ads

Bookmark and Share

الخميس، 4 يوليو 2019

049 البارع سكرتير الأنتكخانة الخديوية

البارع سكرتير الأنتكخانة الخديوية
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 30 يونيو 1994م - 21 محرم 1415هـ

"الأثرى الأول في مصر" لقب أطلقه المؤرخون على شخصية قد لا يعلم عنها الكثيرون شيئاً.
هذه الشخصية هي "أحمد باشا كمال" (1849 – 1923) والذى ارتأى من تناولوه بالدراسة أنه يستحق هذا اللقب باعتباره الرائد المصرى الأول في ميدان الآثار بعد أن اقتصر هذا الميدان لفترة غير قصيرة على الأجانب، خاصة الفرنسيين والانجليز والأمريكيين.
استحق أحمد كمال اللقب ثانياً بحكم اسهاماته في علم المصريات، وهى اسهامات تعددت مناحيها، من كتب ودراسات وأبحاث، إلى جهود في المتاحف والحفائر والرحلات الاستكشافية والتفتيشية، وانتهاء باحتضان الدارسين المصريين لآثار بلادهم الأمر الذى أدى إلى تأسيس المدرسة الأثرية المصرية، فيما عدده عالم الآثار المعروف الدكتور جمال مختار في دراسة له عن الرجل نشرت منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وكان من بين ما تنبه إليه من تناولوا تاريخ أحمد كمال بالدراسة عكوفه على نشر عديد من مقالاته في المجلات السيارة مثل المقتطف أو في الدوريات العلمية مثل مجلة الجمعية الجغرافية الخديوية ومجلة المجتمع العلمى.
غير أن من بين ما لم ينتبهوا إليه أن أول نشر للرجل كان في الأهرام خلال عام 1886 وإذا كان الإمام محمد عبده الشخصية المصرية رقم (1) التي احتلت مكاناً مرموقاً في "ديوان الحياة المعاصرة" فإنه يمكن اعتبار أحمد باشا كمال الشخصية رقم (2)، ولم يكن بعد باشا أو حتى بك.. كان مجرد "حضرة الأديب البارع أحمد أفندى كمال سكرتير الأنتكخانة الخديوية"، كما كان يقدمه الأهرام في مقالاته التي كان ينشرها له.
وتحظى علاقة "الأثرى الأول" مع الأهرام بأهمية خاصة، سواء لأنها تشكل صفحة مجهولة في تاريخ الطرفين.. الرجل والديوان، حتى هذه اللحظة على الأقل، أو لأنها تشير إلى أنه كان للأهرام فضل تقديم هذا "الأفندى البارع" للرأي العام لينطلق بعدها ويصبح "أبو الأثريين المصريين" الأمر الذى يستحق معه المتابعة.
***
اكتشاف الأهرام للأديب البارع حدث يوم 2 يونية عام 1886، ففي زيارة قام بها "الجناب العالى بموكبه الحافل إلى مقر الانتكخانة في بولاق.. لحضور نشر اللفائف عن جسد رمسيس الثانى ملك مصر العظيم والفاتح العظيم الذى ملك قسماً عظيماً من الأرض" التقى مدير تحرير الأهرام الذى كان بصحبة الخديو بأحمد كمال. ونترك لبشارة تقلا وصف المقابلة.. قال:
"لقد سرنى أن وجدت حضرة أحمد أفندى كمال سكرتير الموسيو ماسبرو مدير دار التحف شاباً أديباً متمكناً من هذا الفن وقد ألف مؤخراً تاريخ رعمسيس الثانى وعرضه على دولتلو رئيس النظار فشكره ومدح غيرته".
إلى هنا انتهى الخبر وكان خبراً ناقصاً، فما لم يقله مدير الأهرام أنه تم اتفاق بين الرجلين على استمرار الاتصال مما ظهرت آثاره بعد وقت غير طويل على صفحات الأهرام.
فبدءاً من العدد رقم 2541 من الأهرام الصادر يوم الجمعة 11 من نفس الشهر، أي بعد تسعة أيام بالضبط من اللقاء الأول، أخذت الجريدة في نشر سلسلة من المقالات تحت عنوان "خلاصة القول في الرعمسيسيين لحضرة الأديب البارع أحمد أفندى كمال سكرتير الانتكخانة الخديوية" وكانت قد حدثت خلال تلك الأيام التسعة تطورات هامة فقد استقال "المسيو ماسبرو" ولم يعد أحمد كمال سكرتيراً لمدير المتحف وانما أصبح سكرتيراً للمتحف نفسه، وهى الصفة التي استمرت الصحيفة تقدمه بها بامتداد عام 1886 حين احتل الرجل مكاناً شبه دائم في الديوان.
"خلاصة القول في الرعمسيسيين" لم يكن مجرد مقالة انتهت بعدها علاقة أحمد كمال بالأهرام. فقد كانت دراسة طويلة.
عرض أحمد أفندى كمال هذه الدراسة في جملة مقالات بدأت بالعد الصادر يوم 11 يونية وتوقفت بعد العدد الصادر يوم 16 نوفمبر أي استمرت لأكثر من خمسة شهور.
ونقول توقفت لا انتهت بحكم ما لاحظناه من أن "الأفندى البارع قد ذيل مقاله الأخير بقوله أن "البقية تأتى" كما درج عل تذييل سائر مقالاته السابقة، إلا أن البقية لم تأت أبداً بعد هذه المرة!
ولا يفسر الأهرام، على غير عادته، الأسباب التي دعت إلى توقفه عن نشر السلسلة، وهل المسئولون عن التحرير هم الذين أوقفوا النشر أم أن "الأثرى المصرى الأول" هي الذى أوقفه وإن كنا نرجح الاحتمال الثانى.
يدفعنا إلى هذا الترجيح أن الأهرام استمر حتى المقال الأخير يتعامل معها بحفاوة ملحوظة حتى أنه بعد أن كان ينشر المقال بشكل أسبوعى، وفى يوم الجمعة على الأغلب، لم يمتنع عن نشر حلقتين أسبوعياً إذا ما أمده الكاتب بهما.
يدفعنا إليه أيضاً أن الكاتب توقف عن النشر لما يقرب من ثلاثة شهور بين آخر يولية ومنتصف أكتوبر ثم عاود النشر مرة أخرى وبنفس الدرجة من الترحيب من الأهرام مما يدل على أنه هو الذى انقطع، غير أن هذا التوقف انما كان يشى بأن أحمد أفندى كمال قد شغلته أمور أخرى!
يدفعنا إليه أخيراً أن صاحبنا كان يتوقف بين الحين والآخر عن نشر سلسلة "خلاصة القول في الرعمسيسيين" ليعالج موضوعات أخرى.. حكم المصريين ومواعظهم، أو الرد على بعض خطابات القراء المعنيين "بآثار الأجداد".
***
من بين المقالات الاثنى عشر التي عثرنا عليها لأحمد كمال ف الأهرام خلال عام 1886 خصص تسعة لدراسته عن الرعامسة، والتي كانت يقيناً أمراً مثيراً وجديداً تماماً بالنسبة لقارئ الأهرام في ذلك الزمن البعيد، فإن كاتبها فضلاً عما ضمنه إياها من حقائق قد أدلى فيها بالرأى والفكرة الأمر الذى جعل لها مذاقاً مصرياً، وهو مذاق اختلف عن ذلك الذى استمر يميز كتابات الأثريين الأجانب، ربما حتى وقتنا هذا.
سجل الأفندى البارع في مستهل هذه الدراسة الرأي بأن مصر عرفت اثنى عشر ملكاً باسم رمسيس وأنه ينوى أن يستعرض في مقالاته كل هؤلاء، غير أننا نلاحظ أنه اقتصر على ثلاثة فقط، وإن كان قد أسهب في تناول تاريخهم، خاصى الثانى والثالث.
سجل أيضاً أن أول رمسيس من مجموعة الرعامسة لم يكن من "عصابة الملوك" على حد تعبيره، أي أنه لم يكن من نسل ملكى" بل اغتصب الملك لنفسه عند الاحتلال الذى أوجب سقوط العائلة الثامنة عشرة واشترك معه في الحكم ابنه (سيتى) الأول وزوجته بالأميرة (توعاً) ابنة الملك (أمنوفيس) ليؤهل لذريته وراثة الملك كما هي عادتهم".
ومع أن رمسيس الأول هو مؤسس الأسرة التاسعة عشر فإن صاحب الدراسة لم يخصص له إلا حيزاً محدوداً من حلقتها الأولى، ثم أنه عبر على ابنه سيتى عبوراً سريعاً وتوقف عند رمسيس الثانى الذى لم يكتف بتخصيص بقية الحلقة الأولى له وانما استمر يتابع تاريخه في عدد من الحلقات التالية ومن بين الدراسة المستفيضة التي خصصها لرمسيس الثانى يمكن الوقوف عند أكثر من علامة في تاريخ هذا الملك.
علامة أولى خاصة بحروبه مع الحيثيين والتي تعامل معها بروح مصرية ظاهرة، فالأثرى الأول لم تعجبه بعض الحيل التي لجأ إليها ملك الحيثيين في حربه مع رمسيس، مع أن الحرب خدعة(!) فاستمر يصف هذا الملك "بالأمير اللئيم".
بالمقابل أعجب كثيراً بما نظمه شاعر مصري قديم من اشادة بشجاعة رمسيس الثانى وأخذه باعتباره حقيقة تاريخية خاصة ما جاء في قصيدة هذا الشاعر واسمه بنتاور من أنه رغم الخديعة وهزيمة الجيش المصرى فإن رمسيس الثاتى عندما وجد نفسه وحيداً انبرى لأعدائه يجند لهم واحداً بعد آخر حتى هزمهم مرتين وأجبر ملك الحيثيين على "إبرام عهدة (معاهدة) بعد أن دوخهم"!
علامة ثانية خاصة بإنشاءاته ولم يكتف في هذا الجانب بتقديم السجل الإنشائي الكبير لرمسيس الثانى، وهو سجل مازالت شواهده شامخة في الأقصر وأبو سمبل والقرنة والعرابة المدفونة ومنف وتل بسطة وتانيس.. لم يكتف بهذا وانما توقف عند جانبين اعتبرهما على درجة كبيرة من الأهمية.
الجانب الأول متصل بالتهمة التي استمر يتداولها الأثريون الأجانب، بأن هذا الملك المصرى المرموق قد استحل أن ينسب لنفسه بعض انشاءات الآخرين من خلال ما وجده هؤلاء من نقش خرطوشه، والذى كان بمثابة الخاتم الذى يدل على بانى الأثر، فوق خراطيش الآخرين من الملوك الذين سبقوه وقد ذهب "سكرتير الانتكخانة الخديوية" في دفع هذه التهمة إلى القول بأن ذلك قد تم دون علم رمسيس الثانى الذى وصفه "بالملك المشيد صاحب المباني الجسيمة والقصور العظيمة".
فقد قال بالحرف الواحد: "لما كانت الأوامر الصادرة منه إلى المهندسين البنائين قاضية بإتمام الأبنية على وجه السعرة اضطر المهندسون إلى أن يمحوا من بعض الآثار أسماء الملوك السابقين وينقشوا بدلها اسم رمسيس الثانى"، وإن لم يملك في نهاية الحلقة التي خصصها عن انشاءات رمسيس من أن ينقده برفق لأنه سمح "بمسح اسم أبيه (سيتى) من قاعة الكرنك وكتابة اسمه بدله"!
الجانب الثانى خاص بالإشارة إلى أن المسلة الشهيرة الموجودة في ميادين العاصمة الفرنسية، وهو ميدان الكونكورد: هي احدى مسلتين عظيمتين أقيمتا في عهد هذا الملك في معبد (أمينوفيس) الثالث بالأقصر.
وبينما كان كل ما كتبه أحمد كمال عن رمسيس الثانى ينطق بالإعجاب فإن ما كتبه عن رمسيس الثالث كان يكشف عما يزيد عن الإعجاب...
في الحكم ورث رمسيس الثانى عن أبيه سيتى الأول بينما نجح رمسيس الثالث أن يؤسس أسرة جديدة هي "العائلة العشرون" على حد تسمية صاحب الدراسة، وذلك بعد أن نجح أبوه في تخليص البلاد من حكم "رجل من الشام يقال له "أريسو".
في الحرب قاتل رمسيس الثانى في ميدان واحد، هو ميدان الشرق، بينما واجه رمسيس الثالث الأعداء في ميدانين، في الغرب ثم الشرق.
في الغرب تحدث عن الليبيين الذين غزوا البلاد فاقتص منهم رمسيس اقتصاصاً شديداً وأوقع "بهم وضايقهم جداً حتى صاروا على ما نقلته النصوص الهيروغليفية أشبه بالمعز إذا هاجمها الثور فداسها وضرب فيها بقرنيه فلحق الدمار من ذلك بسكان بلاد البربر وهى المشهورة في التاريخ ببلاد الغرب وتمزق شملهم ولم يزل المصريون في آثارهم حتى بلغوا بهم بلادهم أما من تخلفوا منهم ولم يقدروا على الهرب فأحدق بهم المصريون وأخذوهم أسرى"!
وفى الشرق تناول بالدراسة ذلك الحلف الذى نشأ من شعوب عديدة وهى الشعوب التي استمرت تتطلع إلى "نهب مصر" وكيف أن قواتهم أخذت ف الزحف إلى البلاد براً وبحراً، كما تنازل أيضاً الاستعدادات التي أجراها رمسيس الثالث لمواجهة هذا الخطر.. قال:
"كانت العساكر المشاة وأبطال الجيش كالأسود الزائرة في الجبال وكان رجال المركبات المنتخبون من أشد الشجعان سرعة يقودهم ضباط مدربون وكانت الخيل تصهب للقتال وتهارش أعنتها للحرب وتضرب بحوافرها لتدوس بها القتلى".
ومع هذه الاستعدادات لم يكن بد من الوصول إلى النهاية السعيدة التي أراد "الأفندى البارع" أن يصل بالقارئ إليها فيما نقله عن شهادة رمسيس الثالث عن نتائج الحرب من أنه كان مثالاً للشجاعة والبأس "وقاتلت قتالاً معتمداً على قوة العزم وشدة المراس حتى أصبح الذين اعتدوا على حدودى ومأمنهم من يحصد أرضه إ مزقتهم كل ممزق أما الذين كانوا على الشاطئ فقد رميتهم صرعى على ساحل البحر كأعجاز نخل خاوية وأغرقت سفنهم وأطعمت البحر أموالهم"!
وفى حلقة خاصة من هذه السلسلة حاول كاتبها أن يفسر الأسباب التي أفضت إلى الوهن العسكرى الذى أصاب الدولة الحديثة في أخريات عهدها وعزا ذلك إلى كثرة الحروب التي امتدت لأربعة قرون متوالية "فزال عن المصريين حماسة القتال ومالوا إلى التنعم والرفاهة وجمع الأموال وتذخير الثروة وأصبحوا لا يستحسنون إلا الصنائع ولا يميلون إلا إليها لكراهتهم للخدمة العسكرية".
ومع كل دفاع "سكرتير الأنتكخانة" عن دور مصر الإمبراطورى في عهد الرعامسة فإنه لم يملك في النهاية إلا تقرير الحقيقة التاريخية رغم مرارتها!
***
مقالات خصصهما أحمد كمال لما أسماه "حكم المصريين القدماء ومواعظهم" نشرهما الأهرام في عدديه الصادرين يومى 9 و 16 يوليو من نفس العام، 1886.
بعض هذه الحكم استمدها من نصوص كتاب الموتى والتي انتق منها عديداً من العبارات ذات الرنين الخاص في الأذن المصرية كان ينقل قول القائل المصرى القديم" "لم أعذب أحداً! بالجوع ولم أتسبب في بكاء أحد.. لم أقتل ولم أتسبب في قتل أحد ظلماً.. لم أكذب قط في وجه انسان.. لم أمنع اللبن عن فم طفل.. لم أغتصب الحيوانات من مرعاها.. لم أصم أذنى عن قول الحقيقة" ونصوص كثيرة أخرى.
الأهم من تلك النصوص ما نقله عن احدى البرديات من أقوال أب لإبنه بينما كان يصطحبه متوجهاً به إلى "مدرسة العلوم" التي كانت وقتئذ في جبل السلسلة قرب اسنا.
وقد امتلأت تلك الأقوال بالنصح بأن يسير الابن في طريق السعادة الذى هو "طريق هرمس" إله المعارف عند المصريين القدماء، وتبع ذلك بست وعشرين نصيحة رأى فيها سكرتير الأنتكخانة "ما يشنف السماع ويطرب الأسماع"!
وتشير قراءة تلك النصائح إلى ما كانت تحتله الأسرة من مكانة في حياة المصرى القديم، فقد دارت سبعة منها حولها... الأم التي حذر صاحب النصائح من فتح باب في قلبها "تدخل فيه المرارة" والزوجة التي حذر من الإساءة إليها "لأنها أقل قوة منك واجعلها تتخذك محامياً"، والأبناء الذين خصهم بالنصائح الأربعة الأخرى.
الرفاق احتلوا المكانة الثانية من تلك النصائح والتي قامت في مضمونها على النصح بعدم صداقة الأشرار والحمقى والسعى إلى "مجالسة المحترمين وعدم التباسط مع من أمرهم منوط بك"!
احترام الكبير احتل مكانة هامة أيضاً، فيقول في نصيحة "لا تلعن أستاذك أمام الرب"، ويقول في نصيحة أخرى "لا تتكلم عن معلمك". ويقول في نصيحة أخيرة "لا تلعب مع الرجل المحترم الذى هو رئيس عليك"!
وكان من الطبيعى أخيراً أن تعنى تلك النصائح بالحياة الأخرى التي قدسها المصريون كثيراً، فحذر من بناء القبر "فوق قبور الرؤساء" أو أن يكون هذا البناء بجوار المعابد، خشية من أن يداس عليهاَ
المقال الأخير كان في صورة رد على خطاب قارئ بعث بصورة فص خاتم قديم منقوش عليه رأس أسد على جسم أفعى يحيطهما دائرة ينبعث من محيطها شعاع على قطعة من الشمع الأحمر، وطلب الايضاح.
وانبرى "أثرى الديوان" للرد الذى استهله بالإعراب عن أمله أن يكون على "طريق الهداية ومحجة الصواب".
وبعد مقدمة طويلة شرح فيها الأسباب التي دفعت المصريين إلى "رسم أشكال توافق الطبيعة تارة وتخالفها تارة أخرى" انتقل بعد ذلك إل محاولة تفسير "الرسم الذى نحن آخذون في صدده".
ارتأى أحمد كمال الرسم كرمز لحرارة "الشمس المضرة وذلك أن قدماء المصريين كانوا يعتقدون للشمس حرارة مهلكة وحرارة مصلحة فرمزوا عن الأولى بمعبودة برأس أس كاسر وعن الثانية بمعبودة برأس هرة أنيسة ثم زادوا في الايضاح فجعلوا كلاً منها في قلب دائرة عنواً بها قرص الشمس وكانوا يعتقدون أن الأولى الموكلة يوم القيامة بعذاب الخطاة وعقابهم في النار ولذلك كانوا يخافونها... وهى المرسومة على الفص واسمها سنحت وكانوا يصورونها على شكل انسان له رأس أسد فوقه صورة الشمس وكان يوجد من تماثيلها عدد كثير أمام معبد الكرنك".
ويلاحظ في هذا الرد الطويل أن "البارع سكرتير الأنتكخانة الخديوية" ولأول مرة في حلقاته التي استمر ينشرها في الأهرام يحيل السائل إلى ما جاء في "تاريخنا العقد الثمين".
وتشير الكتابات العلمية التي تناولت حياة أحمد كمال باشا أن هذا العمل كان أول مؤلفاته وكان عنوانه كاملاً "العقد الثمين في محاسن وأخبار وبدائع الأقدمين من المصريين"، كما تشير في نفس الوقت إلى اتفاق كثير مما جاء في هاذ الكتاب مع ما جاء في سلسلة المقالات التي نشرها الرجل في الأهرام.
وإذا كان ذلك يدفع إلى الظن بأن العمل الذى نشره "الأثرى الأول" في الديوان هو الذى قاده على عالم التأليف الرحيب، خاصة وأننا لم نجد من بين أعماله ما أشار إليه مدير الجريدة لدى تعرفه بأحمد كمال خلال زيارة الخديوى للأنتكخانة من أنه حمل مؤلفاً عن "رمسيس الثانى" قدمه لرئيس النظار، فإنه من جانب آخر يدفع إلى يقين بأن هذا المؤلف هو الذى قاده إلى إصدار بقية مؤلفاته التي وصلت إلى ثمانية أعمال.
جاء آخر هذه الأعمال تحت عنوان "الدر المكنوز والسر المفروز في الدلائل والخفايا والكنوز"، وإن دل هذا العنوان عن شيء فإنما يدل على رؤية أحمد باشا كمال لأثار بلاده... الكنوز التي كرس حياته لكشف أسرارها والتي دعت الأثريين حتى يومنا هذا إلى الاعتراف بأستاذيته، بل وبأبوته(!).

صورة من المقال: