ads

Bookmark and Share

السبت، 17 نوفمبر 2018

034 "اغتيال الاستبداد للأهرام"

"اغتيال الاستبداد للأهرام"
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 10 مارس 1994م - 28 رمضان 1414هـ

اختار الأهرام هذا العنوان لعدد من أغرب أعداده. هو العدد رقم 2023 الصادر في 22 سبتمبر عام 1884.
وتتعدد الروافد التي صبت في نهر غرابة هذا العدد..
أحد هذه الروافد أنه خصص الصفحات الثماني لهذا العدد عن موضوع واحد هو تعطيل حكومة نوبار للأهرام خلال ما يزيد قليلاً عن شهر "اثنين وثلاثين يوماً" على وجه التحديد.
الرافد الثانى أن العدد قد صدر على شكل "رواية تاريخية صادقة" على حد التعبير المحرر، تشتمل على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة.
رافد ثالث أنه يؤرخ لأزمة سياسية ربما تعتبر من أشهر الأزمات التي دخلت، ليس فقط في تاريخ الصحافة المصرية، وإنما في التاريخ المصرى بعد 1882، وكان بطلها الأهرام، ولنبدأ القصة من أولها..
ففي يوم الثلاثاء 19 أغسطس عام 1884 أصدر رئيس النظار دولتلو نوبار باشا قرار بتعطيل الأهرام لمدة شهر لأنها "نشرت جملة مواد سياسية من شأنها خدش سلطة الحكومة الخديوية.. مما يعد مخلاً بالنظام العموم"!
وفى الفصل الأول من الرواية التي تضمنها هذا العدد من الأهرام يروى سليم تقلا كيف أن رئيس النظار استدعى مفتش بوليس العاصمة وألقى إليه الأمر شفاهة وطلب منه التوجه فوراً إلى الإسكندرية لوضعه موضع التنفيذ، وأن الرجل - وكان اسمه يوسف بك دوبرى - قد استقل "الاكسبريس" الذى أوصله إلى الثغر قرب منتصف الليل حيث التقى بالمحافظ الذى أصدر بدوره الأمر إلى مفتش بوليس الإسكندرية الذى لحق به "معاونو المحافظة ورجال البوليس والبصاصون الماهرون".
وكل ذلك يتم بين الساعة الثانية والنصف والساعة الرابعة من منتصف الليل وفقاً لهذا الفصل الذى وضعه صاحب الأهرام بشكل روائى!
***
الفصل الثانى جاء تحت عنوان "في تاريخ الحادثة" روى فيه ما جرى بين الساعة السادسة والساعة التاسعة من صباح يوم الأربعاء 20 أغسطس عام 1884.
والفصل طويل غير أن "زبدة" ما جاء فيه على حد تعبير سليم بك أن صراعاً قد دار بين ممثلي "ضبطية الإسكندرية" الذين جاءوا لتنفيذ القرار وبين "صاحب المحل" الذى رفض العاملون عنده تسلم أي قرار قبل وصوله.. محور هذا الصراع أن سليم تقلا رفض تنفيذ القرار "لأنى ومحلى - كما قال - تحت الحماية الفرنسوية فليس لى أن أقبل منك شيئاً إلا بواسط قنسلاتو فرنسا"!، وأن رجال الضبطية لم يلتفتوا إلى هذه الحجة ونفذوا الأمر "بالقوة الجبرية"!
ويصور هذا الفصل ما كانت تعنيه كلمة الحماية في ذلك الزمان، ونتر الرواية لسليم بك.
قال: "وريثما أتموا العمل حضر اثنان من يسقجية (حراس) قنسلاتو فرنسا وسألاهم عن تعديهم وأنهم إنما عملوا ذلك ضد من هو من حمايا فرنسا فأجابوهما أنهم مأمورين بإجراء ذلك بالقوة الجبرية، وبعد قليل زمن حضر جناب القنسلاتو مع اليسقجية وسألهم رفع الأختام وفتح المحل مع إقامته الحجة عليهم وحفظ حقوق القنسلاتو فأجابوه بالسلب وقالوا أنهم أتموا ذلك بالقوة الجبرية سألهم وهل تمنعوننى إذا شئت رفع الأختام أجابوه اننا نمنع ذلك بالقوة فتقدم حينئذ حضرته مع اليسفجية إلى الباب فمنعهم البوليس من الدنو منه".
وعد هذا المشهد الدرامى يصل هذا العدد الغريب من الأهرام إلى خاتمة الفصل الثانى، لنأخذ استراحة قصيرة نلتقط فيها الأنفاس ونتعرض على الأسباب التي دعت إلى تتابع الأحداث على هذا النحو المتسارع.
***
كان النصف الأول من ذلك العام، 1884، قد شهد أحداثاً بالغة الدلالة، فمن ناحية كان قد تأكد أن "انجلاء العساكر الإنكليزية" الذى عول عليه المصريون والقوى الكبرى، خاصة فرنسا، قد تأجل إلى موعد غير محدد تحت دعوى حماية مصر من المخاطر التي تواجهها من حدودها الجنوبية.
ومن ناحية أخرى وبعد حادثة إجبار وزارة شريف على الاستقالة في مطلع العام تبين جميع الأطراف أن قوة الاحتلال قد نوت عل إحكام قبضتها على الشئون المصرية، ولم يكن مطلوباً بعد ذلك استمرار المهادنة مع هذه القوة، وهو ما فعله الأهرام..
فعله من خلال معركة دخلها مع صحيفة "الاجبشيان جازيت" الناطقة بلسان السلطة الاحتلالية، حين خاض معها معركة عنيفة خلال صيف ذلك العام وأسماها "بالوريقة الساقطة".
وفعله من خلال حملة شنها على الوجود الاحتلالى والتي تعددت مظاهرها، ففى مستهل مقال تحت عنوان "بحث في المسألة المصرية" يقول مدير الجريدة "أجمع الخطباء وكتاب السياسة رأياً على فساد سياسة إنجلترا وسوء تدبيرها في مصر واعترف بذلك فريق من رجالها وأشارت إليه جرائدها متأسفة معنفة إجراءات رجالها من كبيرهم دفرين إلى آخر منحط الرتبة منهم في مصر" وفى أخبار العاصمة يبدى مدير الجريدة أيضاً عجبه من استعمال الصحف لألفاظ انجليزية "على حين يقوم في لغتنا الشريفة ألفاظ أخرى تناسبها". وفى حديث طويل بين بشارة تقلا وبين أحد كبار المصريين "غيور على شئون الحكومة والوطن". وهو وإن لم ينشر اسمه إلا أنه لن يخرج عن أحد رجلين، شريف أو رياض، يردد الأهرام مجموعة من الأفكار لابد أنها تكون قد أزعجت دار المعتمد البريطاني بالقدر الذى أزعجت به رئيس النظار نوبار باشا.
فقد طالب في هذا الحديث الذى نشره الأهرام يوم 12 مايو عام 1884 بأن يمثل شريف أو رياض مصر في المؤتمر الدولى الذى كان على وشك الانعقاد في العاصمة البريطانية للنظر في المالية المصرية طالب أيضاً بأن يلقى زمام الإدارة في أيدى المصريين وأن تنحصر مراقبة الدول في الأمور المالية فقط وطالب ثالثاً بوضع حد لاستخدام الأجانب "ومرتباتهم الفادحة وتكون معامل الوطنى والأجنبى سواء". طالب أخيراً بإرسال "تجريدة عثمانية" لإخماد الحركة المهدية لأنه "ثورة إسلامية في بلاد إسلامية".
وفعله أخيراً من خلال الرحلة التي قام بها مدير التحرير، بشارة تقلا، إلى أوروبا من حيث أخذ يرسل تحقيقاته، وكانت زاخرة بالنقد للسياسات البريطانية في مصر.
أحد هذه التحقيقات مع الماركيز سالسبورى زعيم حزب المحافظين، وكان في المعارضة وقتذاك، كان مما جاء فيه اتهام بشارة للإنجليز "بهضم حقوقنا" وأن النفور منهم "ليس محصوراً في مصر فقط بل وفى الشرق عموماً.. وليعلم سيدى أن بين مسلمى الهند والشرق صلات مستمرة وقد علم الهنديون بسوء سياستكم عندنا فاتفقوا معنا وصارت قلوب الجميع نافرة عنكم"!
في تحقيق آخر مع رئيس تحرير جريدة "البال مال جازيت" التي كانت تدعو إلى الإبقاء على احتلال بريطانيا لمصر جرت مبارزة كلامية بين الرجلين قال له بشارة في نهايتها: "أو ما كفانا ما حل بنا من الخراب بحلولكم بيننا". وقد ردد الرجل مثل هذه العبارات في لقاء آخر له في نفس اليوم مع قطب آخر من أقطاب المحافظين هو اللورد راندولف تشرشل.
لعل أخطر ما أزعج سلطات الاحتلال الدعوى التي أطلقها مدير تحرير الأهرام في رسالته المنشورة في العدد الصادر يوم 4 يوليو 1884 تحت عنوان "واجبات المصريين نحو الوطن" بانتخاب وفد أو ما أسماه "بالعمدة" ليقوم بالمفاوضة ممثلاً للمصريين، أو كما قال بالحرف الواحد موجهاً كلامه إلى عمد البلاد وأعيانها ووجوهها وأغنيائها: "أدعوكم بإلحاح أن تؤلفوا قلوبكم وتفوضوا أموركم إلى عمدة تنوب عنكم بالمحاماة عن حقوق الوطن فتجئ لندن وغيرها من عواصم الممالك المهمة وتُرفع إلى حكوماتها التقارير الشارحة بما هو جار في البلاد وتسألهن العضد ولا نعدم منهم نصرة تتكفل بتحقيق الأمانى" وهو ما استجاب له المصريون، ولكن بعد خمسة وثلاثين عاماً (1919)!
آخر هذه التحقيقات المنشور يوم 11 أغسطس وهو الذى تذرعت به حكومة نوبار من وراءها سلطات الاحتلال "الاغتيال الأهرام" على حد تعبير الرواية التي نتابع فصولها.. تناول هذا التحقيق جانباً من جلسة لمجلس العموم حضرها الرجل، وتناول في جانب أخباراً عن حضور الشيخ محمد عبده إلى العاصمة البريطانية واجتماعه مع عدد من النواب.
وتناول أخيراً ما كتبه في جريدتى الديبا الفرنسية والبال ما الإنجليزية، وكيف أن أحد الوزراء الانجليز علق عليها بأن "قلمه حاد لأن ما كتبه قد أثر في رأينا العام ضد رجالنا بمصر"!
وكان على الأهرام أن يدفع ثمن كل ما فعله الأمر الذى يدعونا إلى العودة لمتابعة بقية فصول الرواية كما جاءت في ذلك العدد الغريب من الأهرام.. العدد 2023.
***
الفصل الثالث أسماه الأهرام بـ "الملاحظات المهمة" وقد انصب على التنويه بسياسات الصحيفة وأنه ليس فيها ما يؤخذ عليها.. ساق سليم تقلا في هذه المناسبة القواعد الأربع لتلك السياسات والتي كان الأهرام قد سجلها في عدد الذى عطل بسبب ما جاء فيه، وهى: "الذود عن استقلال القطر المصرى العزيز، الذب عن حقوقه ومطالبه الشريفة، المحافظة على امتيازاته الممنوحة من لدن الخلافة العظمى والمضمونة من دول أوربا أجمع، احترام الحقوق المقدسة لمقر الخلافة العظمى".
ودلف منذ ذلك إلى القول بأنه لا يتصور أن هناك من يختلف مع الأهرام حول هذه الأركان وأنها "تؤيد سلطة الحكومة ولا تخدشها" وأن من ينكرها "من بين الملايين السبعة المصريين خان وطنه ويعد في حكم العدم"!
نقطة الضعف الرئيسية التي استشعرها سليم تقلا في موقف الأهرام من تلك القضية هي تذرعه بالحماية الفرنسوية للدفاع عن ةنفسه ضد "اغتيال الاستبداد" مما دفعه إلى أن يخصص جانباً من هذا الفصل لتبريرها، قال بعد أن استعرض بعض مظاهر الاستبداد في الشرق "نعم ولا شك أن صدور هذه الأعمال عن بعض المستبدين في الشرق هي التي دفعت الكثيرين من رعايا البلاد إلى التمسك بذيل الحماية الأوربية تخلصاً من الحيف وهرباً من الاستبداد ولا حاجة للبرهان فالأمر الصبح ظاهر"!
***
الفصل الرابع من الرواية وكان أطول فصولها فقد استغرق نحو نصف الرواية، أربع صفحات من ثمان، استعرضت فيه الصحيفة، ما نشرته الجرائد بالحرف (بالنص) بشأن حادثة الأهرام، وتتعدد الملاحظات حول هذا الفصل..
(!) أن الأهرام لم يترك صحيفة في مشارك الأرض ومغاربها تناولت بالنشر محاولة اغتياله إلا وساق ما كتبته في هذا الصدد. بدأ بمقالات "الجرائد المحلية العربية والافرنجية" عرج بعد ذلك إلى "ما نشرته الجرائد السورية" انتهى منها إلى "مقالات الجرائد الأوربية".
ولم يغفل الأهرام في هذا الفصل تسجيل ما جاء في تقارير وكالات الأنباء العالمية أو ما كان يسمى بلغة العصر "مقالات الشركات التلغرافية"!
ويبدوا من حجم ما نقلته الصحيفة عن تلك المصادر مدى الأهمية التي حظيت بها القضية على تلك المستويات.. المصرية والعربية والعالمية بحكم ما أثارته من أزمة سياسية.
(2) لم يجد الأهرام في هذه المناسبة بأساً من نقل ما جاء في بعض الصحف التي حبذت "الاغتيال"، خاصة تلك الصحف التي انحازت للاحتلال في مصر وعلى رأسها كل من "الاجبشيان جازيت" و"ذي تميس أو اجيبت".
الجريدة الأولى اتهمت الأهرام بالعمالة لفرنسا بقولها: "ولقد طالما اشتبهنا بكون جريدة الأهرام نصف رسمية للحكومة الفرنسوية فيلوح أن اشتباهنا كان مبنياً على أساس" والثانية انتحلت المبررات للحكومة في محاولة الاغتيال وارتأت أن لها أن "تستخدم الإجراءات القاسية نحو الجرائد التي تتجاوز الحدود أو يترتب على منشوراتها خطر على النظام العمومى"!
(3) بالمقابل فقد نقل الأهرام عن كل الصحف التي أدانت محاولة الاغتيال وكانت الغالبية العظمى، وكأنما أراد بذلك أن يؤكد أن أنصار الحرية أضعاف أنصار الاستبداد.
من الصحف العربية كانت "مرآة الشرق" صاحبة أكثر الأصوات ارتفاعاً في دفاعها عن الحرية، وان اكتفى أغلبها بالإعراب عن أسفه(!)، أما من الصحف الأجنبية فقج انبرت الصحف الفرنسوية لإدانة "الفعلة النوبارية" بكل قوة، وقد احتلت "البوسفور اجيسيان" مكاناً متقدماً في هذا الميدان حتى أنها خصصت أغلب مساحة عددها الصادر يوم 21 أغسطس لهذه القضية، ومعلوم لدارسى الصحافة أنه كان لتلك الصحيفة أزمة أكبر من أزمة الأهرام بعد ذلك بشهور، وكان لها نفس القسمات.
(4) الصحافة السورية اتخذت موقف الإدانة من تعطيل الأهرام، ولم يشر الاهرام إلى صحيفة واحدة من أربع تناولت الموضوع شذت عن ذلك النهج، وموقف تلك الصحف مفهوم على ضوء الأصل السورى لأصحاب الأهرام، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن القارئ السورى كان يعرف الأهرام بحكم أنه كان له قراؤه في تلك البلاد وهو ما نوهت به الصحف التي تناولت القضية خاصة جريدة "الجنة"!
(5) بالنسبة للصحافة الأوربية لم يمتنع الأهرام عن نقل بعض ما جاء في الصحف الإنجليزية خاصة "البال مال جازيت" التي امتلأ تعليقها بعبارات الشماتة في صاحب الأهرام "الذى تظاهر أمام الجمهور الانكليزى بأنه النائب الحقيقى عن الحزب الوطنى المصرى"، وقد بشرت قراءها بأنه "قد منى بمصيبة وعطلت جريدة المبشرة بالهياج"!
بيد أنه على الجانب الآخر أفاض فيما جاء في الصحف الفرنسية التي دافعت عن الأهرام دفاعاً قوياً خاصة "الديبا" التي تبنت القضية واستمرت تتناولها في أكثر من عدد من أعدادها.
(6) من بين وكالات الأنباء الأجنبية انفردت "شركة هافاس" - وكالة الأنباء الفرنسة - بالنصيب الأوفى من التقارير، وكانت في مجملها ذات طبيعة إخبارية.
لم ينس الاهرام في نهاية الفصل أن يتقدم بالشكر لكل من اهتم بالقضية بما فيها الصحف التي اتخذت منه موقف العداء خاصة "الاجبشيان جازيت" التي أعلنت للعموم أنها مؤيدة الاستبداد وناصرة للظلم"!
***
الفصل الأخير من الرواية الواقعية تناول الأزمة السياسية التي تفجرت بين الحكومتين المصرية والفرنسية بسبب محاولة الاغتيال، وجاء تحت عنوان "ما جرى من المخابرات بشأن هذا الحادث بين قنسلاتو فرنسا والوزارة المصرية"، ويمثل ذلك الذى جرى قمة الدراما في الرواية..
تشير المخابرات التي أوردها الأهرام أنه قد تم في البداية محاولة حل المسألة على المستوى المحلى.. محافظ الإسكندرية وقنصل فرنسا بها ولكن المحاولة باءت بالفشل.
في اليوم التالى، 21 أغسطس، انتقلت الاتصالات إلى المستوى الدولى حين تقدمت الحكومة الفرنسية باحتجاج رسمي على اغلاق الأهرام وطالبت بإعادة فتح مطبعته بحضور مندوب من القنصلية، وحفظ ما لصاحب الأهرام من حقوق نتيجة للأضرار التي نزلت به، وأخيراً تقديم اعتذار رسمي من ممثل الحكومة المصرية لممثل فرنسا(!)
في محاولة من جانب نوبار للرد أشار إلى أن الحكومة المصرية لم "ترتكب ذنباً"(!) لأنها تقصر اعترافها بالحماية الفرنسية على شخص صاحب الاهرام ومديره، سليم وبشارة تقلا، وعلى "أشغالهما المتعلقة بالدير الفرنسوى لكونهما وكيلين له لكنه لا تعتبر أن الحماية تشمل صناعتهما أو أشغالهما الخصوصية".
ترفض فرنسا هذا العذر ويؤكد قنصلها في رده أن المعاهدات الدولة تذكر أن "الحماية تشكل الأشخاص وجميع أعمالهم وتجارتهم وصناعتهم وأملاكهم" وتوجه إلى الحكومة المصرية صباح يوم الاثنين 25 أغسطس إنذاراً، عادت لتؤكده صباح يوم الجمعة التالى.
مضمون الإنذار فيما جاء في الفصل الخامس من الرواية "بأن يقدم دولتلو نوبار باشا للقنسلاتو كتاباً يعلن فيه ارتكابه الخطأ بما أجراه ضد الأهرام والوعد بعدم العود إلى مثل ذلك في المستقبل، وحضور محافظ الإسكندرية بصفة رسمية للاعتذار والترضية" وهو ما انصاع له نوبار وتم تنفيذه بالكامل بعد ظهر يوم الاثنين الأول من سبتمبر عام 1884.
الاختلاف الذى حدث كان حول عودة افتتاح المطبعة، وما إذا كانت تتم فوراً أم تنتظر إلى حين انتهاء مدة الشهر التي جاءت في قرار رئيس النظار، وقد نجح نوبار من خلال المنهج الذى اتبعه مع القنصلية الفرنسية في استهلاك الوقت في تبادل المراسلات في تعطيل صدور الأهرام ما بقى من الشهر.
وتنتهى الرواية صباح يوم السبت 20 سبتمبر بقدوم يوسف بك دوبرى مفتش بوليس مصر الذى قام بإغلاق المطبعة لتسليم المفتاح لسليم بك تقلا الذى رفض استلامه دون وجود مندوب من المحكمة لتقدير الخسائر مما أخر عملية الاستلام حتى الساعة الثالثة بعد الظهر.
بعد ذلك بيومين عاد الاهرام للصدور وبه الرواية كاملة التي استعرضناه في السطور السابقة والتي أنهاها كاتبها بخاتمة أعرب فيها عن سروره بقوله أن ما جرى "دل الناس على ما للأهرام من المكانة السامية لقاء الظروف التي جرت فيها العمل بحيث جعلت للمسألة شأناً كبيراً فتناقل خبر الجرنال جميع الألسنة العربية والأعجمية وجميع الجرائد العربية والأفرنجية الشرقية ثم الافرنجية الغربي وشركات تلغرافية فكان له من الشهرة في تعطيله ما كان له من ذلك في أوقات نشره"!
وهذه الخاتمة من صاحب الأهرام إن كشفت عن شيء فإنما تكشف عن أن محاولة اغتيال الأهرام قد فشلت وقدر له العمر الطويل ليعاد الكتابة عنها على صفحاته وبعد 110 عاماً من حدوثها (1884 - 1994) بالتمام والكمال!

صورة من المقال: