ads

Bookmark and Share

الأربعاء، 4 أبريل 2018

025 الهيضة

الهيضة
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 6 يناير 1994م - 24 رجب 1414هـ

إذا كان صيف عام 1882 قد عرف قدوم زائر غير مرغوب فيه إلى مصر, فإن صيف العالم التالى قد شهد قدوم زائر آخر لم زائر آخر لم يكن مرغوباً فيه المصريين بنفس, وربما اكثر.
صيف عام 1882 عرف قدوم المحتلين اما صيف عام 1883 فقد شهد قدوم الوباء الذى أسماه الأهرام "الهيضة"!
و"الهيضة" بلغة القواميس هي الوباء الذى تبدأ أعراض بالقئ, وبلغة مصريين ذلك الزمان هي "الهواء الأصفر" وبلغة الطب الحديث هي "الكوليرا".
و"الهواء الأصفر" كان معتاداً أن يهب على مصر بين الحين والآخر, الأمر الذى سجله المؤرخون المصريون بامتداد القرون السابقة, ويحفل كتاب شيخ المؤرخين المصريين عبد الرحمن الجبرتى المعروف "عجائب الآثار في التراجم والأخبار" بذكر أنباء تلك الزيارات.
حدثت آخر تلك الزيارات المشئومة عام 1865 بعد تولى إسماعيل بعامين, وقد سجل الأهرام عدداً من الملاحظات عليها..
(1) أن الزائر المريب كان يتسلل إلى البلاد قادماً من موطنه الأصلى في الهند, وأنه كان يصل في العادة من العدوى التي تصيب الحجاج المصريين من الحجاج الهنود, الأمر الذى دعا إلى "ضبط الكورنتينة (الحجز الصحى في جهة الوجه, والوجه ميناء على الشاطئ الشرقى من خليج العقبة يقع على طريق الحجاج المصرى, وكان حتى عان 1892 تحت إدارة حكومة القاهرة.
(2) أنه كانت له مواقيت محددة معروفة, فهو يأتي أول الصيف ويكشر عن أنيابه بدءاً من شهر يونيو ويستمر حتى أغسطس حين تبدأ بشائر الفيضان التي تقترن بانحسار المرض, ولعل من صنفوه بعد ذلك ضمن "أمراض الصيف" لم يجانبهم الصواب كثيراً!
(3) أن أغلب ضحاياه كانوا من سكان المناطق الفقيرة سواء في المدن الإقليمية أو في المدن الكبيرة لافتقار تلك المناطق إلى الحد المعقول من النظافة, الأمر الذى يمكن معه محاصرة الوباء والإجهاز عليه.
***
على غير القاعدة الأولى التي وضعها الأهرام فالهيضة هذه المرة جاءت من الشمال وليس من الشرق, إذ بدأت من دمياط ففي مساء يوم الجمعة 22 يونية حدثت وفيات غامضة لبعض سكان حارة البركة في شمال المدينة وانتقلت الظاهرة في اليوم التالى لحارة المنشية, وهاتان "الحارتان ثلثا المدينة وسكانها من الفقراء العديمى الانتظام في المعيشة" على حد تعبير الأهرام, وقبل مرور يوم آخر اكتشف الناس أن الهيضة وراء تلك الوفيات.
وقد عزا الأهرام الخروج عن القاعدة وعدم تسلل الزائر الكريه عن طريق الحج إلى إجراءات الكورنتينة الحازمة في الوجه وأن تسلله من الشمال ناجم عن "إهمال الأطباء المتعلقين بمجلس الصحة ولا يسأل سواهم إذا لا سمح الله انتشر الداء"!
من جانب آخر فقد ذكر الأهرام أن أخباراً وردت في الصحف الإيطالية والفرنسية بوجود الوباء في دمياط منذ أوائل يونية ورغم ذلك فإن "الكوردون العسكرى لم يذهب لإحاطة دمياط إلا يوم 26".
كانت ردود فعل الأهرام على تلك الأنباء مليئة بالانزعاج فهو يكتب في اليوم التالى يخاطب "المجلس الصحى" وهو الهيئة التي كانت تقوم مقام وزارة الصحة آنذاك, مناشداً العاملين فيها بنبذ الإهمال وطرح الكسل "فالروح ثمينة والحياة عزيزة"!
من بين ردود فعل أيضاً ما جاء في رسالة لمندوبه في دمياط, وهى بقدر ما يمكن أن تثيره من ابتسام, فهى تنم عن روح الجزع التي تملكت الرجل, فهو بعد أن يتحدث عن تفاقم الخطب وعظم المصاب "فما أجدرنا بالشفقة وما أحقنا بالدعاء بعد ما أصبحنا محصورين ضمن دائرة الموت لا نستطيع الخروج منها سبيلاً إن لم يأتنا من فضل ربنا لطف يخفف مصابنا ويزاول عنا داءنا المشئوم.. أو يقضى الله أمراً كان مفعولاً"!
وكان على بقية المصريين أن يعانوا من تلك المشاعر اليائسة التي اجتاحت مندوب الأهرام في دمياط, فهو وإن لم يتمكن من الخروج من البلدة المنكوبة إلا أن الداء فعلها وأخذ زيارة مصر طولاً وعرضاً.
ومع أن الأهرام استمر يتعقب "الهيضة" أينما ذهبت فإن التقرير الذى قدمه في صفحته الأولى في عدده رقم 1702 الصادر في 25 يوليو عام 1883 كان أكثر تعبيراً عن خط الزيارة غير الميمون..
جاء في هذا التقرير أن المرض بعد أن ظهر في دمياط بدت أثاره في شربين والمنصورة وأنه تمت محاصرته على نحو أدخل الاطمئنان في قلوب المصريين والأمل في قرب زواله, ولكن..
ونترك للأهرام الرواية:
"وفيما نحن مترقبون زواله بالمرة وإذ به قد دب في الجيزة واتصل بالعاصمة ولم يكن سيره فيها شبيهاً بغيرها بل أنه قتك في أول أمره فتكاً ذريعاً وجلت خطوبة الوبيلة في بولاق فقضى على كثيرين من سكان الحى المذكور.. وانتشر في أكثر المدن والقرى من الوجه البحرى وكانت لشبين الكوم نصيب وافر من شره حتى بلغت وفياته مبلغاً فاحشاً"!
ولم تكن الهيضة حتى ذلك الوقت قد وصلت إلى الإسكندرية أو إلى الصعيد ولكنها لم تتأخر كثيراً!
***
تمتلئ قصة الشهور الخمسة التي انتشر فيها هذا الوباء بكثير من الجوانب بعضها يثير الأسى والبعض الآخر يثير الابتسام, غير أنها جميعاً لم تلق عناية من جانب المؤرخين وإن لقيت من جانب الأهرام..
* من بين تلك الجوانب ما اتصل بالأهرام نفسه الذى فوجئ قارئه به صباح يوم الخميس 28 يونية وقد عاد إلى الصدور في صفحتين فقط كما كان يحدث ابان حروب الثورة, وكان السبب فيما جاء في ذلك العدد "أن الأهرام يصدر في نصف حجمه لأن بعض الفعلة (العمال) تركوناً عن خوف من الداء"!
وفى هذا الصدد لم ينس الأهرام التنويه إلى أنه أفضل من صحف أخرى توقفت عن الصدور بسبب الوباء فمن بين الأخبار التي ساقها في يوليو: "تعذر صدور جريدة مرآة الشرق في هذه المدة نظراً للوباء المنتشر في العاصمة ورحيل فعلة المطبعة وتركهم أشغالها على غفلة وعدم التمكن من وجود خلافهم بسبب حوادث النزلة الوبائية".
من بين ما يخص الأهرام أيضاً أن صحيفة "البرهان" اتهمت صاحبيه بالفرار من البلاد, سليم إلى سوريا وبشارة إلى أوربا, مما دعا الجريدة إلى التنويه بأنهما "لم يزالا في مركزهما بالإسكندرية يتمان أشغالهما كالعادة"!
من بينها أخيراً تلك الحملة التي شنها الأهرام والتي تسببت في حصوله على إنذار كان أول الإنذارات التي نالها في عهد الاحتلال..
الحملة كانت على مجلس الصحة الذى ارتأى الأهرام أن تقاعس رجاله كان سبباً رئيسياً وراء انتشار الوباء على هذا النحو المخيف.
ومع أن الاهرام بدأ حملته منذ الأيام الأولى لانتشاره خبر الهيضة إلا أنه وصل إلى ذروتها في المقال الافتتاحى لعدده رقم 1684 الصادر في 5 يوليو بعد أن نشر المجلس افادة فى الجريدة الرسمية, الوقائع, جاء فيها: "اننا لا نشك بأن الداء طارئ على البلاد من الخارج", وانبرى الأهرام ليتهم المجلس أنه يسعى من وراء ذلك البيان التنصل من المسئولية وإلقائها على "مجلس الصحة البحرية والكورنتينات" وتساءل عن الأسباب التي دعت إلى عدم وصول أطباء المجلس "الذين انفذهم للمعالجة في دمياط وما وصلوها إلا منذ أربعة أيام فقط" وانهى حملته بالقول: "ان الذى كتبناه وسنكتبه من التنديد موجه للمهملين المقصرين في الواجبات المدنية والأدبية, وأن واجباتهم غير محصورة في جهة دون الأخرى في مثل هذه الحوادث"!
ونال الأهرام انذاراً نشره في صدر صفحته الأولى في عدده الصادر في 10 يوليو وكان سببه "الحملة المستطيلة تحت عنوان (الوقائع المصرية) التي اشتملت على التنديد بمجلس الصحة العمومية بغير صحة ونسبته للإهمال الزائد في القيام بأداء واجباته"!
ولم يملك الأهرام سوى الرد على الإنذار بالقول أن الأمر الذى وصله "بعدم الخوض في مسائل مجلس الصحة يدعونا أن لا نعود في المستقبل إلى البحث في هذا الشأن بل نترك ذلك إلى الرأي العام..!
* جانب آخر بدا في عمليات الفرار الكبيرة من الوباء, وإذا كان بعض من تلك العمليات قد تم إلى الداخل فان البعض الآخر قد اتجه إلى خارج مصر كلها..
عمليات الفرار إلى الداخل بدأت من المناطق المصابة إلى الجهات التى لم يكن قد زارها الوباء بعد, وقد تعدد الأخبار حول ذلك الفرار..
الإسكندرية كانت الملجأ الأول للفارين فيما سجله الخبر الذى نشره الأهرام في 2 يوليو من أنها قد أصبحت "ملجأ للجازعين ومحطاً للنازحين عن القطر خوفاً من الوباء".
وبحكم أن الأهرام من أهل الميناء المشهور فقد عبر عن قلقه مع سائر السكندريين من قدوم "هؤلاء لما يعلمون من سرعة انتشار العدوى في هذا الدواء المباء وأن لأهل المدينة حق التشكى من دخول الألوف العديدة من القادمين في كل يوم من أنحاء الريف التي وصلت إليها جرثومة الوباء".
السويس كانت الملجأ الثانى, وكان أغلب من فر إليها من الأجانب فيما يقرره عدد الأهرام الصادر يوم 25 يوليو, وقد جاء فيه:
"وصل السويس عساكر إنكليزية قادمة من العاصمة فراراً من الوباء ووصفها أيضاً بعض القضاة البلجيكيين فنزلوا ضيوفاً في محل قنصل دولة بلجيكا فقام بإكرامهم وقال مكاتبنا أن الفارين من الوباء قد ملأوا الفنادق وازدحمت الأقدام في المدينة من كثرة اللاجئين إليها من المحلات المصابة.
أما عمليات الفرار إلى الخارج فقد سجلها مراسل الأهرام في بيروت الذى لاحظ أنها قد أصبحت ملجأ "للجازعين منذ ظهور الوباء في مصر".
الأمر الذى دعا "مجلس الكورنتينات" في المدينة أن يشدد في استقبال المصريين الذين شكو من سوء المعاملة..!
* الجانب الثالث من القصة خاص بالخديو الذى رصد الأهرام وغيره من الصحف موقفه من رعايا خلال الأزمة وبينما عمد آل تقلا إلى الترويج للأخبار بأن "توفيقاً" كان طوال الوقت في وسط رعاياه. كان يقول في أحد أعداده" "زار سمو الخديو صباح الأحد الفائت مستشفى الحكومة وأخذ يتجول في غرف المرضى ويسأل عن صحتهم", وأن يقول في عدد آخر "لما بلغ جنابه العالى ما انتاب دمياط من رزايا لم يكتف حفظه الله ووقاه بصرف وسائل التحفظ فقط بل حركته عواطفه الشفقة أيضاً فبذل في سبيل وقاية الثغر المذكور ما يقصر عن بذله الوالد نحو بنيه"!
غير أن ما روج له الأهرام لم يكن يتفق بالضرورة مع رغبة الخديو في صيانة نفسه من احتمالات العدوى الأمر الذى بدا في مناسبات عديدة, كان يمتنع عن الاستقبال لأيام عديدة تحت دعوى أنه مصاب بالزكام, وكان يرفض استقبال الناس "كالعادة في عيد الفطر المبارك" تحت دعوى انشغاله بمقاومة الوباء.. إلخ..
بيد أن أطرف ما حدث في هذا الشأن كان الإنذار الذى نالته صحيفة الزمان لما نشرته من "اشاعات عن صحة الجناب الخديو المعظم", وصحب ذلك بيان أصدرته نظارة الداخلية جاء فيه: "ليعلم الجميع أن صحة ولى النعم الجناب الخديوى المعظم في غاية من الجودة الكاملة والعافية الدائمة أدامها الله كذلك ما دامت الأيام..!
بقى من هذه القصة جنبها الأخير المتعلق بأثر الهيضة على طبيعة الحياة في مصر خلال تلك الشهور. وكان أثراً سلبياً بالضرورة..
الخسائر الاقتصادية كانت أول مظاهر هذا الأثر السلبى وكما قال الأهرام: "من المعلوم أن الأشغال توقفت والناس آخذة بالمهاجرة ولا يرجى عود الأمور إلى مجاريها ما دام للداء أثر مأثور, فكلما طالت مدة إقامة هذا النزيل المشئوم ازدادت الخسائر وعظم الخطب"!
تأجيل الانتخابات التي كان مزمعاً عقدها بناء على القانون الأساسى كان الأثر الآخر فيما سجله الأهرام الصادر يوم 28 أغسطس.
نفس التأجيل انصرف على بدء العام الدراس الذى حان وقته ولم تكن الهيضة بعد قد انهت زيارتها فقد أصدرت نظارة المعارف "إعلاناً" جاء فيه القرار باستمرار "المسامحة (الاجازة) العمومية إلى حين إمكان اجتماع التلامذة في مدارسهم بعد مضى 51 يوماً من تاريخ انقطاع الهيضة"!
***
نشط الأهرام خلال تلك الشهور الخمسة في المشاركة في التوعية بمقاومة الوباء حتى أنه لم يكد يخلو عدد من أعداده من مقال عن تاريخ المرض وسبل الوقاية منه أو من ارشادات إلى طرق التعامل معه..
من مقال احتل أغلب الصفحة الأولى من العدد رقم 1681 الصادر في 2 يوليو تحت عنوان "نصائح مفيدة في أيام الهواء الأصفر" يسوق كاتبه تسع نصائح بعضها لمواجهة الاسهال وأخرى بالنصح والاستلقاء على الظهر وثالثة بتحريم شرب الماء لمن يصاب بالمرض وأخيرة بتجنب "أكل الفاكهة والخضر المضرة واسهر على النظافة والاقتناع والاعتدال في عيشتك"!
ومن مقال افتتاحى آخر في العدد 1682 الصدار في اليوم التالى بقلم "حضرة الدكتور الفطن إسكندر افندي رزق الله" ينصح "بمراعاة القواعد الصحية مطعماً ومشرباً وملبساً والتدقيق في أمر المأكولات".
يطلب صاحب هذا المقال أيضاً من المصريين الاعتناء "بفتح شبابيك المنزل أجمع ساعات كافية لتجديد الهواء ولا ينام الشخص إلا منفرداً إذا أمكن ويعتنى كثيراً بتنظيف الجسد وتغيير الملابس كل يوم"!
بيد أن أطرف النصائح كانت تلك التي قدمها الدكتور إبراهيم تقلا في عدد الاهرام الصادر 26 يونية تحت عنوان "الهواء الأصفر أو الهيضة الوبائية" فقد طلب الرجل من المصريين "أن يكون المأكل خالياً من الخضر الناضجة والفاكهة كالشمام والبطيخ والمشمش والخيار والكوسا.. وأحسن المأكل هي لحم الضان على أنواع كالكستالتا والبفتيك والكباب خالياً من الدهن مع المرق والشوربا ولا مانع من أكل الأرز", وواضح أن نصائح الدكتور تقلا كان يستحيل الأخذ بها من جانب الفقراء المصريين الذين كان حظهم من الوباء أكثر من حظ غيرهم من القادرين على تناول الكستالتا والبفتيك والكباب!
أخيراً فقد شارك الأهرام في الحملات التي شنت لردم البرك المنتشرة في المناطق الموبوءة فضلاً عن التشجيع على إزالة أكوام القمامة وإن كان من أطرف ما روجت له الجريدة قرار وزارة الداخلية "بإشعال نيران قوية في البلاج المصابة بالهيضة لأجل تطهير الهواء ولا نشك بأن الفائدة التي تترب على هذا العمل تكون عظيمة جداً"!
***
بدءاً من أغسطس عام 1883, ومع وصول بشاير فيضان النيل, بدأت أخبار انحسار الهيضة تحتل جانباً لا بأس به من الاهرام, وإن كان الأمر قد استغرق بعض الوقت خاصة وأن زيارة الوباء لكل من الإسكندرية والصعيد جاءت متأخر وكان مطلوباً أن تأخذ وقتها!
ففي 21 أغسطس بشر الأهرام قراءه بأن "الدلائل تشير إلى إشراف الداء على الزوال, والفضل في ذلك لرجال الصحة ورجال الحكومة الذين استطاعوا التغلب على المرض"!
في نفس اليوم ساقت الصحيفة أعداد ضحايا الزيارة الوبائي وفقاً لإحصاء مجلس الصحة فوجد انهم قد وصلوا إلى 524 و 21 في مقابل أكثر من ستين ألفاً من ضحاياه الزيارة السابقة عام 1865 مما جعل الأهرام يعلق بالقول: "ان الخطب لم يكن جللاً.. ولو قابلنا بين نكبة هذا العام والنكبات الغابرة لبان الفرق وعرفنا قيمة الاجتهاد"!
بيد أنه كان للزيارة بقية استمرت حتى أوائل نوفمبر..
صحيح أن الأهرام عاد للصدور في حجمه الطبيعى, أربع صفحات بدءاً من العدد 1766 الصدار يوم 11 أكتوبر دليلاً على عودة الحياة إلى سيرتها الطبيعية في الإسكندرية, إلا أنه قد استمر بشكل يومى ينشر بيان "مجلس الصحة البحرية والكورنتينات المصرية" التي نختار منها بيانين..
البيان الأول عن يوم 7 نوفمبر من الساعة 8 صباحاً إلى الساعة 8 صباح اليوم التالى وقد جاء فيه: "توفى بالهيضة 2 بالإسكندرية منهم واحد أوربى وواحد وطنى - وفيات اعتيادية 19" وكان آخر البيانات التي أشارت إلى وفيات بالوباء.
البيان الثانى صادر عن يوم 14 - 15 نوفمبر وقد جاء فيه "لم يتوف أحد بالهيضة في الإسكندرية" انقطع بعدها المجلس المذكور عن اصدار تلك البيانات, ويلفت النظر أنه جاء إلى جانب هذا البيان الأخير الذى نشره الأهرام في عدده الصدار يوم 15 نوفمبر إعلان هذا نصه:
"اعتباراً من هذا اليوم نفتح قهوتنا المعروفة بقوة الشرق امام وكالة راتب باشا وفيها مشروبات لطيفة وآلات طرب - كاتبه: قسطندى بويجه" مما ينم عن ان زيارة الوباء للمدينة قد انتهت وبدأت زيارات الناس للمقاهى!
ومع ما لاحظه الأهرام من سرعة عودة الحياة إلى طبيعتها بعد أن توهم البعض: "ان الضربة دقت اللحم وقضمت العظم حتى لم تبق عليها ولم تذر" فقد كان حرياً به أن يسجل تلك العبارة التي قال فيها أن "سحب أوهام هؤلاء قد انقشعت وأن مصرنا مصر العجائب ومنبت المعجزات والغرائب" وهى العبارة التي أغلق بها ملف هيضة عام 1883!

صورة من المقال: