ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

021 محاكمة الدقائق الخمسة!

محاكمة الدقائق الخمسة!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 9 ديسمبر 1993م - 25 جمادى الآخرة 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

إلى القاعة الكبيرة في نظارة الأشغال التي يشغلها مجلس النواب بالقاهرة والتي تم إعدادها سريعاً لتكون قاعة للمحكمة, وفى تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الأحد 3 ديسمبر عام 1882 دخل أعضاء المحكمة العسكرية التي كانت قد شكلت قبل ذلك بأكثر من شهرين بمرسوم خديو للحكم في "الدعاوى على كل من ارتكب جريمة العصيان أو التعدى على السلطة الخديوية أو الإهانة للذات الخديوية"!
كان أول من دخل, وفقاً لوصف مدير تحرير الأهرام, بشار تقلا, الذى كان حاضراً الجلسة: "حضرة سعادتلو رؤوف باشا (رئيس المحكمة) وحضرات الأعضاء.. وجميعهم بالملابس الرسمية والنياشين الفاخرة, فجلس ثلاثة عن يمين سعادة الرئيس وثلاثة عن يساره, وكان في الجهة اليمنى حضرة السير تشارلس ويلسون وبعض الانجليز ومن الجهة اليسرى كتاب أسرار قنصلاتو إنجلترا الجنرالية.." وبدأت أشهر محاكمة في تاريخ مصر خلال القرن التاسع عشر بعد محاكمة الفرنسيين لسليمان الحلبى قاتل كليبر, قبل ذلك بأكثر من ثمانين عاماً, تلكم هي محاكمة زعيم الثورة أحمد عرابى باشا.
ويصف عدد الأهرام في اليوم التالى.. العدد 1511 الصادر يوم الاثنين 4 ديسمبر عام 1882 ما جرى في تلك المحاكمة فيقول: "ولما انتظم المقام أمر حضرة الرئيس بإحضار عرابى فتوجه ضابط وأتى به يخفره عسكريان ببنادقهم فدخل القاعة وهو أصفر اللون وجلس فخاطبه سعادة الرئيس قائلاً: أحمد باشا عرابى فانتصب, فقال الرئيس: أوضحت بمجلس التحقيق أنك عصيت وحملت السلاح ضد الحضرة الخديوية فهل تعترف أنت بذلك؟
"فلما انتهى حضرة الرئيس جلس عرابى ووقف المسيو برودلى محاميه وقال باللغة الفرنسوية أن موكلى يعترف بارتكاب العصيان وأنا المحامى عنه أصدق على ذلك واليكم إعلاناً موقعاً منه بهذا الشأن, فأخذ كاتب المجلس هذا الإعلان العربى العبارة وتلاه على الحضور: {اننى اعترف بعصيانى ضد الحضرة الخديوية وأقر بذلك موافقة رأى المحامى عنى - التوقيع: أحمد عرابى}, فعند ذلك انتصب سعادة الرئيس وقال ان الحكم سيتم بعد الظهر".
ويعلق مدير تحرير الأهرام على ما رآه قائلاً: "وهكذا انفضت الجلسة التي لم تستغرق من الوقت إلا خمسة دقائق, تلك هي المحاكمة التي طنطنت الجرائد بأحكامها وقال بعضهم أنها ستستغرق شهراً أو شهوراً فهى لم تستغرق من الزمن إلا دقائق خمسة."
وإذا كان "الأهرام قد عبر عن دهشته التي لم تلبث أن تحولت إلى استهجان فيما تكشف عنه أعداده التالية, فلابد وأن غالبية المصريين قد اعتراهم بدورهم الكثير من أسباب الدهشة وان لم يشاركوا الأهرام استهجانه!, ولنبدأ القصة من أولها..
***
بعد مض وقت قصير من القبض على "أحمد عرابى" وزعماء الثورة أخذ يتبلور تياران حول مصر الرجل واخوانه..
التيار (الأول) سائد في الدوائر الخديوية, وهو التيار الذى غلبت عليه نوازع الانتقام والتي تبدت بعد أيام قليلة من إلقاء الرجل وصحبه في السجن..
فبعد أربعة أيام فقط أمر الخديو بإخلاء منزل عرابى بحجة النية على تحويله إلى مستشفى للجرحى!
في نفس الوقت تم تحويل مبنى الدائرة السنية إلى سجن والذى خصصت حجرات دوره العلوى "للمذنبين من الدرجة الأولى" وكان منهم عرابى بالطبع, والذى عانوا من الحبس الانفرادى, فضلاً عن أن خدم وأغوات الخديوى قاموا بتفتيشه أربع مرات "بصورة غير لائقة" على حد ما جاء في خطاب منه إلى محاميه.
وكان من المتوقع على ضوء التطورات السابقة أن ينضم "الأهرام" إلى هذا التيار فيما عبر عنه منذ اللحظة الأولى..
يقترح الأهرام في 20 سبتمبر 1882 بمناسبة عودة "الحضرة الفخيمة الخديوية مع حضرة النظار الكبار إلى العاصمة أن يغل عرابى والسامرى (الاسم الذ أطلقه الأهرام على البارودى) وبقية إخوانهم بالحديد ويمشوا أمام عربة الحضرة الخديوية إلى مقامه الاسنى فيراهم أهل العاصمة عموماً وتطيب قلوب المخلصين للحضرة الخديوية.."!
بمناسبة نقل عرابى من قشلاق عابدين إلى سجن الدائرة السنية يطلع الأهرام على قرائه يوم 6 أكتوبر واصفاً عملية النقل وكيف أنه "كان محاطاً بالعساكر الإنكليزية مسوق ذليلاً حقيراً.."
التيار (الثانى) ساد في الدوائر الإنجليزية وكان يقوم على العمل على توفير ما أسموه "محاكمة عادلة" أو على حد تعبير الأهرام "محاكمة انصافية" لعرابى وبقية الثوار..
والفكرة الشائعة أنه قد تزعم هذا التيار المستر ولفرد سكاون بلنت Blunt قطب حزب الأحرار, وهو الحزب الذى تم في عهد إحدى وزاراته احتلال مصر, وأن الرجل قد نجح منذ زيارته إلى القاهرة في شتاء عام 1881 في عقد علاقات وثيقة مع قيادة الحركة الوطنية, خاصة عرابى ومحمد عبده, وأنه منذئذ كان يعبر عن وجهة نظر تلك الحركة في الدوائر البريطانية حتى أن زعيمها أسماه "بصديق العرابيين".
الفكرة الشائعة أيضاً أن الرجل قد انبرى بعد ضرب الثوار لتوفير محاكمة عادلة لزعمائها من خلال تكليف محامين انجليز للدفاع عنهم, ونجح فعلاً في تكليف اثنين من هؤلاء هما برودلى ونابيير.
ما ليس شائعاً موقف الحكومة البريطانية من مساعى المستر بلنت وما إذا كانت تلك المساعى قد تمت بمعزل عن دوائر الخارجية في لندن..
تشير الدراسات الحديثة ان المستر بلنت كان وثيق الصلة بتلك الدوائر وأن مساعيه قد تمت بتنسيق معها وهو ما تتعدد الأدلة عليه ربما يكون أهماها الإنذار الذى بعث به اللورد جرانفيل, وزير الخارجية البريطانية للحكومة المصرية عندما تباطأت في قبول المحامين الانجليز المكلفين بالدفاع عن عرابى, وقد جاء فيه بالحرف الواحد:
"ليس هذا أوان ظهور الحكومة المصرية بمظهر المعارضة والممانعة وان استمرارها في الاعتراض يعرضها للخطر, وهو خطر لن تقتصر آثاره على الوزارة وحدها بل سيمتد لمركز الخديوى نفسه. وإذا لم تستجب الحكومة المصرية لمطلب الحكومة الإنجليزية في غضون ثمانية أيام من تقديم هذا الإنذار فعليها أن تتحمل ما يترتب على ذلك"!
وفيما أثبتته الأحداث فقد كان وراء هذا الموقف البريطاني أسباب سياسية وليس الادعاء بتوفير "المحاكمة العادلة"..
السبب الأول أن بريطانيا قى تعاملها مع زعماء ثورات البلاد التي احتلتها لم تكن على استعداد لصناعة "الشهداء" الذين يبقون أحياء في ضمائر أممهم ونماذج تشير مخيلاتها الوطنية, كانت هذه التعاملات تفضل اللجوء إلى وسيلة أخرى, تلكم هي وسيلة ضرب الصورة البطولية.. ولآخر ملمح!
السبب الثانى أن مجريات تلك المحاكمة أتاحت الفرصة للبريطانيين لتوصيل الرسالة الأولى للنخبة الحاكمة في مصر.. تقول هذه الرسالة أن الذى أصبح يحكم ف مصر هي دوائر الهوايتهول وليس دوائر عابدين. ووصلت الرسالة بأسرع مما كان يعتقد أي شخص بمن فيهم مدير تحرير الأهرام الذى استمر يتابع من القاهرة ما يحدث!
***
تحت عنوان "المستر بلنت وأضاليله" يتهم الأهرام الرجل بأنه أخذ "أخيراً في دس الدسائس وبعث بمحام انجليزى فأتى العاصمة ليحامى عن عرابى" ثم يخاطبه بالقول: "بأى وجه تتقدم لهذه المحاكمة ألا تعلم أن لنا قانوناً وبموجبه نجرى, أيسمح قانونكم العسكرى بأن يكون للمجرم في المجلس العسكرى محام. فكفاك يا حضرة المستر بلنت ما أتيت من مضار"!
بعد ذلك بخمسة أيام, وفى العدد الصادر في 16 أكتوبر عام 1882, يعود الاهرام لنفس المسألة حيث يقول أن "بلنت الانكليزى كان في نيته أن يأتي قطرنا للمحاماة عن عرابى ولكن الحكومة لم تأذن له بذلك وقيل أنها أصدرت الأمر بالقبض عليه لو أتى ولكن حضرته لم يقنط بل أرسل محامى انكليزى وزوده بما يعلم من الترهات"!
والواضح أن بشارة تقلا الذى كان مقيماً في القاهرة طوال الوقت كان وثيق الاتصال بدوائر عابدين ويعبر عن مواقفها لأنه ما إن وصل الإنذار البريطاني إلى تلك الدوائر حتى انبرى للهجوم على المؤسسات الإنكليزية التي دافعت عن فكرة التدخل لتوفير "محاكمة إنصافيه" للمقبوض عليهم.
يهاجم الأهرام الصحافة الإنجليزية لنشرها ما يفيد أن الحكومة المصرية تسئ معاملة المحبوسين ويرى أنه "افتراء مبين" ويتساءل "أين كانت هذه الجرائد يوم معاملة العصاة للمحبوسين الأبرياء"!؟
بعد ذلك بأربعة أيام يعود للهجوم ولكن على البرلمان الانجليزى هذه المرة الذى بحث قضية المحاكمة ويتهمه بأنه قد "نسى ايرلندا وأهل الزولوس (قبائل الزولو في جنوب افريقيا) وغفل عن أفغانستان ووجه النظر إلى مصر واختص منها مسألة محاكمة عصاة أتوا البلاد ببلايا ورزايا عديدة"!
في نفس الظروف وبعد أن طال الوقت في التحقيقات نتيجة لتدخل المحامين الانجليز, وهو التدخل الذى تطلب وقتاً لترجمة الكثير من أوراق القضية, يعرب الأهرام عن برمه وشكوكه, وهو ما عبر عنه بالقول: "اننا نتوقع بفروغ صبر افتتاح أبواب المجلس الحربى لنقف عل ما يكنه المستقبل من العجائب والغرائب, فقد سأم العالم الانتظار"!
***
العجائب والغرائب التي كان يتوقعها الأهرام كشف عنها ذلك المحامى البريطاني الذى تولى مهمة الدفاع عن عرابى المستر برودلى في كتاب نشره في لندن بعد عامين من المحاكمة تحت عنوان "كيف دافعنا عن عرابى وصحبه
How We defended Arabi and his friends
والقصة مليئة بالتفاصيل وإن كان يعنينا منها ثلاثة جوانب..
الجانب الأول متمثل فيما قدمه المحامون الانجليز من دفوع لهيئة التحقيق فندوا خلالها أغلب التهم التي وجهت لقيادة الثورة, وكانت عشرة بدءاً من حادثة محاكمة قصر النيل وحتى "الإحاطة بسراى الخديو" في الإسكندرية بهدف الاضرار به.
وفى تلك الأثناء تم التلويح للحكومة الخديوية بأن الباب العالى لن يقبل حكماً بالإعدام, وهو ما لا تقبله حكومة لندن أيضاً لرجل عسكرى وقع في أسر قواتها, وأن محاكمة طويلة سوف تؤدى إلى "نشر غسيل السياسة القذر" في مصر.
الجانب الثانى بدا في ذلك التنسيق الظاهر بين ممثلي الحكومة البريطانية في المحاكمة, المستر برودلى, والمستر بلنت, واللورد دفرين, السفير البريطاني في استنبول, الذى كان قد وصل وقتئذ إلى القاهرة مكلفاً بمهمة محددة من وزارة الخارجية البريطانية.. مهمة النظر في ترتيب الأمور المصرية بعد توقف ما أسماه البريطانيون "بالاضطرابات الأخيرة" وإن كان المسمى الدقيق لتلك المهمة "وضع السياسات البريطانية في مصر بعد احتلالها".
وتأسيساً على هذين الجانبين جاء الجانب الثالث متمثلاً في التوصل إلى ما أسماه برودلى بالتسوية Compromise, وكانت كما ذكرها في كتابه بالنص:
"تسحب كل الاتهامات الموجهة ضد الباشوات: عرابى ومحمود سامى طلبه وعلى فهمى وعبد العال ويعقوب سامى ومحمود فهمى, فيما عدا العصيان البسيط, ويستدعى هؤلاء للمثول أمام المحكمة العسكرية للاعتراف بهذه التهمة, وأن تصدر عقوبة الإعدام مصحوبة بمرسوم معدل للعقوبة إلى النفى من مصر يقرأ فوراً, ويفقد المسجونين رتبهم وأملاكهم بمقتضى مراسيم لاحقة, ولا تصادر أملاك زوجاتهم, وأن يتعهد المسجونين بالتوجه إلى أية جهة من الممتلكات البريطانية المحددة لهم, ويبقون فيها حتى يسمح لهم بمغادرتها".
يقول المستر برودلى أنه كان مطلوب لنجاح التسوية الحفاظ على سريتها, وأنه أبلغ عرابى عن طبيعتها في لقاء منفرد معه في محبسه يوم 29 نوفمبر, والحوار الذى أورده الرجل في كتابه يعطى بلا شك صورة زاهية للزعيم المصرى.
فهو من جانب كان يفضل المحاكمة لأنها كانت سوف تعطيه الفرصة أن يواجه متهميه وجهاً لوجه, وهو من جانب آخر اهتم بمصير من اسماهم "أخوتى المسجونين" وطمأنه برودلى بأنهم سيكون لهم نفس النصيب من الرأفة, وعندما تساءل الزعيم المصرى: "هل سبق أن عاملت إنجلترا عدواً مهزوماً بهذه الصورة" جاءت إجابة برودلى أن نابليون قد لقى نفس المعاملة, وانتهى اللقاء بقبول عرابى بالتسوية معلقاً على مسألة تجريده من النياشين والأملاك بقوله: "بالنسبة للنياشين لا يعنينى أن أفقدهم فلم أسع لها أبداً, وأما أملاكى فليس لى شيء سوى ما خلفه أبى وهو يكاد يفى لنا بالزاد"!
المهم بالنسبة للأهرام في هذه التسوية أن كل أطرافها حافظوا على سريتها, رغم قولة برودلى بصعوبة الحفاظ على السر في الشرق, وهو حفاظ بدا في دهشة بشارة تقلا من سير المحاكمة مما كشف عن جهله تماماً بما تم الاتفاق عليه رغم قربه الشديد من دوائر القصر, وهى الدهشة التي استمرت تعتريه بعد صدور الحكم, ثم في تعليقه على القضية برمتها بعد ذلك.
***
في نفس العدد رقم 1511 من الأهرام الصادر في 4 ديسمبر عام 1882 والذى ساق خبر المحاكمة جاء خبر الحكم الذى صدر في نفس اليوم, ونترك لمدير تحرير الجريدة رواية ما حدث.. قال:
"ولما كانت الساعة الثالثة بعد الظهر رجعنا إلى مجل المجلس ووفد العالم (الحضور) حتى بلغ عددهم نحو مائتين بينهم قليل جداً من الوطنيين, وحضر في هذه الحفلة (!) دولتلو نوبار باشا".
ويستطرد فيصف دخول هيئة المحكمة واحضار أحمد عرابى الذى خاطبه رئيس المحكمة بقوله: "بناء على اعترافك بالعصيان واقرارك بحملك السلاح ضد الحضرة الخديوية لم يكن للمجلس إلا أن يصدر الحكم عليك ولقد أصدره باتفاق الآراء ويقضى على من أتى العصيان بالإعدام فالمجلس قضى بقتلك".
واستكمالاً لتنفيذ بنود "التسوية" أعقب "سعادتلو رؤوف باشا" النطق بالحكم بالقول: "اننا رفعنا هذا الحكم إل الحضرة الخديوية التي هي منبع الجودة والرحمة رأت أن تستبدل القصاص المذكور بقصاص آخر", ثم ناول كاتب الجلسة أمراً خديوياً نص على استبدال القصاص بنفى أحمد عرابى من "جميع أرض مصر وملحقات الحكومة المصرية وإذا رجع إلى أرض مصر فلا يعامل بالعفو بل يقتل"!
ونترك لبشارة تقلا التعبير عن انذهاله, والتوصيف من عنده, قال: "وانصرف الحضور والذهول متول والأفكار مختلفة الآراء متباينة ونكتفى الآن بأن نخاطب مستر بلنت بقولنا له طب نفساً وقر عيناً.. فقد انقضى الأمر على ما تتمنى وتروم"!
ويلحق الرجل وصفه للمحاكم بتقرير ف اليوم التالى يصفها فيه "بالغريبة" ويتحدث عن "التأثير والانذهال الذى أصاب أهل العاصمة" وأنهم سيزدادون انذهالاً لما يعلموا أن محاكمة ستجرى اليوم التالى لأربعة من رؤساء العصيان هم محمود سامى البارودى وطلبة عصب وعبد العال حشيش ومحمود فهمى", ولا ينسى في هذه المناسبة أن يعقب ساخراً من انتظار ثلاث أيام لحين محاكمة المجموعة الجديدة سببه "وجوب وقت كاف لاستراحة هيئة المحكمة"!
ويشير إلى أنه أصبح من المعلوم مقدماً الحكم الذى سيصدر على هؤلاء وعلى أربعة آخرين سيقدمون للمحاكمة في اليوم التالى وأن هؤلاء الثمانية تقرر نفيهم مع "رئيسهم عرابى إلى جزيرة بالقرب من كلكته وهى منفى المجرمين السياسيين وسيذهبون إليها مع عائلاتهم", ولم ينس في هذه المناسبة أن يختم تقريره بتعليق لاذع حينما قال أن هؤلاء "سيؤلفون هناك مستعمرة مصرية عاصية"!
ولم يكن لمثل هذه الاحتجاجات أي تأثير على السير في مجريات القضية وفقاً "للتسوية" التي عقدت وإلى نهايتها حيث تلقى زعماء الثورة الحكم نفسه وتهيأوا لمغادرة الوطن.
وقد اتخذت كل الاحتياطات لاتمام سفر عرابى وبقية زعماء الثورة من السويس بسرية "بحيث لا يكون مجتمعاً بالمحطة أحد ولا أحد يقرب الوابور ولا العربية الذين هم بها ولا أحد يقابلهم ولا يكلمهم مطلقاً وبذل كل الجهد في هذه الإجراءات حتى لا يترتب عليها شوشرة ولا تجمع ناس من أصله" وفقاً للتعليمات التي صدرت من الخديو للمسئولين في السويس.
وفى 9 يناي 1883 دخلت الباخرة المقلة للثوار المصرين إلى ميناء كولمبو عاصمة جزيرة سيلان أو سرنديب كام كانت تسمى وقتذاك, التي تقرر نفسهم إليها. وفى الجزية التي أطلق عليها البعض توصيف "جنة آدم" قضى الرجل نحو تسعة عشر عاماً كانت الأحداث خلالها تتوالى على أرض الكنانة, وطويت خلالها صفحة من تاريخها لتفتح صفحات أخرى مليئة بالأحداث كان الأهرام في قلبها!
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
1450 20/9/1882
1459 30/9/1882
1464 6/10/1882
1466 9/10/1882
1468 11/10/1882
1469 12/10/1882
1470 13/10/1882
1471 14/10/1882
1472 16/10/1882
1475 19/10/1882
1479 27/10/1882
1481 30/10/1882
1497 17/11/1882
1504 25/11/1882
1505 27/11/1882
1509 1/12/1822
1511 4/12/1882
1512 5/12/1882
1513 6/12/1882
1515 8/12/1882
1519 13/12/1882

- أحمد شفيق, مذكراتى في نصف قرن ج1, القاهرة 1934م
- سمير محمد طه, أحمد عرابى ودوره في الحياة السياسية المصرية, القاهرة 1986م
- مذكرات الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: مصر للمصريين - مائة عام على الثورة العرابية, القاهرة 1981م
- Blunt Wilfrid Scawen: Secret History of the English Occupation of Egypt, London 1907.
- Broadly, A.M. How we defended Arabi and His friends, London 1884.

صورة من المقال: