ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

020 الحرب.. حول الشرعية..

الحرب.. حول الشرعية..
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 2 ديسمبر 1993م - 18 جمادى الآخرة 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

بعد 48 ساعة فقط من الشغب الدموى الذى انفجر في الإسكندرية يوم 11 يونية عام 1882 توجه الخديو توفيق إليها مصحوباً "برجال المعية (الحاشية) وأغلب قناصل الدول الجنرال والمراقبان الماليان" تذرعاً بحجة "تطمين خواطر الأوربيين الثغر".
ومنذئذ انقسمت البلاد إلى معسكرين.. الثوار الذين شمل معسكرهم سائر أنحاء البلاد، والذين سارت علاقتهم مع الخديو من سئ إلى أسوأ حتى انتهت إلى وصمة بالخيانة والعمالة للإنجليز، ومعسكر توفيق الذى تمترس بالإسكندرية واتهم العرابيين بالتمرد والعصيان، بكل ما يعنيه ذلك من خروج عن الشرعية.
وإذا كان هذا الانقسام قد بدأ مكتوماً في أول الأمر إلا أنه خلال الشهر التالى، وبالتحديد منذ اليوم الثانى لقصف الأسطول البريطاني للإسكندرية، 12 يوليو، كشف كل جانب عن نواياه..
الثوار بأن أرسلوا قوة إلى سراى مصطفى باشا التي كان يقيم بها الخديو تمهيداً للقبض عليه وإعادته إلى القاهرة، الأمر الذى دعا توفيق وحاشيته إلى الخروج من قصر رأس التين حيث كان الأميرال سيمور، قائد الأسطول الإنجليزي وعدد من بحارته واقفين في انتظاره وأوصلوه إلى السلاملك بعد تأدية التحية العسكرية!
الخديو الذى أصدر أمر لعرابى في 20 يوليو جاء فيه: "ان خروجك من الإسكندرية بعد القتال الذى جرى فيه، من غير أن يصدر لك أمر بذلك، واستصحابك الجند إلى كفر الدوار، بعد أن خرجت الخطوط الحديدية، وعطلت البريد وأسلاك التلغراف.. كل ذلك دعانى إلى اقالتك من وظيفتك فأنت معزول منذ الآن بمقتضى هذا الأمر من نظارة الجهادية والبحرية"!
وبينما كانت تجرى الحربية بين الثوار والانجليز كانت هناك معركة أخرى من نوع خاص تجرى بين عرابى والخديو، وهى معركة مختلفة، فقد كان موضوعها الأساسى "الشرعية" وهى المعركة التي نتابعها هنا سواء لقلة ما هو معلوم عنها، أو لدور "الأهرام" فيها، وهو دور لم يلق العناية الكافية لسبب أو لآخر!
***
السلاح الرئيسى في أيدى العرابيين كان اتهام الخديو "بالخيانة"، الأمر الذى بلغ ذروته بقرار الجمعية الوطنية التي انعقدت في ديوان الداخلية يوم 29 يوليو والذى جاء فيه: "وجوب توقيف أوامر الخديو وما يصدر من نظاره الموجودين معه في الإسكندرية كائنة ما كانت لأى جهة من الجهات وعدم تنفيذها حيث أن الخديو خرج عن قواعد الشرع الشريف والقانون المنيف"!
صحف الثورة نشطت في نفس الاتجاه، خاصة صحيفة "الطائف" التي كان يحررها عبد الله النديم، والتي وضعت قائمة بالخونة على رأسها توفيق "بعد أن يئس كل مصري من عودته لحظيرة الوطنية، بعد أن اعتز بالإنجليز وخلع طاعة السلطان وباع الأمة لأعدائها".
من هذه الصحف أيضاً "السفير" التي أصدرها حسن الشمسى بتشجيع من القيادة الثورية، والتي شنت بدورها حملة على الخديو كان مما جاء فيها "أن توفيق باشا في قفص الانجليز وقد انفصل عن حزب الأمة وانضم إلى عدوها ولذلك صار مبغوضاً من جميع الأهالى"!
وقد ملكت القيادة الثورية الكثير من أسباب النجاح في معركتها لضرب صورة توفيق في الوجدان الوطنى لجموع المصريين.. كانت تمتلك أولاً انحياز غالبية المصريين إليها، من خلال تصديها الشجاع للتدخل الأوربي الذى تحول إلى تدخل عسكرى..
كانت تملك ثانياً السيطرة على كل "بر مصر" باستثناء الإسكندرية التي هرب إليها الخديو، ورغم ما حدث من رفضه اللجوء إلى الأسطول البريطاني إلا أنه من الناحية الواقعية قد احتمى بمظلتهم، وهو الأمر الذى أعطى لتهمة الخيانة قدراً من المصداقية.
كانت تملك أخيراً أدوات السلطة الأمر الذى مكنها من الرويج لحملتها ضد توفيق سواء من خلال الصحف التي شجعت على إصدارها، بل انها اعتبرت "الطائف" ناطقة بلسانها، أو من خلال الخطباء الذين انبثوا في طوال مصر وعرضها يدعون للثورة على الخديو، وإذا كان النديم أكثر هؤلاء شهرة إلا أنه لم يكن وحيداً في هذا الميدان.
وكان على توفيق أن يرد، ولم يكن الأهرام بعيداً عن محاولة الرد الخديوية..
***
في بداية الأمر اتسم رد الخديو بقدر كبير من الشحوب، فلم يكن يملك أدوات الرد.
فكان توفيق بعد ضرب الإسكندرية معزولاً عن بقية مصر، بما فيها عاصمة ملكه، وكان الثغر قد تحول في تلك الشهور إلى بقايا مدينة لم يزد عدد سكانها على عشرين ألفاً (كان عدد المصريين وقتذاك خمسة ملايين) بعد أن نزح الأجانب منها في "الخروج الكبير" عبر مياه البحر المتوسط بعد الشغب الدموى ليوم 11 يونيو، وبعد أن نزح المصريون منها في "الدخول الكبير" إلى العاصمة وسائر الأقاليم المصرية بعد ضرب الاسطول البريطاني للميناء والحريق الذى شب فيه يوم 11 يوليو.
وفى وسط هذه العزلة كانت أدواته ف الرد على الثوار محدودة للغاية، وكان عليه أن يبحث عن وسيلة أكثر فعالية، وفى تلك الظروف عاد "بشارة تقلا" من الأراضى السورية التي كان قد خرج إليها مع سليم في أعقاب الشغب الدموى، وبعد أن أوقف صدور الأهرام في 5 يونيو عام 1882.
وتحوط بهذه العودة علامة استفهام كبيرة.. هل عاد الرجل من تلقاء ذاته أم بناء على دعوته وصلته من توفيق؟
في تقديرنا أن بشارة قد عاد باتفاق مع الخديو الأمر الذى ترجحه دلالات عديدة.. من بينها تلك الدلالات أن الخطر الذى كان قد هرب منه صاحبا الأهرام كان ما زال متربصاً، فالميناء قد تحول إلى خرائب، والثوار قد نجحوا في منع وصول المياه العذبة إليه بعد أن أوقفوا جريان ترعة المحمودية، والقوة الثورية لم تكن بعد قد تعرضت للمخاطر الجسيمة التي تعرضت لها بعد نزول القوات الإنجليزية ف بورسعيد.
من بينها أيضاً أن أحد الاخوين فقد جاء إلى الإسكندرية، وهو بشارة، مما يشير إلى التحسب للخطر، ثم أن الأخ الأصغر الذى وصل كان الأقرب إلى توفيق، سواء بحكم أنه هو الذى تدخل لإنقاذه عندما حبسه إسماعيل في عام 1879، أو بحكم أنه كان مراسل الأهرام في القاهرة ونجح في أن يعقد مع الخديو أوثق العلاقات التي تجعله يقبل المخاطرة، على الأقل ليرد الجميل لصديقه الجالس على العرش المهتز!
من بينها كذلك أنه فور وصوله إلى الإسكندرية أعاد إصدار الأهرام في أول أغسطس دون أي استعداد صحفى حقيقى، فقد صدر العدد الأول في شكل شديد البدائية، في ورقة واحدة (صفحتين) وببنط مختلف، وقد استمر في الصدور على هذا النحو حتى تمكن بشارة من تشغيل احدى آلات الطباعة التي تعرضت للحريق وأخذ في اصدار الصحيفة عن مطبعة الأهرام بعد أكثر من أسبوعين من إعادة إصدارها، ولابد أنه كان وراء هذه العجلة في عودة الصدور رغبة قوية من جانب توفيق في استخدام الأهرام في الحرب حول الشرعية.
فضلاً عن كل ذلك فان مقومات توزيع الصحيفة كانت غير متوافرة بالمرة الأمر الذى يشى به هذا الإعلان الطريف الذى جاء في العدد 1422 الصار في 18 أغسطس 1882.. قال: "إن عدم وجود الخدمة (العاملين) الكافية في الإدارة توجبنا أن ندعوا المشتركين الموجودين في ثغرنا إلى تسلم الجرنال من مكتب الجريدة وهو في المحل الأرضى من البيت سكننا الكائن على البحر بالقرب من مطبعة بناسون"!
ومما يؤكد رجحان أن تكون عودة بشارة تقلا للإسكندرية قد تمت باتفاق مع الخديو أن "الطائف" الناطقة بلسان الثورة قد أصدرت ملحقاً خاصاً تحت عنوان "سليم وبشارة تقلا وتوفيق باشا" هاجمتهم فيه ووصفتهم بأنهم مأجورين!
غير أن هذا الترجيح يتحول إلى يقين من متابعة أعداد الأهرام بعد إعادة صدوره وحتى يوم 14 سبتمبر عام 1882.. يوم استسلام عرابى للانجليز..
***
تحول الأهرام منذ أن أعيد في أول أغسطس عام 1882 إلى نشرة معادية للحركة الثورية، ليس فقط انطلاقاً من انحيازه لتوفيق، وانا أيضاً لما كان قد أصابه على أيديها خلال الشهور السابقة.. إنذارات ثم وقف وأخيراً حرق، ويقيناً فإن أصحابه لم يروا أنهم قد فعلوا ما يستحقون عليه كل ذلك، فهم كانوا قد بذلوا جهودهم لاسترضاء الثوار، لكن دون جدوى، ولعله يكون مفهوماً على ضوء ذلك روح الرغبة في الثأر التي تملكتهم، أو تملكت الأخ الذى سبق إلى الوصول، والتي نضحت في سائر أعداد الصحيفة خلال تلك الفترة.
وقد تبنى الأهرام سياسات توفيق بشكل كامل، وهى سياسات تعددت وجوهها، الأمر الذى أصبح فيما بعد عبئاً على تاريخ الجريدة(!)
من بين هذه الوجوه السعي الدائب من جانب بشارة تقلا إلى شق صف الثوار وتأليبهم بعضهم على بعض، والأمثلة التي جفلت بها أعداد الصحيفة خلال تلك الفترة الحاسمة من التاريخ المصرى.
العدد 1416 الصادر في 7 أغسطس جاء فيه: "بلغنا أن أحمد بك رفعت يستخدمه عرابى في انشاء (وضع) الأوامر التركية التي يستند عليها العاصى أمام الأهلين مدعياً أنه يحارب بأمر خليفة المؤمنين.." ثم يطلب من الضابط أن يترك مثل هذا ويلحق معسكر الخديو.
العدد 1423 الصادر في 19 أغسطس يخاطب فيه المصريين ويتساءل: "إلى متى تتبعون الظالم العاصى.. ارجعوا هداكم الله واتقوا ربكم وأطيعوا أولياء الأمور منكم فانهم بأمر الله يحكمون وهم أدرى منكم بمصالحكم"!
العدد 1439 يخاطب فيه "نبهاء القوم وعمد البلاد ويحذرهم من أن يغتروا بجهل عرابى وأعوانه بل تبصروا في عواقب الأمور واعلموا أن البلاد محكوم عليها بوفاء الدين عاجلاً أو آجلاً وإن الحق يعلو ولا يعلى عليه".. حق الخديو طبعاً!
وجه آخر تمثل في تبنى وجهة النظر الخديوية بتوصيف الحملة العسكرية البريطانية بأنها مجرد "تجريدة لتأديب العاصى عرابى" وأنها سوف تجلو عن البلاد بمجرد تأديتها لمهمتها، وقد احتل هذا الجانب مساحات واسعة من أهرام أغسطس وسبتمبر عام 1882.
في العدد الصادر يوم الاثنين 21 أغسطس وتحت عنوان "مقاصد بريطانيا" يؤكد صاحب الأهرام "أن الدولة البريطانية لا مقصد لها في الحرب الحالة إلا رجوع الحالة لما كانت عليه قبل ظهور عصيان عرابى وسترينا الأيام حقيقة ذلك"(!)
أوقع من هذا عدد اليوم التالى الذى خصصت صفحته الأولى لتلك القضية، وقد تضمنت هذه الصفحة مقالاً افتتاحياً تحت عنوان "انكلترة ومصر" تؤكد أنها، أي انكلترة "لم تزل على مبدأها الوحيد لا تقصد غاية شخصية انما ترغب ارجاع نظام البلاد وتأييد سلطة الحضرة الخديوية"، كما يتضمن ملخص الخطاب الذى ألقاه جلادستون رئيس الوزراء في مجلس العموم يرد فيه على التساؤل عما إذا كانت بلاده تنوى احتلال مصر إلى أجل غير محدود: "بأن ذلك الفكر لم يخطر لنا قط ببال وأن أمر كهذا مخالف لمبادئ ومقاصد الحكومة الإنكليزية ومضاد لتعهداتنا أمام أوروبا".
انطلاً من هذا.. أن إنجلترا لم تأت إلا لتأييد "الحضرة الخديوية" تنشر الأهرام ديكرتو (مرسوم) خديوى يعلن فيه التصريح "لحضرة الأميرال وقومندان عموم القوات البريتانية.. بالاستيلاء على كافة النقط التي يرون لزوم اتخاذها لحركاتهم الحربية ضد العصاة، وأن كل مخالفة لتلك الإدارة الخديوية تعرض مرتكبيها لأشد العقوبات"!
***
الأهم من كل ذلك كان دور الأهرام كلسان لتوفيق في "حرب الشرعية: والتي مرت بمرحلتين..
المرحلة الأولى تجريد عرابى من شرعيته القانونية، وهى الشرعية التي استمدها من أن مناصبه التي تولاها "بإرادة سنية خديوية" ارتأى توفيق أن يحرمه منه بإرادة سنية أخرى.
صدرت تلك الإرادة الأخيرة يوم 7 أغسطس عام 1882 ونشرها الأهرام في صدر صفحته الأولى تحت عنوان "صورة إرادة سنية صادرة من الحضرة الفخيمة الخديوية إلى كافة أهالى القطر المصرى" وجاء فيها:
"نحن خديو مصر نعلن أن أحمد عرابى باشا قد اجترأ على أفعال سيئة عادت على القطر المصرى والناس بالخسائر ونفرت جميع الدول من أهله وبناء على ذلك صار يُعد عاصياً مستحقاً للمعاقبة الشديدة شرعاً وقانوناً.. نكرر الإنذار للناس عامة والجند خاصة بأن كل من اتبع هذا العاصى واستمر في عصابته فهو آثم عند الله ولا عذر له لدينا"!
وإذا كنا لا ندرى ما إذا كان بشارة تقلا قد شارك في صياغة هذه "الإرادة" أم لا. بيد أن ما نطالعه أن الأهرام قد تبنى بعد ذلك توصيف عرابى بالعاصى، أي التوصيف الذى جاء في تلك الإرادة.
نطالع أيضاً بعد ذلك بسبعة عشر يوماً وفى أهرام 24 أغسطس (إرادة) أهرى يطلب فيها توفيق من "علمائنا وذوات وعمد ومشائخ البلاد ووجهائها وتجارها الذين نتوسم فيهم الخشية والسكينة والإخلاص الحقيقى لجانب الحكومة أن يمتثلوا لأوامرنا هذه وينظروها بعين النصيحة المحضة لصالحهم وصالح القطر ويلزموا العامة باتباعها".
نطالع أخيراً هذه الحملة التي شنها الأهرام لتحسين صورة توفيق وإن كنا لا نعتقد أنها كانت على غير قناعة محرر الصحيفة وقتئذ.. "بشارة باشا تقلا"..
تحت عنوان "اعقل وتوكل" جاء المقال الافتتاحى لأهرام 23 أغسطس، وكان من بين ما تضمنه مخاطبة المصريين بالقول: "أذكروا تلك الأيام الجميلة التي لزمكم فيها التوفيق من يوم تبوأ سمو الخديو توفيق أريكة الخديوية. أذكروا أيام الرخاء والبركة والعدل والاستقامة والحرية..." ولعل بشارة كان يعبر بذلك عن بعض ما في مكنون نفسه لا مكنون المصريين!
ف العدد رقم 1441 الصادر في 9 سبتمبر، قبل موقعة التل الكبير بأربعة أيام فحسب، يجئ المقال الافتتاحى تحت عنوان "سمو توفيق باشا الأول خديو مصر" وقد تضمن من أسباب المديح وتلمس الأعذار للخديو على استعانته بالإنجليز ما لم يتضمنه أي مقال سابق..
بيد أن هذه المرحلة كان على كل ما تضمنته قد أثبتت قصوراً، فلعل توفيق ومعه الأهرام لم ينتبها في البداية إلى أن الشرعية القانونية تفقد الجانب الأهم من أسباب فاعليتها في مواجهة الشرعية الثورية!
من ثم أخذ جميع من في معسكر الخديوى يبحثون عن حرمان الثوار من الجانب الأهم من شرعيتهم، وكانت الشرعية الدينية التي يملكها الخليفة العثمانى وحده، وفى هذا الصدد بذلك جهوداً سواء من جانب الخديوى أو جانب الانجليز ليصدر السلطان بياناً يعلن فيه عصيان عرابى، وهو ما تردد فيه الباب العالى طويلاً على اعتبار أن عرابى يدافع عن الإسلام من خلال مواجهته لقوة أوروبية معتدية.
وتشير متابعة "الأهرام" إلى الأهمية التي كان يعول عليها معسكر الخديوى في إصدار البيان السلطانى..
تحت عنوان البشرى يقول أهرام 9 أغسطس: "أفادت أخبار دار الخلافة الخصوصية أن الحضرة السلطانية قبلت شروط انكلترة كلها وتوقع اليوم على إعلانها أن عرابى عاص"!
غير أن البشرى لم تتحقق وبدا القلق ممسكاً بتلابيب معسكر الخديوى الأمر الذى عبر عنه الأهرام الصادر في 24 أغسطس تحت عنوان "العثمانية ومصر" كان مما جاء فيه المطالبة "بالإسراع فهو لازم جداً"!
وجاء الفرج لرجال هذا المعسكر عن طريق لندن وليس عن طريق الدولة العلية، ففي 28 أغسطس عام 1882 وبالبنط الكبير نشر الأهرام "نص البياننامة (البيان) السلطانية المعلنة عن عصيان عرابى ولكن "نقلاً عن التيمس"!
وبعد مقدمة طويلة عن تطور الأوضاع انتهى البيان المذكور إلى القول "أن الحضرة السلطانية تؤيد سلطة وامتيازات الحضرة الخديوية وتحكم بعصيان عرابى وقد أصدرنا هذه البياننامة داعين الجميع للخضوع لإرادتنا الشاهانية"!
وتجمع المصادر التاريخية أنه كان لهذه الإرادة الشاهانية وقع الكارثة على زعامة الثورة حتى أنها قد حاولت بكل الوسائل منع تسرب أخبارها إلى صفوف المحاربين في هذا التوقيت الحرج، بيد أنه من جانب آخر فقط نشط رجال الخديو على توصيل أخبارها بكل الوسائل للقوات المصرية المتمترسة عند التل الكبير.
وإذا كانت القوات الغازية قد استعانت فضلاً عن حسن التجهزي بقوة المال الذى أغدقته على القبائل البدوية في مناطق القتال، فإنها قد استعانت أيضاً بالمنشور السلطانى الذى أضعف كثيراً من معنويات الرجال الذين لم يكونوا على استعداد للحرب تحت راية "عاص على دولة الخلافة" الأمر الذى أدى في النهاية إلى قصور الصمود الثورى في التل الكبير وفرار عرابى إلى القاهرة فيما نشرته الأهرام في عددها الصادر يوم 15 سبتمبر تحت عنون "البشرى الكبرى" وجاء فيها "أن الجيش الانكليزى قبض على العاصى عرابى"!
وكان على مصر أن تدفع ثمن هذه "البشرى الكبرى" ومن الغريب أن الأهرام أيضاً دفع جانباً من هذا الثمن!
---
مراجع:
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
1416 7 أغسطس عام 1882
1417 8 أغسطس عام 1882
1421 14 أغسطس عام 1882
1422 18 أغسطس عام 1882
1424 21 أغسطس عام 1882
1425 22 أغسطس عام 1882
1426 23 أغسطس عام 1882
1427 24 أغسطس عام 1882
1428 25 أغسطس عام 1882
1429 26 أغسطس عام 1882
1430 28 أغسطس عام 1882
1439 7 سبتمبر عام 1882
1441 9 سبتمبر عام 1882
1446 15 سبتمبر عام 1882

- أحمد شفيق: مذكراتى في نصف قرن ج1، القاهرة 1934م.
- د. سمير محمد طه: أحمد عرابى ودوره في الحياة السياسية المصرية، القاهرة 1986م.
- د. سامى عزيز: الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الانجليزى، القاهرة 1968م
- د. لطيفة سالم: صحافة الثورة العرابية - فصل في كتاب مصر للمصريين مائة عام على الثورة العرابية، اصدار مركز الدراسات السياسية، الأهرام 1981م.

صورة من المقال: