ads

Bookmark and Share

الخميس، 4 يوليو 2019

047 الغازى باشا

الغازى باشا
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 16 يونيو 1994م - 7 محرم 1415هـ

عند ظهر يوم السبت 26 ديسمبر عام 1885 ظهر في مياه الإسكندرية "الوابور العثمانى عز الدين الذى يقل دولتلو الغازى أحمد مختار باشا مع حضرة حرمه ورجال معيته فهرع إلى الميناء نوبار باشا رئيس الوزراء ومحافظ الثغر وحضرات العلماء الأعلام والباشوات والذوات وكبار الموظفين والتجار والأعيان حت غصت الفسحات بهم فضلاً عن لفيف المتفرجين الذين سدوا السكك واصطف عل الشاطئ فرقة من العساكر الإنكليزية وفرقة من العساكر البحارة المصرية وعند الساعة الثانية بعد الظهر أرسى الوابور عز الدين على مقربة من الترسخانة "الترسانة" فرفعت جميع البواخر التي في المينا العلم العثمانى وأطلق الوابور محمد على 19 مدفعاً.. وفى ذاك الحين نزل إلى الوابور دولتلو نوبار باشا ومن معه فقابلوا دولته وهنأوه بسلامة الوصول".
كان هذا الوصف الذى تقدم به الأهرام لاستقبال الغازى مختار باشا مما يشكل السطور الأولى من فصل من أغرب فصول التاريخ المصرى المعاصر، وربما أكثرها غموضاً، وهو الفصل الذى كان بطله هذه الشخصية.. الغازى باشا، ونبدأ القصة من أولها.
***
القصة: كانت قد بدأت قبل ستة شهور ف 24 يونية 1885 حين استقالت حكومة الأحرار برئاسة جلادستون التي تم في عهدها احتلال مصر وخلفتها حكومة المحافظين برئاسة سولسبرى، وأعقب ذلك تغير التوجهات البريطانية حيال المسألة المصرية بقرار الوزارة الجديدة بسحب جيش الاحتلال من البلاد متأثرة ف ذلك بجملة اعتبارات..
من هذه الاعتبارات المشاعر الت عبر عنها قطاع هام من الرأي العام البريطاني كان منه اللورد ولسلى قائد الحملة التي احتلت البلاد، والتي كانت ترى أن البقاء في مصر أقرب إلى الوقوع في فخ!
منها أيضاً ما ترتب على الاحتلال من أزمات متتالية مع حكومة باريس الأمر الذى أصبح معه استمراره بمثابة قنبلة موقوتة ف العلاقات الفرنسية البريطانية.
منها ثالثاً تدهور العلاقات مع روسيا بسبب النزاع حول مناطق النفوذ ف أفغانستان الأمر الذى كان ينذر في صيف عام 1885 بحرب بين الدولتين الكبريين.
منها أخيراً وعل ضوء الاعتبار السابق، سعى بريطاني لتسين العلاقات مع الدولة العثمانية والتي تدهورت كثيراً بسبب احتلال مصر، فقد كانت الحاجة ماسة، في حالة نشوء حرب مع روسيا، لعبور القطع البحرية البريطانية للمضايق في اتجاه البحر الأسود دونما عرقلة من جانب حكومة الاستانة.
تبع اتخاذ هذ القرار جملة اتصالات مع الحكومة العثمانية لتنظيم الجلاء عن مصر يهمنا منها هنا ما ترتب عليها من قرار ارسال مندوب سام عثمانى أطلقت عليه الأهرام وقتئذ تسمية "المرخص العثمانى"، وأطلقت عليه الصحف المصرية بعدئذ تسمية "القوميسيير العثمانى" كان هو نفسه الغازى أحمد مختار باشا، وهو وإن لم يكن أول المرخصين العثمانيين الذين جاءوا إلى مصر إلا أنه كان أكثرهم غرابة.
قبل ذلك في أكتوبر عام 1881، وفى أعقاب مظاهرة عابدين الشهيرة، جاء إلى مصر مبعوث عثمانى هو على نظامى باشا سرياور السلطان وكان الهدف المعلن من الزيارة إظهار الثقة بالخديوى وتثبيت مركزه ولم يزد وجود نظامى باشا في العاصمة المصرية عن أسبوعين.
مرة أخرى وفى 7 يونيه عام 1882 وبعد أن بدت نذر التدخل العسكرى جاء إلى مصر مرخص آخر، وعلى الوابور عز الدين أيضاً، هو مصطفى درويش باشا، والذى عايش أحداث الثورة واستمر في الإسكندرية إلى ما بعد ضربها من جانب الأسطول البريطاني في 11 يوليو ليقلع بعدها عائداً إلى الأستانة على نفس الوابور.. عز الدين، ولم يقض في البلاد أكثر من شهرين.
بمعنى آخر قد سبق الغازى باشا مرخصان عثمانيان، وبينما لم تزد مدة بقاء أولهما عن أسبوعين وثانيهما عن شهرين فقد بلغت مدة بقائه نحو ربع قرن، أو 23 عاماً على وجه التحديد، الامر الذى يمكن القول معه أنها كانت أطول مهمة يقضيها مبعوث في مصر!
كانت هذه المهمة باختصار شديد العمل على "انجلاء الإنكليز" عن مصر، وهى وإن بدت ممكنة في البداية فإنه كلما مر الوقت كلما بدت صعوبتها، وقد كانت عل أي الأحوال مهمة كبيرة الأمر الذى اقتضى أن توكل إلى شخصية كبيرة، وهو ما أوضحه الأهرام في تقديمه لسيرة حياة الغازى..
أول ما يلفت النظر في هذه السيرة التي خصصت لها الجريدة مساحة كبيرة معتبرة من عددها الصادر يوم 11 نوفمبر عام 1885 أن الرجل نال رتبة كبيرة في الجيش العثمانى (القائمقام) ولم يكن عمره قد تجاوز الثالثة والعشرين وأنه قد شارك في حرب القرم وفى الحملة على الجبل الأسود.
يلفت النظر أنه كان من رجال القصر فقد عمل مربياً لأحد أبناء عبد العزيز وأنه اصطحب في جولة واسعة شملت أغلب البلاد الأوربية.
يشير الأهرام إلى الملف العسكرى الحافل للرجل، فقد شارك في أغلب الحروب التي خاضتها الدولة خلال ستينات وسبعينات القرن فضلاً عن دور متعدد الجوانب في اخماد الثورات التي استمرت تندلع في سائر ولاياتها.
وإبان تلك الأعمال تقلد الغازى جملة من المناصب الرفيعة في العاصمة أو في الولايات.. كان منها وزارة النافعة (الأشغال) ونظارة "الطوبخانة العامرة"، وكان منه أنه عمل والياً على اليمن بعد اخماد ثورته في مطلع السبعينات، ووالياً على كريت لثلاث مرات.
وفى تلك الأثناء وبعد أن كان قد حصل على لقب "المشير" الرفيع عام 1870 خلال قضائه على ثورة اليمن حصل عل لقب "ألغازى" المتفرد عام 1877 إبان اشتراكه في الحرب ضد روسيا، وبهذه الصفة.. صفة الغازى جاء إلى القاهرة بعد أن قام بالمهام الجسيمة في خدمة الجيش العثمانى على حد تعبير الأهرام.
ومثل هذه الشخصية كانت تستحق كل ذلك الاهتمام الذى أعارته له الجريدة بعد أن أعلن في الأستانة في 8 نوفمبر 1885 تعيين دولتلو الغازى أحمد مختار باشا معتمداً سامياً للدولة العلية في مصر، وهو اهتمام تعددت صوره.
فيوم أن وصل الخبر أعرب الأهرام عن سروره المزدوج(!) لأن دولته واسع الاطلاع وطنى النزعة مستقيم السلوك عفيف النفس ولأن تعيينه يشير إلى تحسن حالة المسألة البلقانية ولولا ذلك لما استغنت عنه الدولة العلية!
وبعد أن عرف الأهرام طبيعة تكوين الوفد العثمانى المرافق للرجل أعرب عن رضائه فهم من كبار الموظفين ليسوا من مأمورى السراى وفيه البرهان على أن الأمر للمختار وحده.
ويوم أن أقعل الغازى من الأستانة أسهب الأهرام في وصف مقابلاته للحضرة السلطانية وفخامة الصدر الأعظم وحضرات الوكلا وبارح ومعيته (من معه) دار الخلافة على الوابور عز الدين متوجهين إلى ثغركم.
***
في تلك الأثناء كانت القاهرة تستعد لاستقبال الغازى.. كان توفير مقر لهذه الشخصية الرفيعة أول ما اهتم به المسئولون في العاصمة المصرية.
في البداية تصوروا مكان استئجار منزل أو أكثر للرجل، وهو تصور صدر عن أن مهمته موقوته مثل مهمة سابقيه.. أسبوعين أو حتى شهرين(!)، الأمر الذى يفسر الخبر الذى نشره الأهرام يوم 9 نوفمبر وجاء فيه "أن الحكومة عازمة على استئجار منزل عزتلو عثمان بك رأفت سلملكا (دار استقبال) للمندوب العثمانى ومنزل عزتلو سراج بك وكيل محافظة الإسماعيلية للحرم (دار سكن) ومن الممكن فتح باب المنزلين ولا خفاء أن الموقع مناسب".
بعد ثلاثة أيام عدلت الحكومة عن رأيها الأول بعد أن أدركت أن إقامة الغاوى سوف تطول نوعاً الأمر الذى انعكس على الخبر بأنها قد عينت سراى البرنسيس فاطمة هانم نزلاً للرسالة العثمانية ومقرها وراء المالية وقد أمرت بإعدادها.
وينقضى نحو شهر، وقبل وصول المرخص العثمانى بثلاثة أيام فحسب، ينشر الاهرام خبراً غريباً جاء فيه أن جناب الخديو أصدر أمره بإعداد سرار الإسماعيلية واتقاناه لنزل دولتلو المختار.
وتبدو غرابة الخبر من أن تلك السراى كانت مقراً لإقامة الخديو توفيق نفسه، فأن يتنازل عنه ويرحل إلى سرا عابدين التي كانت مخصصة للاستقبالات الرسمية لابد أنه قد حدث تحت ضغوط شديدة، كان أهمها اعتقادنا المكانة التي يتمتع بها الغازى في سلم الحكومة العثمانية، والتي اتضح أنها لا تقل عن مكانة خديو مصر إن لم تزد، وكانت مجرد بداية لها ما بعدها.
لعل الاستقبال الذى جرى للغاز في قصر عابدين صباح يوم الخميس 30 ديسمبر عام 1885 انما يكشف عن حجم هذه المكانة، وهو الاستقبال الذى حضره بشارة تقلا "مدير الجريدة" وقدم وصفاً تفصيلياً له في العدد الصادر في ذات اليوم، جاء في مستهل هذا الوصف أنه "عند الساعة 11 وصل دولتلو المختار إلى سراى عابدين بموكب حافل تتقدمه كوكبة من الخيالة ويتبع عربته عربات كثيرة تقل حضرات رجال معيته وكلهم بالملابس الرسمية، وكان العالم مزدحماً على جوانب السكة فلقيه إلى باب السراى سعادتلو خيرى باشا وذهب إلى حيث كان سمو الخديو محفوفاً بحضرات النظار ورجال المعية السنية وكلهم بالملابس الرسمية".
انتقل بعد ذلك مندوب الأهرام في العاصمة الى مقل فحوى الخطابين المتبادلين بين الغازى والخديوى، ولم ينس الأول في هذا الصدد أن يذكر توفيق أنه قادم من "لدن سيدنا ومولانا خليفة المسلمين متبوعنا الأعظم وأبشركم بكمال التوجهات الملوكية نحو فخامتكم"! ولم ينس أيضاً الإشارة إل أن مصر هي من "الأجزاء المتممة المهمة للممالك الشاهانية"، ولم ينس ثالثاً أن ينوه إلى ما رآه من علامات التبعية من "جميع مأمورى الحكومة ولا سيما من العلماء والأعيان وأهالى البلاد" ولم ينس أخيراً أن ينبه الخديو أنه انما جاء لاستئصال "الارتباكات المتوالى ظهورها من مدة بالخطة المصرية" مما يشكل تقريعاً عليناً لعهد الرجل!
وجاء رد توفيق قصيراً ومتخاذلاً، فقد أعرب عن الرجاء بأن "الارتباكات الواقعة في القطر المصرى من مجة تكون في ظل مولانا الخليفة الأعظم مبدلة للاطمئنان والسعادة" وباستثناء ذلم فقد امتلاء الرد بالدعاء للسلطان بطول العمر والصحة "وازدياد عظمة دولته وشوكته".
ويبدو أن توفيق بعد أن استشعر بالنية البريطانية على "الانجلاء" بكل ما يترتب على ذلك من تركه وحيداً أمام حكومة استنبول قد آثر اتباع سياسة المسالمة مع الغازى!
وكان على الخديو أن يدفع الثمن من مكانته وهيبته مما أثبتته جملة تصرفات المختار خلال الأيام التالية.
لم يكن قد مضى أسبوع على وصل الغازى حين تيقن الخديو أنه ليس الانجليز وحدهم الذين جاءوا ليستأثروا من دونه بالسلطة فيما كشف عنه خبر طويل للأهرام عن نشاطات مختار باشا خلال الأيام القليلة التي أعقبت استقراره في العاصمة المصرية.
جانب من هذا الخبر أشار إلى أن "دولتلو المختار شرع يتفحص المسائل واحدة فواحدة بدقة وترو.. وأنه لا يترك ولا واردة دون الاستفهام عنها والوقوف على حقيقتها".
وكان من بين ما تفحصه الرجل "حالة الأطيان والمحاصيل والأموال المضروبة على الأهلين، ومن بين ما طلبه الميزانية على اجمال وتفصيل مع كشف يشتمل على عدد الموظفين في جميع الإدارات وراتب كل منهم وإبانة جنسيته"، وكلا الامرين يمثلان عصباً أساسياً لحكومة مصر.
خول الرجل لنفسه بعد ذلك حق الاتصال بكبار الموظفين بمن فيهم النظار، خاصة ناظر الحربية الذى أخذ يبحث معه في شئون الجيش وأمور السودان.
وصل الأمر بالغازى إلى القيام برحلات تفقدية غيما تضمنته أخبار عديدة نشرها الأهرام.
من بينها ذلك الخبر عن زيارة قام بها إلى دار الكتب في سراى درب الجماميز حيث كان يصحبه رجال دائرته الكرام فقابلهم سعادتلو يعقوب باشا أرتين (وكيل نظارة المعارف) وجناب مدير الكتبخانة ودار بهم في قاعات الدار فسرهم ما شهدوا من الآثار والكتب النفسية والمؤلفات القديمة العربية والتركية والفارسية وغيرها مما ندر وجوده في سائر المكاتب.
خبر آخر عن زيارة قام بها إلى بناه في وابور خاص قدام من العاصمة فاستقبل سعادة المدير وحضرة وكيله وجمع من الأعيان ثم طلع إلى البر وتفرج على وابور حلاجة القطن ثم ركب في قطار الركاب وعاد إلى مصر.
وأخبار كثيرة كانت كلها تبين نية الرجل على أن يقوم بدور فعال في الإدارة المصرية ولم تكن تحركات سيد قصر الإسماعيلية لتنزل منزلة مريحة لدى سيدى القصرين الآخرين.. الدوبارة حيث ايفلين بيرنج، وعابدين حيث توفيق.
فضلاً عن ذلك فإن الغازى أخذ على عاتقه مراقبة تطورات العلاقات المصرية - العثمانية والتدخل في مسارها إذا ما تطلب الأمر ذلك.
من بين تلك التدخلات ما حدث خلال عام 1886 حين أرادت الحكومة المصرية أن تشمل ضريبة الدخولية، وهى ضريبة كانت تفرض على الواردات التي كان لها نظير من الإنتاج المصرى.. أن تشمل ما يتم دخوله من سائر أنحاء الدولة وكان الهدف الأساسى من هذه الضريبة تحسين دخل الخزينة المصرية التي كانت تعانى "الضنك الشديد".
لم يكن مثل ذلك العمل ليرضى حكومة الاستانة سواء لأسباب تجارية، والأهم لأسباب سياسية، لأن فرض ضريبة جمركية، تحت أي مسمى، بين مصر وسائر أنحاء الدولة كان يعنى ببساطة مزيداً من أسباب الانفصال لها عن الإمبراطورية، بكل ما يسببه ذلك من حساسي في دوائر الباب العالى.
وجاء تدخل الغازى في قضية الدخولية نموذجاً على أثر وجوده على الشئون المصرية الداخلية، فبينما أرادت الحكومة المصرية أن يتم تراجعها على شكل "توقيف" الأمر الذى أصدرته في هذا الشأن فقد صمم على أن يجئ على شكل "إلغاء" لهذا الأمر، وهو ما رضخت له أخيراً، فيما سجله الأهرام في 10 أغسطس 1886 الذى استرسل في قوله بأن دولة الغازى بلغ النتيجة إلى الباب العالى فأرسل يشكره، ولم ينس مدير التحرير الذى ساق الخبر الإشارة إلى ما أعرب عنه تجار الإسكندرية من سرور من مسلك الغازى الشريف، وكان لابد أن شريفاً بحكم ما استفاد هؤلاء من إلغاء الضريبة!
على الجانب الآخر نشط الرجل في أن يكون له وجود اجتماعى في مصر المحروسة وهو نشاط امتد للعديد من الجوانب.
المناسبات الدينية كانت أهم هذه الجوانب، ففي أكثر من يوم من أيام الجمعة كان يفاجئ المصلين في الجامع الأزهر ليؤدى صلاته في وسطهم حيث يستقبله فضيلة شيخ الأزهر وجمع من العلماء الأفاضل، ثم أنه كان لا يفوت أياً من الليالى الدينية دون أن يكون حاضراً، منها حضور الموالد التي كان يقصدها مع رجاله الكرام وقد سمعوا تلاوة القرآن وكان الحضور عديدين.
ولا شك أن حرص الغازى على الوجود في هذه المناسبات إنما كان بهدف التأكيد على أنه ممثل "خليفة المسلمين" دون غيره، خاصة ذلك المقيم في عابدين!
استقبال الشخصيات الكبيرة كانت تمثل الجانب الآخر من هذا الوجود حتى أن مقابلاته أصبحت تمثل باباً ثابتاً في أخبار الصحف، وقد جاء في أحدها:
"قبل دولة المختار أمس زيارة كثيرين من كبار القوم في جملتهم دولتلو شريف باشا وحضرات قنصلى فرنسا وألمانيا الجنراليين وغيرهم من الأعيان وتداول في كثير من المسائل".
إقامة المآدب الشائقة كانت تمثل جانباً ف السعي لتأكيد وجود الغازى الاجتماعى ويلاحظ على ذلك تلك المآدب الحرص على التذكير بالسيد الحقيقى للبلاد.. السلطان العثمانى بالطبع، فأغلب تلك المآدب كانت تفتتح "بتلاوة القرآن الشريف والدعاء لحضرة مولانا الخليفة الأعظم".
بالمقابل كان الرجل ف مكان الصدارة في شتى المناسبات التي يقيمها الخديو سواء كانت مخصصة لتكريم الغازى والتي كان يحضرها من في " معيته وأصحاب الدولة البرنسات" أو كانت احتفالات عامة حتى لو كان منها ليالى الرقص التي تقام في عابدين!
ولعل أهم ما يثير الاهتمام أخيراً في قصة قدوم الغازى مختار إلى مصر أنه كان قد قدم خصيصاً تنفيذاً لعهدة (اتفاقية) عثمانية - إنكليزية كان قد تم توقيعها في الاستانة في 25 أكتوبر عام 1885 ليتباحث مع "المرخص الانكليزى" السير هنرى درمندوولف في الطرق المؤدية لتنفيذ تلك العهدة وأنهما بعد أن توصلا إلى اتفاق حمله وولف متوجهاً للأستانة بينما بقى الغازى في القاهرة.
وفيما تجمع عليه المصادر فإن الرجل قد تسبب بسياساته في إفشال أول معاهدة أقرت بجلاء الانجليز عن مصر، وهى المعاهدة التي لم توضع موضع التطبيق أبداً، مما يشكل فصلاً آخر من فصول التاريخ المصرى إبان تلك السنوات التي نبحر في أحداثها على صفحات الأهرام.. سنوات الثمانينات من القرن الماضى.

صورة من المقال: