ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 14 نوفمبر 2018

033 أخبار لا تسر الخواطر!

أخبار لا تسر الخواطر!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 3 مارس 1994م - 21 رمضان 1414هـ

إذا كان مستهل عام 1884 قد شهد استقالة من أشهر الاستقالات التي عرفها تاريخ الوزارة المصرية، وهى استقالة شريف باشا اثر رفضه تنفيذ السياسة البريطانية بإخلاء القوات المصرية من السودان، فإن بقية العام قد عرف صراعاً سياسياً بين ما تمسكت به الوزارة الشريفية وبين القوى الداعية إلى تنفيذ السياسات الاحتلالية، باختصار فقد دار هذا الصراع بين الداعين للبقاء في الجنوب والداعين لإخلائه، ولم يكن الأهرام بعيداً عن ذلك الصراع، بالعكس فقد اختار أن يكون في بؤرته!
وقد أشعل من هذا الصراع الأخبار التي كانت تترى من الجنوب والتي شدت الاهتمام إلى تتبع أحداثها، وهى أحداث وجدت فيها أطراف الصراع - خاصة دعاة البقاء - زاداً لا ينفد لإثبات صحة ما ذهب إليه شريف باشا، الأمر الذى أدى إلى تفجر المعارك، بعضها كان مكتوماً في دوائر الحكومتين المصرية والبريطانية، وبعضها كان علنياً وجد طريقه إلى صفحات الجرائد..
من أهم تلك المعارك المعركة التي جرت بين "الأهرام" و"الاجبشيان جازيت"، وهى معركة تستحق التأريخ بحكم المكان الذى احتلته في الديوان. ديوان الحياة المعاصرة!
و"الاجبشيان جازيت" من الصحف الإنجليزية القليلة التي صدرت في مصر ناطقة بلسان "التبعة الإنكليز" أو بلغة عصرنا الجالية الإنجليزية المقيمة في البلاد، وقد أخذت على عاتقها بالطبع الدفاع عن السياسات الاحتلالية، بل كانت أحد المؤثرات في توجيه سياسة الخارجية البريطانية من الاحتلال المؤقت إلى الاحتلال الدائم.
ومن ثم فقد تربصت هذه الصحيفة بأى صحيفة أخرى تهاجم المحتلين أوتنتقد سياستهم، ومن هنا بدأت معركتها مع الأهرام التي تعرضت بالانتقادات لتلك السياسات فيما يخص المسألة السودانية..
وقد بدأت المعركة حين اتهمت الاجبشيان جازين الأهرام بانه ينشر "أخبار" لا تسر الخواطر"، ثم ظلت تصعد الاتهام إلى أن ارتأت أن ما ينشره الأهرام "يثير الخواطر"!
ولنتابع المعركة من أولها..
***
تشير متابعة أعداد الأهرام لعام 1884 إلى استياء القائمين على تحريره مما تقرر من سياسة إخلاء السودان من القوات المصرية، ففي مقال طويل لبشار تقلا حذرت الجريدة من عواقب تلك السياسة.. فهو من ناحية فند الحجة البريطانية بأن اتباع سياسة الاخلاء انما نتج عن عجز الخزينة المصرية عن الوفاء باحتياجات بقاء السودان تحت إدارة حكومة القاهرة، بأن ذكر سلفاً بأن البقاء لن يكلف تلك الخزينة أكثر من ربع مليون جنيه، بينما سيكبدها الاخلاء نحو ثلاثة ملايين هي قيمة "المقتنيات" التي سوف تخلفها في تلك البلاد، وهو من ناحية أخرى رفض الفكرة التي روجت لها بعض الدوائر الإنجليزية بأن الإخلاء سوف يؤدى إلى تخفيض الجزية التي تتقاضاها الدولة العثمانية من مصر وذكر بأن هذا الرأي في غير محله لأن جزية مصر مرهونة تحت سلفة يتناولها أرباب الأسهم بضمانة دولتى فرنسا "وانكلترا" وهو من ناحية أخيرة إشارة إلى ما سيسببه إهمال السودان من خسائر ذات بال للتجار المتعاملين مع تلك الأصقاع مع وطنيين وأجانب.
انبرت الجازيت، أو الغازت حسب تسمية الأهرام تتهم بشارة "بسوء القصد"، الأمر الذى دفعه إلى التعليق بأن الأهرام لا تخاف وعيداً أو تهديداً وقد ثبتت القدم في خدمة البلاد وأخذت على نفسها ألا تعرض عن مبادئها المخلصة مهما تعاقبت الأيام".
بعد تلك المناوشة الأولى بأيام قليلة جاءت الأخبار عن اتصالات بين "الإنكليز والأحباش" شاقتها الجازيت وقالت أنها تأتى ضمن سياسات حكومة لندن لمواجهة "دراويش السودان"، الأمر الذى دعا الأهرام إلى تسفيه الفكرة، وأنها لو وضعت موضع التنفيذ لضاعفت الأخطار المحيطة بمصر ولم تقلل منها، وعلى حد تعبيره أن "الاستعانة بالحبشة على السودان تبعث على إشارة حرب بين قبائل همجية تضطرب معها الأفكار"!
وف تلك الأثناء كان الأهرام قد تبنى حلاً للمشكلة السودانية وأوضح أن رجال سلطات الاحتلال في القاهرة أو دوائرها الخارجية البريطانية لم ترض عليه..
الحل في رأى الأهرام باللجوء للدولة العثمانية لترسل قواتها لإخماد العصيان، وقد اعتمد القائمون على تحرير الجريدة في المطالبة بهذا الحل على جملة من الأسباب..
فهذا الحل نفسه قد تقدم به شريف باشا قبل استقالته من رئاسة الوزارة بعد أن رفضت السلطات البريطانية الأخذ به وفرضت بدلاً منه سياسة "ترك السودان" على حد تعبير الأهرام.
وهذا الحل، في رأى الجريدة، يتفق مع الشرعية بحكم أن السودان مثله مثل مصر، كان من الناحية القانونية جزءاً من الدولة العثمانية فيما تقرر في الفرمانات التي حصل عليها كل من محمد على وحفيده الخديو إسماعيل.
ثم أن هذ الحل إذا ما تم اللجوء إليه كفل بأن يقى مصر مخاطر التهديد من جانب "الدراويش" إذا ما خلا لهم الجو السودانى وسيطروا على مقدراته، وتطلعوا بعد ذلك إلى الأراضى المصرية، ولم تكذب الأحداث مخاوف الأهرام.
أخيراً فإن الحل الذى دعت الصحيفة إلى الأخذ به سيكون أقل تكلفة مما لو تدخلت "القوات الإنكليزية" عسكريا، فما يمكن أن يقوم به أربعون ألفاً من تلك القوات يمكن أن يقوم به عشرون ألفاً من العثمانيين، بحكم أن هؤلاء الأخيرين مدعومون بقوة الدين على اعتبار أنهم جنود الخليفة على عكس "الإنكليز".
وقد اقتنصت الجازيت هذا الجانب من الحل واتهمت الأهرام بأنه "يبخس العسكرى الانجليزى بسالته"، الأمر الذى دعا الأخير إلى الرد بأن "الغازت خدت وجه الحقيقة ونقلت الرواية ونسبتها إلينا وأنها تضطرنا إلى رد مقالها عليها بما يشغل محلاً من جريدتنا على وفرة الأخبار وأهميتها"!
اقتنصت أيضاً قول الأهرام تدليلاً على امكان الأخذ بالحل الذى يدعو بأنه يوجد في السودان عشرة آلاف من الجنود غير النظامية (الباشبوزق) يمكن استخدامهم وأن "تركه" سوف يؤدى إلى مشكلة تسريح هؤلاء، فقد تساءلت الصحيفة الناطقة بالإنجليزية بخبث وهى تسعى إلى دحض حجج الأهرام، عن هؤلاء الجنود وفى أي مكان فى السودان يوجدون، الأمر الذى يبدو أنه قد وضع القائمين عل تحرير الأهرام في حرج.
لم يمنعهم ذلك من اتهام الجازيت انها قرأت "عبارة الأهرام ولم تفهمها مع وضاحتها وهو عيب".. فقد قال الأهرام في هذا المعنى أن "في تلك الجهات نحو عشرة آلاف معظمهم من العساكر الشايقية أي الباشبوزق السودانى.. ولعل حضرة الغازت لا تفهم بلفظة الباشبوزق إلا العساكر المتطوعة القادمة من الأناضول"!
وخلصوا من ذلك إلى القول أن "الغازت تكتب ما يخطر لها دون ترو وقد تعودت على مثل ذلك ولم يضطرنا للرد عليها إلا الظن بإمكان وجود واحد يغتر باعتراضاتها"!
***
بعد تلك الاشتباكات المبكرة بين الأهرام والجازيت والتي شهدها شهر يناير عام 1884، شهر استقال وزارة شريف، ورغم ما بدا منها من رنة التهديد التي استخدمتها صحيفة الجالية الإنجليزية في مصر، فإن الأهرام لم يضع في حسبانه هذه الرنة واستمر خلال الشهور الأربعة التالية متبنياً في نفس الاتجاه.. الهجوم على السياسات البريطانية حيال السودان، الامر الذى أدى إل تجدد المعارك بينه وبين الاجبشيان جازيت خلال شهر مايو من نفس العام.
فقد هاجم الأهرام تلك السياسات من خلال إفراد حيزاً معتبراً لموقف حزب المحافظين البريطاني، والذى كان وقتذاك في المعارضة واتخذ موقف النقد الشديد من سياسة حكومة الأحرار حيال السودان.
من مظاهر ذلك ما نشره الأهرام بشكل بارز في عدد الصادر يوم 25 فبراير عام 1884 عن الاقتراح الذى قدمه اللورد سولسبرى في مجلس اللوردات "للتنديد بسياسة الحكومة في السودان مذكراً بالكوارث العظيمة التي أوجبت عليه طرح لائحته (اقتراحاته)".
منها أيضاً سلسلة المقالات التي كتبها بشارة خلال النصف الأول من أبريل والتي جاء في أحدها "أن الرأي بإخلاء السودان ليس من الصواب في شيء بل هو فاسد من عين أصله وما أردت بذلك تحاملاً أو افتئاتاً بل كان بعد التروى والعلم بالارتباط المحكم من سنين طوال بين مصر والسودان وبعد الوقوف التام على دقائق أحوال القطرين فإن السودان كلفت مصر قدراً كبيراً من المال فضلاً عن الرجال ومعاناة الأهوال"!
منها أخيراً تسفيه للمؤتمر الذى انعقد في العاصمة البريطانية في أوئل شهر مايو وتساؤله عن الفائدة "من تسوية مالية مصر والثورة السودانية قائمة على قدم وساق وراية العصيان مرفوعة وسياسة التردد والبعد عن الحزم تزيد نار الثورة ضراماً"، وكان هذا فوق ما تطيق الجريدة الإنجليزية التي قررت العودة إلى النزال!
في العدد الصادر يوم 28 مايو 1884 خصصت الجازيت مساحة كبيرة للهجوم على سياسات الأهرام، الأمر الذى دعا سليم تقلا في عدد جريدة الصادر في اليوم التالى إلى التنبيه إلى أن "وريقة الغازت تمادت في الغى وتجردت عن كل معنى أدبى إذ اختلقت علينا أخباراً كاذبة قصد أن تثبت أن جريدتنا (تثير الخواطر)، وقد اخترنا أن نوافيها في عدد غد برد يناسب حالتها ويوقفها عند حدها".
ووفى الأهرام بوعده في عدده الصادر يوم 30 مايو وخصص نصف صفحة من صفحاته الأربع للرد على الجازيت..
اتهم سليم الاجبشيان جازيت في مستهل هذا الرد بعد الفهم أو الخجل "ونسبت للأهرام ما ليس لها إذا كنت لا تفهمين لغتنا العربية ولا عندك من يفهمها فهل يكون ذنب الأهرام. بالنسبة إليك إلا ذنب الشمس للعين الرمداء"!
ولما كان صاحب امتياز الأهرام قد اشتم من هجوم الجازيت لوناً من استعداء السلطات عليها فقد خصص الجانب الأهم من رده لتفنيد قول المستر لويد رئيس تحرير الجريدة الإنجليزية.. فتحداه أن يقدم من الحجج ما يفيد من جمل الأهرام داعياً للثورة.. "وإلا فأحجامك برهان ساطع على سقوط دعواك بل على قحتك وحسدك وجهلك وطيشك"!
ودلف من ذلك إلى التذكير بأن الأهرام قد "بسط الرسائل الضافية الذيول بشأن ما كان من سوء السياسة في مسألة السودان ثم جاءت الحوادث، مصدقة على ما قالت حتى أشهر الجرائد الإنكليزية وكتابها".
ذكر كاتب المقال أيضاً الجازيت أن "الأهرام قال أنه لا وسيلة لحسم النازلة السودانية إلا إرسال حملة عثمانية لأن الثورة دينية والبلاد عثمانية فامتعضت الجازيت من هذا القول واحتقرته ولكن أفادت التلغرافات الأخيرة أن الحكومة الإنكليزية تخابر العظمة السلطانية لإرسال حملة عثمانية إلى البلاد".
ولم يغفل الأهرام في هذه المناسبة عن التذكير بسياساته في شتى الشئون المصرية، سواء ما كان منها خاصاً بالأمن الذى كانت قد تدهورت شئونه على نحو ملحوظ خلال تلك الفترة، أو ما كان متعلقاً "بانفراد إنكلترا بالشئون المصرية" الذى استمر الأهرام معارضاً له، أو ما كان منه خاصاً "باستنابة عقلاء البلاد لم يمثلهم" في المؤتمر الذى كان منعقداً وقتذاك في لندن للنظر في الشئون المصرية.
وخلص سليم تقلا من كل ذلك إلى القول: "انهجت الأهرام منذ نشأتها خطة شريفة لم تتحول عنها قط ولن تجانبها أبداً وهى المدافعة عن مصر والمصريين والذب عن حقوقهم شأن كل جريدة تعلم واجباتها وتبتعد عن الغرض وتحافظ على المبادئ الوطنية، وأما أنت فتمشيت على عكس ذلك فشرفت الأهرام رغماً عنك ورجعت أنت خاسئة"!
ولم يكن ذلك الرد نهاية المطاف، فقد شهد صيف 1884 تصاعد سخون المعركة على نحو ربما يكون غير مسبوق في المعارك بين الصحف الصادرة في مصر.
***
نعتقد أن العدد رقم 2009 من الأهرام الصادر يوم الاثنين 4 أغسطس عام 1884 الموافق 19 شوال عام 1301هـ فريد من نوعه، فقد خصص صفحته الأولى لمحررين على حد تعبير الصحيفة، ونترك للأهرام الكلام..
جاء ف صدر الصفحة: "تشرفت إدارة جريدتنا بصدور محرر مصحوب بهدية منقوش عليها اسم كل من محرر الجريدة (سليم تقلا) ومديرها (بشارة تقلا) مع نص العبارة (الأهرام شعائر وطنية سنة 1301). ولما فضضنا ختم المحرر وجدناه مزيناً بتواقيع حضرات الأكارم من أفاضل علماء ثغرنا ونواته لدى مجلس شوى القوانين والمجالس الوطنية العمومية وأعيانه وتجاره.."
بعد ذلك ساقت الجريدة صورة "المحرر الوارد من سادة الإسكندرية" الذى حيا الأخوين تقلا على "ما تبنياه كل التبين في أسلوب جريدتكما الغراء، الأهرام، فقد سلكتما فيها مسلك الجد والثبات بدفاعكما عن الوطن وخدمتكما البلاد بالإخلاص والصدق وحسن الرأي..".
وجاء المحرر الأول مذيلاً بأربعة وعشرين توقيعاً في مقدمتها إبراهيم سليمان "مدير سر تجار الإسكندرية".
بيد أن الأهم منه المحرر الثانى الذى وجهه إلى الأخوين تقلا "ذوات الأقاليم المصرية الداخلية ونوابها في مجلس شورى القوانين".
مضمون هذا المحرر جاء قريباً من مضمون زميله السابق، فقد جاء فيه "إن الخطة التي سلكتماها في سبيل المدافعة عن حقوق مصر والمصريين هي خطة حميدة تدعو كل وطنى إلى ابداء الثناء الجميل".
مصدر الأهمية لهذا المحرر أنه كان أقرب لتظاهرة مصرية مؤيدة لسياسات الأهرام، الأمر الذى يكشفه أسماء الشخصيات الثماني والثلاثين الذين وضعوا توقيعاتهم عليه.
من بين هذه الأسماء عدد من رجال مجلس شورى القوانين الذى كان قد تشكل في العام السابق، وهم رجال استمروا يلعبون دوراً ملحوظاً في مجال الحركتين النيابية والوطنية بعد ذلك مثل حسن عبد الرازق ممثل المنيا، وأحمد عبد الغفار ممثل المنوفية، وأحمد الصوفانى ممثل البحيرة.
من بينها أيضاً عدد من مثلى الأسر الكبيرة التي برزت في نفس الميدان قبل ذلك وبعد ذلك.. الهرميل من الغربية والفقى وأبو حسين من المنوفية والشواربى من القليوبية والهوارى من الفيوم، ويلاحظ أنها كانت في مجملها من الأسر التي انحدرت من أصول مصرية وليس من تلك الأسر التي استمرت تحتل مكانة الصدارة في العمل العام المصرى والتي انحدرت في الغالب من أصول عثمانية.. تركية وجركسية وأرمنية، مما أعطى للمحرر مذاقاً خاصاً!
أخيراً فإن الموقعين على هذا المحرر قد غطوا أغلب المديريات المصرية، من الوجه البحرى الغربية والمنوفية والقليوبية والبحيرة والشرقية، ومن الوجه القبلى المنيا وأسيوط وبنى سويف والفيوم ما أضفى صورة التظاهرة المصرية فيما سبق التنويه عنه، وهى تظاهرة فسرها الأهرام على أنها مساندة ضد الاجبشيان جازيت، أو بالأحرى ضد سياسات سلطات الاحتلال البريطاني.
جاء هذا التفسير في الصفحة الثانية مباشرة من نفس العدد الذى أثبت في صفحته الأولى صورة المحررين فتحت عنوان "البرهان القاطع" كتب سليم تقلا مقالاً طويلاً نسوق هنا بعض ما جاء فيه:
يخاطب الرجل الجازيت مسلحاً بالمحررين فيقول: "يا أيتها الوريقة لم يكن لك من حجة تستندين عليها في افترائك إلا القول بأن ما تنطق به الأهرام لا يعبر عن حاسة أبناء الوطن.. أما الأهرام فيكفيها في الجواب عليك أن تراجعى ما صدرت به هذا العدد.. يكفيك يا ذات الوجهين هذا البرهان الساطع القاطع المانع الجامع"!
ويخلص من نهاية مقاله إلى القول بأن "الأهرام تفخر لكونها قامت بحقوق الخدمة الوطنية المصرية وفازت برضى سادة البلاد لإخلاصها وصدقها فاكتبى ما شئت أن تكتبى وتطاولى بالقحة والطيش فأذن الأهرام عما الفحشاء صماء وأعمدتها لإفادة الجمهور بإثبات الرواية الصادقة لا المهاترة والمشاتمة والوقيعة والافتراء والضغينة"!
بعد أسبوع بالضبط من هذا العدد غير الاعتيادى وفى يوم الاثنين 11 أغسطس عام 1884 اضطر سليم تقلا وتحت وطأة استمرار هجوم الجازيت أن ينشر بياناً طويلاً تحت عنوان "سياسة جريدة الأهرام" تناول فيه ركائز خمساً تقوم عليها هذه السياسة ورد على الاتهام بأن الأهرام لا "تفتأ تندد بالإدارة الإنكليزية في القطر المصرى" بأنها في ذلم "لم تنفرد بهذا التنديد بل كانت واحدة من ألوف من هاتيك الجرائد الأجنبية بين فرنسية وألمانية وروسية وسواها..."، ثم أردف منبهاً إلى أن الجازيت نفسها "التي أمسى جرنال الأهرام قذى في عينيها تندد بسياسة حكومتها بأقل احترام مما تندد به الأهرام"!
وختم الرجل بيانه بأن أنكر على الجازيت وسواها من الجرائد "ما أتت به من الأحاديث الملفقة والكلام الهراء إذ لا يتصور عاقل أنه يوجد مصري ينكر سياسة الأهرام أو يخالفها".
ويشير هذا البيان الذى صيغ بأكبر قدر من الحذر وبرغبة واضحة من جانب صاحبى الأهرام في تجنب صدام مباشر مع سلطات الاحتلال إلى أن الرجلين قد استشعروا روائح خطر تداهم الصحيفة ولم يكونا في هذا الاستشعار بعيدين كثيراً عن الحقيقة.
فلم تمض سوى أيام قليلة إلا وجرت محاولة كبيرة توقفت بسببها الأهرام عن الصدور لأكثر من شهر، بل كاد يتوقف نهائياً ولم يكن قد بلغ من العمر تسع سنوات، وهى المحاولة التي وصفها صاحب امتياز الجريدة سليم تقلا بـ "اغتيال الاستبداد للأهرام" والتي تشكل فصلاً هاماً في تاريخ الجريدة وفى تاريخ مصر، وهى فصل يستحق أن يفرد له الديوان جلسة خاصة!

صورة من المقال: