ads

Bookmark and Share

السبت، 12 ديسمبر 2020

079 الفرمان العلي الشان

الفرمان العلي الشأن
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 26 يناير 1995م  - 25 شعبان 1415هـ


"أشرقت شمس هذا اليوم على وجوه باشة وثغور باسمة وأفئدة سارة وآمال حية يتأهب ذووها للاشتراك بمهرجان الاحتفال بتلاوة الفرمان السلطاني العلي الشأن والمؤذن بتولية أميرهم على الأريكة الخديوية المصرية مؤيدة الأركان".
كان هذا هو مطلع الوصف التفصيلي للاحتفال بتلاوة فرمان تولية الخديوى عباس الثاني الذي بعث به بشارة تقلا مدير تحرير الأهرام من القاهرة الى الجريدة بالإسكندرية يوم 14 أبريل عام 1892.
الاحتفال جرى في ميدان سراى عابدين الذي أحاطت به صفوف العساكر المصرية والانجليزية حيث أقيمت "ثلاثة شوادر مفروشة بالطنافس، وقف القناصل الجنرالية ومديرو الإدارات والمديريات ورؤساء دوائر الحكومة في الشادر الذي على يمين سلاملك السراى والرؤساء الروحانيون وأعضاء مجلس شورى القوانين في الشادر الذي على يساره، وأصحاب الجرائد ووكلائهم والأعيان والتجار الأوربيون والأعيان والتجار الوطنيون في الشادر الثالث الممتد أمام جناح السراي الأيسر"، وكان بشارة جالسا في هذا الشادر الأخير يرصد ويراقب ويكتب.
جاء فيما كتبه في صباح ذلك اليوم الخميس 14 أبريل أنه في الساعة العاشرة أقبل الخديوي من داخل السرای "يحف به البرنسات اعضاء العائلة الخديوية الكريمة ودولتلو مختار باشا الغازى والنظار".
من جانب "آخر أقبل حضرة صاحب الدولة أيوب باشا المبعوث السلطانی الحامل الفرمان الشاهانى العلي الشأن في عربة من عربات التشريفات الخديوية يقودها اربعة من الجياد فحيته العساكر جميعا بالسلام العسكری.. واستقبله في اعلى السلم الجناب الخديوى المعظم فقدم دولة المبعوث الشاهانى لسموه الفرمان العلي الشأن فاستلمه وقبله وأصدر اوامره الى حضرة المهمندار (التشريفاتى) سعادتلو شكرى بك بقراءته ففض ختامه الشريف وقرأه ثم قرأ من بعده الارادة السامية بوضع شبه جزيرة سيناء تحت ادارة سمو الجناب العالي".
بعد ذلك صدحت الموسيقى العسكرية بالسلامين السلطاني والخديوى واطلقت مدافع "القلعة العامرية " مائة طلقة وواحد ودخل الجميع إلى السراى حيث تناولوا القهوة والمرطبات. انصرف بعدها المبعوث السلطاني الى سراى المنيرة حيث كان يقيم وانتهت مع ذلك الطقوس الرسمية للاحتفال بتلاوة الفرمان العلي الشأن ولم يكن فرمانا عاديا!
أمران غریبان على الأقل يلفتان النظر في هذا الفرمان: أولهما الارادة السامية التي الحقت به والخاصة بسيناء، وثانيهما أنه قد فصل بين وصول برقية الصدر الأعظم في 9 يناير بصدور الارادة السنية السلطانية المتعلقة بإحالة "مسند الخديوية " الجليلة الى حضرة فخامتلو دولتلو عباس حلمی باشا أكبر انجال الخديوي المرحوم محمد توفيق باشا وذلك طبقا لفرمان الوراثة الخديوية وبين قراءة الفرمان بذلك يوم 14 ابريل أكثر من ثلاثة أشهر أو على وجه التحديد ستة وتسعون يوما، وكان لهذا التأخير اسبابه الأمر 
الذي احتل معه هذا الفرمان العلی الشأن مكانا بارزا في التاريخ المصرى الحديث، مما يشكل رواية من روايات هذا التاريخ تابعتها الأهرام بكافة تفاصيلها وعلى نحو قد لا نجده في غيرها من المصادر المتاحة!
***
في بداية الأمر، وبعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على "الارادة السنية" دون وصول "الفرمان العلي الشأن" بدأت الشائعات تتردد أن ثمة مشكلة، الأمر الذي دفع الأهرام الى القول في عددها الصادر في 5 فبراير بأن أخبار الأستانة الخصوصية أفادت أن "لا معارضة ضد الفرمان، بل أن التأخير بسيط وسيكون تماما كفرمان المرحوم توفيق باشا ويؤكدون أنه سيحمله صاحب الدولة المشير شاكر باشا".
بيد أنه مر الوقت دون وصول الفرمان، الأمر الذي أخذت معه الأهرام تبحث عن الأسباب، خاصة بعد أن تحدثت أكثر من مرة عن بشائر هذا الوصول وأنه وشيك!
عزت هذا التأخير أولا الى الاختلاف حول العادة القديمة بالإنعام بمبلغ هدية لحامل الفرمان، وهو المبلغ الذي كان يطلق عليه اسم "الحلوان" من قبل، "ونعرف من المشيرين أكثر من واحد دفع الف وخمسماية الى الفي جنيه هديه لحامل البراءة ومصر كانت تدفع في السابق فوق العشرين الف جنيه ودفعت الحامل فرمان ساكن الجنان فقيد الوطن توفيق عشرة آلاف جنيه" وهو الاختلاف الذي بدا من قول الأهرام أن السلطان رأي في استمرار هذه العادة "حطة في شرف الحامل لفرمانه فأصدر ارادته بإلغائها "، وأن الجدل دار حول هذه القضية في قصر يلديز(القصر السلطاني) هو الذي أخر وصول الفرمان!
عزته بعد ذلك الى رغبة أبداها السلطان أن يقوم الخديوي الجديد بزيارة الأستانة قبل صدور الفرمان لتقديم واجب الاحترام لحضرة الخليفة أمير المؤمنين". وأن الخديوي الشاب على استعداد لتلبية الدعوة رغم الشائعات التي ملأت العاصمة المصرية بأن "سموه لا يعرف متى يبرح الأستانة إذا زارها" مما اعتبرته الأهرام من أقول المرجفين المغرضين!
غير أن الحديث عن هذه الزيارة توقف بعد أن تدخلت سلطات الاحتلال البريطاني لمنعها، مما ادى الى الكشف عن الحقيقة في تأخير الفرمان وهي "أن يعرف الانكليز أن جلالة السلطان مطلق التصرف في بلاده يتصرف تصرف المالك الشرعي في ارضه سواء كان ذلك في مصر أو فيما بين النهرين: العراق فكلاهما واحد لديه وكان هذا الانكشاف بداية المعركة بين الأستانة ولندن وكان ميدانها قضية الحدود.
والقضية وإن بدت في جانب منها خلاف حول تبعية شريط من الأراضي ضاق حتى انحصر في هذا القسم المتاخم للساحل الشرقي لخليج العقبة، فيما عرف بخط العقبة، واتسع حتى ضم اغلب شبه جزيرة سيناء شرقى الخط الذي أراده السلطان بين رفح والسويس فيما عرف بخط الطور، إلا أنها كانت في الحقيقة صراعا بين السيادة الفعلية التي أصبحت لبريطانيا بعد الاحتلال والسيادة القانونية التي كانت للدولة العلية منذ مطلع القرن السادس عشر وهو صراع استخدم فيه كل طرف ما يملك من أدوات.
وقد أدركت الأهرام ماهية هذا الصراع وجهرت بانحيازها الى السلطة القانونية فيما عبر عنه مدير الجريدة في مقال طويل له في العدد الصادر يوم 24 مارس عام 1892.. قال:
"لسنا نلوم الانكليز فهم لا يخدمون إلا مصلحتهم، بل تمتدح رجال السلطنة لأنهم أدركوا سر المسألة فنبذوا المطالب المجحفة بحقوق الأمة والوطن ونحن نعلم علم اليقين أن المصريين كلهم مرتاحون من سياسة الخليفة أمير المؤمنين ".
الأداة الأساسية للضغط من جانب الاستانة كانت بالتمسك بخط الحدود الذي جاء في فرمان 1841 بحرمان مصر من خط العقبة وتوابعه وخط الطور وتوابعه بالوصول إلى السويس فيما وصفت الأهرام خطورته بقولها "ولا خفاء ما للطور من الأهمية سياسيا فإن صاحبه يضع يده على مدخل بوغاز السويس وفي ذلك من الأهمية لمثال انكلترا البحرية قوة والهندية استعمارا ما لا يفوت العاقل البصير"!
أما الأداة الأساسية للضغط من جانب حكومة لندن فقد كانت القوة حين بادرت الى تجميع قطعها البحرية في البحر المتوسط في الاسكندرية في رسالة تهديد واضحة لحكومة الأستانة لم يملك السلطان معها إلا القول انه سيتجنب "مثل هذه المظاهرات العظيمة ولذلك فهو سيرسل الفرمان عن طريق بورسعيد والأسمعيلية بحيث تضطر السفن الانكليزية الى أن تبرح الاسكندرية وترسو في مياه بورسعيد"
ضغطت حكومة لندن ايضا على الباب العالي من خلال الترويج بأنه ليس أحب اليها من تأخير الفرمان بحكم ما سيؤدي اليه من أن "سمو الخديوى عباس باشا يتصرف في سلطته من غير حاجة الى تثبيت مولاه له وانه ليس اشهى لانكلترا من ان ترى خديو مصر وشعبها يتعودون على ألا تكون لهم علاقة بالاستانة العلية ولم تلبث أن أثمرت هذه الضغوط".
ورغم تمحك الباب العالي أن وصول الفرمان قد يتأخر إلى ما بعد نهاية شهر رمضان المبارك عام 1309 الذي كان قد بدأ يوم 29 مارس عام 1892م، فإن الأخبار اخذت تتوالى بتعيين المشير أحمد باشا ايوب والوفد المرافق له لحمل الفرمان وأن الباخرة المعينة لحمل دولته قد برحت الاستانة قاصدة ثغرنا حسبما جاء في الأهرام الصادر يوم 31 مارس، تبعته الصحيفة بعد ذلك بيومين بخبر مؤداه أن الباخرة تصل الى الاسكندرية مساء الاحد 3 أبريل والراجح أن الاحتفال بتلاوته بمصر سيتم يوم الأربعاء.
وتأخر وصول اليخت "عز الدين" الى فجر يوم الاثنين حين ظهر أمام بوغاز الاسكندرية، فأفادت مصلحة المنارات بذلك سعادة محافظ الثغر الذي تولى بموجب الأمر الكريم ترتيب حفل اللقاء، وعند الساعة السادسة دخل اليخت البوغاز وكانت جميع السفن المصرية الراسية في الميناء مزدانة بالأعلام والرايات العثمانية.
وتستطرد الأهرام في وصف استقبال الوفد الشاهانی فتقول انه في "السابعة والنصف رسا اليخت في المكان المعين له وكان في انتظاره بالزوارق المخصوصة وبالملابس الرسمية اصحاب السعادة محافظ الثغر والمهمندار وقومندان الدارعة محمد على وكبار ضباط البحرية وحضرات الياوران الكرام وأطلقت الدارعة محمد علی 21 مدفعا".
وبعد متابعة المزيد من ألوان "الاستقبال الفخيم" الذي كان قد تم إعداده للمشير أيوب باشا ومن بصحبته وصفت الأهرام موكبه من رأس التين الى المحطة حيث "كانت السكة مرشوشة مكنوسة والبوليس وقف على جانبيها للقيام بواجب اللقاء وكانت شرفات المنازل والدكاكين مزدانة وكانت المحطة مزينة مفروشة.. وعند الساعة العاشرة تحرك القطار من المحطة فأطلقت طابية كوم الدكة 21 مدفعا وسافر القطار على الطائر الميمون".
لم ينته وصف الأهرام عند هذا الحد، فقد انتشر مندوبو الصحيفة على كل المحطات التي سيمر بها قطار المشير.. مندوب دمنهور يبرق "قوبل دولتلو المندوب العثماني الحامل الفرمان الشاهانی بعظمة ووقار" ومندوب طنطا اجرى استقبال دولة المبعوث الشاهانی بغاية الاحتفاء والاحتفال من الهيئة الملكية والعسكرية " ومندوب بنها "كان الاحتفال باستقبال القطار المقل دولتلو ايوب باشا بالغا حد الإتقان والنظام" حتى وصل الى محطة مصر حيث كان بشارة تقلا بين المنتظرين. وقد تولى منذ الساعة الثانية والدقيقة الخامسة من بعد ظهر يوم الثلاثاء 5 أبريل متابعة ما جرى بشأن تلاوة "الفرمان العلي الشأن، وكانت متابعة شديدة الاثارة!
***
ثلاثة تلغرافات بعث بها مدير تحرير الأهرام من القاهرة في أقل من ساعة بين التاسعة و15 دقيقة والعاشرة و5 دقائق من صباح يوم الأربعاء 6 أبريل عام 1892 حملت نذر الأزمة الشهيرة التي جرت حول تلاوة الفرمان العلی الشأن.
التلغراف الأول حمل الخبر بأن "الجناب السلطاني لا يرفض رجاء مصر بترك ادارة الطور لها وأما العقبة وحصون خطها فتضاف الى ولاية اليمن ".
جاء في التلغراف الثاني: "اتضح ان سفير انكلترا بالأستانة العلية لم يطلع على البرلمان فأطلع اللورد سالسبورى وزير الخارجية بذلك وهكذا أمر السير بارنج بأن يعارض في تلاوة الفرمان الى ما بعد الوقوف على نصه أولا، وإلى ان تصدر إرادة سلطانية بترك إدارة الطور لمصر كالسابق ثانيا".
أما التلغراف الأخير فقد بدا منه اتخاذ القضية لطابعها الدولي حين اجتمع "حضرة قنصلى فرنسا والروسيا الجنرالين مع الخديوي وناظر الخارجية والمندوب السامي العثماني وتخابروا معهم في أمر الفرمان".
تكشف الأهرام في اليوم التالى أسرار الاتصالات خلال الساعات الأربع والعشرين التي تلت وصول تعليمات وزير الخارجية البريطانية.
* اجتمع السير بارنج بالخديوي واطلعه على تلغراف سالسبورى وطالبه أن يرفض قراءة الفرمان وإن انجلترا سوف تدعم موقفه فجاءت اجابة عباس بأنه لا يستطيع ان يرفض الفرمان واذا كان لإنكلترا علل فلتخابر الأستانة وأن سموه لا يقابل نعمة جلالة السلطان بإرساله الفرمان بنكران الجميل، ولا سيما وأن مثل هذه الخطة تعد عصيانا عند جميع المسلمين".
* أعقب ذلك اجتماع بارنج برئيس النظار مصطفى فهمي الذي اجتمع في اليوم التالى هو والنظار مع الخديوي تقرر بعدها "تأخير القراءة بضعة أيام للتوفيق بين مطالب السلطنة السنية وانكلترا".
* في نفس الوقت كان الخديوي والنظار يستدعون "قناصل الدول العظيمة" ليخابروهم في المسألة وطلب الخديوى منهم "أن يوسطوا سفراءهم في الاستانة لحسم الخلاف بين الدولة العلية وانكلترا وعرفت انهم أجابوا طلبه.. والمأمول حسم النازلة على ما عرضه المختار بإضافة خط العقبة لولاية اليمن وبقاء خط الطور لمصر كالماضي ونحن ننتظر الجواب السلطانى الى صباح الغد".
* جاءت الأخبار خلال ذلك أن سفيري روسيا "نیلدوف" وفرنسا "كامبون" في العاصمة التركية تمكنا أن يحصلا من السلطان على وعده الصادق وإرادته الكريمة ببقاء ادارة الطور لمصر كما كانت لأجداد سمو الخديوى الحالي وسألهما ابلاغ ارادته هذه الى الجناب الخديوي بواسطة حضرات قنصليهما الجنرالين.
* في تلك الأثناء زادت تحركات الاساطيل في البحر المتوسط والتي لم تقتصر على الأسطول البريطاني، فقد شارك الفرنسيون في تلك التحركات حين أبحر اسطولهم من بيروت الى مياه بورسعيد وأشارت الأهرام الى أن أميرال وضباط العمارة الفرنسية سيحضرون الاحتفال بقراءة الفرمان العالى الذي سيحتفل به إما الأحد أو الاثنين 10 و11 ابريل ".
وبدأت الأزمة في الانفراج بعد أن ابرقت الصدارة العظمى الى مختار باشا ما مضمونه "أن خطوط البحر الاحمر لا تدخل في اراضي مصر المعطاة بالفرمانات السلطانية.. وقد استرجعنا حصن الوجه من نحو خمس سنين ثم ضبا والمويلح من أشهر وأضفناها الى ولاية الحجاز، وأخيرا امرنا بإضافة العقبة وحصنها وخطها للحجاز ايضا وأما خط الطور وإدارته فتستمر على حالتها الراهنة" غير أن هذا الموقف السلطاني لم يرق تماما لحكومة لندن، التي ارادت أن يكون كل شي محددا!!
أرادت اولا نشر الفرمان العلي الشأن بترجماته الفرنسية والعربية وقد قامت الأهرام بنشر نصه العربي الكامل، وقد سجل السير بارنج الاختلاف الذي ورد بين النص الفرنسي للفرمان الصادر لتوفيق والفرمان الذي جاء لعباس.
ففي كتاب وجهه المعتمد البريطاني لناظر الخارجية المصرية جاء ما نصه: ترون سعادتكم ان الفرمان يتضمن فقرة بخصوص حدود مصر لم تذكر في الفرمان الصادر الى المغفور له محمد توفيق باشا الخديوى السابق، فقد جاء فيه أن عظمة السلطان يسند الى سمو الخديوي "خديوية مصر كما هي مؤلفة من حدودها القديمة مع الأراضي الملحقة بها" أما الفرمان الحالي فمذكور فيه "أن الخديوية المصرية بحدودها القديمة المبينة في الفرمان الشاهانی المؤرخ في 2 ربيع الثانى سنة 1257 - 13 فبراير 1841 وفي الخريطة الملحقة بالفرمان المذكور مع الاراضي المضافة طبقا للفرمان الشاهاني العالي الصادر في 15 ذي الحجة سنة 1281 هجرية قد عهدت الى فخامتكم "وقد وردتني تعليمات من حضرة ناظر خارجية انكلترا بأن استلفت نظر سعادتكم الى هذه المغايرة وما اذا كانت قد وردت ايضاحات في شأن ذلك من الباب العالى الى الحكومة المصرية".
وكان قصد سلطات الاحتلال البريطاني من هذا الكتاب أن تحصل على الرد من الحكومة المصرية متضمنا الارادة السلطانية التي تضمنتها برقية الصدر الأعظم المرسلة إلى الخديوى في 8 أبريل حتى تكتسب صفتها الدولية ولا تكون مجرد ترتيب بين الاستانة والقاهرة يمكن أن ترجع فيه الاولي أي وقت.
وجاء في رد ناظر الخارجية المصري ما اراده بارنج من أن "فخامة الصدر الاعظم قد أرسل الى سمو الخديوي ارادة من جلالة السلطان المعظم بطريق التلغراف يعده فيها اليه كما عهد الى سلفائه ادارة شبه جزيرة طور سيناء وهذه الارادة التي تجدون نسختها طيه قد أرضت سمو الخديوى كل الرضي".
ولمزيد من وضع الدعائم الدولية التي سعت الى ارسائها سلطات الاحتلال لخط الحدود المصري مع الأراضي العثمانية في الشرق وبعد اتصالات مع باريس وبطرسبرج، صدرت ثلاث وثائق نشرتها الأهرام.
الأولى على شكل كتاب وجهه قنصل فرنسا الجنرال في القاهرة لناظر الخارجية المصري جاء فيه أن "حكومة الجمهورية الفرنسوية لما كانت قد اطلعت رسميا على صورة فرمان التولية لسمو عباس باشا حلمي، وعلى الارادة الشاهانية المتعلقة بشبه جزيرة سيناء قد كلفت سفيرها لدى الباب العالى بأن يعتمد على هذين الأمرين العاليين".
الكتاب الثاني وجهه القنصل العام الروسي في القاهرة المسيو كويندر الى ناظر الخارجية المصرى ايضا ويحمل نفس المعنى.
الكتاب الأخير وجهه السير ايفلين بارنج نفسه للناظر ذاته وكان أكثر تفصيلا، أرسي في جانب منه مبدأ أنه "لا يمكن حدوث تغيير في الفرمانات المقررة بها الصلات بين الباب العالي ومصر بدون رضاء حكومة جلالة ملكة بريطانيا العظمى".
أرسى في جانب آخر حدود مصر الشرقية "بخط وهمي الى الجنوب الشرقي مبتدئا من مسافة قصيرة من شرقي العريش الى خليج العقبة. وأما حصن العقبة الكائن شرقى الخط المذكور فتابع لولاية الحجاز". 
أرسى في جانب أخير العلاقة العضوية بين "الفرمان العلي الشأن" وبين الارادة الشاهانية التي تضمنها تلغراف فخامة الصدر الأعظم الوارد بتاريخ 8 أبريل.
وانتهى من كل ذلك الى القول بأنه "لا معارضة في قراءة الفرمان رسميا مضافا اليه التلغراف التوضيحيى البادي ذكره"، وهو ما حدث يوم 14 أبريل. ولنقرأ الموضوع من أوله.