ads

Bookmark and Share

السبت، 10 نوفمبر 2018

030 وفيات الأعيان

وفيات الأعيان
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 10 فبراير 1994م - 29 شعبان 1414هـ

1884، فيما يبينه الاطلاع على الأهرام، هو عام ميلاد الصفحة العتيدة التي اكتسبت شهرة خاصة في الصحيفة، صفحة الوفيات، التي بدأت بأعمدة محدودة من جريدة لا يزيد عدد صفحاتها على أربع، ثم تحولت مع الأيام إلى صفحة كاملة، وانتهى بها الأمر إلى صفحات عديدة.
ونظن أن الأهرام ينفرد بين الصحافة العربية، بل وبين الصحافة العالمية أيضاً، بهذه الصفحة، الأمر الذى يشكل ظاهرة فريدة تستحق اخضاعها للدراسة..
أول ما يلاحظ في هذا الشأن ذلك النمو الطبيعى لصفحة الوفيات، فهى وإن بدأت بعمود في الصفحة الثالثة من الجريدة تكرر ظهوره عام 1884 إلا أنه لم يلبث أن اكتسب شكلاً من الثبات، ومع مرور الأيام، ومع زيادة عدد الصفحات أخذت مساحته في الاتساع.
الملاحظة الثانية أنه إذا كان قد بدأ كأخبار لوفيات بعينها إلا أنه منذ البداية اكتسب الصفة الإعلانية، وهو ما لم يكن قد حدث لأية صفحة أخرى وعلى هذا النحو.
ثالثة الملاحظات متصلة بما حرص عليه الأهرام أن يكون دائماً "جريدة التقاليد"، ومن هنا نشأت علاقة جدلية بين الطرفين.. الصفحة التي تتشح بثوب التقاليد، والجريدة التي تضفى عليها الصفحة جانباً من نفس الثوب.
يبدو ذلك من أن تاريخ الصحافة المصرية قد عرف صحفاً أكثر انتشاراً من الأهرام، ومع ذلك فلم تنتقل تلك الصفحة إليها أبداً، وظلت أخبار الوفيات فيها تحتل حيزاً محدوداً، بل شديد المحدودية، ولعل ذلك ما دعا أحد رؤساء تحرير الأهرام إلى أن يطلق قولة مشهورة وهى إن "من لم ينشر نعيه في الأهرام لم يمت"!
آخر تلك الملاحظات متعلقة باستمرارية الأهرام التي اكسبته قدراً من العراقة لم يتوافر لصحف أخرى كثيرة، وكقاعدة تاريخية في العلاقة بين الانسان، خاصة المصرى والموت، فانه قد سعى دائماً لتخليد ذكراه في الصروح الكبيرة التي لا تخضع لعاديات الزمن، وإذا كان أجداد المصريين ذهبوا في هذا الصدد إلى بناء أهراماتهم الخاصة فليس غريباً أن يذهب أحفادهم في تخليد ذكر من يرحلون إلى أهرام آخر. كان الصحيفة العتيدة.
***
قد يرى البعض في القول بأن صفحة الوفيات بالأهرام قد ولدت عام 1884 إغراقاً في التأصيل، خاصة وأن بعض الكتابات العلمية تضع لها تاريخاً أحدث كثيراً من هذا، بيد أننا نعتمد في هذا القول على عدد من الأدلة..
أول هذه الأدلة أن ذلك العالم شهد لأول مرة: وفى فبراير، تعامل الأهرام مع الوفيات كإعلان وليس كخبر، مما بدا في اعلانين متواليين يومى 26 و 27 من ذلك الشهر..
جاء في الإعلان الأول: "يوم الجمعة صباحاً الموافق 29 الجارى تحتفل عائلة عطا لله بالجنازة عن نفس فقيدها المرحوم نجيب خليل عطا لله بكنيسة الروم الكاثوليك وهى تستدعى الأصدقاء والأحبة بواسطة هذا (الإعلان) عوضاً عن النشرة العادية للحضور في حفلة الصلاة".
الإعلان الثانى كان نصه: "نقلت إلينا أخبار بيروت منعى المرحوم فرنسيس مسك شقيقة جناب الخواجة يوسف نصر وفى صباح غد يحتفل جناب شقيقها بالجناز عن نفسها في كنيسة الروم الكاثوليك في ثغرنا وها (الإعلان) يقوم مقام النشرة الاعتيادية للحضور في حفلة الصلاة.."
دليل آخر بدا في محاولة تمييز القسم الخاص بالوفيات عن سائر ما تنشره الصحيفة، إذ بينما كان يفصل بين كل قسم وآخر في أهرام ذلك العصر خطوط رفيعة فقد حرص المحرر على أن يضع إعلانات الوفيات وأخباراه بين خطين عريضين بل اننا نلاحظ أنه قد بالغ في ذلك فتحولا إلى خطين غليظين!.
الدليل الثالث أن أهرام عام 1884 قد عرف تجميع أخبار الوفيات واعلاناتها في مكان واحد، صحيح أن ذلك المكان كان يحتل عمودأ أو أكثر أو أقل إلا أن مجرد عملية التجميع تلك كانت تنم عن أن صفحة متميزة في طريقها إلى الظهور والاستقرار، فضلاً عن ذلك فإن هذا القسم قد انتقل بصورة نهائية من صفحة الاخبار واختار مكاناً له الصفحة قبل الأخيرة، وهى مكانه المفضل حتى هذه اللحظة وبعد مضى 110 عام بالتمام والكمال!
لعل ذلك يقودنا إلى البحث عن مسببات ظهور صفحة الوفيات في ذلك العام بالتحديد.. العام الثامن من عمر الأهرام..
يمكن أن نستبعد أولاً السنوات التي صدر خلالها الأهرام أسبوعياً، بين عامي 1879 و1880 فالجرائد الأسبوعية لا تحتمل أن تفرد جانباً منها لمثل هذه الصفحة.. صفحة الوفيات.
ويمكن أن نستبعد ثانياً العامين الأولين من حياة الأهرام اليومى، 1881 - 1882، فقد كانا عامين عاصفين بكل ما حفلا به م أحداث الثورة العرابية والاحتلال البريطاني، وهى الأحداث التي خلقت بصمات عديدة على الأهرام، منها انشغاله الشديد بها، الأمر الذى لم يتكر فرصة كبيرة لانشغاله بغيرها، ومنها انقطاعه لفترة عن الصدور ابان الثورة، ومنها أخيراً ظهوره في صفحتين خلال فترة أخر من فترات ذلك الاحتدام.
ويمكن أن نستبعد ثالثاً عام 1882 عام الهيضة، الذى شهد لشهور طويلة منه انتشار الوباء الذى قلص صفحات الأهرام للنصف لفترة غير قصيرة من تلك السنة، فضلاً عن أن الوفيات لم تكن في تلك الظروف خبراً أو إعلاناً بقدر ما كانت معايشة يومية!
باختصار فان عام 1884 كان أول أعوام الاستقرار منذ أن صدر الأهرام يومياً، الأمر الذى أدى إلى مولد الصفحة الجديدة، وكانت الولادة طبيعية ومن أبوين شرعيين..
***
الأب الأول لصفحة الوفيات كان أعيان ذلك الزمان وكان الأهرام في ذلك امتداداً أصيلاً للكتابة الحولية التي عرفتها عملية التاريخ الاسلامى التي كانت تعنى عناية خاصة بتراجم المشاهير أو الأعيان بلغة بعض المؤرخين.
بما كان أشهر هؤلاء في القرن التاسع عشر، وقبل ظهور الصحافة، المؤرخ المصرى المعروف بعد الرحمن الجبرى صاحب العمل الكبير "عجائب الآثار في (التراجم) والأخبار".
ويعلم من قام بدراسة تاريخ الرجل أنه قد بدأ عمله هذا كصفحة للوفيات(!)، فالشيخ عبد الرحمن عندما شرع في جمع المادة العلمية لمؤلفه الكبير بدأ "بالطواف بالقرافات لقراءة النقوش على القبور والاتصال بأقرباء الذين ماتوا للرجوع إلى أوراقهم إن كانت لهم أوراق".
ويعلم من قرأ عجائب الآثار المساحة التي أفردها المؤلف المشهور لتراجم "أعيان الزمان وعلمائه" الذين كانوا يرحلون في العام محل التاريخ.
ويلفت النظر هنا أنه إذا كان الرجل باعتباره آخر كتاب الحوليات الذين أفردوا مساحة معتبرة لوفيات الأعيان قد رحل خلال عشرينات القرن التاسع عشر، فإن نفس العقد قد عرف ظهور الصحافة المصرية، جريدة الوقائع الحكومية التي بدأت في الصدور عام 1828 وأصبحت حولية العصر ومهدت بعد نحو أربعين عاماً إلى ظهور الصحف الأهلية الأمر الذى تعددت معه الحوليات.
خلال تلك الأعوام الأربعين استمرت الوقائع تقوم بالمهمة التي كان يقوم بها الجبرتى وأسلافه. نشر أخبار وفيات الأعيان. ففي أحد الاعداد الأولى نشرت "ارتحال بنت أفندينا ولى النعم من دار الفنا إلى دار البقا والكرم". واستمرت عملية النشر بعد ذلك.
والاختلاف الذى حدث بدا في طبيعة أولئك الأعيان، فمن قبل كانوا من أمراء المماليك وعلماء الأزهر ومشاهير التجار، أما في تلك السنوات فقد انصرف الاهتمام إلى كبار رجال الدولة التي انهمك محمد على في ترسيخ جذورها في التربة المصرية، ثم إلى طبقة كبار الملاك من أصحاب الأبعديات الذين استقرت ملكياتهم خلال الثلث الثانى من القرن خاصة في السبعينات، عقد ظهور الاهرام فضلاً عن فئات الوافدين من الأتراك والأرمن والشوام، وقد أعار الاهرام للآخرين عناية خاصة.
وبالنسبة لهؤلاء استمر الأهرام، شأنه في ذلك شأن الوقائع وغيره من الصحف، يتعقب أخبار وفياتهم منذ أعداده الأولى دون أن يفرد لها مكاناً خاصاً فيما حدث عام 1844..
في العدد رقم (1) وفى الصفحة الأخير، جاء أول أخبار وفيات الأعيان حين ساق الأهرام "نبأ" وفاة سعادة عرفان باشا ناظر دائرة المرحوم الأمير طوسون باشا، ولم ينس سليم تقلا أن يعدد بعض مناقب الرجل وما "كان عليه من الحزق والدراية وطيبة المعاملة المبينة على أساس الأنس والوداعة"!
خلال السنوات الثمان التالية وإلى حين ظهور الصفحة اتخذت وفيات الأعيان شكلاً مختلفاً تبعاً لموقع المتوفى من الطبقة..
على قمة الطبقة كان هناك أبناء الأسرة الحاكم، أسرة محمد على، وقد توفى في ذلك العام أميرتان من أبنائها..
الأولى كانت احدى بنات محمد على "المرحومة المبرورة دولتلو عصمتلو البرنسيس زينب هانم أفندى، التي توفيت في استنبول غير تاركة ذرية مع أنها كانت على جانب عظيم من الثراء"!
وفى الخبر الذى ساقه الاهرام في هذا الشأن نيه إلى العزاء فقط للسيدات اللاتى "هرعن إلى سراى عصمتلو دولتلو البرنسيس انجه هانم أفندى لتقديم فريضة العزاء"!
الثانية كانت والدة الخديو توفيق نفسه، وكان من الطبيعى أن تعنى الصفحة عناية خاصة، فعلى امتداد ما يقرب من عمود ونصف مكللة بالسواد وتحت عنوان "مشهد الفقيدة المبرورة والدة سمو الخديو" نعى "ذات العصمة والفضل والنبل والدة خديوى الأميرة كلفدان (أي غصن الورد) بالغة من العمر 50 عاماً".
وتقدم الصحيفة في هذه المناسبة وصفاً دقيقاً لتركيبة طبقة الأعيان في مصر وقتذاك والذين سارو وراء الأميرة فتبدأ "بأخوة صاحب السمو المعظم وأبناء عمه الكرام وعموم ذويه وآله الفخام" يتبع ذلك "موظفو الحكومة ونوات الأجانب والوطنيين والتجار" وينتهى أخيراً "بسائر المعروفين من أهل مصر ومن كل مصر ممن في العاصمة"!
يقدم الأهرام في نفس المناسبة وصفاً لمسيرة موكب جنازة الأميرة الذى سار في مقدمته "مئات من موقدى البخور والأغاوات وعربات الحريم تقل عدداً عديداً من السيدات، فضلاً عن عساكر الفرسان وألوف من تلامذة المدارس يتقدمهم صاحب الفضيلة مفتى افندى وقاضى العاصمة".
الطريف في جنازة "البرنسيس كلفدان" أن الخديو لم يشارك في المناسبة وبرر الأهرام ذلك بأنه "حفظه الله وتولاه شغله الأسف وعمه اللف فلم العزلة وامتنع عن المقابلة حزناً على الوالدة الحنونة والخريدة الفريدة"!
كبار رجال الدولة شكلوا الشريحة الثانية من أبناء الأعيان، وقد عرف العام الأول من أعوام الصفحة رحيل ثلاثة من هؤلاء إسماعيل باشا أيوب ويعقوب باشا صبرى ورستم باشا..
ويلاحظ أن الثلاثة قد انحدروا من أصول تركية مما يدل على غلبة الأتراك حتى ذلك الوقت على هذه الطبقة.
يلاحظ أيضاً أن اثنين من الثلاثة قد خلفوا ارثاً كبيراً، وقد علق الاهرام على ذلك بالنسبة لأولهم "الذى تولى حكمدارية السودان وتقلد مناصب كثيرة منها عضوية الوزارة المصرية" أنه "قد خلف ثروة واسعة في غير ذرية حيث لم يتزوج"، أم الثالث الذى لم يترك ثروة كبيرة، يعقوب باشا صبرى، فكان رأى الأهرام فيه "أنه لم يخلف مالاً مما يدلك على استمساكه في حياته بالعفاف والابتعاد عما يشين حياة المرء"!
يلاحظ أخيراً العناية الخاصة التي كان يوليها الخديو، باعتباره رأس الطبقة بأن تكون "طلعة الفقيد" على المستوى اللائق بمكانته حتى أنه أمر بالنسبة ليعقوب صبرى "أن تصرف النفقات من خزينة سموه"!
الطريف بالنسبة لأبناء هذه لأبناء هذه الشريحة الاحتفاءات المبالغ فيها الت كانت تقام بمناسبة وفاة أحد أقاربهم، وقد حدث في ذلك العام أن توفيت حماة رياض باشا رئيس الوزراء السابق وجدة بطرس غالى الذى كان قد أخذ وقتذاك في تبوؤ المناصب الكبيرة.
بالنسبة لحماة الأول يقول الأهرام أن منزله "رأى الوفود عشرات يقدمون ليقدموا واجبات العزاء رغم أنه كان متغيباً في أبعديته بالبحيرة(!) وبالنسبة لجدة الثانى وصفت الصحيفة "حفلة المآتم" بأنها كانت حافلة مشى في جنازتها الكبراء والعظماء من ذوات العاصمة اعتباراً لمقام سعادة الباشا"!
كبار ملاك الأراضى الزراعية من أصول مصرية شكلوا الشريحة الثالثة وكان أشهر من توفى منهم في ذلك العام سلطان باشا الذى توفى في مدينة جراتز في النمسا في أغسطس، فأمر الخديو "بحفظ جثة الفقيد ونقلها إلى مصر حيث يحتفل بدفنها" وهو الاحتفال الذى لم يقدر للأهرام نشر تفاصيله فلقد تم تعطيه بعد العدد رقم 2220 الذى نشر فيه هذا الخبر ولما يزيد شهر، بعد صدام عنيف مع سلطات الاحتلال.
***
الأب الثانى كان الشوام المقيمون في مصر، وقد قام الأهرام في هذا الصدد بوظيفة الإعلان "الذى يقوم مقام النشرة الاعتيادية"..
وقد صدر هذا الإعلان في الأصل عن سببين، أولهما: روح الجالية في مثل تلك المناسبات مما كان يقتضى الإبلاغ بها، وثانيهما: أن الغالبية العظمى من هؤلاء كانوا من المسيحيين الذين ترتبط الوفاة لديهم بإقامة شعائر دينية خاصة مما كان يدعو إلى إبلاغ "الأصدقاء والأحبة" لحضورها على حد تعبير تلك الإعلانات.
وتكشف الإعلانات التي توال نشرها في الأهرام خلال ذلك العام عن عدد من الحقائق..
* أن كثيراً من إعلانات المتوفين كانت تكشف عن أنهم أقارب الشوام الموجودين في مصر وأن وفاتهم قد جرت في مواطنهم الأصلية في بر الشام، مما يدل على حداثة الهجرة السورية إلى مصر، وعلى أن جذور هؤلاء المهاجرين في مواطنهم الأصلية لم تكن قد تقطعت بعد.
* أن هولاء قد دخلوا في النسيج المصرى على نحو كبير، صحيح أن أغلبهم كانوا بالإسكندرية مما يتضح من أن غالبية تلك الدعوات كانت تتم "بثغرنا" على حد تعبير الأهرام. إلا أن دعوات أخرى تشير إلى وجودهم في الزقازيق إلى حد أنه كانت لهم كنيسة خاصة بهم هي "الكنيسة المارونية" فيما يكشفه "نعى المرحوم رزق الله النحاس شقيق الخواجات نحاس اخوان نزلاء الزقازيق"، ودعوات ثالثة تشير إلى وجودهم في طنطا وأنه كانت لهم أيضاً كنيسة بها هي "كنيسة الروم الأرثوذكسيين" فيما كشف عنه الإعلان الخاص بوفاة والد "جناب الوجيهين الخواجات خليل وجرجس قرداحى".
* كشفت إعلانات الوفاة أيضاً عن طبيعة الأعمال التي اشتغل بها هؤلاء، مما يمكن معه ملاحظة أنهم شكلوا شريحة معتبرة من الطبقة الوسطى في مصر والتي غلب عليها الأوروبيون، خاصة من اليونانيين والايطاليين.
يشير أحد هذه الإعلانات إلى "فرانسوا دياب وكيل شركة وابورات فراسينى في ثغرنا" وهى شركة ملاحة فرنسية، ويشير إعلان آخر إلى "عيسى شقرة أحد وكلاء البنك العقارى المصرى بمديرية البحيرة سابقاً"، ويكر نفس الإعلان أن الرجل توفى في القرشية بمديرية الغربية التي كانت له أرض زراعية فيها، هكذا.
* تمتع السوريون المقيمون في مصر على نطاق واسع بنظام الحماية الذى كفل لهم لوناً من الرعونة لاحدى القوى الأجنبية صاحبة الامتيازات في مصر.
يقدم نعى "يوسف دى زغيب" قنصل البرتغال في مصر والذى نشره الأهرام يوم 25 نوفمبر عام 1884 نموذجاً على ذلك، فالرجل كما تقول الجريدة تقدم إلى القطر المصرى من القطر السورى فانعطف إلى إلى التجارة حتى نال ثروة وافرة ثم اعتزل التجارة وعين قنصلاً جنرالاً لدولة علية ايران ثم قنصلاً جنرالاً للمكسيك تسمى بعدها قنصلاً لدولة البورتغال.
ويقدم هذا النعى أيضاً صوة "لحفلة المشهد" الشخصيات الرسمية التي جاءت فيما وصفه الأهرام على النحو التالى: "كان يتقدم الجميع سرية خيالة من البوليس ثم تلامذة المدارس ثم الكهنة ثم نيافة المطران ثم بسطاء الرحمة يحمل الأول منهما كبار الاعيان والتجار ويمسك الثانى سعادة المحافظ وعزتلو ياوران خديوى وبعض القناصل ثم عربة الفقيد يجرها ستة أفراس بعدها آل الفقيد وقناصل الدول وأعيان الثغر وكرامه"!
وبين هذين الأبوين عنيت الصفحة الوليدة بنوعيات أخرى كان أهمها رجال الدين، فمرة تنشر خبر وفاة "الأنبا متاوس أسقف الأقباط في كرسى أي تيج واحتفل في دفنه بالإكرام اللائق بمقامه الكريم" وأخرى بالبطريك نرسيس بطريك الأرمن الأرثوذكس الذى حضر جنازه "دولتلو نوبار باشا وبعض موظفي الحكومة وأعيان الطائفة" وأخيرة بشقيقة "حضرة الحسيب النسيب السيد البكرى التي مشى وراء نعشها عدد غفير من الذوات والأعيان وكبار الموظفين".
من آخر من عنيت به الصفحة لدى ظهورها العاملين بالأهرام، فمرة تحتل "قرينة الخواجة نعوم عوض أحد موظفي مطبعتنا" مكاناً لها، ويحتل مكاناً آخر "الشاب النبيه المرحوم أسعد أفندى نصار الذى اتخذ له قبل وفاته مركزاً في جملة كتاب جريدتنا (الأهرام) وله فيها آثار تحفظها ذكراً لاسمه" وهو احتلال طبيعى بحكم أنه طباخ السم ذواقه!

صورة من المقال: