحظور الثانى: أن تقيم في هذه المنطقة قوة عسكرية "تكون تحت إمرة اللجنة ومن شأنها أن تضمن الترعة وتحامى عن عزلتها"، وقدرت عدد أفراد هذه القوة بألفى جندي.

نقل الأهرام عن التايمز اللندنية انتقادها لهذا الاقتراح والذى جاء فيه أن "ذلك التحديد سيكون في طول المدة وتراخى الزمن من قبيل تحديد نخوم الجبل الأسود وحدود أفغانستان، هذا إذا انتهى الأمر إلى نجاح ووفاق لأن الحدود يعترضها في طريقها بحيرات ومياه تكون معها الألف جندي غير كافية للحماية".

من ناحية أخرى فتح الاقتراح الفرنسي شهية دول أخرى على الاشتراك في ارسال قواتها إلى مصر كان في طليعتها إيطاليا التي جاءت الأنباء بأنها "ترغب في الاشتراك مع إنكلترا في احتلال مصر"، واسبانيا التي رأى البعض أن أفضل حل للاختلاف حول طبيعة القوة التي تعسكر على ضفتى القناة أن "تكون اسبانية فقط".

وفى تلك الظروف علقت الأهرام بالقول بأن "الأفضل لحل المشكلة المتعلقة بترعة السويس هو أن لا ينشأ لحمايتها قوة عسكرية إذ أن ذلك يقضى إلى نشوء قلاقل وارتباكات جديدة".

لعل ذلك هو ما دعا الفرنسيين إلى استبدال اقتراحهم الأول باقتراح آخر يقوم على أنه للمحافظة على القناة من أية اعتداءات خارجية أن يقوم بالدفاع عنها "حكومة مصر والدولة العلية معًا وإذا كانتا غير قادرتين على القيام بهذه المهمة تطلبان حينئذ من سائر الدول امدادهما بنجدة".

ولم يكن الانجليز مستعدين لقبول هذا الاقتراح لما يعنيه من القبول بالتدخل الدولى في القناة بكل أهميتها الحيوية لإمبراطورتيهم، وبأن مثل هذا الاقتراح يضع رقابهم في أيدى الآخرين.

بعد تسوية كل هذه الخلافات طلعت الأهرام على قرائها يوم الخميس 3 نوفمبر عام 1887 بما اسمته نص الوفاق الانكليزى - الفرنسي المتعلق بالبوغاز، وقد تضمن ستة عشر مادة عالجت أغلب المسائل التي كانت مطروحة في المباحثات بين الطرفين طيلة العام السابق، بيد أنه لم يكن اتفاقًا نهائيًا.

ففي اليوم التالى مباشرة أعلنت الجريدة إدخال تعديلات على الاتفاق، كان أهمها ألا يتاح للأساطيل التجارية أن تأخذ مئونة من موانى القناة إلا في حالة الضرورة القصوى وأن يكون مرورها فيها بأسرع ما يمكن "حسب القوانين المرعية من غير أن تتوقف في مسيرها إلا عند الضرورة وأن يكون مرساها في بورسعيد وسائر البوغاز غير متجاوز الأربع وعشرين ساعة"، وكان واضحًا أن التعديل قد جاء بناء على تصميم بريطاني.

ولم يتبق بعد ذلك إلا ما تصوره الطرفان المتعاقدان إجراء شكليًا بالحصول على توقيعات سائر القوى صاحبة المصلحة في القناة، غير أن هذا الاجراء تطلب لاستكماله عامًا آخر!

لم يكن في الحسبان أن يقف الباب العالى، بكل ما هو عليه من ضعف موقف المعرقل من اتفاق أكبر دولتين في العالم في ذلك الوقت، ولكنه حدث!

فقد شعر المسئولون في الأستانة أن حكومتى باريس ولندن قد عاملت الدولة العلية بما لا يليق من اهمال خاصة فيما يتصل بتجاهل أي دور رئيسى لها في اللجنة المكلفة "بإنفاذ الاتفاق"، في نفس الوقت فقد ارتأى هؤلاء أن بينما روعيت في الاتفاق المصالح البحرية البريطانية والفرنسية، فإنه لم تراعى بنفس القدر مصالح الدولة في البحر الأحمر والذى تطل عليه العديد من ممتلكاتها.

من ثم جاء الاعتراض الأول على البند الثامن من الاتفاق الانجليزى - الفرنسي، الخاص بعمل اللجنة والذى نص حسب صياغة الأهرام على:

"يكلف المعتمدوم المقيمون في مصر من قبل الدول الموقعات على هذا الوفاق أن يراقبوا إنفاذه وإذا حصل في أية حال كانت ما يعبث بسلامة الترعة أو حرية المرور فيها فعليهم حينئذ أن يجتمعوا بناء على طلب رئيسهم لإجراء ما يلزم من التحقيق ثم يحيطوا الحكومة الخديوية علمًا بما تحققوه من المخاطر... وعلى أي الأحوال ينبغي أن يجتمعوا مرة واحدة في السنة ليتأكدوا نفوذ هذا الوفاق كما هو واجب.."

انصب الاعتراض العثمانى على من هو الرئيس، خاصة وان الاتفاق كان قد جرى على أن يكون بالتناوب بين أعضاء اللجنة، فقد تقدم الباب العالى بمذكرة للسفيرين البريطاني والفرنسى في الأستانة جاء فيها، فيما نقلته الأهرام، أنه "لابد من اناطة رئاسة لجنة البوغاز بمندوب عثمانى سواء كان ذلك في الحالة المألوفة (يقصد الاجتماع السنوي) أو التي فوق العادة فإن للعثمانية في ذلك حقًا لا تقدر أن تتخلى عنه".

ولم يكن لدى بريطانيا مانع من الاستجابة للطلب العثمانى، فهى منذ البداية حرصت على تجريد هذا الاقتراح الذى قدمه من جل فاعلياته، ولا شك أن الطلب العثمانى كان يجرده مما تبقى له من فاعليات.

غير أن الجانب الفرنسي أراد التوصل إلى حل وسط بدا في صياغة جديدة للبند الثامن جاء فيها: "ان الوكلاء المقيمين في مصر من قبل الدول الموقعات على هذا الوفاق منوط بهم مراقبة تنفيذه بحيث أنهم عندما يحدث ما يتهدد سلامة الترعة وحرية الملاحة فيها يجتمعون على طلب ثلاثة منهم برئاسة أقدمهم في الوكالة للبحث فيما يجب اجراؤه ثم يخبرون الحكومة الخديوية بما يكونون قد علموه من المخاطر لتأخذ الوسائط الفعالة لضمانه وقاية الترعة وحرية استعمالها، وكيف كان فانهم يجتمعون مرة في السنة ليروا إذا كانت المعاهدة منفذة. أما هذه الاجتماعات فتكون برئاسة مرخص خصوصى تعينه الحكومة العثمانية الشاهانية ويمكن أن ينوب عنه نائب مصري إذا كان غائبًا وأن يحضر الجلسات إذا كان حاضرًا".

وتم بهذه الصياغة تجاوز الاعتراض العثمانى الأول ورضى المسئولون الأتراك بها.

الاعتراض الثانى كان حول الممتلكات العثمانية المطلة على البحر الأحمر التي رأى المسئولون الأتراك أن الفرصة سانحة لأن تضمن داخل المعاهدة بشكل يكفل حمايتها من الهجمة الاستعمارية التي كانت موانئ البحر الأحمر قد أخذت تتعرض لها من قبل قوى عديدة في مقدمتها إيطاليا التي كانت أطماعها قد أخذت في التزايد في اليمن.

وعندما اعتذرت الحكومتان البريطانية والفرنسية عن الاستجابة لهذا المطلب وأن "الوسائط الاعتيادية في هذه الظروف هي سواء على سائر الدول" رد العثمانيون بأن "سيرة الدول في الحال (أي في الوقت الحالي) وما يتوقع منها في الاستقبال لا يمكن أن تعتبر في جانب العفة والنزاهة تجاه الدولة العلية"، واستمر الموقف معلقًا بين رغبة حكومة الأستانة في الاستفادة من الفرصة وموقف الدولتين الكبريين الذى تأسس على أنه ليس ثمة علاقة بين "حيادة بوغاز السويس" وحماية الأملاك التركية في البحر الأحمر.

وفى تلك الظروف أخذت الأهرام تحث الجناب السلطانى على أن "يتساهل بعض التساهل فيرضى ببعض ما عدله ويترك البعض وبذلك نتوصل إلى حسم النازلة".

ولما يستمر الباب العالى في تباطئه تحذر الأهرام رجاله من غضبة الدول على المعاهدة أو "اللائحة بعد أن تفتحت" حسب تعبير الأهرام الذى نشر ترجمتها الكاملة في عدده الصادر يوم 24 نوفمبر عام 1888، وهى اللائحة الأولى والأخيرة التي جعلت من "حيادة بوغاز السويس" اتفاقًا دوليًا ينم عما لهذا البوغاز من أهمية ظلت تواكبه بامتداد تاريخه!


صورة من المقال: