ads

Bookmark and Share

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

039 الموظفون في الأرض

الموظفون في الأرض
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 14 أبريل 1994م - 3 ذو القعدة 1414هـ

"بدى ضرورياً في عام 1885 أنه حتى تعوم سفينة الإدارة المصرية فمن الضرورى التخلص من جانب من حمولتها" هذه المقولة سجلها اللورد كرومر في كتابه "مصر الحديثة" والذى تناول فيه تجربته كأول معتمد لبريطانيا في مصر.
من هذا المنطلق بدأت سلطات الاحتلال التي كان يمثلها الرجل، والذى كان يحمل وقتذاك اسم السير ايفلين بيرنج.. بدأت في تنفيذ سياسة تقوم على تقليص أعداد الموظفين في الإدارات المصرية أو الانتقاص من حقوقهم المحدودة بكل ما استتبع ذلك من ألوان من المعاناة الأمر الذى انطبق معه خلال تلك الفترة على هؤلاء توصيف الدكتور طع حسين في رائعته المشهورة "المعذبون في الأرض"!
وقد تعلل بيرنج لتنفيذ سياسات السلطة الاحتلالية بثلاث ذرائع:
(1) الأزمة المالية التي لا يحتمل الأمر معها استبقاء أعداد كبيرة من "موظفي الميرى" ووجوب التخلص في تلك الظروف ممن لا تدعو الحاجة الملحة إلى استبقائه.
وقد مهدت سلطات الاحتلال لذلك بجملة من التصريحات أدلى بها ممثلوها خلال النصف الثانى من عام 1884 ونشرها الأهرام..
فمن تصريح للمستر ادجار فنسنت مستشار المالية نشر في عدد 16 يونية "أن مصر على شفا الإفلاس والخزينة في أشد الضيق وستضطر الحكومة إلى توقيف الرواتب أواخر هذا الشهر"!
وفى خبر جاء في عدد 23 أكتوبر أنه قد "تقرر أن كل وظيفة تخلو من موظفها لأى سبب كان ورئى امكان الاستغناء علنها فراتب تلك الوظيفة يدخل في قلم الاقتصاد"! وأخبار أخرى عديدة.
(2) ضرورة تغذية الحكومة الخديوية بخبرات لا تتوفر في "العناصر المحلية" على حد تعبيره، وذلك توخياً لكفاءة آلة هذه الإدارة، ومع أن الرجل قد اعترف بأن هذه الحكومة قد استعانت بالعناصر الأوربية منذ عصر محمد على الأمر الذى توسعت فيه خلال عصر إسماعيل، إلا أن هذه التغذية كان مطلوباً تلك المرة أن تكون ذات طبيعة انجليزية بالأساس، بعد أن كانت دولية ذات غلبة فرنسية، وكان مطلوباً أيضاً أن تتولى المناصب الحاكمة Thkeyposts في الإدارة مما يمكنها من الهيمنة عليها.
عبر عن ذلك السير بيرنح في أحد تقاريره بقوله: "إذا أردنا إدخال تمدن الغربيين إلى مصر فلابد لإدخاله من رجال أوروبيين أو مصريين اشربوا روح التمدن الغربى.. والحد الذى يحسن الوقوف عنده في تعيين هؤلاء الأوروبيين والمصريين الذين تعلموا كالأوروبيين يتوقف على مقدار الموجود من هؤلاء المصريين الأكفاء وأصعب ما في هذه المسألة أن الموجود أقل من المطلوب بكثير"!
(3) انتشار الفساد في الإدارة المصرية الأمر الذى يتطلب التخلص من عناصره، هذا من جانب. وبث الموظفين الانجليز فيها ليكبحوا جماحه من جانب آخر.
مرة أخرى يعبر بيرنج عن هذا الرأي في تقريره الذى أصدره عن عام 1884 حين أفاض ف الحديث عن الرشوة، أو "الارتشاء" بتوصيف العصر، وانتهى إلى القول "أرى أن لا أمل في ملاشاة هذه العادة الخسيسة من بين الموظفين المصريين إلا إذا تمت بين العموم بل بين أولى المراتب روح الإصلاح التي تنكر مثل هذه الأمور الذميمة وتنبذها لمخالفتها للشرف والناموس"، ولم يكن هناك حل سوى أن يكون "أولى المراتب" هؤلاء من غير المصريين!
***
تنبأ الاهرام في عدده الصادر يوم 24 أكتوبر عام 1884 وعلى ضوء تصريحات ممثلي سلطة الاحتلال، أنه في غضون العامين التاليين سوف ينقص عدد "المستخدمين المصريين في الميرى" بمقدار الثلث.
وفى هذه المناسبة، رسم بشارة تقلا، وفى نفس العدد صورة قلمية بليغة للعلاقة بين المصرى والوظيفة الحكومية..
جاء في جانب من هذه الصورة "المصرى إذا ما هذبه والداه لا نجده يجد هو وأهله إلا للحصول على وظيفة في دوائر الحكومة ومتى حصل عليها انعكف بما لديه من المعدات لنوال النيشان والرتبة أو لزيادة الراتب كان أهلاً للخدمة أو لم يكن، وإذا ما قضى السنين الطوال في الخدمة تعود الكسل والبطالة فاستحال عليه أن يقوم بعمل آخر بل تعذر عليه نوال الرزق والمعيشة من المزروعات والأراضي لإهماله ذلك ولكن يحصر اهتمامه بالوظيفة ويصرف العناية إلى الحصول على منافعها المادية دون النظر في جهاتها الأدبية".
جاء في جانب آخر أن "الانصراف عن التعايش في الخدمات الميرى" ستبث في "المصرى همة جديدة لا تنكر فوائدها للبلاد وللأهلين على السواء"!
غير أن هذه الصورة رغم مصداقيتها، ربما حتى يومنا هذا، فإنها لم تكن العلاج للأزمة التي بدأت تلوح، فتغيير القيم يتطلب أولاً تغييرات في علاقات الإنتاج، وهو الأمر الذى لم يكن قد حدث بعد، وكان على الموظفين أن يوجهوا مصيرهم.
أسفر السير بيرنج عما يعد للموظفين من مصير في تقريره الذى وضعه عن مصر عام 1884، وجاء ف جانب منه "لا شك أن عدد المستخدمين يزيد عما هو مطلوب للقيام بالمصالح العمومية"، ثم أردف ذلك بالكشف عن الخطة التي وضعتها السلطات الاحتلالية للتخلص من جانب منهم.. قال:
"ان أسباباً كثيرة تمنع من رفتهم مرة واحدة.. فإن رفتهم لا يأتي بالاقتصاد المالى المطلوب إذ أن كل من يرفت له حق المعاش التقاعدى وهذا القانون كما لا يخفى مسترسل إلى درجة فارطة بيد أنى أرجو تنقيص عدد الموظفين من الأهلين (المصريين) مع مرور الأشهر والأيام"!
ولم يمض وقت طويل حتى بدأت التجربة الأولى، وكانت في أفقر شرائح الموظفين من الأهلين "من الخدمة السائرة أصحاب الوظائف الحقيرة كالفراش والجاويش وغيرهما"، فقد تقرر في نوفمبر عام 1884 حرمان هؤلاء من "المعاش التقاعدى"، توطئة لرفتهم دون تحمل أية مسئولية من قبل الحكومة.
ونرى أن هذه البداية من جانب سلطات الاحتلال كانت بمثابة جس النبض لما يمكن أن يحدث عند الانتقال لشرائح أخرى وبنفس التخطيط.. الرفت مع الحرمان من المعاش.
وتشير متابعة ردود الفعل على هذا القرار إلى ارتفاع الاحتجاج عل هذه البداية رغم تواضعها، وكان الأهرام من بين المحتجين..
كتب مدير الجريدة في افتتاحيته التي أرسلها من العاصمة يقول إن "المعلوم أن هذه الفئة من الموظفين جامعة لذوى الحاجة والفقر الذين تقضى علينا واجبات الإخاء بالمحاماة عن حقوقهم بأكثر من المحاماة عن حقوق أي فئة من أصحاب الوظائف العالية".
ويتساءل بشارة تقلا عن التكلفة التي يمكن أن تتحملها الخزينة تجاه هؤلاء وأن الانصاف يقضى بعدم "المساس بحقوق هذه الفئة الصغيرة الفقيرة وهى وغير ها من الموظفين سواء إزاء قانون المعاشات"، ويختم مقاله بمناشدة المسئولين بمعاملة "الخدمة السائرين بالرحمة والانصاف"!
بيد أن الأخبار تتالت بعد ذلك وكلها تشير إلى أن المستر فتزجرالد "رئيس قلم المحاسبات المصرية" قد سار في طريقه قدماً، الأمر الذى دعا الأهرام إلى أن يعلق مرة أخرى بعد أيام قليلة فيتهم الرجل بأنه "قرر أن يحرم صغار المستخدمين من الآن فصاعداً من الراتب التقاعدى ويحفظه فقط لكبار الموظفين (الإنجليز) الذين يتناولون الرواتب الفادحة ليبثوا الخلل في الإدارات المصرية ويقوضوا أركانها".
وقد كشف الأهرام بذلك أن الضرر في وقف الرواتب التقاعدى أو المعاش بلغة عصرنا انما يستهدف الموظفين المصريين، أو الأهليين على حد تعبيره دون غيرهم، وكان يقصد بغيرهم الموظفين الأوروبيين، وعلى وجه التحديد الإنجليز.
ولم ينس المحرر في هذه المناسبة أن يذكر ببعض المعلومات الت جاءت عن فتزجرالد في احدى الصحف الفرنسية من أنه "وإن كان ايرلاندى المولد فهو إنكليزي المشرب أكثر من الإنكليز أنفسهم"، وأخذ عليه أنه وضع في أمره الصادر في هذه الشأن مع الخدمة السائرة "جميع الأشخاص المحترفين وذوى الصنائع ليدخل ضمنهم عمال الورش والميكانيكيين في السكة الحديد وغيرهم من القائمين بخدمة الأشغال خدمة فعلية حقيقية بينما تفيض مكارم الحكومة على كبار الموظفين الإنكليز والعديمى المنفعة من جنسيات مختلفة الذين ضاقت بهم إدارة مستر فتزجرالد وسائر الإدارات"!.
وقد أصار الأهرام بذلك القضية الثانية من قضايا الموظفين في الحكومة المصرية خلال تلك السنوات المبكرة من الاحتلال البريطاني..
***
قضية شغل البريطانيين للوظائف الإدارية الكبرى في الحكومة المصرية فرضت نفسها على مصر حتى قبل الاحتلال البريطاني للبلاد، وكان المقصد منذ البداية الإدارة المالية ولا نضيف جديداً بالتذكير بالمستر ريفرز ويلسون وزير المالية في الوزارة المصرية الأولى التي تشكلت في أغسطس عام 1878 والتي عرفت بالوزارة الأوروبية.
رصد الأهرام تعاظم النفوذ البريطاني واحتلال المناصب الكبرى في الإدارة المصرية منذ أواخر عام 1884 وعزا ذلك إلى أن "رجال بريطانيا معتقدون بأنه ليس في مصر رجال يصلحون للإدارة ولذا فهم يأتون بأبناء جلدتهم لتحقيق الإصلاح المنوى من حكومتهم".
واعترضت الصحيفة شأنها شأن الصحف الأخرى، على تلك السياسة حيث ارتأت أن هؤلاء لا يعرفون من حالة البلاد إلا ما يلقنه لهم رجال الاحتلال فلا يخرجون عن دائرة خطة الاستعمار الإنجليزية، التي ثبت فشلها فيما اعتقده الأهرام، وخلصت من ذلك إلى أن الأفضل الاستعانة بمن في مصر من رجال "يأهلون للإدارة ويعرفون خل البلاد وخمرها" (!) فإن ذلك وحده الكفيل "بالفوز بالرغائب خلال سنة"!
ولا شك أن مدير الجريدة الذى كتب هذا التعليق قد حكمه حسن النوايا فهو قد قدم فكرته انطلاً من الغرض المعلن من رجال الاحتلال.. أنهم جاءوا إلى مصر للإصلاح!، وكانت الأيام وحدها هي الكفيلة بتبديد حسن النوايا وبالتأكيد على أن بعضاً من الشك من حسن الفطن!
أفضل شهادة عن السياسة الاحتلالية في توظيف البريطانيين في الإدارة المصرية هي الشهادة التي أدلى بها صاحب هذه السياسة ومنفذها.. السير ايفيلين بيرنج.
ومن خلال هذه الشهادة التي ضمنها الرجل في فصل مستقل في كتابه "مصر الحديثة" جاء تحت عنوان "الموظفون البريطانيون The British Officials يمكن الخروج بالخطوط الأساسية لهذه السياسة..
أحد هذه الخطوط متصل بمواصفات هؤلاء الموظفين وهى مواصفات رجل الإدارة الاستعمارى.. ففضلاً عن الخبرة الغنية والإلمام بلغة أجنبية إضافية، الفرنسية وتفضل العربية كان مطلوباً الالتزام بالأخلاق العالية والتحلى بدرجة كافية من المرونة والقدرة على إصدار الأحكام وأن يكون شخصية توفيقية ولكن ليس إلى حد الضعف ومن ثم فعليه أن يكون حازماً دون تصلب، وبالإجمال فالمطلوب أن يكون "ديبلوماسياً مدرباً وإداريا عليماً ورجلاً خبيراً بشئون العالم".
خط آخر متصل بالراتب والذى ذكر الرجل أنه لم يكن يقل عن ألفى جنيهاً سنوياً وتبدو جسامة هذا المرتب بالمقارنة بينه وبين مرتبات متوسطى موظفي الحكومة الذين كان المصريين يشكلون عمودهم الفقرى كانت مرتبات هؤلاء تتراوح بين 72 و144 جنيهاً سنوياً.
وكان من الطبيعى مع هذا أن يتولى هؤلاء ومنذ لحظة وصولهم إلى مصر المناصب الكبيرة التي تتوافق مع رواتبهم مما يقودنا إلى الخط الأخير.
تمثل هذا الخط في الزحف البريطاني من وزارة المالية إلى سائر الوزارات وقد بدأوا بوزارة الأشغال التي كان للفرنسيين الغلبة فيها منذ أن تولاها رجلهم دبلينير في الوزارة الأولى، وقد سعوا في هذا الصدد إلى الهيمنة على شئون الرى والتي كانت حتى ذلك الوقت من اختصاص "نظارة الأشغال العمومية" ثم إلى نظارة المعارف العمومية، فسائر النظارات المصرية.
***
مع ما يبدوا من أن الزحف البريطاني قد أضر بكبار موظفي الإدارة وكانت غالبيتهم من العناصر التركية، فإن هذا الضرر قد أضعف من اثاره كثيراً أن هؤلاء كان لديهم من فوائض مرتباتهم ما يعينهم على الاستمرار في الحياة في مستواهم. وقد سجل الأهرام هذه الحقيقة بقوله أن كبار الموظفين "يمكن أن يقتصدوا من قيم رواتبهم الباهظة ما يدخرونه ليقوم بأودهم في أيام شيخوخته.
من جانب آخر فقد شهد عاما 1885 - 1886 عملية تيسير استبدال هؤلاء لجزء من معاشهم أو به كله، بمساحات من الأراضى الحكومية المعروفة باسم "أراضى الدومين" وقد حفلت أعداد الأهرام في تلك الفترة بالأوامر التي نظمت هذه العملية والتي أفرزت في النهاية طبقة من كبار ومتوسطى ملاك الأراضى الزراعية من "الموظفين المرفوتين"!
الكارثة الحقيقية نزلت بمتوسطى نزلت بمتوسطى وصغار الموظفين والذين عانوا من جراء الزحف البريطاني من أمرين أولهما: إغلاق أبواب الترقى إلى المناصب العليا التي شغلها الموظفون الانجليز، وثانيهما: رفت أعداد كبيرة منهم لتوفير مرتباتهم ليتقاضاها الزاحفون!
يسوق الأهرام خلال الأسبوعين الأولين من عام 1885 أخباراً متلاحقة عن رفت العديد من الموظفين المصريين..
الخبر الأول ظهر ف العدد رقم 2108 الصادر يوم 3 يناير وجاء فيه "كانت نهاية العام الفائت بداية شؤم على كثيرين من الموظفين الذين تقرر رفتهم من وظائفهم وما هم بالعدد القليل.. فقد رأينا موظفي الضبطيات والدوائر البلدية وسواهم يرفعون من وظائف خدموها السنين الطوال والكثيرين منهم لم ينلهم من الرواتب إلا ما هو دون الطفيف.. وقد بلغنا أيضاً أن الحكومة قررت إلغاء وكالة البحرية في الإسكندرية إلى حضرة موريس بك وإحالة إدارة السفن التجارية في السويس والبحر الأحمر إلى حضرة هلتون بك.
الخبر الثانى جاء في العدد الصادر بعد ذلك بأربعة أيام. وكان قصيراً فقد ذكر أن إدارة البوليس "رفتت بعض ضباطها بوجه الاقتصاد"!
الخبر الثالث جاء في الأهرام الصادر يوم 14 يناير وكان خبراً موحياً لابد وأنه أثار الحزن مع الخوف بين "الموظفين في الأرض" من قراء الأهرام في ذلك اليوم.
نص هذا الخبر: "أعد المستر فتزجرالد قائمة بأسماء 26 موظفاً من صغار موظفي قلم الحسابات في نظارة الأشغال الذين لم تزد جميع رواتبهم عن 100 جنيه في الشهر لأجل رفتهم من المصلحة عملاً بمقتضيات الاقتصاد" وكان يمكن أن ينتهى الخبر عند ذلك إلا أن الصحيفة آثرت أن تضيف أنه "سيزاد على راتب أحد كبار الموظفين 200 جنيه في السنة وراتبه الحالي يبلغ 1200 جنيه"!
وفى هذا الجو من إنزال الكوارث بالموظفين المصريين اهتمت صحف العالم بما فيها الصحف الإنجليزية بما جرى..
ففي رسالة بعث بها "رجل أقام بمصر 20 سنة إلى جريدة التيمس" اللندنية ونقلها الأهرام يطلب صاحبها من القراء أن يقصدوا منزل سفارة بريطانيا في القاهرة، ويدخلوا الغرفة الشمالية ليروا "السير افلن بارنج يتداول فيما إذا كان من المناسب أن يرفت هذا المستخدم أو ذاك وفيما إذا كان يعين لهذا خمسة أو ستة جنيهات شهرياً"!
وفيه أيضاً تعالت أصوات الشكاوى كان منها الخبر الذى ساقه الأهرام عن رفع ثمانية أشخاص من موظفي البحرية "إلى دولتلو رئيس النظار عريضة وشفعوها بأخرى إلى جناب المستر فتزجرالد رئيس اللجنة المالية يتظلمون بها مما أصابهم من داهية الرفت الدهماء الناجمة عن صدور القرار بإلغاء وكالة البحرية من غرة السنة الحاضرة".
وفيه ثالثاً تتالت الأخبار من سائر الأقاليم عن حالة "الضنك" التي يعانى منها الموظفون..
كان منها ذلك الخبر الذى نشره الأهرام في 17 أكتوبر عام 1885 لمكاتبه في مديرية البحيرة وجاء فيه أن وزارة المالية قد طلبت اقتصاد ألف جنيه من ماهيات موظفي المديرية.
يقول المكاتب الأهرامى أنه "كان لهذا الخبر وقع عظيم لدى المستخدمين خشية أن يلحق بهم ضرر إذا تم الاقتصاد لتعذر القيام على المتوظف القليل الماهية بقوته الضرورى وأود عياله.. على أننا لم ننس ما ألم بنا في العام السابق من الاقتصاد والرفت فإن كثير ممن رفتوا أصبحوا في أشد الضيق وشظف العيش"!
وقد أنهى الأهرام رصده للكوارث المتلاحقة التي نزلت بالموظفين المصريين بقال طويل، كان بمثابة صورة قلمية أخرى، ولنفس الكاتب. بشارة تقلا مدير تحرير الجريدة، نرى أن نسوقها بنصها، فالصور حتى لو كانت قلمية غير قابلة للتجزئة، جاء فيها:
"كانت فاتحة عام 1885 ضربات متوالية على المستخدمين الوطنيين فقد رفت منهم العدد العديد عملاً بميزانية هذه السنة وإذا ما بحثنا في أسباب الرفت الحقيقية رأيناها بعيدة عن مبادئ الاقتصاد مبنية على وجوب حصر الوظائف والأعمال في أيدى الإنكليز ليس إلا وكفانا برهاناً دامغاً يتخذه المصريين حجة لاستنكار مثل هذه الإجراءات بينما يرون الكثيرين من إخوانهم الذين خدموا السنين الطوال باستقامة يسامون الرفت العنيف بدون شفقة ولا وسيلة لهم للعيش ولا حرفة تسندهم على تقويم أودهم وعائلاتهم يتضورون جوعاً".
وليس بعد التضور جوعاً "عذاب في الأرض"!

صورة من المقال: