ads

Bookmark and Share

الأحد، 18 نوفمبر 2018

036 شيوخ المناصر

شيوخ المناصر
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 24 مارس 1994م - 12 شوال 1414هـ

نوعية الجرائم لا تنفصل عن مجمل التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعرفها مرحلة تاريخية بعينها، وهو ما شهدته السنوات الأولى التي أعقبت الاحتلال البريطاني.. سنوات النصف الأول من ثمانينات القرن الماضى...
فأخبار الجريمة التي حرص الأهرام خلال تلك السنوات على أن يسوقها في صفحته الثالثة في الغالب، وإن كانت أحياناً تقفز إلى صفحته الأولى تبعاً لأهميتها، انما تكشف عن نوعية جديدة من الجرائم لم تكن معروفة على هذا النحو من قبل..
من تلك الجرائم مشاجرات المدن التي كان أطرافها من الأجانب، وكان لها مذاق مختلف عن تلك التي كانت تنشب بين المصريين، خاصة من أولاد البلد، غير أن الأهم منها ما حفلت به تلك السنوات من تشكيلات عصابية كانت تمارس نشاطها في العادة في مناطق الريف، وهى التي أسماها الأهرام "بالمناصر" وقد تفشت على نحو دفع الناس ومكاتبى الأهرام إلى إرسال استغاثاتهم المتتالية التي تشكل فصلاً مهملاً من التاريخ المصرى وفصلاً مهماً من صفحات جريدتنا!
ونبدأ بالنوعية الأولى..
***
الوجود الأجنبي في مصر الذى بدأ يتزايد بشكل ملحوظ في عهد سعيد باشا (1854 - 1863) ثم تصاعد بشكل حاد في عصر إسماعيل (1863 - 1879) كانت له قسمات خاصة، إلا أنه عرف في أوائل الثمانينات وبعد الاحتلال بعضاً من المتغيرات..
فيما يتصل بالقسمات فقد جاءت الغالبية العظمى من الأوروبيين في مصر من اليونانيين والإيطاليين يليهم بعد ذلك الرعايا البريطانيون فالفرنسيون.
وكانت الغلبة في تلك الجاليات الأوروبية لسكان بلاد البحر المتوسط، حتى الرعايا البريطانيين فقد جاء أكثرهم من جزيرة مالطة التي كانت أحد ممتلكات التاج البريطاني.
يلاحظ أيضاً أن الوجود اليوناني قديم في مصر بحكم أن اليونان قد استمرت خلال ثلاثينات القرن التاسع عشر قسماً من الدولة العثمانية، وبالتالي كان أبناؤها رعايا للدولة يتنقلون بين أنحائها دونما قيود.
نفس الملاحظة تنطبق على الوجود الإيطالى، فقد استمر تجار المدن الإيطالية يتعاملون مع السواحل المتوسطية العربية بما فيها مصر طوال العصر العثمانى وذلك بعد أن انصرف عنها سائر تجار غرب أوروبا في تعاملهم مع الشرق بعد التحول إلى طريق رأس الرجاء الصالح أواخر القرن الخامس عشر، ومن ثم فقد احتكر الايطاليون تقريباً خطوط البحر المتوسط التجارية حتى أعادت حملة نابليون على مصر والشام الاهتمام بتلك الخطوط إلى سائر الأوروبيين أواخر القرن الثامن عشر.
يلاحظ أيضاً أن النسبة الأكبر من هذه العناصر كانت تأتى من الطبقات الدنيا في هذه البلاد، ويشير إحصاء عن نسبة الأمية بين أبناء تلك الجاليات في أوائل سنى الاحتلال أنها قد بلغت أكثر من 40% بين اليونانيين ونحو 34% بين الايطاليين وأقل من ذلك قليلاً بين الرعايا البريطانيين.
ويلاحظ أخيراً أن عدد هؤلاء قد تزايد عل نحو ملحوظ في أعقاب الاحتلال، فتشير التقديرات إلى أن عدد الأوروبيين في مصر قبيل الثورة العرابية بلغ 90 ألفاً خرج منهم نحو 20 ألفاً في أثناء أحداث الشغب الدموى التي عرفتها الإسكندرية في يوليو 1882 ليعودوا بعد الاحتلال البريطاني للبلاد ومعهم 20 ألفاً آخرين ليقترب العدد إلى نحو 110 آلاف، ومن بين هؤلاء نشأت النوعي الأولى من الجريمة في مصر..
لقد عاد أولئك الذين انحدر أغلبهم من أصول طبقي دنيا مستظلين بوقوع مصر في قبضة قوة أوروبية لن تسمح بتكرار تعرضهم لما تعرضوا له من رفض خلال أحداث الثورة، خاصة أن حجة من أهم الحجج البريطانية في البقاء في مصر بعد ذلك كانت "حماية أرواح الأجانب وممتلكاتهم" ومستظلين في نفس الوقت بنظام الامتيازات الذى يقصر محاكمتهم في الجنايات على "المحاكم القنصلية"، وهى المحاكم التي كانت تتشكل بمعرفة قناصلهم والتي كانت توفر لهم الفرصة للإفلات من العقوبات التي يستحقونها.
وكان من الطبيعى بعد ذلك أن تحفل صفحات الجرائد بأخبار الجرائم التي يرتكبونها، وربما كان "الأهرام" أكثر اهتماماً بتلك الأخبار خلال تلك السنوات التي استمر يصدر فيها من الإسكندرية بحكم أنها استمرت تستأثر بالغالبية العظم من أبناء الجاليات الأوروبية.
ويبدو المذاق المختلف لهذا النوع من الجرائم من أكثر من جانب..
استخدام العنف على نحو لم يكن مألوفاً بين المصريين واستخدام "الريفولفر" بتعبير الأهرام، أي الطبنجات، في المشاجرات التي كانت تنشب بين هؤلاء.
يدل على ذلك ما جاء في أحد أعداد الأهرام في يوليو 1885 ونصه: "الساعة العاشرة من الليلة الفائتة سمع من تجاه مخازن شيكولانى صوت انطلاق ستة عيارات نارية فتراكض الجميع من القهاوى والمحلات المجاورة للاطلاع على ما هناك وإذا يونانى واقف وبيده ريفولفر فلما وصل الجميع إليه عاد فأطلق ستة عيارات أخرى إلا أن بعضاً من الحضور أقدموا نحوه ليمسكوه ففر هارباً"!
تسوق الصحيفة في عدد أخر خبراً عن مشاجرة بين ايطالى ويونانى في الأزبكية "فضرب الأول الثانى بمدية وجرحه في بطنه جرحاً بليغاً ينذر بالخطر".
خبر ثالث جاء في أهرام أول سبتمبر عام 1885 عن العثور على أحد البلغاريين "من أتباع روسيا قتيلاً في دكانه بشارع الابراهيمى فقبض البوليس على ثلاثة من رفقائه وأخذ يتحقق المسألة بمعرفة أحد مندوبى القنصلية الروسية.."
وتشكو الجريدة من انتشار ظاهرة استخدام الأسلحة النارية على نطاق واسع في مناطق سكنى الأوروبيين فتقول في أحد اعداداها "لا يكاد يمر يوم لا نسمع فيه خبراً عن الحوادث التي تجرى في الرمل من جراء إطلاق البنادق بين المنازل" وتروى في هذه المناسبة حادثة جرت لنائب قنصل إنكلترا في الإسكندرية وكان سوياً اسمه شكرى خورى، مؤداها أنه بينما كان الرجل يتنزه في حديقة منزله في الرمل مع بعض ضيوفه جاءهم طلق نارى من البيت المجاور فأصاب ثلاثة منهم". وتناشد الصحيفة في هذه المناسبة "القنصلاتو التابع لها الشخص المعتدى أن تعامله بحسب ما تقتضيه أصول العدالة"!
* من جانب آخر فإن نمط الحياة الأوروبية الذى انتشر في الإسكندرية والقاهرة بإنشاء المحال الزاخرة بالسلع المستوردة وخزائن الايراد والبنايات الحافلة بما خف حمله وغلا ثمنه قد أثار بلا شك أطماع اللصوص الجدد من "أسافل اليونان وذعر الطليان" على حد تعبير شاهد معاصر.
يقول الاهرام في 28 أكتوبر عام 1884 أن اللصوص "سطوا على مخازن الخواجة اخوان ستروس في جوار الوكالة المعروفة بالوكالة الإنجليزية بجوار المحاكم الأهلية فسرقوا منه ما توازى قيمته 50 جنيهاً"، ويسوق خبراً آخر بعد أقل من شهر عن سرقة مخزن لأوروبى بشارع المسلة "وسرقوا منها ما وصلت إليه أيديهم ونقوداً نحو 60 جنيهاً"، وأخياراً أخرى عديدة عن جرائم مشابهة.
* من الجرائم الأخرى التي حملها "السفلة" معهم جريمة تزييف النقود التي أشار إليها أحد أعداد شهر أبريل عام 1884 والذى جاء فيها خبر "القبض على أحد مروجى النقود المزيفة في الزقازيق واتضح أن له شريكاً في العاصمة يسك النقود ويبثها بواسطة أناس على شاكلة المقبوض عليه".
ولما كان يكتفى ف عقوبة مثل هؤلاء بالنفى خارج البلاد لفترات محدودة "أو مؤبدة" فإن كثيرين منهم كان يتسلل عائداً مرة أخرى، الأمر الذى دعا الداخلية في مصر إلى تخصيص مجموعة من رجال البوليس السرى أو "البصاصين" بلغة العصر للاندساس داخل الأوساط الأوروبية الدنيا للبحث عن هؤلاء لنفيهم مرة أخرى، ولم تكن تستطيع أن تفعل أكثر من هذا في ظل نظام الامتيازات المجحف.
***
النوعية الثانية الت تفشت في الريف المصرى والتي تمثلت في "المناصر" كانت الأهم، وكانت بدورها أحد الأبناء غير الشرعيين للمرحلة التاريخية..
فقد حفل الأهرام بأخبار التشكيلات العصابية التي كانت تهاجم أبعديات وعزب كبار ملاك الأراضى وتعمل فيها نهباً وسلباً، ولم يكن هذا التفشى ليأتى بطريق الصدفة، فقد صنعته مجمعة من المفردات التاريخية.
كان مما صنعه نشأة الملكيات الزراعية الكبيرة واستقرارها خلال العقود السابقة، وهى نشأة بدأت بلائحة الأراضى عام 1847 وانتهت إلى لائحة المقابلة عام 1871، وكانت الغالبية من الملاك الجدد ممن ينطبق عليهم توصيف "الملاك الغائبين".
فباستثناء أعيان الريف ومشايخ البدو كان كبار الملاك من أبناء أسرة محمد على وكبار الموظفين والأجانب وأغنياء المدن لا يعيشون في الريف.
رغم ذلك فإن هؤلاء الأعيان كانوا يقتنون السرايات أو البيوت الكبيرة في عذبهم وأبعادياتهم مما كان هدفاً مرغوباً من تلك التشكيلات العصابية.
تؤكد ذلك جملة من الأخبار التي ساقها الأهرام.
فعن الهجوم على ممتلكات الطبقة التركية الحاكمة جاء في أحد الأعداد "كتب إلينا من دمنهور أن 40 لصاً هجموا بعد منتصف ليل أمس الأول على منزل حضرة إبراهيم أفندى نصار مفتش عزبة إنجه هانم في بسطرة وسلبوا موجوداته وما عثروا به من الحلى والمصاغ وقد أخذ حضرة وكيل المديرية ورجال البوليس يستقصون ويبحثون عل الفاعلين وقبضوا بالأمس على واحد منهم" قال المكاتب: "وكان هؤلاء اللصوص متنكرين بالزى الأفرنجى وفى رؤوسهم برانيط ولكنهم من أبناء العرب"!
جاء في عدد آخر هجوم "جماعة من اللصوص على عزبة إسماعيل أفندى رستم التابعة لـ مركز محلة منوف غربية وأطلقوا عيارات نارية أصابت صاحب العزبة وقضت بالوفاة على نسيبه وسلبوا أمتعة ونقوداً" وأشار خبر ثالث إلى الهجوم على عزبة خورشيد بك والذى تكرر فيه ما حدث بالنسبة لرستم.
أما عن الهجوم على عزب كبار الموظفين المنحدرين من أصول مصرية والذين نجحوا وقتذاك أن يشكلوا شريحة هامة من طبقة كبار الملاك فتأتى الإشارة إليه في أكثر من عدد من أعداد الأهرام.
فمن الغربية تأتى الأخبار في مايو عام 1884 عن الهجوم على أبعدية محمد أفندى نجيب، ومن منفلوط تصل الأخبار في يوليو من العام التالى عن الهجوم على أبعدية "انجال غالى بك".
وفى هذا المجال حمل الأهرام خبراً مفصلاً عن هجوم "زمرة من اللصوص على عزبة صاحب العزة هلال بك المعروفة بعزبة صافور بمركز السنبلاوين.. وقد دخلت اللصوص إل العزبة بأمان وسلبوا ما كان عند المزارعين من حلى ونقود وغادروا العزبة آمنين فتتبع أثرهم رجل أسود وأطلق عليهم عيارات نارية فلقى منهم أضعاف أضعافها ومن هنا يستدل على أن عددهم كان كثيراً"!
ولما كان معروفاً أن "نظار" تلك الأبعديات والأواسى والعرب كانوا يجمعون ريعها في خزائن خاصة، فقد كانت تلك الخزائن هدفاً أساسياً من أهداف تلك المناصر فيما يرويه الأهرام في أحد أخباره..
جاء في هذا الخبر الذى بعث به مراسل الأهرام في الشرقية أن جماعة سطوا "على منزل الحاج عبد الجليل وطلبوا إليه أن يسلمهم مفتاح الخزينة فلم يتمكن من إجابة طلبهم إذ لم يكن مفتاح الخزينة معه فأوسعوه ضرباً وجراحاً ثم عمدوا إلى الخزينة الحديد فكسروها وأخذوا منها نقوداً تبلغ قيمتها 10 آلاف جنيه وجرحوا أحد عساكر البوليس ونحو 15 نفراً، وأغرب ما في المسألة أنهم أجروا كل ذلك وفروا هاربين دون أن يضبط واحد"!
ويمكن النظر إل هذا التفشى ثانياً في إطار العلاقة القديمة بين البدو والفلاحين، وهى علاقة قامت على ابتزاز الأولين للآخرين من خلال استخدام العنف، أو التهديد باستخدامه. ولدرء حالة عدم الاستقرار التي استمرت تصنعها التعديات البدوية على سكان الريف فقط اتبعت الحكومة المصرية منذ عصر محمد على سياسات تستهدف إقرار العربان وتحويلهم إلى ملاك أراض أو مزارعين، وهى سياسة اتبعها خلفاؤه دونما استثناء، وإن لم تكن قد استكملت مقوماتها حتى السنوات الأول من عهد الاحتلال. ومن هؤلاء العربان تكونت أغلب "المناصر" وكان بعض من شيوخهم هم الذين تحولوا إلى شيوخ مناصر فيما أشارت إليه الأخبار التي نشرها الأهرام..
تؤكد ذلك طبيعة الميادين التي مارست فيها لك التشكيلات العصابية نشاطاتها، فقد كانت في الأغلب الأعم في المديريات التي تقع على أطراف الدلتا، مثل البحيرة والشرقية، أو الصعيد، حيث يتزايد الوجود البدوى.
ولم يقتصر الخطر الذى يشكله هذا الوجود على المناطق الريفية فحسب بل أنه امتد إلى بعض المناطق المتاخمة للمدن الكبرى فيما يشير إليه خبر في الأهرام الصادر يوم 8 أغسطس عام 1885، جاء فيه:
"ليلة الاثنين الماضى هجم منصر من اللصوص مؤلف من نحو 20 نفراً متزيين بزى العربان على عزبة حضرة أحمد أفندى تحيمر بجهة حجر النواتية التي تبعد عن محطة السيوف مسرة 10 دقائق ثم عاودوا الهجوم ليلة الأربعاء وتبادلوا مع أهالى العزبة إطلاق العيارات النارية".
وقد تنبه الأهرام لدور البدو في تلك العصابات فكتب مراسلة في الفشن مقالاً طويلاً قال فيه بعد أن أشار إلى تعديات اللصوص والأشقياء "ليس بخاف أن أكثر هؤلاء هم من العربان المنتشرين في البر الشرقى وباشتراكهم مع الخفراء الفلاحين يؤلفون مناصر فيسهل عليهم الإيقاع بخلق الله"!
أخيراً فإن تفشى الظاهرة يمكن أن يعزى لحالة الفوضى التي صاحبت أحداث الثورة العرابية ثم ما تبعها من احتلال الانجليز للبلاد، وهى حالة شحبت معها سلطة الحكومة في الأقاليم الأمر الذى أتاح الفرصة لتشكيل تلك العصابات وتعديها على "خلق الله" حسب تعبير الأهرام.
يؤكد ذلك الرسالة التي تضمها وثائق الثورة والتي وجهها أحمد عرابى إلى مديرية بنى سويف يطلب منه فيها وضع من يتعدى من العربان على الأهالى في السجون.
***
بادرت الحكومة المصرية لمواجهة ظاهرة شيوخ المناصر بجملة من الإجراءات تراوحت بين الإغراء والتأديب.
يقول خبر في الأهرام أن مفتش الفشن قد "استقدم مشايخ العربان المقيمين بالحواجز مع مشايخ القبائل وخابرهم بأنه عازم على أن يدفع لهم قيمة المرتب بالميزانية ولقاء ذلك يتعهدون بمسئوليتهم بكل ما يخل بالراحة العمومية" بكل ما يحمله هذا الخبر من اتباع الجانب الأول من جوانب السياسة.. الإغراء!
أما التأديب فقد تعددت مناحيه..
من تلك المناحى هذا الاجتهاد الظاهر الذى قام من خلاله رجال الإدارة في تعقب شيوخ المناصر وتقديمهم إلى المحاكمة وكان من أشهرهم "أبو جريشة" وكان من نواحى ايتاى البارود. وقد أطنب الأهرام في ذكر تعدياته على طنطا ونواحيها، كذا "نصار الشقى كبير الأشقياء ومن قطاع الطرق وله اخوان وأعوان" في الزقازيق.
منها أيضاً تشكيل لجان للتحقيق والمحاكمة السريعة لتلك التشكيلات وهى اللجان التي عرفت باسم "قومسيونات الأشقياء" والتي صدر "ديكرتو خديو" بها تقرر بمقتضاه أن "يباح لها حق الحكم على المرتكبين نهائياً" وقد حياً الأهرام تلك اللجان التي تكونت من رجال "ذوى درية واستقامة"!
وقد شرعت هذه اللجان على الفور في محاكمة من يقبض عليه من رجال المناصر وأصدرت عديداً من أحكام الإعدام على وجه السرعة على من تثبت إدانته منهم..
وكان يتم تنفيذ أحكام الإعدام بشكل علنى متعمد فيما حفلت به أعداد الأهرام خلال النصف الثانى من شهر يوليو عام 1885، فكاتبه في مديرية قنا يسوق خبر شنق محمد فرج "في أشهر نقطة في البندر وفى يوم السوق وأنزلت الجثة من على المشنقة ودفت وكان المنظر هائلاً والمشهد مؤثراً ولم يحصل والحمد لله ما يكدر الراحة"،  ومكاتبه في سمالوط يسوق بعد ذلك بثلاثة أيام وصفاً مشابهاً لشنق "مرسى حسن أحد الأشقياء الذين حاكمتهم لجنة تحقيق الجنايات بالوجه القبلى"، وبعد ثلاثة أيام أخرى يبعث مكاتبه في بنها بوصف تفصيلى لإعدام محمد دخيل الذى جئ به "مغلول الأيدى محاطاً بنفر من البوليس إلى وسط سوق البندر بحضور سعادة المدير وحضرة كل من حكمدار البوليس وحكيمباشى المديرية وجمع غفير من أجانب ووطنيين"!
وليس من شك أن المقصود من وراء تلك الإعدامات العلنية ثم نشرها في الصحف على نطاق واسع مما بدا من خلال متابعة الأهرام، كان العبرة وتخويف سائر التشكيلات العصابية ووضع مشايخ المناصر في جحورهم أو دفعهم لاعتزال مشيخاتهم، وهو أمر لم يكن ليحدث فجأة بل كان يتطلب وقتاً حتى تدخل قصص المناصر ومشايخها في ذمة التاريخ وتصبح من قبيل الروايات التي تتناقلها الأجيال.

صورة من المقال: