ads

Bookmark and Share

الأحد، 30 يونيو 2019

044 سكك حديد مصر

سكك حديد مصر
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 26 مايو 1994م - 15 ذو الحجة 1414هـ

سكك حديد مصر لها قصتان إحداهما معروفة سجلها عديدون، والأخرى مجهولة لم تشد الاهتمام.
القصة المعروفة تضمنتها كتابات علمية وغير علمية عكف على إعدادها مؤرخون وجغرافيون واقتصاديون، والقصة المهولة جاءت على شكل شذرات بين أخبار وتعليقات استمرت الصحف، ومن بينها الأهرام، تنشرها لتشكل في النهاي فصولها..
القصة المعروفة تحفل بتاريخ الصراعات السياسية والاعتبارات الاستراتيجية وتعتمد على الوثائق والإحصاءات والقصة المجهولة تتابع هذه الآلة السوداء الضخمة التي تجر العديد من العربات تنفث البخار وتحدث ضجيجاً لا عهد للمصريين به وتخترق كل أنحاء بر مصر، طولاً وعرضاً، وقد كان سكان البر، فيما تكشف عنه هذه القصة، تواقين إلى وصول أعمدة البخار إلى سمائهم وأصوات الضجيج إلى بيوتهم!
ونبدأ بالقصة المعروفة.
***
الجانب الأول من هذه القصة يشير إلى أن مصر كانت أول بلد عربى وأفريقى يعرف السكك الحديدية التي بدأت بخطوط فرعية محدودة في عام 1834 على وجه التحديد، بين النيل ومحاجر المقطم في القاهرة، والمكس ومحاجر الدخيلة في الإسكندرية، لم تلبث أن تحولت إلى المشروع الكبير بربط السويس بالإسكندرية عبر القاهرة بخط حديدى بدئ بنائه في عصر عباس الأول عام 1852 واستكمل مده عام 1858 في عصر خلفه سعيد باشا.
الجانب الثانى من القصة يتابع عملية البناء تلك في اطار الصراع الذى دار حول مصر، أو بالأحرى حول موقعها المتميز، بين أكبر قوتين استعماريتين في القرن التاسع عشر، فرنسا وبريطانيا، فبينما تبنت الأولى مشروع زواج الشرق بالفرب من خلال حفر قناة في برزخ السويس فقد عمدت الثانية إلى أن يتم الوصول من خلال مد خط حديدى بين السويس والإسكندرية، ودار الصراع بين المشروعين في كواليس وزارات الخارجية ورجال المال وأصحاب المشاريع.
ثالث جوانب القصة المعروفة أنه مع الأزمة المالية وما استتبع إعلان إفلاس مصر نتيجة لعجزها عن سداد أقساط الديون عام 1876، عام صدور الأهرام، وما تلا تلك من رهن إيرادات بعض المرافق لصالح الدائنين، فقد تقرر أن تراهن إيرادات سكك حديد مصر، وميناء الإسكندرية للوفاء بالدين الممتاز.
جانب آخر بدا في الوجود الأجنبي المبكر في سكك حديد مصر، صحيح أن أول مدير لسكك حديد مصر كان "رفعتلو عبد الله بك ذا الفهم والدراية" كما وصفه قرار تعيينه، إلا أنه جاء في نفس القرار أن مهمته الأساسية "تسهيل وتشغيل مطالب المهندسين الذين حضروا من إنكلترا لهذا الأمر"، وفد تزايد هذا الوجود بشكل واضح بعد تشكيل لجنة خماسية عام 1876 لإدارة المرافق تتشكل من انجليزيين ومصريين وفرنسى، تحولت بعد ذلك بثلاث سنوات إلى لجنة ثلاثية من مصري وفرنسى وانجليزى عقدت رئاستها للأخير.
الجانب الأخير خاص بما تم إنجازه خلال الأعوام العشرين السابقة على عام 1876..
ففي عهد سعيد (1854 - 1863) تم بناء خط الإسكندرية - القاهرة وأقيم كوبرى فوق فرع دمياط عند بنها، أما فرع رشيد فقد كان يتم عبوره بواسطة معدية بخارية، كذا تم إنشاء خط القاهرة - السويس، وبدأ ظهور كل من طنطا وبنها باعتبارهما نقطتى التقاء لخطوط أخرى..
خط طنطا - سمنود وخط بنها الزقازيق، ولم ينس الباشا في هذه الظروف أن يمد خطاً من طنطا إلى ميت بره لخدمة أراضيه الزراعية وآخر غرب الإسكندرية بامتداد 19 كيلو متراً خصص لنزهة ولى النعم!
غير أن القفزة الكبرى كانت في عصر إسماعيل حيث انتشرت الخطوط الحديدية فى شرق ووسط وغرب الدلتا فضلاً عن الصعيد حيث وصلت إلى أسيوط، بمجموع أطوال بلغت 1200 ميل (1931 كيلو متراً) وفقاً لما جاء تقرير بعثة كيف التي استقدمها إسماعيل لفحص المالية المصرية.
كل هذا يمثل بعضاً من فصول القصة المعروفة، أما القصة المجهولة فنتابع فصولها من الأهرام..
***
الفصل الأول يكشف عن سعى مصري حثيث للحصول على خدمة سكك حديد مصر، بوصولها إلى المناطق التي لم تكن قد وصلتها بعد، أو بتحسين هذه الخدمة سواء ببناء المحطات أو الالتزام بالمواعيد.
تقدم جملة الأخبار نشرها الأهرام عن مد خط حديدى من شبين الكوم إلى منوف (مشهداً) من ذلك الفصل..
أحد هذه الأخبار عن ضرورة إنشاء هذا الخط "الذى سيحيى مديرية المنوفية.. إذ أن مدينة منوف هي نقطة المنوفية والمركز الأول فيها وتحتوى على زهاء 16 ألف نسمة لا يحترفون إلا التجارة التي لا يروج اشغالها في أيامنا الحاضرة غير تسهيل وسائط النقل".
خبر آخر عن وصف "ما شمل الأهرام من السرور لما أتى أهرامكم الأغر مبشراً إياهم بإجابة ما سألوا من نحو التماسهم إيصال فرع السكة الحديدية من شبين الكوم إلى منوف".
المشهد (الثانى) تصنعه جملة مطالبات من أهالى المدن التي تمر عليها سكك حديد مصر لإصلاح المحطات أو انشاء محطات جديدة..
من أطرف هذه المطالبات ما بعث مكاتب الأهرام في مغاغة في أواخر شهر يونيه عام 1881 والتي يشكو فيها من أن الركاب معرضون لحر الصيف وبرد الشتاء "لعدم وجود محل استراحة"، وما يأتي به ذلك من أضرار خاصة أثناء فصل الصيف الذى تصل فيه درجة الحرارة إلى بين 45 و50 درجة مئوية "الأمر الذى لا يتمكن الجسم الانسانى من احتماله".
ويرى المكاتب واقعة طريفة في هذه الرسالة إذ يشير إلى أنه أيام الحرارة العالية يستضيف وكيل المحطة "الركاب الخواتين النساء في منزله والرجال في مكتبة". وإن كان قد لاحظ أن الاستضافة قد اقتصرت على ركاب الدرجتين الأولى والثانية. أما ركاب الدرجة الثالثة "فلا يسأل عنهم لأنه لا يوجد سقف يمنع عنهم حرارة الشمس".
منها أيضاً المطالبة بترميم محطة طنطا لأنها "نقطة لجميع الخطوط وتقف فيها قطر الركاب".
منها كذلك المطالبة بإصلاح محطة أسيوط حتى "تساوى محطات المدن الكبرى، ولا ينسى مراسل الأهرام في المدينة الذى بعث بذلك الطلب أن يثنى على "حضرة متولى افندى معاون المحطة لاجتهاده في وظيفته" ويرجو له المكافأة.
المشهد (الثالث) تكرر كثيراً من سكان عديدة.. المطالبة بالاكسبريس، بدلاً من قطارات البضاعة التي كان يلحق بها بعض عربات للركاب(!)
مراسل دمياط يكتب في أهرام 7 يونيو 1881 بأن العربتين المخصصتين لقطاع البضاعة واللتين تقبلان الركاب "فوائدهما قليلة وحبذا لو تكرمت الإدارة بترتيب الاكسبريس"!
وتستجيب سكك حديد مصر للمطلب ويعبر مراسل الصحيفة عن شكر أهل الثغر على الاستجابة وإن كانت قد استبقت عربتين للركاب في قطار البضاعة الذى يقوم بعد الظهر بنصف ساعة إلى طلخا "كنوع من التسوية" على حد تعبير الدمايطة. والسبب فيما جاء في الخبر أن "القطار الذى ترتبت به العربتان يشغل غالباً أنواع الفسيخ فيتحمل المسافر تنفس تلك الرائحة الكريهة مدى ساعتين ونصف حتى يصل إلى طلخا حالة كون تلك الطريق يقطعها القطار العادى نحو ساعة ونصف ليس إلا"!
مراسل بنى سويف يبعث للجريدة في أوائل يونيو عام 1886 معبراً عن مطلب عموم أهالى الوجه القبلى بأن يقوم الاكسبريس المتوجه إلى أسيوط يومياً بدلاً مما هو قائم عندئذ بالقيام مرتين أسبوعياً "نظراً لكثرة المتجرين وشدة الحر وزيادة شغلهم من بلد إلى آخر وأن يكون وقوفه أيضاً في المحطات كافة أسوة بقطار الركاب".
بعد شهور قليلة يكرر "يعادتلو مدير أسيوط طلب تعيين قطار يسير يومياً علاوة على قطار الركاب الاعتيادى ويأمل أن يصادف الطلب قبولاً "لما فيه من الفائدة العامة".
المشهد (الرابع) متصل بسوء الأداء أحياناً والذى كان محل شكوى من الركاب لم يحجم الأهرام عن نشرها سواء على لسانهم أو بأقلام مكاتبيه، وقد اتسمت بقدر كبير من الطرافة..
أهالى كفر الشيخ رفعوا شكاواهم من تأخر وصول "وابور سكة الحديد" الذى يصل بعد ميعاده بساعة أو أكثر والسبب "المحادثات التي تجرى بين مستخدمى الوابور ومتوظفى المحطات"!
شكوى أخرى من شبين الكوم بسبب تأخر القطار أيضاً في محطة تلا، إلا أن مكاتب الأهرام حرص هذه المرة على تحرى أسباب التأخير فتبين له أنها ناتجة عن وفرة الأعمال وقلة الأشغال.. وليس من يقوم بعبء أعمالها غير وكيلها القائم بعبء أعمال التلغراف أيضاً"!
الشكوى الاطرف التي جاءت من المنصورة ونشرها الأهرام في 27 أكتوبر عام 1881 عن سوء معاملة "كوميسارية الوابورات".
والقصة أن احدى العائلات المسافرة كان معها طفلة صغيرة "لا يرسم عليها دفع أجرة فطلب الكوميسارى أجرة عنها ولما اقتنع أنها صغيرة السن عدل عن طلب الأجرة وطلب اكرامية فأبت العائلة ذلك وكان ذلك باعثاً على معاملته إياها معاملة غير حميدة".
ويلفت النظر في هذه الشكوى أن "إدارة المصلحة النشيطة" بعد أن تحرت الواقعة أفادت بأنها "قرينة المبالغة وأنه لم تحدث ثمة إساءة"!
شكوى رابعة من أهالى زفتى وميت غمر، وهما "بندران عظيمان بهما نحو أربعة وثلاثين ألفاً من السكان" ومصدر الشكوى أن "أهالى البندرين يتضررون من أتربة السكة الحديد نهاراً ويرجون أن المصلحة ترتب لهم اكسبريساً يسير ليلاً بين طنطا وزفتى".
بالمقابل فإن المشهد الأخير من هذا الفصل يقدم صورة عكسية.. سعى المصلحة لحسن الأداء.
جانب من هذا السعي تمثل في محاولة التوفيق بين مواعيد وابورات البحر، حيث كان النقل النهرى يشكل حتى ذلك الوقت جانباً مهماً من حركة المسافرين، وبين مواعيد قطاراتها فيما جاء في أخبار عديدة. خبر يوم 19 نوفمبر عام 1881 يقول أنه "من أول ديسمبر سيجرى تعيين قطر يقوم دفعتين كل أسبوع ليتقابل مع وابور البوستة في الوجه القبلى في المواعيد المحددة أدناه.." وخبر آخر من المنصورة عن تعديل لمواعيد القطارات لتصل في أوقات تناسب الوابور الذى يقوم من المنزلة" وأخبار أخرى عديدة..
جانب آخر بدا في تخصيص قطارات لمواجهة المناسبات والمواسم، يشر أحد الأخبار إلى أن سكك حديد مصر "سترتب قطارات خصوصية لمن يريدون الذهاب إلى محل الاحتفال بمولد سيدى جابر في الرمل كذا وسائط العودة دون أن ينتظروا كثيراً من الزمن ليحصلوا على مرغوبهم"(!).
ويشير خبر آخر إلى أن محطة كفر البطيخ يتم افتتاحها مع بداية موسم تجارة هذه الفاكهة وأنها تقفل اعتباراً من 10 أغسطس لأنها "افتتحت خصوصاً لأجل واردات هذا الصنف".
جانب آخير بدا في التفكير في انشاء جسر على البحر الكبير (نهر النيل) أمام امبابة للربط بين السكة الحديدية في الدلتا والصعيد ذلك أنه حتى ذلك الوقت كان على المسافر إلى الصعيد أو غرب الدلتا أن يتوجه إلى محطة بولاق الدكرور ليستقبل منها قطاره، وقد علق الأهرام على هذا الخبر بأنه "ليس من ينكر أن إتمام ذلك يزيد من التسهيلات بين الوجهين البحرى والقبلى ويكون للتجارة منه حظ وافر"!
***
بينما استقبل عموم الناس سكك حديد مصر باحتفاء ظاهر ورغبة جارفة في الاستفادة فإن قليلين فعلوا العكس سواء بسوء الاستقبال أو بسوء الاستعمال فيما كشف عنه الأهرام في بعض أعداده، وفيما يشكل الفصل الثانى من القصة المجهولة.
ربما كان من أشد مظاهر الاستقبال، استقبال القطارات بالأحجار بدلاً من الأحضان، وقد اكتسبت كفر الشيخ سمعة سيئة في هذا الصدد فيما جاء أكثر من خبر أرسل به مكاتب الصحيفة فيها، وقد روى في أحدها كيف انتصب رعاع الأهالى أحاداً وعشرات على ممر السكة بين محلة روح وكفر الشيخ يحملون حجارة مجهزة "تتراشق على المسافرين مندفعة ولها دوى كمدافع الرش والمتراليوز". الذى ناشد في نهاية الخبر الطويل المأمور "بأن يتم سعيه بقطع دابر أولئك الأنذال"!
تكرر ذلك في أماكن أخرى كان منها شبين الكوم والزقازيق. وتبدو المفارقة هنا من أن القصة المشهورة عن أهالى الشرقية أنهم أقاموا وليمة لركاب أول قطار وصل إلى مديريتهم!
أما مظاهر سوء الاستخدام فقد تعدد بالنقل خلسة فيما أشار إليه خبر في أهرام 28 سبتمبر عام 1886 والذى جاء فيه أن أحد الموظفين اتفق مع بعض التجار على تهريب البضائع بواسطة العربات المعدة لنقل الحجارة "وأن له في نظير ذلك معلوماً خصوصياً من التجار المذكورين".
منها أيضاً الشكوى التي ترددت عن تهافت الشيالين على قطارات السكة الحديد عند وقوفها في المحطات وأخذ أدوات الركاب بدون اذنهم ومعلوميتهم" الأمر الذى دفع المصلحة بعدم التصريح بمعاطاة هذه الوظيفة "إلا بإذن خصوصى من كاتب المحطة وعلامة خصوصية تشير إلى أنه من الشيالين المعروفين عنده"!
منها أخيراً تلك الحادثة المثيرة التي رواها الأهرام عن تواطؤ بين خفراء المصلحة وزمرة من اللصوص نجحوا في إيقاف قطار البضاعة بين السويس وكفر الدوار "برفع الإشارة الحمراء" لنهب ما فيه!
***
الفصل الثالث من القصة المجهولة بطله الوجود الانجليزى في سكك حديد مصر، وهو وجود كان له وجهان.. وجه الخبراء الذين اشتغلوا في هذه المصلحة منذ انشائها ووجه الهيمنة التي زادت بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882.
وبينما رحب المصريون بالوجه الأول من الوجود، فيما عبر عنه الأهرام فقد هاجموا بشدة الوجه الثانى، فيما عبر عنه الأهرام أيضاً..
الترحيب بدا في تلك القصة الطويلة التي نشرها الأهرام في أغسطس عام 1881 عن صناعة قطار في معامل بولاق على أيدى مهندس انجليزى هو المستر جروود وكيف حضر الاحتفال بتسيير القطار جم غفير من المدعوين ونترك بقية القصة لمندوب الصحيفة الذى كان حاضراً الاحتفال.. قال:
"القطار برسم شحن البضائع وهو مؤلف من 25 عربة كلها على شكل واحد ومحمول الواحدة 10 أطنان في حين لم تكن عربات القطر القديمة تحمل أكثر من 6 إلى 7 طنات".
ويقرظ الأهرام القطار الجديد وكيف أن وابوره "نوع جديد بآلات بسيطة بديعة" وأنه قد نال الإعجاب حتى أنه نال تفويضاً "من الجناب العالى بتسمية القطار عباس على اسم حضرة نجله وولى عهد سموه الأفخم وهو الاسم الكريم منقوش بأحرف نحاسية على الوابور الذى كان سيره موضوع سرور الحضور"!
على النقيض من ذلك جاء الموقف من محاولة السيطرة البريطانية على المصلحة، مما عبر عنه الأهرام في أكثر من مناسبة..
من هذه المناسبات ما أشيع من سعى حكومة لندن لإلغاء اللجنة المختلطة، الانجليزى والفرنسى والمصرى، واستبدالها بإدارة انجليزية محضة مما دفع الأهرام إلى شن حملة على الاقتراح جاءت تحت عنوان "مصلحة السكة الحديدية المصرية".
وقد اتهمت الصحيفة الانجليز بأنهم يهيمنون فعلاً على أعمال المصلحة "فمديرو الأقلام أكثرهم إنكليز وهم لا يعرفون إلا سلطة واحدة هي سلطة الرئيس الانكليزى لا سلطة مجلس الإدارة". وأن أي خلل في المصلحة انما يعود إلى هذه السلطة.
منها أيضاً الحملة التي شنتها الجريدة على المستر "لمجرر المدير الانكليزى في مصلحة السكة الحديد" والذى اتهمته بسوء استغلال السلطة وساقت تدليلاً عل ذلك واقعتين..
الواقعة الأولى خاصة بمعلمة انجليزية أنشأت مدرسة ببولاق فما كان من المستر لمجرر إلا "أن أفرد لإقامتها الخصوصية محلاً في الدور الأعلى من دار قلم إدارة حركة المصلحة بجهة شبرا وجعله لها مجاناً بدون مقابل وفضلاً عن ذلك ففي صبيحة كل يوم تستقل على عربة من الدرجة الأولى ويقطرها وابور لوكومتيف إلى بولاق"!
الواقعة الثانية أن الرجل يخصص لخادمته في المكس عند قدومه إلى الإسكندرية وابور لوكومتيف من وابورات المصلحة".
وبعد تقديم هذه الوقائع يطالب الأهرام المستر لمجرر أن "يكذب ما ينسب إليه أو يبادر إلى تقديم استعفائه"!
ولم يكن ما جاء في الأهرام في هذا الشأن آخر ما يمكن تتبعه في هذا الفصل من القصة المجهولة لسكك حديد مصر ولا آخر فصول القصة المجهولة لهذه السكة فالحديث عن الآلات والخطوط والمحطات وايرادات المصلحة التي كانت تحسب وقتذاك بقرش التعريفة، والتي كانت تشكل الجانب المعلوم من القصة، قابل للانتهاء، أما الحديث عن علاقة البشر بكل ذلك مما شكل ويشكل وسيشكل الجانب المجهول فهو غير قابل للانتهاء، ويبقى الباب مفتوحاً لإضافة المزيد من الأحداث لتلك القصة المفعمة بأسباب الحيوية!

صورة من المقال: