ads

Bookmark and Share

السبت، 10 نوفمبر 2018

031 هيبة حكومة عموم مصر

هيبة حكومة عموم مصر
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 17 فبراير 1994م - 7 رمضان 1414هـ

خلال ما لا يتجاوز أربعة شهور شهدت الوزارة المصرية ما لم تشهده بامتداد تاريخها الذى جاوز القرن بخمسة عشر عاماً..
الشهور الأربعة هي الشهور الأولى من عام 1884، وما لم تشهده هو الاستقالات المتتالية لرئيس الوزراء شريف باشا في 7 يناير وقد قبلت، ثم الاستقالة الثانية التي قدمها مدحت ثابت باشا وزير الداخلية في 8 مارس وقد قبلت، أما ثالثة الاستقالات فقد قدمها نوبار باشا رئيس الوزراء في 7 يناير وهى الوحيدة التي لم تقبل!
وبينما تشكل الاستقالة الأولى فصلاً مهماً في التاريخ المصرى لما أرسته من مبدأ إلزام الوزراء المصريين بقبول النصائح "الأوامر" البريطانية مما أضفى عليه شهرة خاصة، فإن الاستقالتين الأخريين لم تحظيا بشهرة تذكر مع أنهما قد ارتبطتا بمظهر آخر من مظاهر السيطرة الاستقلالية على مصر.. مظهر تغلغل "الإنكليز" في الإدارة المصرية بكل ما ترتب على هذا التغلغل من مضاعفات!
و"الوجود الأوروبى" في الإدارة المصرية لم يستجد مع الاحتلال، فقد تم توظيف عديد من الأوروبيين، فرنسيين وانجليز وأمريكيين، بل من اليونانيين والايطاليين والنمسويين، ابتداء من عصر محمد على وفى سياق عملية تحديث الجيش والإدارة المصريين، وإن لم يسبب هذا التوظيف حساسية تذكر إلا في القطاعات العلوية من الجهاز الحكومى، وكان أغلب رجاله من غير المصريين.. الأتراك والأرمن على وجه الخصوص.
فضلاً عن ذلك فإن توظيف هؤلاء قد تم بمبادرة مصرية سواء من جانب محمد على أو من جانب إسماعيل، وكانوا موظفين عند "ولى النعم" الذى يمكنه الاستغناء عنهم في أي وقت، ثم أن دلالته الفنية غلبت طول الوقت على دلالته السياسية!
أما ما حدث خلال ما يزيد قليلاً على العام بعد الاحتلال من بث عديد من الانجليز في إدارات الحكومة فقد بدا معه وكأن دار المعتمد البريطاني تعمل على إحكام قبضة الاحتلال على أزمة الإدارة المصرية ولا شك أن المصريين قد قبلوه بغضب بدأ مكبوتاً ثم جاءته الفرصة للانفجار كانوا رجال الإدارة العليا المنحدرين في الغالب من أصول تركية وأرمنية والذين نظروا إلى هذه السياسة في إطار المزاحمة الشديدة من جانب العناصر الأوروبية خاصة من الانجليز على مراكز طالما استأثروا بها(!)
وفى إطار "الامتعاض المصرى العام" والغضب المكبوت الذى انفجر يمكن متابعة قصة الاستقالتين الأخريين اللتين قدمتا في مارس وأبريل عام 1884 استقالتى ثابت ونوبار، وهما الاستقالتان اللتان لم يألو الأهرام جهداً في متابعة ملابساتها..
***
القصة تمحورت حول شخصية بريطانية لا نظن أن شخصية انجليزية حظيت برفض من جموع المصريين خلال تلك الفترة بقدر ما حظى به هذا الرجل واسمه "كليفورد لويد".
و"لويد" كان ممثلاً لحكومة لندن في ايرلندا والتي بعثت به إلى القاهرة في منتصف سبتمبر عام 1883 ليشغل وظيفة غريبة. مدير عام الإصلاح في مصر(!) وهى وظيفة فضفاضة كانت تسمح له بالتدخل في أي من الشئون المصرية.
بعد استقالة شريف في 6 يناير عام 1884 وتولى نوبار للمنصب الرفيع، قبل الأخير أن يتولى لويد منصب وكيل وزارة الداخلية وهو الأمر الذى لم تتقبله سائر الأطراف بسهولة، خاصة القابضين على السلطة في سراى عابدين.. يقول أحد رجال المعية في مذكراته عن ذلك:
"لم يخطر ببالنا يومئذ أن يتدخل الأجانب في نظارة الداخلية التي تعنى بالشئون المحلية والداخلية.. ولقد بذل نوبار مجهوداً عنيفاً في اقناع الخديو بقبول هذا التعيين فأصدر سموه أمراً في 15 يناير سنة 1884 بتعيين من يرشحه الانجليز لهذا المنصب وهو كليفورد لويد ولقد ساءنا نحن في السراى كما ساء الناس جميعاً تحقيق هذه الخطوة لما فيها من الدلالة.."
وخلال أكثر من شهر قليلاً اتبع كليفورد لويد من السياسات ما أدى إلى استقالة ناظر الداخلية.
لعل أهم هذه السياسات بالنسبة لثابت باشا أن الوكيل الانجليزى وضع يده على كل الأمور في النظارة وفى المديريات حتى وصل الأمر إلى مخاطبة مشايخ البلاد في قراهم مباشرة ووضع توقيعه إلى جانب خاتم الناظر وكان توقيعاً مثيراً.
فقد جرت العادة بالنسبة للموظفين الأجانب في الحكومة المصرية أن يكون لهم خاتم خاص باسمهم بالعربية غير أن كليفورد لويد كسر هذه العادة وأصر على أن يوقع بشخصه وباللغة الإنجليزية مما كان محل انتقاد واسع من موظفي الوزارة انتقلت أصداؤه بعد قليل إلى خارج أسوارها فقد ارتأى المصريون ذلك إعلاناً صريحاً بأن الرجل ينظر إلى نفسه باعتباره ممثلاً للاحتلال قبل أن يضع في حسبانه أنه موظف لدى الحكومة المصرية!
ولقد رأى المعاصرون أن ما فعله لويد قد حول محمد باشا ثابت إلى ناظر بالاسم أو خيال مآته figure head وهو ما لم يكن الرجل مستعداً لقبوله.
وليس من شك أن ثابت باشا بحكم قربه من دوائر القصر قد استشعر حالة السخط العام التي تشيع في داخله بسبب تصرفات الرجل حتى أنه تصادف وجوده في الإسكندرية وأراد حضور احدى المسرحيات التي يتم عرضها في "تياترو زيزينيا" فما كان منه إلا أن قصده واحتل المقصورة المخصصة للخديوى، الأمر الذى استثمرته دوائر القصر حين تحدث ممثلوه عن أن قحة الرجل قد تجاوزت كل حد وأن الجمهور ساخط على هذا التصرف.
المهم أن ثابت باشا قدم استقالته التي نشرها الأهرام في عدد الصادر في 10 مارس عام 1884 وجاء فيها "انى قبلت الانتظام في هيئة الحكومة تحت رئاسة دولتكم على أمل أن أقوم بخدمة وطنى العزيز الذى نشأت فيه وربيت ولكن بالنظر للأسباب التي أبديتها شفاهم لدولتكم رأيت أن آمالى قد حبطت وأن ليس في الإمكان تحقيقها لا في الحال ولا في الاستقبال. وفضلا عن ذلك علمت من قرائن الأحوال أن ليس في وسعى المحافظة على شرف المصلحة فيما بعد.. وأرجوكم والحالة هذه اعفائى من كل مأمورية بالاطلاق!"
ويعلق مدير تحرير الأهرام على الاستقالة بقوله: وفيما أظن أن البواعث غير خافية على القراء! بيد أنه لم يمض وقت طويل حتى انتقل من التلميح إلى التصريح!
***
بدأ هذا التصريح في سلسلة الأخبار والمقالات التي جاءت في الأهرام في أعقاب استقالة ثابت باشا وقد ثبت منها أن الخلاف بينه وبين وكيل الوزارة الانجليزى كان أكبر من الخلاف الشخصى فقد كان في جوهره خلافاً حول ما ارتاه الوزير "اختلال هيبة حكومة عموم مصر" وما أسماه الأهرام غياب السلطة والسطوة من جراء السياسات التي اتبعها كليفورد لويد خلال الأسابيع القليلة التي قضاها في وكالة وزارة الداخلية.
وكان أهم مسببات هذا الغياب ما عمد إليه الرجل من اصدار "لائحة" تحدد واجبات واختصاصات قيادات ومراتب البوليس، وهى لائحة قضت على كل صلة بين مديرى المديريات وجهاز البوليس المصرى الذى أصبح من خلال قياداته ومن خلال تبعيته لوكيل نظارة الداخلية خاضعاً تماماً للنفوذ البريطاني.
فقد أحالت هذه اللائحة إلى المفتش العام ونوابه ومساعديه في الأقاليم أعمال البوليس في مراكز المديريات وأقسامها والتي كانت تحت السلطة التنفيذية للمأمير ونظارة الأقسام الذين كانوا يزاولون أعمالهم تحت اشراف المديرين.
ولم يكن متوقعاً والحال على هذا أن تنتهى الأزمة بمجرد استقالة ناظر الداخلية ذلك أنه لم تمض سوى ثلاثة أيام على هذه الاستقالة إلا ويسوق الأهرام لنا خبراً عن اجتماع لمديرى المديريات برئاسة رئيس النظار حضره كليفورد لويد وكان بمثابة مواجهة بين الطرفين ممثل الاحتلال الساعى إلى جمع السلطة بين يديه والمديرين الرافضين للتنازل عن سلطتهم.
يقول بشارة تقلا في تقريره عن الاجتماع أن المديرين احتجوا على اسناد فحص المسائل المهمة لرؤساء البوليس الذين لم تسبق لهم عادة بفحص المسائل المهمة وتحريها وأن من الواجب إناطة موظفي المديريات بالتحرى حيث كانوا أدرى بالوقائع وأحوال الأهالى!
ولما انتهى الاجتماع دون اتخاذ قرار، يفيد الأهرام بأن المديرين قرروا الاجتماع في نفس اليوم بمنزل أحدهم هو "سعادة مدير الدقهلية للمداولة والتروى وابداء أفكارهم وسيقدمونها صباح غد كتابة إلى دولتلو نوبار باشا".
بعد ذلك بيومين يشير الأهرام إلى أن المديرين اجتمعوا برئيس النظار ووكيل الداخلية وتقدموا بطلباتهم لحفظ السلطة والسطوة وكانت "تخويلهم حق وضع ذوى الجرائم الصغيرة في السجن مدة ثلاثة شهور وأن تكون مسائل الجنايات من خصائصهم لا من خصائص قلم النيابة ويكون البوليس تحت أمرهم وادارتهم".
ورغم ما ذكره "الأهرام" في عدده الصادر يوم 15 مارس من أن المديرين قد خولوا حق "التصرف في بعض الجنايات الطفيفة جداً" فإن الأمور كانت تزداد تعقيداً، فقد مضى لويد في خطه لاتمام السيطرة البريطانية على جهاز الأمن قدماً غير أن اللقمة كانت أكبر من أن يزدردها، في تلك الظروف على الأقل فوقفت في حلقة وفاقمت الأزمة!
فقد اتخذ الرجل سلسلة من القرارات أفرج بمقتضاها عن عدد من المحبوسين على ذمة قضايا بعينها ثم أطلق سراح عدداً من المسجونين الذين لم يكونوا قد استوفوا بعد المدة المحكوم عليهم بها بلغ عددهم نحو أربعمائة سجين فضلاً عن أوامر أخرى بمنع استخدام "الكرباج" في انتزاع الاعترافات من المتهمين، وانتهاء بالأمر الذى أصدره في 31 مارس وجاء فيه "أن من يخبر البوليس بموت ثور أو كلب أو هرة أو أية بهيمة كانت ينقد مكافأة قدرها خمسة جنيهات ويتعين على المدير في الحال عزل مشايخ الناحية التي وجد بها البهيم ميتاً"!
وتعددت ردود الفعل على تلك القرارات والتي استمرت في التصاعد حتى بلغت الرواية عقدتها الدرامية.
أول ردود الفعل ما لوحظ من تصاعد مؤشرات الجريمة التي اتخذت نهجاً لم يسبق لها اتخاذه بتكوين عصابات مسلحة في عدد من نواحى الوجه البحرى التي هاجمت بعضاً من القرى وأصحاب العزب خاصة من الأجانب الأمر الذى خلف صدى قوياً في الصحافة بما فيها الأهرام التي عزت التدهور في حالة الأمن إلى الإجراءات التي قررها لويد بإلغاء الوسائط القديمة التي لم تستبدل بغيرها، ووصل الأمر ببعض المصادر الى اتهام بعض مشايخ البلد الذين كانت موكله لهم من قبل مهمة المحافظة على الأمن بالتواطؤ مع تلك العصابات أو على الأقل التستر عليها(!)
رد فعل آخر تمثل في رفض من عرض عليهم تولى نظارة الداخلية خلفاً لثابت باشا قبول المنصب رغم كل اغراءاته طالما بقى الحال على ما هو عليه الأمر الذى دفع نوبار باشا إلى تولى نظارة الداخلية فوق عمله رئيساً للنظار.
رد الفعل الثالث تمثل في تدخل المستر بنسون مكسويل المدعى العمومى بنظارة الحقانية الذى غضب من لويد لمنعه من الاطلاع على أوراق المفرج عنهم للتثبت من أسباب الافراج الأمر الذى دعاه إلى مقابلة بارنج المعتمد البريطاني في العاصمة المصرية ليتحدث معه في آثار سياسة وكيل الداخلية على كثرة التعديات واستفحال أمر اللصوص في كثير من الجهات بسبب تغيير السلطة!
ووصلت ردود الفعل إلى ذروتها في الساعة السادسة من مساء يوم 7 ابريل عام 1884 عندما توجه نوبار إلى سراى عابدين وقدم استقالته التي قال فيها بصراحة "إما أنا أو كليفورد لويد" أو على حد تعبير الأهرام في اليوم التالى "ان دولة الباشا ما برح مصمماً على الاستقالة عازماً على ترك الأشغال مادام المستر لويد في وظيفته والعكس بالعكس"!
***
تتبع الأهرام بامتداد الأسبوع التالى تطورات الأزمة فرصد الاجتماعات المتتالية التي كان أطرافها الخديو والمعتمد البريطاني ورئيس النظار وأحياً كليفورد لويد نفسه كذا وافى قراءه بأخبار الاتصالات بين السير بارنج وحكومة لندن وقدم صورة قريبة لتلك التي رسمها المعتمد في كتابه الذى أصدره بعد ربع قرن من الأزمة تحت عنوان "مصر الحديثة Modern Egypt" والتي حددت معالمها أكثر الوثائق السرية البريطانية بعد الكشف عنها بعد خمسين عاماً من تاريخ الواقعة.
جانب من هذه الصورة أن وكيل الداخلية البريطاني لقى عوناً من السير بارنج الذى امتدح لحكومته كل الإجراءات التي أقدم عليها.. وقد سجل الأهرام ذلك بقوله "أن التعضيد الذى يحظى به لويد من قبيل الاستمساك بالمبدأ مخافة أن تبتدئ به وتنتهى إلى سواه فيجر إنكلترا إلى ما لا تحب" الاعتراض الوحيد لبارنج كان على أن إجراءات لويد لم تتم بالقدر المطلوب من التانى الأمر الذى مكن خصومه من رقبته!
الجانب الثانى في المواجهة التي أجراها المعتمد البريطاني بين الرجلين: رئيس وزراء مصر ووكيل الداخلية، والتي سأل فيها الأخير رئيسه عما إذا كان استعفاؤه مبنياً على وجوده في وظيفته فأجابه نوبار بأنه لم يدخل في الأمر مسألة شخصيات ولكنه يرى أنه يتعذر عليه القيام بأية خدمة مع بقاء الحالة العمومية على ما هي عليه.
جانب آر بدأ فيما قرره الأهرام من ارتياح الرأي العام من موقف نوبار وقد اخذت الجريدة تشد من أزر رئيس النظار للثبات على موقفه..
تقول في عددها الصادر يوم 9 أبريل "أما الرأي العام فيصدق على مسلك دولتلو نوبار باشا ويستصوبه ويمتدح حزمه ولا يمكن لحضرة الباشا بعد إعلانه الاستعفاء على رؤوس الأشهاد أن يستمر في منصب الوزارة"!
وتقول في عددها الصادر في اليوم التالى على لسان مدير تحريرها "يؤكد الثقات أن نوبار باشا لا يقبل مطلقاً بالبقاء في المنصب إلا إذا أجيب إلى طلبه وأعجب والله لقول البعض ممن يظنون بأن نوبار باشا سيرجع عن عزمه ويسترد استعفاءه" ثم ينهى تعليقه الطويل بالقول "نحن واثقون باستمرار نوبار باشا على عزمه فيستقيل من منصبه وينال رضاء الرأي العام عن اجراءاته الوطنية".
جانب رابع من الصورة بدا في تحركات لويد الذى أردا أن يثبت طوال الوقت أنه أقوى من رئيس النظار فقد حرص الأهرام أن يسوق مع أخبار الأزمة خبراً استمر يكرره كان يجئ فيه: "أما وكيل الداخلية فقد ذهب إلى النظارة وباشر الأشغال كعادته"!
وقد ذهب لويد في هذا الصدد إلى حد مطالبة المعتمد البريطاني بقبول استقالة نوبار وتشكيل وزارة من الانجليز مما كان يعنى إعلان ضم مصر وهو ما تنبه له الاهرام وكتب أن الحكومة الإنكليزية لم تحرك أمام هذا الطب ساكناً ما ذلك إلا للعقبات الصعبة التي دون تمهيدها خرط القتاد!
وكان بادياً مع كل تلك التطورات طبيعة المأزق الذى تواجهه دار المعتمد البريطاني في القاهرة والتي لم يكن أمامها في النهاية سوى الاستجابة لمطالب دولتلو نوبار باشا فقد كانت تعلم أنه لن يقبل أي من الشخصيات المصري الكبيرة تأليف وزارة خلفاً لوزارة نوبار ثم أن استقالة الوزارة السابقة برئاسة شريف أضعفت من الموقف الانجليزى من هذه الأزمة فضلاً عن استفحال الأزمة في السودان بعد أن أثبتت سياسة الإخلاء التي فرضتها حكومة لندن على القاهرة أنها مجلبة للكوارث.
الاستجابة سجلها الأهرام في عدد الصادر يوم 15 أبريل عندما أعلن نوبار باشا سحب استقالته وأن مجلس النظار قد عقد اجتماعاً للبحث في الوسائل اللازمة لإعادة هيبة الحكومة أو على حد تعبيره "القواعد والأمور الأساسية التي تتأيد بها سطوة الحكومة".
من تلك القواعد فيما قالت به الصحيفة: "إعادة النظر في قانون البوليس الذى كان لويد قد وضعه والذى شكا منه القاصى والدانى، وأن النية متجهة إلى سن قانون محكم يشترك في وضعه أولو الخبرة والأهلية من رجال الحكومة وأخصهم مجلس شورى القوانين أولئك الاعيان نخبة البلاد العارفون بطباع الأهالى ومراسهم والواقفون على أحوال البلاد واحتياجاتها".
ولم يكن أمام لويد بعد حل الأزمة على هذا النحو سوى تقديم استقالته والرحيل نهائياً عن مصر في أواخر مايو الأمر الذى بعث السرور في نفوس كثيرين بمن فيهم الأهرام بالطبع.
عبرت الصحيفة عن مشاعرها في إطار تقاليدها التي كان منها عدم الجهر بأحاسيس الشماتة.. كان كل ما قالته أن "كليفورد لويد يرجع إلى وظيفته لدى حكومته فإنها أحق من مصر بالانتفاع بخدماته الجليلة"!
اختلف الأمر بالنسبة للصحف الأخرى خاصة الناطقة بالفرنسية وعلى رأسها "البوسفور اجيبسيان" التي حفل عددها الصادر يوم 27 مايو بالأخبار الهزلية عن رحيل الرجل وقد جاء في أحدها أنه "لما علم اللصوص والأشقياء أن حاميهم عزم مبارحة القطر اجتمع مئات منهم وألفوا جمعية لإقامة وليمة شائقة تذكاراً له إلا أن الوليمة لم تقم بعد أن اتضح أن جانباً من النقود التي تم جمعها كانت زائفة"!
وفى صباح يوم الأربعاء 28 مايو عام 1884 ركب المستر كليفورد لويد القطار من محطة مصر متوجهاً إلى الإسكندرية ليستفل منها بعد ظهر اليوم التالى الوابور الانكليزى بطريق برنديزى عائداً إلى بلاده هو وعائلته ليطوى الأهرام بعد ذلك ملفات أخرى من بينها ملف يؤكد أن دار المعتمد البريطاني لم تغفر للأهرام أبداً موقفه منها!

صورة من المقال: