ads

Bookmark and Share

السبت، 31 أغسطس 2019

050 "الجوق الوطنى"

"الجوق الوطنى"
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 7 يوليو 1994م - 28 محرم 1415هـ

كشفت الأهرام عن أن البداية الجنينية للمسرح المصرى كانت آخذة في التكوين في منتصف ثمانينات القرن الماضى، وهى البداية التي تابعتها الصحيفة بإصرار ملحوظ.
ونرى صناعة المجتمع المدنى التي كانت تتم بخطى ثابتة إبان عصر إسماعيل قد اكتسبت زخماً إضافياً خلال الثمانينات، انعكست على تاريخ المسرح، ولأسباب عديدة:
الدور المؤثر الذى لعبته الجاليات الأوربية التي تزايد حجمها في ظل الاحتلال والتي قام أبناؤها ببناء العديد من المسارح التي بدأت في الإسكندرية، ثم انتقلت إلى القاهرة.. زيزينيا، الفيرى، البوليتياما وغيرها.
توجه الدولة إلى تشجيع هذا الفن وكان بناء دار الأوبرا المصرية في أواخر الستينات استعداداً لاحتفالات قناة السويس نقطة بدء في دور الحكومة المصرية في دعم المسرح، وهو دور كانت تزداد مساحته أحياناً، وتتقلص أحياناً أخرى، ولكنه لم يتوقف أبداً.
تطور طبقة الأفندية واتساع قاعدتها مع مرور الأيام والتي لم تعد وسائل الترفيه القديمة تلائمها، سامر المقهى أو خيال الظل، وكانت على استعداد أن تتقبل الفن الجديد.. فن التشخيص، وتقصد مسارحه أو (ملاعبه) بلغة العصر!
وانطلاقاً من هذه الحقائق الثلاث يمكن ترتيب جملة الأخبار التي عنى الأهرام بنشرها خلال منتصف الثمانينات أعواد 1885 ، 1886 ، 1887، والتي تؤكد صحة ما ذهبنا إليه من تشخيص بأن تلك الفترة قد عرفت بدايات التكون الجنينى للمسرح المصرى.
***
يتفق من أرخوا لهذا المسرح على أنه مع نهاية عصر إسماعيل حدث اجهاض للمحاولة الأولى لمولده.. فرقة نقاش التي جاءت من الشام عادت بعد فترة قصيرة بعد أن غضب عليها الخديو حين قامت أمامه بتشخيص رواية "الطاغية" فرأى أنها تعريض بشخصه، وهى نفس الرواية التي استمرت الفرق الشامية بعد أن غيرت اسمها فأصبح "الظلوم"!. وبعد أن تمت الإطاحة بمحاولة يعقوب صنوع (1870 – 1872) وخروج الرجل نهائياً من البلاد مصحوباً بغضب ولى النعم!
يتفقون أيضاً على أن سنوات ستاً قد انقضت بين خروج نقاش (1878) وبين أواخر عام 1884 حين عادت بعض الأجواق تفد من الشام، ولكن على حذر، غير أن هذه الوفود اتسع نطاقه خلال السنوات التالية وصنع بوادر الحمل للمسرح، ولم يكن حملاً كاذباً هذه المرة!
ويعزى الجفاف الفني لتلك السنوات لأسباب عديدة، سياسية: بالفترة العاصفة التي شهدت خلع إسماعيل، ثم الثورة العرابية فالاحتلال البريطاني فيما عرفته البلاد في نحو ثلاث سنوات، الأمر الذى لم يتوافر معه الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب لصناعة الجنين، واجتماعية: نشأت عن نزوح أجنبى واسع مع قيام الثورة في البلاد مما كان يتطلب وقتاً لعودة هؤلاء بمصالحهم الاقتصادية ومفردات حياتهم بما فيها المسرح فضلاً عن أن ما أصاب مصر من انتشار الكوليرا عام 1883، وفى أعقاب الاحتلال بشهور قليلة، قد دفع هؤلاء إلى إرجاء عودتهم، كما دفع في نفس الوقت الأجواق الشامية التي كانت تتهيأ للقدوم إلى الانتظار حتى تنزاح الغمة!
المهم أن أخباراً متناثرة أخذ ينشرها الأهرام في أواخر عام 1884 عن نشاطات ما أسماه "الجوق العربى" والتحديد في نوفمبر من تلك السنة، كان يقول في أحد أعداده أنه قام "بتمثيل رواية لباب الغرام تمثيلاً ارتاح إليه الحضور كل ارتياح"، وكان يقول في عدد آخر أنه مثل رواية شهيرة "فأجاد المشخصون كل الإجادة وأحكموا أدوار التمثيل فصفق له الحضور"!
أخذت هذه الأخبار في التزايد خلال العام التالى وإن كان ينبغي قبل استقرائها التنبيه إلى حقيقة، وهى أن المسرح في مصر ولد إيطالياً (ريجوليتو وعايدة كانتا أول ما تم تمثيله في دار الأوبرا) ثم أصبح ذا طبيعة أوربية، هي طبيعة استمرت تحتل جانباً أهم من هذا المسرح.
فقد استمرت مصر تستقبل خلال السنوات التالية الفرق المسرحية الأجنبية: فرنسية، إيطالية، يونانية، أرمنية، أسبانية وأمريكية، وكانت كثافة وجود هذه الفرق مرهونة بأعداد المتفرجين.
أعداد المتفرجين تحكم فيها حجم الجالية الأجنبية، وإن لم يكن الاعتبار الوحيد، فمع أن اليونانيين كانوا يشكلون أكبر تكل الجاليات في مصر إلا أن فرقهم المسرحية كانت فيما تشير إليه أخبار الأهرام، أقل الفرق وفوداً.
يعزى ذلك في تقديرنا لسببين أولهما مدى النهضة المسرحية في البلد التي تفد منها تلك الفرق. وثانيهما وجود قاعدة من المتفرجين المصريين تتفهم لغة هذه الفرق وتقبل على مشاهدتها، ولقد تمتع الفرنسيون بهاتين الميزتين مما أتاح لهم وجوداً مسرحياً قوياً في مصر إبان تلك السنوات وبعدها.
وتسجل صفحات الأهرام الحجم الملحوظ للوجود الفرنسي فى المسرح المصرى من جملة الأخبار التي ساقتها خلال شتاء عامي 1885 و1886. فبينما تشير تلك الأخبار إلى زيارات خاطفة لسائر الفرق الأجنبية فإنها تشير إلى مواسم كاملة تقيمها الفرق الفرنسية، وتشير في نفس الوقت إلى تنوع هذه الفرق فيما جاء في العدد الصدار يوم 8 نوفمبر عام 1886 من أن "الجوق هذه السنة أحسن من السنة الماضية"، وتشير كذلك إلى أن الفرقة الوحيدة التي سمتها الصحيفة "بجوق الأوبيرة" كانت الفرقة الفرنسية، مما ينم عن درجة الاستقرار والانتظام التي تمتعت بها، ثم يشير أخيراً إلى ما كانت تلقاه هذه الفرق من اقبال وصل إلى درجة تردد الخديوى نفسه على عروضها.
يسجل الأهرام ذلك في عدده الصادر يوم 2 ماس عام 1886 والذى جاء فيه: "مثل أمس جوق الأوبيرة رواية عايدة فأجاد وأتقن بحيث كانت المناظر غاية في البهجة واللطافة وبلغ المغنون والمغنيات حد الاعجاز وكان الجناب العال حاضراً فسر مما رأى ولا غرو في ذلك فإن الجوق من نخبة المشخصين والمديرين من أصحاب هذا الفن نسأل الله لهم التوفيق جميعاً"!
ومع هذا الحضور القوى للفرق الأجنبية كان مطلوباً تمييز الفرق الشامية التي أخذ حضورها يتزايد خلال تلك الأعوام (1885 – 1887) فأطلق عل أي منها في البداية "الجوق العربى" ثم خص الأهرام احداها باسم "الجوق الوطنى"، وكان للصحيفة أسبابها في اطلاق هذه التسمية مما دفعنا إلى اعتباره بداية التكون الجنينى للمسرح المصرى.
***
ثلاثة أجواق شامية ترددت على مصر خلال شتاء 1885 – 1886 والشتاء الذى يليه هي جوق يوسف أفندى خياط وجوق الشيخ أبى خليل القبانى وأخيراً جوق سليمان أفندى قرداحى، وبينما اشتركت الفرق العربية الثلاث في كثير من القسمات، فإن الفرقة الأخيرة تفردت بقسمات خاصة.
جانب من هذه القسمات متصل بالموسم المسرحى، وجانب آخر خاص بدور العرض، وثالث متعلق بطبيعة جمهور المسرح، ورابع بشكل العروض.
مواسم المسرح المصرية خلال تلك السنوات كانت بالأساس شتوية تبدأ في أوائل أكتوبر وتنتهى في أوائل مايو من العام التالى، أي تستغرق نحو سبعة شهور.
نتبين ذلك من أخبار الأهرام التي كانت تشير إلى بدايات نشاطات تلك الأجواق ونهايتها.
فهذا إعلان عن أن فرقة يوسف افندى خياط ستقدم ليلتها الختامية التي سيحضرها كبار القوم تاريخه 7 مايو 1885.
وهذا خبر عن جوق سليمان أفندى قرداحى الذى "استوفى جميع معداته اللازمة وتمرن أحسن تمرين سيشرع في إحياء أربع ليالى فى الثغر" نشر بتاريخ 5 أكتوبر من نفس العام.
نتبينه أيضاً من حركة سفر وقدوم تلك الأجواق فيما جاء في هذا الخبر المنشور في 27 أكتوبر عام 1885 بأنه "عاد إلى قطرنا على الوابور الفرنساوى جناب الفاضل الشيخ أبى خليل القبانى الدمشقى يصحبه جوقة العربى المنظم لكى يأخذ في إدارة التمثيل بين مصر والإسكندرية فهنئهم بسلامة الوصول"!
ويعزى اقتصار المسرح العربى في مستهل تاريخه في مصر على الموسم الشتوى لأسباب عديدة: التآسى بالمسرح الأوربى الذى كان يمارس أغلب نشاطه خلال هذا الفصل، بحكم أنه فصل القدوم من الشمال البارد(!)، ثم أن فصل الصيف كان يعرف ذهاباً إلى الشمال من فئة عريضة من كبار المصريين الذين كانوا غالباً ما يقضون هذا الفصل في باريس أو على سواحل الريفييرا أو استنبول أو بيروت، مما كان يعنى غياب الجانب الأهم من جمهور هذا المسرح، فضلاً عن هذا فإن مصر حتى تلك السنوات، بل وإلى ما بعد ذلك، بعقود عديدة لم تكن قد عرفت بعد السياحة العربية التي تنشط في الصيف، وتوفر للمسرح جمهوراً يسمح له بموسمين بدلاً من موسم واحد!
يقودنا ذلك إلى قضية الجمهور خلال تلك السنوات، وفى البداية تعددت الشكاوى من قلة الإقبال فيما استمر يسجله الأهرام، فيقول في تعليق له على إحدى ليالى جوق خياط: "لم يكن هناك ما يلاحظ إلا شكوى بعض اللوجات والكراسى من قلة المشرفين على حين لم يكن ثم مانع فالمقام جميل والممثلون بارعون وأسعار الأوراق طفيفة جداً"!
ويداوم الأهرام مناشدة الجمهور على الإقبال على هذا الفن البديع وأن يتسابقوا على ابتياع تذاكر الدخول ترويضاً للأنفس"، وهو يشير في هذه المناسبة إلى ما عمد إليه مدير جوق خياط بخفض "أسعار الدخول فجعل البنوار بسعر 20 فرنكاً ولوج الدرجة الأولى بسعر 15 فرنكاً ولوج الدرجة الثانية بسعر 5 فرنكات والفوتيل بسعر 4 فرنكات والدخول العمومى بسعر فنركين وهى أسعار زهيدة جداً"!
بيد أن هذه الشكوى التي استمرت تتردد خلال موسم 1884 – 1885 أخذت تتوارى خلال الموسمين التاليين وأخذنا نقرأ عبارات مثل القول: "كان المسرح غاصاً حتى لم يعد يسع من كثرة الحضور"، أو القول "كان الحضور كثيرين حتى تجاوز عددهم الألفين وكانوا كلهم مسروراً من التمثيل"، وما إلى ذلك من أقوال، وتشير تعليقات الصحيفة إلى أن الإقبال كان يتزايد على المسرحيات الكوميدية، أو "الروايات المضحكة" بتسمية العصر، وأن التصفيق كان يتوالى مع تعاقب فصول هذا النوع من المسرحيات، بيد أن هذا لم يمنع مندوب الصحيفة من انتقاد بعض سلوكيات الجمهور كأن يعلق على إحدى الليالى التي حضرها بقوله: "اننا نود لو منع التدخين والضوضاء فانهما يضيقان الأنفاس ويصمان الآذان"!
أما المسارح التي مارست على هذه الفرق نشاطاتها، فقد كانت تبدأ في العادة في الإسكندرية على تياترو زيزينيا أو تياترو البوليتيا ما لينتقل بعدها إلى القاهرة للتشخيص إما في "الأوبيرة الخديدية" أو مسرح "البولتيياما في المحروسة" أو "تياترو الأزبكية"، بيد أنه لما كانت تضيق المسارح القائمة بالفرق كان بعضها يلجأ إلى مسارح أخرى ليس لها نفس شهرتها، فعندما تأخر جوق القبانى في تقديم موسمه إلى منتصف نوفمبر عام 1885 لم يجد بالإسكندرية سوى "تياترو الدانوب المعروف بقهوة سليمان بك رحمى بجوار شادر البطيخ"!
وبالنسبة للأوبرا يقدم الخبران اللذان نشرهما الأهرام خلال شهر مارس عام 1885 نموذجاً للدور الحكومى في تشجيع العمل المسرحى..
الخبر الأول جاء فيه أن "سمو الخديوى المعظم تكرم على حضرة البارع مدير فريق الروايات العربية يوسف أفندى خياط بأن أذن له في التشخيص بتياترو الأوبرا الخديو شهرا كاملاً أوله 5 أبريل وختامه 4 مايو".
الخبر الثانى بعد أسبوعين وجاء فيه: "قرر مجلس النظار أن تدفع الحكومة ثمن الغاز مدة شهر الذى سيمثل فيه فريق جناب النبيه يوسف أفندى خياط في الأوبيرة"، بمعنى أن الدولة لم تكتف بإعطاء الجوق الأوبرا وإنما تكلفت بنفقات الإضاءة التي كانت حتى ذلك الوقت بالغاز!
يبقى ما يتصل بالمسرحيات التي كانت تقدمها تلك الأجواق، وقد أفاض الأهرام في الحديث عنها والذى نخرج منه بجملة ملاحظات:
الأولى: لم يقتصر أي جوق على تقديم مسرحية واحدة في الموسم مما تشى به "بروجراماتها" التي كان يقوم الأهرام بنشرها نختار منها "بروجرام التياترو العربى على مسرح زيزينيا خلال شهر فبراير 1885، وننقله بنصه:
"الخميس 5 فبراير رواية مضحكة ذات فصل واحد، السبت 7 منه: رواية شالمان ذات أربعة فصول يتبعها تمثيل رواية مضحكة ذات فصل واحد الخميس 12 منه رواية الكاذوب ذات ثلاثة فصول مضحكة، الخميس 19 منه: رواية الخل الوفى ذات ثلاثة فصول مضحكة، السبت 21 منه: رواية أندروماك ذات خمسة فصول يتبعها تمثيل رواية مضحكة ذات فصل واحد".
ربما كان الأهم من ذلك، الكشف الذى تقدم به جوق قرداحى إلى "قومسيون الأوبرا بديوان الأشغال العمومية" في أوائل مارس عام 1886 عن عدد الروايات التي سيقدمها خلال الشهر المصرح له به فبلغت 17 رواية!
الثانية: أن أغلب هذه الروايات مأخوذة عن نصوص فرنسية تم تعريبها واحتفظت أحياناً بأسمائها الأصلية وأعط لها أحياناً أخرى أسماء عربية.
الثالثة: أن المسرحيات التراجيدية كانت لا تلقى اقبالاً فيما يبدوا من جمهور النظارة الأمر الذى اقتضى إضافة رواية كوميدية قصيرة للبروجرام الذى يمثل فيه هذا النوع من الروايات، فضلاً عن ذلك تشير أخبار أخرى إلى تنوع المحاولات لاجتذاب الجمهور بتقديم فصول من التمثيل الصامت، أو "البانطوميم" بلغة العصر، أو تخصيص جانب من العرض لأحد مطربى العصر المشهورين، عبده الحامولى بالقاهرة، وسلامة حجازى بالإسكندرية.
وقد أفاض الأهرام في الحديث عن الرجلين، خاصة الأول والذى لقبه "بالبلبل المصداح"، ويبدو ما لوجود الرجل من تأثير على الإقبال من عدد من الأخبار منها ما جاء عن ليلة 9 يناير عام 1885 بالأوبرا من أنه في "أثناء التمثيل لبى نداء الجمهور جناب البلبل المصداح عبده أفندى الحامولى فشنف الشمع بالأنغام واستمر الاحتفال إلى ما بعد منتصف الليل بساعتين"!، ومنها أيضاً رجاء مراسل الجريدة في العاصمة "جعل موعد الطرب لجناب البلبل المصداح عبده أفندى بعد الفصل الأول من الرواية"!
***
الموسم الذى قدمه جوق "سليمان افندى قرداحى" خلال شتاء عام 1885 أضاف قسمات جديدة لتاريخ المسرح المصرى، وكان لها دلالاتها..
من هذه القسمات أن الجوق المذكور مع ارتباطه باسم قرداحى فإنه أرسى مبدأ "الشركة التمثيلية"، فيما جاء في خبر الأهرام من أن "حضرة سليمان أفندى قرداحى ومراد أفندى رومانو اتفقا على عقد شركة بينهما من أجل تقديم عدة روايات.. وبذلا المصاريف الفادحة في سبيل إعداد المعدات اللازمة وتنظيم جوق من خيرة المتخصصين والمتخصصات وتدريبهم على أساليب التشخيص وأفانين الغناء"!
منها أيضاً أنه لم تحظ فرقة مسرحية برعاية الخديو توفيق بقدر ما حظيت به الفرقة المذكورة خلال الموسم الذى قدمه على مسرح الأوبرا خلال عام 1886 حتى أنه حضر سبعة من عروضها في الفترة من 20 مارس و 24 أبريل عام 1886، وليس من شك أن تعدد مرات هذا "الحضور السامى" انما نتج عن نجاح الليالى التي كانت تقدمها الفرقة المذكورة.
منها ثالثا: أن هذا الجوق كان من الفرق القليلة التي خصصت ليالى لأغراض خيرية، وكانت هذه العروض تتمتع برعاية أحد أمراء الأسرة الخديوية كتلك الليالى التي أقامها في الأوبرا يوم 16 مارس 1886 لتشخيص رواية "حفظ الوداد ودخلها مخصص لصندوق جمعية التوفيق الخيرية تحت حماية دلتلو البرنس محمد على".
منها كذلك أنها أول فرقة مسرحية تقدم عروضاً خارج الإسكندرية والقاهرة فقامت خلال شهر ديسمبر عام 1886 بجولة زارت فيها كلا من الزقازيق وطنطا والمنصورة.
منها خامساً أسباب التمصير التي أخذت في الدخول على هذا الجوق والذى سجلته مجموعة من أخبار الأهرام..
بعض هذه الأخبار أشارت إلى الاستعانة بالمشخصاتية المصريين جنباً إلى جنب مع من استقدمهم قرداحى معه من الشام، أكثر من ذلك الخروج عن المألوف في تقديم الروايات المعربة وتأليف روايات ذات طبيعة مصرية فيما قدمه الخبر المنشور في الأهرام في 22 أبريل 1886 عن رواية "ذات الخدر" وهى "رواية مقتطفة عن بعض عوائد القطر المصرى بقلم البارع سعيد افندى البستانى".
لعل ذلك ما دعا إلى التغييرات المتعددة التي دخلت على اسم الجوق فيما سجله الأهرام، أولاً: الجوق العربى، وهى التسمية التي أطلقت على سائر الفرق الشامية، ثم الجوق المصرى العربى الذى غيره بعد ذلك ليصبح الجوق الوطنى العربى لينتهى إلى اسم "الجوق الوطنى"، وكانت أول فرقة مسرحية تستأثر بهذا الأسم.
ولعله ثانياً هو الذى دعا أحد قراء الصحيفة، واسمه يعقوب نوفل إل كتابة مقال طويل في العدد 2402 الصادر يوم 24 ديسمر عام 1885 يتحدث فيه عما ركبه الله في العرب من "الذكاء والنخوة والكرم" وأنه قد حان الوقت لتأسيس ما أسماه "بالجوق العربى الدائم" والتي كانت بمثابة أول دعوة لإنشاء "المسرح القومى" وهو الأمل الذى تحقق لقارئ الأهرام وإن تطلب بعض الوقت!
ولعله أخيراً هو الذى دفعنا في مستهل هذه الحلقة من الديوان إلى القول بأن تلك السنوات من منتصف الثمانينات عرفت البدايات الجنينية للمسرح المصرى!.

صورة من المقال: