ads

Bookmark and Share

الجمعة، 7 ديسمبر 2018

038 نزع العلم من فوق الصروح الافريقية

نزع العلم من فوق الصروح الافريقية
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 7 أبريل 1994م - 26 شوال 1414هـ

المسافر في البحر الأحمر وحتى مطلع ثمانينات القرن الماضى كان يشاهد العلم المصرى وهو يرفرف على كل موانى الساحل الغربى بدءاً من السويس في الشمال ومروراً بسواكن ومصوع اللتين كانتا تشكلان محافظتين مصريتين وانتهاء بعصب وجيبوتى وزيلغ وبربرة وحتى رأس حافون على الساحل الصومالى ولا يختفى هذا العلم إلا بعد أن تمخر السفينة التي يستقلها في مياه المحيط الهندى.
فالمعلوم أن الخديو إسماعيل كان قد في مد سلطان حكومة القاهرة على الساحل الغربى لهذا البحر الذى أصبح ساحلاً مصرياً بالكامل بل ووصل إلى القرن الافريقى حيث أمكن ضم أغلب موانى الصومال الشمالى.
وقد تمكنت الحكومة السنية في عصر إسماعيل من إقامة نظام حكم متحضر في تلك الأقاليم التي انتشرت "الصروح" على حد تعبير الأهرام فضلاً عن الأبنية الحكومية وإقامة الموانئ والمدارس وغيرها من المشروعات الخدمية غير أن كل ذلك تعرض للانهيار خلال الثمانينات ولجملة من الأسباب..
كان هناك أولاً الظروف التاريخى الذى صنعته الثورة المهدية بكل ما ترتب عليه من إجبار بريطانيا لمصر على الانسحاب من السودان الذى كان بمثابة القلب لكل تلك الممتلكات ولا شك أن الانسحاب من القلب كان لابد وأن يترتب عليه أضعاف للوجود في الأطراف.
كان هناك ثانياً ما أثبتته السنوات التي انصرمت ما بين افتتاح قناة السويس (1869) وسقوط الخرطوم في أيدى الأنصار (1885) من تعاظم استخدام طريق البحر الأحمر ومن ثم حرصت القوى البحرية الكبيرة على أن يكون لها وجود على هذا الطريق.
وكان هناك ثالثاً ما حدث خلال تلك الفترة من تعاظم استخدام السفن البخارية على حساب السفن الشراعية بكل ما صحب ذلك من الاتجاه إلى صناعة السفن ذات الحمولات الكبيرة والتي كانت تحتاج إلى مراكز للتموين بالفحم والمياه فضلاً عن الامدادات الغذائية.
وكان هناك أخيراً الاندفاعة الأوروبية التي عرفها العقدان الأخيران من القرن التاسع عشر الثمانينات والتسعينات باتجاه اقتسام افريقيا والتي عرفت بالتهام "كعكة الشيكولاتة" وقد أثار الجزء من الكعكة ممثلاً في الأملاك المصرية على البحر الأحمر لعاب العديد من القوى الاستعمارية.
ونترك للأهرام تحديد ماهية تلك القوى.
***
قبيل أيام قليلة من سقوط الخرطوم في أيدى المهدى وفى الصفحة الأولى من عدده الصادر يوم 15 يناير عام 1885 نبه الأهرام إلى تطلع عدد من القوى الأوربية إلى الأملاك المصرية في مياه البحر الأحمر وخليج عدن.
هذا المقال الذى جاء تحت عنوان "مصالح أوربا وفرنسا في البحر الأحمر" استهله كاتبه بالقول: "كان لنا من اندفاع إيطاليا إلى الاستيلاء على بعض ثغور البحر وتظاهر ألمانيا بشراء فرضة (محط السفن) الشيخ سعيد ومناداة صحف الروسية بوجوب إحراز محطة في سواحل البحر الأحمر دليل على أن شرقى افريقية الذى يحده البحر المذكور وخليج عدن سيكون حظه آجلاً أو عاجلاً مثل حظ غربيها فتتقاسمه الدول الأوربية وتتناول كل منهن نصيبها حباً بتوسيع مستعمراتها وتشوقاً إلى بسط سلطتها"!!
يحدد الاهرام بعد ذلك المناطق التي تسعى الدول الأوربية إل انتزاعها من مصر فيتحدث عن ألمانيا وإيطاليا اللتين "لهما أسوة بإنكلترا التي استبقت إلى احتلال سواكن وزيلع وبربرة وبفرنسا التي همت إلى احتلال أملاكها في ابوخ (أوبوك) وتاجورة. ولكن ما يستغرب هو مطامع ايطالع بالحاق أرض جديدة إلى أملاكها في عصب ورغبة ألمانيا في نشر علمها على أرض لا يزال مجهولاً فيها"!
ويكشف هذا المقال عن أنه فضلاً عن القوى الاستعمارية التقليدية بريطانيا فرنسا وروسيا فإنه ظهرت على خريطة أوربا خلال السبعينات قوى جديدة دخلت ميدان الاستعمار في القارة السوداء خلال نفس العقد المملكة الإيطالية والامبراطورية الألمانية.
ومن بين تلك القوى التي شحذت أسنانها لقضم قطعة الكعكة حصلت فرنسا وبريطانيا على النصيب الأوفى.
وقد أدت تطورات الصراع الاستعمارى حول افريقيا خلال الثمانيات إلى تشكيل العلاقات بين القوى الثلاثة إيطاليا التي غضبت من سبق فرنسا إلى احتلال تونس عام 1881 بعد أن كانت تتطلع إليها والأخيرة التي غضبت من انفراد بريطانيا باحتلال مصر في العام التالى بعد تاريخها الطويل فيها الأمر الذى انعكس على صناعة تحالف بين حكومتى لندن وروما في هذا الميدان الثالث ميدان الأملاك المصرية في "ضفة البحر الأحمر الغربية" على حد تعبير الأهرام.
ولما كان هذا التحالف قد تم في جانب منه تحت مظلة القوة البحرية البريطانية ولما كان قد تم في جانب آخر لمواجهة فرنسا فقد أطلقت الصحافة الفرنسية على الدور الايطالى وصف كلب الحراسة Chien de garde للمصالح البريطانية في البحر الأحمر.
وقد بدا ذلك في عملية مد الأيدى على "الكعكة المصرية" فبينما وجهت أقل الانتقادات إلى فرنسا فإن انتقادات أكبر وجهت إل حكومة لندن غير أن الانتقادات الحادة وجهت إلى الدور الايطالى.
لعل سبب ضعف الانتقادات التي وجهت للسياسات الفرنسية في الالتهام أن ممثلي حكومة باريس كانوا موجودين في المنطقة منذ عام 1862 حين احتلوا أوبوك أي قبل التواجد المصرى بشكل فعلى فيها وأن ما حدث خلال الثمانينات كان محاولة لتوسيع منطقة الوجود أكثر من صناعتها من الأصل.
وقد اتجه الفرنسيون في ذلك إلى الأسلوب الاستعمار المعتاد في تلك المرحلة أسلوب عقد المعاهدات مع المشايخ المحليين مما يعقبه إنزال هؤلاء للعمل المصرى ورفع العلم الفرنسي الأمر الذى استمرت حكومة القاهرة تقدم الاحتجاجات عليه.
ولعل ذلك الرد الذى بعث به ممثل فرنسا في أوبوك على أحد تلك الاحتجاجات التي طلب فيها المصريون إعادة العلم المصرى لمكانه بعد رفعه يقدم صورة لما كان يجرى.. جاء في هذا الرد:
"يؤسفنا عدم القدرة على إجابة طلبكم فإن النقطة التي كان العلم المصرى مرفوعاً فوقها هي ضمن ملحقات فرنسا بجهة أوبوك وهى الجهة التي صار مشتراها منذ زمن بعيد ولما أن النقطة المار ذكرها هي واقعة في ملحقات فرنسا فغير متيسر لنا أن نصرح برفع العلم المصرى فيها".
إذن فالقضية بالنسبة لفرنسا كانت (نزاعاً) حول أرض أكثر مما كانت (انتزاعاً) لأرض غير أن القضية بالنسبة لبريطانيا قد اختلفت نوعاً.
***
بريطانيا كانت في موقع أفضل بالنسبة للكعكة..
فهى من ناحية كانت قد احتلت مصر وكانت تستطيع من خلال ضغوطها على الحكومة المصرية أن تجبرها على سحب قواتها من الأراضى التي تسعى للحصول عليها دونما معارضة أو احتجاج.
وهى من ناحية أخرى كانت من أولى القوى الاستعمارية التي تواجدت في مدخل البحر الأحمر باحتلالها لجزيرة بريم عام 1799 ولعدن بعد ذلك بأربعين عاماً وإذا كان هذا الوجود قد بدأ على "الضفة الشرقية" من البحر فلاشك أنها كانت متطلعة أن تزاوجه بوجود على "الضفة الغربية"!
ثم انها من ناحية أخيرة وبعد أن أصبح أكثر من 80% من حجم التجارة في قناة السويس بريطانياً فإنها كانت في حاجة إلى تكثيف وجودها في البحر الأحمر حتى لا يتفوق عليه وجود آخر.
انطلاقاً من هذا الموقع المتميز بدأت عملية القضم البريطانية..
كانت "بربرة" القضمة الأولى وقد قال عنها بارنج المعتمد البريطاني في القاهرة وبالحرف الواحد "عندما تمايلت شجرة الوجود المصرى في البحر الأحمر كانت بربرة أول الفروع الهاوية وقد سقط تحت أقدام ملكة إنجلترا"!
وكانت عين حكومة جلالة الملكة على بربرة منذ وقت طويل فيما كشف عنه الرجل فهى "مفتاح البحر الأحمر ومركز المرور في شرقى افريقيا ومحط السفن الوحيد على الساحل الاريترى الغربى فضلاً عما يحيط بها من أراضى صالحة للزراعة" الأمر الذى جعلها مصدر الإمدادات الرئيسى لعدن.
أدى إلى عدم صعوبة هذه القضمة أن بربرة لم تكن من الأراضى التي تضمنتها الفرمانات السلطانية الممنوحة لمصر مما وفر لحكومة لندن الذريعة بأنها من الأراضى التي لم تقع تحت سيادة الدولة العثمانية صاحبة السيادة على مصر نفسها.
اختلف الأمر بالنسبة لزيلع التي كانت تحت السيادة العثمانية قبل أن تحصل عليها مصر عام 1875 وقد لعبت حكومة لندن في هذا الشأن لعبة كانت تعرف نتائجها مقدماً بدعوة الباب العالى لاستئناف سيادته الفعلية على هذا الميناء وشاركتها الحكومة المصرية في هذه الدعوة فيما أوضحه الأهرام في عدده الصادر يوم 5 فبراير عام 1885.. قال:
"من البين أن الحكومة المصرية لم تنجل عن زيلع إلا مكروهة ونعلم علم اليقين أنها أوضحت في ذاك الحين للدولة العلية ماهية الأسباب التي اضطرتها إلى ذلك وإذا كان المالك الشرعى لتلك البلاد انما هو الجناب السلطانى فبانجلاء الحامية المصرية رجع الملك إلى سيده وكان له أن يتخذ الوسائل الضامنة والصائنة تلك الحقوق"!
غير أنه من البين ايضاً أن الحكومة البريطانية كانت تعلم نتيجة اللعبة وهى عجز الدلوة العثمانية بسبب العسر المالى أن تستأنف أعمال السيادة الفعلية على زيلع التي تكلفها أعباء مالية لا تقدر عليها خاصة وأن الحكومة الإنكليزية قد اشترطت على الباب العالى: "أن يعمل على منع الاتجار بالرقيق ويتعهد بأن لا يتنازل عل قسم منها لأى دولة كانت ولا يضرب رسومات (مكوس) على الموانى المذكورة" فيما أشار إليه الأهرام.
أعطى التقاعس العثمانى للبريطانيين المبرر لاحتلال زيلع لتشكل مع بربرة ركائز لما أصبح يعرف "بالصومال البريطاني".
وقد عبر الأهرام عن خيبة أمله من نكوص الحكومة العثمانية عن انقاذ تلك الأراضى حيث علق بقوله: "علمنا أيضاً أن حكومة مصر لم تتأخر عن أن تبلغ الباب العالى بكون الحاميات الموجودة في تلك الموانى ضعيفة لا يسعها أن تعارض أية قوة أوربية فعلى الباب العالى أن يتدارك ذلك.. ولكن الباب العالى لم يتخذ تحفظاً قط فجرى ما جرى"!
القضمة الأخيرة كانت هرر التي لم تبق في فم الأسد البريطاني طويلاً ويعترف السير بيرنج أن الوزراء المصريين قد قاوموا فكرة الجلاء عن تلك المقاطعة الغنية وان المسئولين البريطانيين هم الذين رتبوا لعملية اجلاء الحامية المصرية عنها والتي زاد عددها عن ثمانية آلاف وانه قد أسندت إدارتها إلى أحد أبناء الأسرة الحاكمة القديمة الذى لم يستمر طويلاً في الحكم فقد نجح امبراطور الحبشة في اسقاطه وضمه إل ممتلكاته بعد أن تغاطت حكومة لندن عن ذلك العمل!
اليد الثالثة التي امتدت للكعكة كانت اليد الإيطالية والتي لقيت نقداً شديداً عبرت عنه الأهرام في الكثير من أعدادها..
مصدر من مصادر هذا النقد ما استشعره المصريون من أن حكومة روما تحصل على نصيب من الكعكة في اطار صفقة مع بريطانيا تعقب الأهرام أخبارها.
جاء فى العدد الصدار يوم 5 فبراير أخبار المعاهدة التي عقدت بين "إنكلترا وإيطاليا" وساق منها ثلاثة شروط "أن تعضد إيطاليا جميع مطالب إنكلترا المتعلقة بمصر ولا تفعل شيئاً يمنعها من أن تجعل لنفسها مركزاً ممتازاً في وادى النيل ثانياً: أن تحتل إيطاليا الأراضى الواقعة على ساحل البحر الأحمر من حد مصوع إلى مستعمرة أبوخ (أوبوك) الفرنسوية ثالثاً: أن تعضد إنكلترا إيطاليا في احتلال طرابلس الغرب اللهم إلا إذا قضت الحوادث السياسية بأن تدخل مسألتها تحت محاورة الدول".
المصدر الآخر أن مصوع كانت احدى قائمقاميتين حصلت عليهما مصر من الباب العالى بفرمانات عالية وكانت سواكن القائمقامية الأخرى مما ينم عن قدر أهميتها.
***
يبدو مدى تلك الأهمية من الخبر الذى نشرته الأهرام في 23 يونية عام 1885 وجاء فيه بالحرف الواحد:
"من ماكتبا في مصوع: افتتح رسالتى هذه بتكرار ما كنت التمسته قبل مرة من وجوب الترخيص للجرائد العربية المصرية بالورود إلى ثغرنا كعادتنا فإن قراء جريدتكم متشوقون إل مطالعتها آسفون على حرمانهم منها وينتظرون ورودها بفارغ صبر" وما احتواه هذا الخبر من وجود مراسل وقراء للجريدة في الميناء انما يدل على درجة العلاقة معه.
ومن ثم جاء الاهتمام البالغ من المصريين بمصير مصوع الأمر الذى تابعه الأهرام بامتداد عام 1885.
فقد تابع الأهرام أولاً وبعد الأنباء التي جاءت عن الاتفاق الايطالى الانجليزى التحركات الحربية الإيطالية لاحتلال مصوع وزولا وبيلول التي أبدت حكومة لندن عدم ممانعتها من أن تقوم حكومة روما باحتلالها.
فقد أرسلت إيطاليا في غضون ذلك العام ثلاث حملات إلى المنطقة قال الأهرام عن أولاها "سيرت إيطاليا إلى سواحل البحر الأحمر أسطولاً يحمل أوراقاً مختومة وأوامر سرية" الحقتها بحملة ثانية أشار إليها في عدده الصادر يوم 11 فبراير فثالثة كتب عنها في عدد 19 فبراير ما نصه: "أفاد البرق أنه وصلت إلى بورسعيد التجريد العسكرية الإيطالية الثالثة في 17 الجارى مؤلفة من 925 جندياً معهم 63 رأساً من الخيل والبغال وأربع صندوقات من الجنيهات وهى الأموال المخصصة لنفقات هذه الحملة".
وتابع الأهرام ثانياً ردود فعل الدولة العثمانية للمحاولات الإيطالية لاستعمار تلك الجهات التي لم يكابر أحد في سيادتها عليها.
منذ البداية وفضت الحكومة المصرية طلباً ايطالياً "بالتنازل عن مصوع لكونه مغايراً لنص الفرمانات السلطانية" وأرسلت إلى الباب العالى تستنهضه للدفاع عن حقوقه وجاءها الرد الذى نشره الأهرام في 13 فبراير وكان مما ورد فيه "أن حكومة الحضرة السلطانية آخذة في التحوطات اللازمة صوناً لمصلحتها وقد تشكرت للجناب العالى على اقامته الحجة (تقديم الاحتجاج) ضد احتلال إيطاليا مصوع".
وبعد أن تقدمت الحكومة العثمانية باحتجاجها إلى حكومة روما ردت الأخيرة بأن الحكمة هي التي قضت باحتلالها مصوع "محافظة على الطمأنينة والراحة العمومية في تلك الجهات" ثم مضت ف طريقها لا تلوى عل شيء!
تابع الأهرام أخيراً عملية نزع الراية المصرية من على صروح الميناء الشهير ورفع الراية الإيطالية مما يشكل فصلاً محزناً في تاريخ الوجود المصرى في افريقيا..
ففي العدد الصادر يوم 19 فبراير يسوق خبر وصول الاسطول الإيطالي على المدينة واجتماع قائده بوكيل المحافظة الذى أعلن له أنه لا يمكنه السماح للإيطاليين باحتلال المدينة دون احتاج، وأن "العساكر الإيطالية احتلت البلد ثم احتلت الحصون والضواحى وقد نشرت العلم الإيطالي بجانب العلم المصرى" وردت على الاحتجاج الذى قدمه وكيل المحافظة بأنها "ستعامل الحامية المصرية فيها بالمودة ولا تتعرض لنزع العلم المصرى من فوق صروحها"!
بعد أقل من شهر يجئ في خبر آخر أن الايطاليين شرعوا في تحصين مصوع وفتح خنادق أمامها وبناء أرصفة في مينائها وأن "العساكر الإيطالية منعت العساكر المصرية من النزول إلى بيلولة".
وتمر شهور أخرى ويستمر ورود الأخبار المقلقة بمزيد من الهيمنة الإيطالية على مصوع مما خلق ردود أفعال مصرية سجلها الأهرام بقوله: "هاج خواطر العموم وخصوصاً الوطنيين الذين كانوا ينظرون إلى هذه الدولة بعين المودة.. وقد ضربت أهمية هذه المسألة على أهمية وقوع الخرطوم".
الخطوة الإيطالية الأخيرة جاءت أخبارها ف أواخر العام يوم 23 ديسمبر عام 1885 وقد ورد فيه أن قنصل إيطاليا في مصوع قد توجه بصحبة عدد من وظفى القنصلية "ونفر من العساكر" إلى منزل وكيل المحافظة المصرى وتلا عليه أمراً من "الجنرال قائد عموم جيش الاحتلال يعلن له وجوب تسليم ديوان المحافظة وجميع مصالح الحكومة لحضرة القنصل بدون توان والسفر عاجلاً مع جميع العساكر والمستخدمين المصريين إلى مصر".
تبع الايطاليون ذلك بأن أحلوا موظفيهم محل الموظفين المعزولين "ثم انزلوا العلم المصرى ورفعوا العلم الايطالى وكان ذلك الأمر عظيماً على الأهليم ولئن لم يحدث شيء يخل الراحة".
وكان كل ما استطاعه وكيل المحافظة أن رفع احتجاجاً ضد الدولة الإيطالية "وأرسل إلى الحكومة الخديوية يستأذنها في مبارحة مصوع"..
وتحت ضغوط سلطات الاحتلال في القاهرة والعجز العثمانى عن مواجهة الايطاليين لم يكن أمام الحكومة المصرية إلا أن تبعث له بالإذن ليستقل بعده مع موظفيه وعساكره الوابور "مسير" قافلين في موكب حزين إلى السويس لتطوى مع العلم صفحة من صفحات الوجود المصرى في البحر الأحمر خلال التاريخ الحديث.

صورة المقال: