ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

018 من "السلاملك" إلى "الفسحة"

من "السلاملك" إلى "الفسحة"
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 18 نوفمبر 1993م - 4 جمادى الآخرة 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

سبعة شهور وثمانية أيام هي فترة "الحمل الثورى" التي انقضت بين يوم أول فبراير و9 سبتمبر عام 1881، والتي تحولت خلالها حركة الجيش المصرى من مجرد حركة فئوية إلى عامة تعبر عن المطالب الوطنية.
اليوم الأول يسجل مشهداً من مشاهد الميلودراما التاريخية.. مشهد الخديو توفيق وقد وقف في شرفة "سلاملك" سراى عابدين يصيح بأعلى صوته طالباً من جماعة "بروجى" السراى إطلاق "نوبة حضور" لضباط الحرس لمنعهم من الزحف إلى ثكنات قصر النيل لتخليص عرابى ورفاقه من المحاكمة التي كانت قد دبرت له من قبل الخديو نفسه، ولم يستجب الضباط وسارو في طريقهم لا يلوون على شيء فعجلة التاريخ كانت قد دارت!
اليوم الثانى يسجل مشهداً آخر، وهو أشهر مشاهد الثورة العرابية، مشهد المظاهرة العسكرية التي قادها أحمد عرابى إلى ميدان عابدين أو "فسحة سراى عابدين" بمسميات العصر.
وإذا كانت تفاصيل ما جرى خلال تلك الشهور السبعة التي انقضت بين يوم "السلاملك" ويوم "الفسحة" قد أصبحت معروفة من مظان عديدة فإنه يبق من شهود الحوادث صحافة العصر، ونقدم هنا شهادة "الأهرام" بكل ما لها وما عليها!
***
يضيف أحد شهود العصر تقديم الضباط المصريين "لعريضة" إلى رئيس النظار المصرى يوم 30 يناير عام 1881 بأنه "مبدأ الحوادث المدلهمة"! فقد تتابعت تلك الحوادث على نحو غير متوقع خلال الأيام التالية..
تشكو العريضة من عثمان باشا رفقى ناظر الجهادية (وزير الحربية) "وأن سعادته يعامل ضباط العسكرية بالذل والاحتقار" (!)، وتشكو من إحالة الضباط الوطنيين، أي المصريين، إلى الاستيداع، دون غيرهم من الضباط "من بنى جنسه"، تقصد الجراكسة، وتنتهى المذكرة بطلب "رفع سعادة المشار إليه من مسند نظارة الجهادية الذى لا تسمح القوانين الحرة بتوجيه هذا المسند لمثل سعادته"، وحملت العريضة توقيع أحمد بك عرابى.
سببت هذه العريضة قلقاً شديداً لدى الدوائر الحاكمة، رياض باشا والخديو توفيق، ويقول نفس الشاهد أن الأول "اضطرب اضطراباً شديداً وداخله من الوسوسة والخوف ما أربكه"، وأن الثانى "بالغ في الضرر الذى يحدث بالعرش فيما لو استتب أمر هذه العصابة واستفحل عملها"!
وكانت هذه البداية ليوم "السلاملك" يوم الثلاثاء، أو فبراير عام 1881، حيث حررت ثلاثة أوامر إلى ثلاثة من "أمراء الجند هم على بك فهمى المشهور بالديب، أمير جند الحرس الخديو، وأحمد عرابى بك أمير جند العباسية، وعبد العالى بك جلمى المعروف بأبى حشيش أمير الجند السودانى المعسكر بطرة من ضواحي مصر القاهرة، وقضت تلك الأوامر بمثول الثلاثة أمام محكمة عسكرية.
بقية القصة معروفة فان المحاكمة الصورية التي عقدت لهؤلاء في مقر ديوان الجهادية بقصر النيل وتجريد الرجال الثلاثة من رتبهم ووضعهم في السجن انتهت إلى تحرك قوات الحرس الخديوى بقيادة البكباشى محمد عبيد واقتحمت الديوان وحررت الضباط الثلاثة، وجاءت نهاية عثمان رفقى عندما هرب إلى ورشة الترزية حيث "سره رئيسها ببعض أكياس الملابس كى لا يراه أحد من الجند، وبقى هناك حتى عادت الجند إلى مقرها بفسحة عابدين"!
***
أول إشارة عن الحادثة في "الأهرام" عن يوم "السلاملك" أو ما عرف في التاريخ باسم "حادث قصر النيل"، جاءت في العدد الصادر يوم الخميس 3 فبراير، أي بعد يومين من حدوثها، وقد حرص مراسل الجريدة في العاصمة أن ينبه إلى أن البعض اعتبرها "من الحوادث المهمة وقاس وفصل وخاط عليها" وأنها في تقديره "لا توجب التشويش والاضطراب"!
وقد التزم "الأهرام" بموقف التهوين من الحادث، بل وبما أعقبها من حوادث، وهو موقف نرى أنه قد انبعث من اعتبارين: الاعتبار الأول ناتج عن ولاء أصحاب الأهرام للخديو توفيق، وهو لاء استمر طول الوقت، والثانى صادر عن الرغبة في عدم بث الخوف في المجتمع السكندرى، وهو مجتمع شديد الحساسية بسبب الوجود الأجنبي العريض فيه، وبسبب تعدد وجوه النشاط المالى بداخله، بكل ما هو معروف من جبن رأس المال!
يتبدى هذا التهوين ليس فقط من التأخر النسى في نشر خبر الحادث وانما في الصيغة التي وضع بها..
أهم ما في هذه الصيغة ما حرص الأهرام على ابرازه من أن الحادث بسيط، وأن الضباط الثلاثة توجهوا إلى عابدين "وتشرفوا بحضرة الجناب العالى والنظار وأعلنوا عن خضوعهم.. وانقضت أحكام هذه الحادثة فوراً كأن لم يكن شيء وسكن هيجان الأفكار واستولى الهدوء"!
ورغم أن الأهرام قد اعترف أن "سعادتلو عثمان باشا رفقى ناظر الجهادية قدم استعفاءه فقبل وخلفه ساعدتلو محمود باشا سامى" (البارودى)، فانه أكد على "انصياع رجال العسكرية على حفظ القانون" وأنه لن تأتى الأيام بمثل هذه الحوادث وأن "الراحة مستتبة وقد مر الاضطراب مرور السحاب"!
وخلا ما يقرب من أسبوعين بعد الحادث درجت الأهرام على الاستمرار في إشاعة الطمأنة.. اشاعتها في نفوس الناس وفى نفوس الضباط أيضاً..
في نفوس الناس بالقول أن الضباط "تشرفوا بحضرة أميرهم وقدموا الخضوع والاحترام واستماحوا عض الطرف عما جرى واعترفوا بفضل الجناب العالى.. وهم يعلمون حق العلم أن الممالك والأمم لا تقوم إلا بحفظ القوانين والشرائع ولا توطد إلا بالاتحاد والوفاق".
ولا تنسى الصحيفة بعد أن تنبه إلى مخاطر الانقسام والتخاصم ومن "أن الأوربيين مترصدون مراقبون حتى إذا ما تبينوا أمراً ولو طفيفاً نزعوا إلى التدخل".. لا تنسى التأكيد على "أن الأخبار كلها مكذوب فيها مختلقة ساقطة"!
وفى نفوس الضباط بالتأكيد على عفو الخديو عنهم في كل مناسبة وكان لهذا التأكيد أسبابه..
فالضباط قد اعتقدوا، وكانوا محقين في ذلك، أن توفيقاً ورجاله كانوا يتربصون بهم، وينتظرون الفرصة للإيقاع بهم..
عبر عن ذلك الزعيم أحمد عرابى في مذكراته التي وضعها تحت عنوان "كشف الستار عن سر الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية"، والتي تحدث فيها عن "دسائس الخديو ورجاله"، وعدد ثلاث عشرة دسيسة خلال الفترة بين يوم السلاملك ويوم الفسحة!
ولعل ذلك ما دفع الأهرام إلى تفنيد الأقوال التي شاعت بأن عفو الخديو موقوت وجاء به يوم 10 فبراير مقال طويل أنهاه بقوله "وعليه فانا لنأمل الثقة بكون العفو قد صدر عن قلب طاهر لا يخامره غش ولا يرتاب به، كيف لا ونحن نعلم ميل هذا الأمير إلى تحسين أحوال الجندية ورعاية الوسائل اللازمة في شأن تعزيزها ورفع عمادها وحفظ شرفها"!
لعله أيضاً هو الذى دفعه إلى الاحتفاء احتفاء ظاهراً بالاستقبال الذى أعده توفيق بسلاملك سراى عابدين ظهر يوم السبت 12 فبراير وألقى فيه خطبه أكد فيها على نفس المعنى، فقد قال بالحرف الواحد فيما نقله عن الأهرام..
"لا أخفى عنكم ما حصل لى من الأسف بأسباب الحركة التي حدثت وانقضت ومع هذا فإنى قد عفوت ولم يبق من آثارها بالكلية فيلزمكم من الآن فصاعداً أن لا تشتغلوا بشئ خارج حدود وظائفكم واجتهدوا في أداء واجباتكم العسكرية"
وقد اعتبر الأهرام هذا النطق الخديوى "كفالة تامة بالعفو عما توهم من تلك الحادثة السابقة فيكون موجباً لاطمئنان الضباط وكمال ائتمانهم على أنفسهم وشرفهم العسكرى"!
وينقطع الأهرام عن النشر عن الحوادث لأكثر من شهرين بعد ذلك، وعلى وجه التحديد حتى يوم 22 أبريل، وهو انقطاع لم يعن توقف الأحداث.
***
لعل أهم ما حدث خلال هذين الشهرين أن جماعة الضباط قد أصبح لهم رجل داخل مجلس النظار، هو محمود سامى البارودى الذى حل محل عثمان رفقى، وقد وقف بالمرصاد لأى محاولات لإيذائهم.
من ناحية أخرى فقد نشط رجال الحاشية للإيقاع بالضباط المصريين، وتم خلال نفس الفترة القبض على أحد الضباط الجراكسة في الآلاى السودانى الذى كان يقوده عبد العال بك حلمى، وهو يحرض الجنود ضد قيادتهم، وبعد التحقيق معه تبين أنه قد تم تحريضه من بعض رجال السراى الذين استمروا على حد تعبير شاهد محايد "يدبرون لهم (أي الضباط) المكائد ويعملون على هلاكهم".
وفى مثل تلك الظروف كا متوقعاً أن يستمر الصراع، ورغم الحرص من جانب الأهرام على الاستمرار في عزف نغمة "التهوين" إلا أنه في متابعته للأحداث كان يكشف بين الحين والآخر عن تصاعد الأزمة..
في العدد الصادر يوم 22 أبريل نشر الأهرام "صورة أمر عال بزيادة ماهيات الضباط والعساكر البرية والبحرية وصورة أمر عال آخر بتشكيل قومسيون (لجنة) عسكرى للنظر في كافة ما يلزم اجراؤه من التعديلات في التنظيمات والقوانين العسكرية".
وقد ضمن الأهرام مع الأمرين قائمة "بالماهيات الجديدة" بكل ما تقرر فيها من زيادات، والتقرير الذى رفعه رياض للخديو يشرح فيه الأسباب التي دفعته إلى قبول مطالب ناظر الجهادية، ولم يكن سوى محمود سامى البارودى نفسه!
ويسجل شاهد معاصر عاين الأحداث أن رياض باشا وسائر الوزراء قد قبلوا هذا تحت ضغط البارودى والضباط الذين "لا ينفكون عن التجمع والتحزب والتألب، أينما صاروا، وحيثما ساروا، حتى في الشوارع والطرقات وأمام بيوتهم وخصوصاً أمام دار زعيمهم أحمد عرابى بك".
في 28 أبريل ينشر الأهرام خبر المأدبة التي أقيمت في "نظارة الجهادية" في قصر النيل "ليلة الأحد السابق" على نفقة سعادتلو محمود سامى البارودى "وألقى فيها "عزتلو أحمد بك عرابى خطاباً"..
ورغم ما تضمنته تلك الخطبة من مناشدة للحضور "أن تشربوا معى كأس التصافى على محبة الحضرة الفخيمة الخديوية وحشرات نظارنا الكرام وجناب المراقبين الفخام"(!) إلا أن مجرد عقد المأدبة على هذا النحو وفى نفس المكان الذى حوكم فيه الضباط الثلاثة قبل أسابيع قليلة، ثم أن يكون زعيم هؤلاء هو الخطيب الرئيسى في الحفل.. كل ذلك لم ينزل على وجه اليقين منزلاً مريحاً في قلوب الخديو والوزراء.
ويسكت الأهرام ستة أسابيع أخرى كان واضحاً خلالها أن المياه مازالت تتدفق تحت الجسور في نهر الأزمة..
ويشير إلى ذلك الخبر الذى نشره في العدد 1124 الصادر يوم الخميس 9 يونية، وقد أكد فيه أن قناصل الدول قد التقوا بالخديو وحادثوه عن انتشار الشائعات "بخصوص حركات جديدة في الضباط بمصر مما يخل بالراحة العامة وانهم مستعدون لأن يعلنوا ذلك لدولهم حتى ترى في الطرق المناسبة للإسكان والراحة".
ومع أن الخبر يتضمن رد الخديو بأنه سيبذل كل جهده "في إزالة كل إشكال من هذا القبيل" فإن الأهرام لم يألو جهداً في انتهاز الفرصة للتنبيه إلى أن الضباط أعلم "بالطريقة المثلى والمنهج الأقوم" والتنبيه إلى تربص أوروبا "ومراقبتها حالتنا وتوقعها التفتيش على أسباب ولو طفيفة تنتحلها علة للتداخل".
بيد أن الملاحظة أن "الأهرام" قد أعطى عناية ظاهرة بعد ذلك بتتبع أخبار "عزتلو أحمد بك عرابى الأفخم" على حد توصيفه له، فمرة يتحدث عن دوره في "القومسيون العسكرى" الذى كان الخديو قد اضطر لتأليفه من 14 من كبار الضباط كان ثلاثة منهم من الأجانب وعشرة من الضباط المنحدرين من أصول تركية، وكان عرابى الضابط الوحيد الذى ينحدر من أصل مصري. ومرة أخرى يتحدث عن احتفال جمعية التوفيق الخيرية بمصر "بليلة أنس وسرور" تحت رئاسة أحمد بك عرابى "أحد مؤسسى الجمعية".
***
يوم الأحد 14 أغسطس عام 1881 كان علامة هامة في الطريق بين يوم السلاملك ويم الفسحة، ففي ذلك اليوم صدر أمر عال لرئاسة النظار في سطر واحد.. قال: "بأنه بناء على ما تقرر واستحسن قد تعين سعادتلو داود باشا ناظراً للجهادية والبحرية"، وكان معنى ذلك ببساطة إبعاد البارودى عن هذا المنصب الحساس ليتولاه أحد رجال الخديوى، فهو فضلاً عن أنه من أصهار توفيق، فقد وصفه مراقب أجنبى وقتذاك بأنه "رجعى متطرف لا يتردد في أن يأتي أي عمل في مصلحة العصبة الحاكمة".
صنع هذا الإجراء قلقاً شديداً في صفوف الضباط أعرب عنه الأهرام في مقال طويل بعد ذلك بيومين تحت عنوان "الجهادية وحضرات النظار" والذى جاء في مطلعه "أكثر العالم من الأقاويل وتضارب ظنونا في مسألة الجهادية التي أمست في الحقيقة نقطة لتوجيه الأفكار إليها من العموم.."
وكان من المنتظر أن يستتبع هذا القلق مزيد من الأحداث، ومن الجانبين.. الناظر الجديد اصدر أمراً بإبعاد الفرقتين اللتين يقودهما عرابى وعبد العال حلمى إلى خارج القاهرة.. احداهما إلى الإسكندرية والأخرى إلى دمياط، وهو الأمر الذى كُلف الباردوى من قبل بوضعه موضع التنفيذ إلا أنه رفض الأمر الذى أدى إلى استبداله بداود باشا.
الضباط الذين كانت تساورهم الشكوك طوال الوقت من نوايا العصبة الحاكم أخذوا في بناء الجسور مع قوى الحركة الوطنية، وفى تلك الظروف ظهر "عبد الله النديم" الذى لعب دوراً ملحوظاً في ذلك البناء، فقد وضع بالاتفاق مع الضباط منشوراً يطلب فيه من الشعب إنابة عرابى في المطالبة بحقوقه والتحدث باسمه، وأخذ يجمع التوقيعات عليه مما كان يمثل أول "حركة توكيلات" في التاريخ المصرى الحديث. وبدا أن الطرفين يندفعان بخطى سريعة للمواجهة.
***
لم تخفف نسمات الخريف المصرى المعتدلة من سخونة الموقف المتأزم في القاهرة، كما لم تخفف منها صياغة الأهرام المعتدلة لذلك الذى يجرى في العاصمة..
من بين محاولات التخفيف الأهرامية ذلك المقال الذى نشره يوم الجمعة 2 سبتمبر قبل حادث "الفسحة" بأسبوع واحد، وقال في مطلعه "أنه ليس هناك ما يوجب القلق والقلاقل فهى مسألة قديمة" وأن "الضباط ومقدمى قواد العساكر أعلنوا عن تكدرهم مما عزته إليهم بعض الجرائد من عدم الانقياد إلى النظام في حين نرى أنهم بالون جهداً وعاملون بما وسعهم لمرضاة أميرهم وولى أمرهم ورجال الحكومة السنية..".
ولم تجد نغمة التهدئة أصحابها فتيلاً ففي يوم الجمعة التالى وقعت الواقعة..
مظاهرة عابدين، والتي أسهبت شتى المراجع في وصفها ولكنا هنا نطالعها مع قراء الأهرام يوم 10 سبتمبر عام 1881.
العنوان الذى اختارته الجريدة للمظاهرة "حادثة مصر" ساقت في جانب منه أخبارها وفى جانب آخر التعليق عليها..
فيما يتصل بالأخبار قالت أنه: "في نحو الساعة الخامسة وردت العساكر إلى فسحة سراى عابدين وكان قد أرسل حضرات الضباط بشير كولارى (كلة تركية تعنى المراسلة) إلى جناب القناصل يعلنون فيه أنه ليس لهم غاية في إيقاع أي ضرر بأحد من الأجنبيين والوطنيين ولكن لهم غاية واحدة تنحصر في ثلاث مسائل، أولها تغيير الوزارة واستبدالها بوزارة يؤلفها دولتلو شريف باشا، والثانية إقامة مجلس نواب، والثالثة وجوب السير بالقانون العسكرى الذى شكله القومسيون المشكل من وطنيين وأجنبيين".
ويلاحظ من قراءة بقية الخبر أمران.. أولهما أن المظاهرة التي يشير إليها الخبر أنها قد استمرت حتى الساعة التاسعة، أي أربع ساعات بالتمام والكمال، قد انتهت بأن "تفرقت العساكر معلنة تمام خضوعها لسمو الخديو المعظم".
الأمر الثانى أن الخبر لم يشر من بعيد أو من قريب لطبيعة المحادثة التي دارت بين توفيق وعرابى والتي أثبتها الأخير في مذكراته وجاء فيها عبارته المشهورة: "لقد خلقنا الله أحراراً ولم يخلقناً تراثاً وعقاراً، فوالله الذى لا إله إلا هو أننا سوف لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم".
ويمكن أن يعزى ذلك أن مراسل الأهرام الذى ذكر أنه كان موجوداً في "الفسحة" خلال المظاهرة، لم يكن قريباً بقدر كاف يمكنه من سماع المحادثة، وان كنا نرجح أكثر السبب يعود إلى ما درجت عليه الصحيفة طوال الأزمة من اتباع سياسة التهدئة..
ويؤكد ذلك ما جاء في تعقيب الأهرام على "حادثة مصر" وردود فعلها في الإسكندرية من "اضطراب مركز البورس (البورصة) حتى سقط السعر إلى الحد الذى ترى".
وينهى الأهرام تعقيبه بقوله: "ان حكمة خديونا المعظم وحسن النوايا العامة ستزيل ما هنالك من الإشكال وتدفع الأوهام. ولنا أن نثبت للجميع أن السلام في العاصمة مستول والراحة مستتبة والسكون شامل والله المسؤول بحسن الختام".
غير أن تلك الآمال لم تتحقق فقد سارت الأمور في طريقها الثورى وهو طريق لم يكن ليستريح له الأهرام على أي الأحوال. مما يشكل فصلاً آخر في فصول علاقة الصحيفة بوقائع ذلك العام.. "عام الحوادث المدلهمة"!.
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
1027 3/2/1881
1031 8/2/1881
1033 10/2/1881
1036 14/2/1881
1042 22/2/1881
1089 28/2/1881
1124 9/6/1881
1125 10/6/1881
1127 13/6/1881
1177 13/8/1881
1178 16/8/1881
1198 10/9/1881

- أحمد عرابى: كشف الستار عن سر الأسرار في النهضة المصرية المعروفة بالثورة العرابية، جزءان، القاهرة 1953م.
- ميخائيل شاروبيم: الرقيب أو حوادث مصر الأخيرة، تحقيق د. يونان لبيب رزق، القاهرة 1992م.
- الكسندر شولش: مصر للمصريين - أزمة مصر الاجتماعية والسياسية 1878 - 1882 - تعريف د. رؤوف عباس حامد، القاهرة 1983م.