ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

016 لغز العدد 1003!

لغز العدد 1003!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 4 نوفمبر 1993م - 19 جمادى الأولى 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

في يوم الخميس 30 ديسمبر عام 1880م الموافق 28 محرم عام 1298 انتهى الصدور الأسبوعى للأهرام الذى بدأه في 5 أغسطس عام 1876 أي قبل 232 أسبوعاً بالضبط احتجب خلالها مرتين نتيجة لأزمة مايو 1879 فكان آخر أعداده الأسبوعية هو العدد رقم 230.
وفى يوم الاثنين 3 يناير عام 1881 أي بعد انتهاء الصدور الأسبوعى صدر العدد الأول من الأهرام اليومى وكان من المتوقع إما أن يبدأ الترقيم بترقيم جديد أو يستكمل ترقيمه فيظهر العدد رقم 231، ولكن ما حدث كان مفاجأة فقد ظهر العدد تحت رقم 1003 مما أصبح يشكل لغزاً في تاريخ الجريدة العتيدة!
اقتضت محاولة البحث عن حل لهذا اللغز، فضلاً عن البحث في المصادر المتاحة، البحث في إصدارات الأهرام الأخرى حتى أمكن أخيراً التوصل للحل!
فالمعلوم أنه بعد نحو شهرين من صدور الأهرام الأسبوعى أصدر الأخوان تقلا جريدة يومية تحت اسم "صدى الأهرام" وذلك في أوائل أكتوبر عام 1876، ويسجل مؤرخو الصحافة أنها كانت أول جريدة يومية في مصر.
ونتيجة لأنه لم يتم الاحتفاظ بأعداد تلك الجريدة في أي دور الحفظ في مصر بما فيها دار الاهرام ذاته فإن ما عثر عليه الباحثون كان قليلاً، ومتفرقاً في بعض المكتبات الخاصة، ولم يكن منها على أي الأحوال العدد الأول، الذى نعتقد أن صاحبى الأهرام، حسبما تعودا في سائر الصحف التي قاما على إصدارها، قد أثبتا فيه الدوافع التي دفعتهما إلى اصدار أول صحيفة يومية.
كل ما تم العثور عليه بشأن صدور "الصدى" التنويهات المتناثرة التي جاءت عنه في بعض أعداد الأهرام، فضلاً عن بعض الأعداد المتفرقة من الصحيفة، وهى في تقديرنا كافية لتفسير السبب..
يكشف هذا السبب ما كان يجئ في رأس الصفحة الأولى من الأهرام ومقابله في الصدى.
فقد حدد الأهرام قيمة اشتراكه في صدر الصفحة الأولى مما تضمن طبيعة الأسواق التي ينوى غزوها وكانت فضلاً عن "مصر وسائر الأرياف الخديوية" أي القاهرة وبقية القطر المصرى، الأستانة العلية، سورية وسائر الممالك المحروسة، أي أملاك الدولة العثمانية، أوربا والجزائر وتونس وأخيراً بمباى وكلكته.. أي أن الأهرام صار دولياً بمقاييس العصر.
اختلف الأمر بالنسبة للصدى الذى حدد طبيعة الأسواق التي ينوى التواجد بها، وقد اقتصرت على "الإسكندرية والمحروسة (القاهرة) وساير الأرياف"، أي أنها كانت صحيفة حلية قابلة للتوزيع في مصر فحسب.
حقيقة أخرى يشير إليها ما جاء في رأس كل من الأهرام والصدى، وهى أنه بينما أدرج الأهرام قيمة الاشتراك الخاص به فحسب، فإن الصدى طرح خيارين أمام المشتركين، إما الاشتراك فيه فقط، وإما الاشتراك فيه هو والأهرام بما يحمله ذلك من دلالة..
الدلالة الأولى في تقديرنا أن قارئ الخارج ليس أمامه إلا الأهرام أم القارئ المصرى فأمامه: إما الأهرام وإما الصدى وإما كليهما!
وهذه الدلالة تبدو حاسمة بحكم أن سوق الصحيفة وقتئذ كان يحكمه المشتركون، فلم تكن الصحافة بعد قد عرفت متعهدى البيع أو الأكشاك المنتشرة في كل مكان.
تفصح رؤوس صحف ذلك العصر عن تلك الحقيقة في أنها عنما تحدد ثمن البيع فهى تحدد بالنسبة للاشتراك سواء لسنة أو لستة شهور، وليس بالنسبة للنسخة.
انعكس ذلك على طبيعة عمل وكلاء الصحف والتي جمعت بين تحصيل الاشتراكات وتوصيل الصحيفة للمشتركين، وبين القيام بدور المندوب الإخبارى في البلدة التي يقيم بها، بمعنى آخر أن معرفة الأماكن التي ينتشر فيها هؤلاء الوكلاء تحدد البلاد التي توزع فيها الجريدة.
وبملاحظة أن وكلاء الأهرام في مصر قد انتشروا في مدن الوجه البحرى: الإسماعيلية، المحلة الكبيرة، المنصورة، طنطا، كفر الزيات، سمنود، رشيد، زفتى وميت غمر، محلة أبو على وبورسعيد، فإن ذلك يعنى أن سوق الصدى قد اقتصر على تلك البلاد.. في البداية على الأقل!
وتتعدد الأسباب في رأينا التي دعت صاحبى الأهرام في بداية عهده إل عدم المجازفة بإصداره يومياً وإلى إصدار عدد إسبوعى للخارج ولمصر، وإصدار طبعة يومية للأخيرة هي تلك التي أسماها بالصدى.
السبب الأول: أن آل تقلا رغم إصدارهم لجريدتهم من مصر فإن عينهم قد استمرت ترنو، وبقوة، للسوق الشامية، فالحبل السرى لم يكن قد انقطع بعد، ولعلهم نظروا وقتئذ لمصر باعتبارها مكاناً آمناً لإصدار صحيفتهم أكثر منها سوقاً لانتشارها.
الثانى: فرض عليهم ذلك إصدار الأهرام في أول عهده أسبوعياً، سواء لأن الصحافة العربية لم تكن قد عرفت حتى ذلك الوقت الصحف اليومية، وإن كان الأهم من ذلك صعوبة أن تصل الصحيفة اليومية إلى الأسواق الشامية في وقت مناسب لتكون يومية(!)، فإن هذا النوع من الصحف عندما يصل بعد بضعة أيام يكون قد فقد الجانب الأكبر من أهميته، ولم يكن متاحاً في ذلك الوقت أن تصل جريدة من قطر إل آخر في يومين أو حتى ثلاثة.
ولعل ذلك الذى دفع الأهرام ف أول عهده أن يقصر وكلاؤه، وبالتالي مشتركيه، وبتعبير آخر قراءه.. يقصرهم على الوجه البحرى فإن الوصول إلى الصعيد وقتئذ كان فيما يبدو يقتضى وقتاً طويلاً.
الثالث: أن قاعدة القراء التي رأى الأهرام أن يعتمد عليها في توزيع عدده اليومى كان من "تجار الأرياف والمشايخ والعمد" ممن ارتآهم قادرين وراغبين في الاشتراك في صحيفة يومية يدفع في مقابلها مع العدد الأسبوعى 55 فرنكاً، بينما لو رغب في الاشتراك في العدد الأسبوعى فقط فلم يكن ليدفع أكثر من 25 فرنكاً.
من ثم لم يكن أمام صاحبى الأهرام إلا إعارة عناية خاصة بما يهم هؤلاء في العدد اليومى الذى صدر تحت اسم الصدى اختلف معها عن العدد الأسبوعى.
وقد لاحظ الباحثون ممن قارنوا بين الأهرام وصداه أنه بينما غلب على تحرير الأول الطابع العام فإنه غلب على تحرير الثانى الطابع المحلى....
فبينما رصد هؤلاء في الأهرام غلبة التعليق السياسى وأقوال الصحف الأجنبية التي يليها الأخبار الخارجية فالداخلية فالإعلانات، لاحظوا بالنسبة "للصدى" أنها قد وجهت جل عنايتها للمقال والاعلان، وهو ما أقرت به في رأسها بقوله "جريدة يومية للتجارة والحوادث البرقية والإعلانات" وقد احتل أخبار الاقتصاد المساحة الأكبر من الأخبار الداخلية والخارجية.
ويمكن تفسير ذلك بهذا الاتجاه المتسارع بنمو الرأسمالية الزراعية المصرية التي ارتبطت بالإنتاج الواسع للقطن خلال عقدى الستينات والسبعينات، وحاجة أبناء هذه الطبقة الجديدة للاطلاع أولاً بأول على حركة الأسعار وهو ما عنى به الصدى الذى خصص باباً يومياً تحت عنوان "حركة بورس (بورصة) الإسكندرية" ومن هؤلاء جاء أغلب المشتركين في الجريدة اليومية.
الأهم من ذلك محاولة تحديد طبيعة العلاقة بين الأهرام وصداه، وتنشأ هنا اختلافات بينة، فالرأى السائد حتى الآن أن الصدى جريدة ضمن الجرائد التي صدرت عن الأهرام...
قال بذلك الرأي الدكتور إبراهيم عبده في كتابه المعروف "جريدة الأهرام - تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة" ثم حذا حذوه الباحثون، ولعل الأخذ بهذا القول هو الذى صنع اللغز.. لغز العدد 1003.
***
من المعلوم أن الأزمة التي واجهها الأهرام مع إسماعيل في ربيع عام 1879 قد راح ضحيتها الصدى، ومعلوم أيضاً أن القائمين على الأهرام قد أصدروا جريدة يومية جديدة بعد أيام قليلة من وقف الصدى هي "الوقت"، ومع ذلك الحدث والعثور على العدد الأخير من الصدى الصادر في أول مايو عام 1879 والعدد الأول من الوقت الصادر في 16 من نفس الشهر بدأت بشائر حل اللغز.
بعض الباحثين اعتبروا أن "الوقت" صحيفة جديدة أصدرها الأهرام عوضاً عن "الصدى". غير أن أصحاب الأهرام لم يقولوا بذلك مما يبدوا في أكثر من حقيقة..
فهناك أولاً ما كتبه الأهرام وهو يبلغ قراءه بصدور الوقت فيقول بالحرف الواحد أنها جريدة "اختارتها جريدة صدى الأهرام نائبة عنها ولفوائدها كافلة ولأخبارها شاملة ولمحاسنها جامعة"، بمعنى آخر يريد الأهرام القول أنه يعيد اصدار الصدى ولكن باسم مختلف!
وهناك ثانياً ذلك التشابه في التنظيم بين الصدى والوقت، وهو تشابه وصل في بعض الأوقات إلى درجة التطابق، وإذا كان هناك اختلاف في شيء فهو الاختلاف في الموقف في الخديو إسماعيل، فقد بالغت الوقت في مديح الرجل على الأقل في الفترة القصيرة المنقضية بين ظهورها وبين خلعه، وهو عكس ما كان يفعله الصدى.
وهناك أخيراً تلك القرينة التي لا تدحض، فإنه مع إيقاف "الصدى" وكان عددها الأخير تحت رقم 617 فإن "الوقت" قد صدرت وعددها الأول تحت رقم 618.
وقد قادت هذه السابقة إلى محاولة البحث في لغز صدور العدد الأول من الأهرام اليومى تحت رقم 1003 بنفس المنطق، منطق البحث في رقم العدد الأخير من جريدة الوقت ووجد أنه كان فعلاً تحت رقم 1002!
بيد أن حل هذا اللغز أثار مشكلة على جانب كبير من الأهمية في تاريخ الأهرام، تلكم هي مشكلة العلاقة بين الجريدة الأم، الأهرام، وبين الجريدتين اليوميتين، الصدى والوقت!
فأغلب الدراسات الصحفية التي صدرت عن تاريخ الصحافة عموماً أو تاريخ الأهرام على وجه الخصوص قد نظرت للصدى والوقت باعتبارها صحفاً صدرت عن الأهرام وليستا الأهرام نفسه، وقد ترتب على تلك النظرة أن ميز هؤلاء بين حقبتين للأهرام، حقبة الأهرام الأسبوعى التي بدأت من 5 أغسطس عام 1876 واستمرت لما يقرب من أربع سنوات ونص حين صدر عدده الأخير في 30 ديسمبر عام 1880، وحقبة الأهرام اليومى التي بدأت من 3 يناير عام 1881 ومستمرة حتى يومنا هذا وإلى ما شاء الله!
على ضوء استنطاق الأدلة التي بين أيدينا نقدم هنا طرحاً مختلفاً وهو أن حقبة الأهرام الأسبوعى لم تستمر سوى ما يزيد قليلاً عن شهرين، وإلى أن صدر الصدى في 10 أكتوبر عام 1876، على أرجح الاحتمالات، لأنه كان الطبعة اليومية من الأهرام وهو ما لا نقول به من فراغ..
***
لقد نظر آل تقلا إلى الصدى والوقت باعتبارهما "الأهرام اليومى"، أو على الأقل رأياً أن العلاقة بينهما وبين الأهرم علاقة عضوية مما يمكن الخروج به من عديد من المؤشرات.
(1) الامتناع عن الصدور في اليوم الذى يصدر فيه الأهرام الأسبوعى وهو امتناع تغير ميعاده بتغير يوم الصدور الذى بدأ بالسبت ثم تحول إلى الجمعة واستقر أخيراً على الخميس. وهذا الامتناع كما حدث بالنسبة للصدى فقد حدث بالنسبة للوقت.
(2) الحرص في تسمية الجريدتين اليوميتين على التأكيد على التبعية للأهرام.. في الأولى كان الاسم صدى "الأهرام"، وفى الثانية جاء الاسم الوقت بخط كبير وتحتها بخط أصغر قليلاً "لجريدة الأهرام"!
(3) خلال أزمة 1876 حين دعا مندوب ضبطية الإسكندرية سليم تقلا لتحذيره من بعض مخالفاته فإن مخالفة من تلك ارتآها أنه قد أصدر "تلحيقاً" للأهرام وهو "الصدى" بدون ترخيص، وهذه الحادثة مع دلالتها من أن صاحب الأهرام لم ير في الصدى جريدة جديدة، فان رضاء السلطات باستمرارها بعد ذلك بدون الحصول على الترخيص انما يعنى قبولها بوجهة نظر الرجل!
(4) سواء في الصدى أو في الوقت كان يثبت على كل الأعداد في الرأس عبارة "وكلاء الصدى هم وكلاء الأهرام"، بالنسبة للأولى و"وكلاء الوقت هم وكلاء الأهرام" بالنسبة للثانية.
أهم مما كان يجيئ على رأس الصفحتين اليوميتين ما نشره الوقت في عدده الصادر يوم 7 أغسطس عام 1880 من اتجاه النية إل تعيين "وكلاء عموميين يتجولون من جهة إلى أخرى في الريف ليستطلعوا الحوادث والأخبار على حقيقتها" قد جاء تحت عنوان "إعلان من الأهرام والوقت"!
(5) لما كانت الإعلانات القضائية تمثل المصدر الأساسى من دخل الإعلانات في صحف ذلك العصر، وكان التصريح بنشر مثل تلك الإعلانات يقتضى قراراً من "مجلس الاستئناف"، وهو ما حصل عليه الأهرام بعد صدوره بأقل من عامين، في 8 أبريل عام 1878 فإنه حرص على أن تنصرف آثار ذلك القرار على جريدته اليومية، الصدى والوقت.. الأول فور الحصول على التصريح والذى وضع على رأسه عبارة "في 6 أبريل سنة 1878 قرر مجلس الاستئناف تعيين الأهرام (وصداه) لنشر الإعلانات القضائية"، والثانى حال صدوره.
(6) تعاملت السلطات مع الصحيفة اليومية للأهرام من منطلق أنها جزء منها مما تبدى خلال أزمة ربيع عام 1879، فالمعلوم أن المقال الذى أثار إسماعيل عن الفلاح تم نشره في الصدى وليس الأهرام ولكنه عندما اصدر أوامره بالاغلاق فقد أصابت تلك الأوامر الأهرام وصداه.
صحيح أن الأول قد تمكن من النجاة بعد تعطيه لأسبوعين والثانى قتلته الأزمة، إلا أن ذلك لا يعنى أنهما كانا جريدتين بقدر ما يعنى أن الجزاء وقع على الأهرام اليومى الذى كان يصدر باسم الصدى بحكم عنايته الشديدة بالأحوال الداخلية والتي صدر المقال في اطارها ونجا منه الأهرام الأسبوعى الذى لم يكن متورطاً في تلك الأمور بنفس القدر!
***
بالأخذ بهذا الطرح.. طرح أن الأهرام قد صدر يومياً بعد شهرين فحسب من صدوره، فإن القضية تتحول إلى البحث عن الأسباب التي أدت إلى تخليه عن تلك الصيغة التي ارتضاها لأكثر من أربع سنوات.. من صيغة أن يصدر أسبوعياً مع تلحيق يومى إلى ضم هذا التلحيق ليصدر يومياً، ويؤكد على طليعة الضم بصدور أول أعداد الأهرام في ثوبه اليومى بالرقم التالى لآخر أعداد الوقت، وتقدم الأهرام نفسه شارحاً تلك الأسباب..
ففي عدد "الوقت" الأخير الصادر يوم 28 ديسمبر عام 1880 ودع قراءه "سائلاً إياهم الأغضاء عما كان من القصور وسائلاً لهم صفاء العيش وطول البقاء" وذلك في نهاية مقال طويل شرح فيه أسباب اندماجه في الأهرام الذى سيصدر يومياً.
بعد ذلك بيومين صدر العدد الأخير من الأهرام الأسبوعى وقد سجل في صفحته الرابعة نفس مقال الوقت وإن كان دون وداع..
من هذا المقال المنشور مرتين، والذى وضعه أحد الاخوين تقلا شرحت الصحيفة الأسباب التي دفعتها إلى دمج لسانيها ليصبحا لساناً واحداً يومياً..
اتساع قاعدة القراء كان أول تلك الأسباب وهو ما عبر عنه المقال بقوله ان "اقدام المشتركين واقبالهم على مطالعة جرائدنا وازدياد عددهم يوماً عن آخر مما أحيا عندنا الهمة والجد.. والاتيان بمطلق ما يبعث على مسرة حضرات المشتركين ويغتنم مرضاتهم وميلهم" ولا مراء أن هذا الاتساع قد دفع الطمأنينة إلى قول أصحاب الأهرام وأزال كثيراً من أسباب التوجس التي دفعتهم أولاً إلى اصدار الأهرم اليومى على هذا النحو.. دون التلحيق!
وكان هذا التوجس مبرراً من خلال التجربة التي خاضها سليم تقلا مع شروعه في اصدار الصدى، وهى القصة التي رواها جرجى زيدان في كتابه "مشاهير الشرق" لدى ترجمته للرجل..
فقد جرت عادة سليم لدى الشروع في اخراج احدى صحفه أن يصدر أولاً العدد زيرو والذى كان يسميه "المثال" ويبعث به لوكلائه في الأقاليم للتوزيع على من يتوسمون فيهم الرغبة في الاشتراك، وعندما فعل ذلك بالنسبة للصدى وطبع أربعة آلاف نسخة لم يقبلها سوى بضع عشرات ورجعت إليه بقية النسخ، بيد أنه مع مرور الأيام تبين أن هذا التوجس لم يعد له ما يبرره.
سبب آخر ما تبينه الاخوان تقلا خلال فترة الأربع سنوات ونصف من أن سوقهم الحقيقية في مصر وليس في خارجها، وهو ما عبروا عنه نفس المقال الذى جاء فيه: "اننا في قطر سعيد ينطق بلغتنا العربية الشريفة فيه نيف وخمسة ملايين كان لنا أن نرى جريدتنا الوقت اليومية لا تقوم بواجب الخدمة لصغر حجمها خصوصاً لقاء اقبال المشتركين وازدياد عددهم"، ونرى أن السعادة قبل أن تكون للقطر كانت لآل تقلا الذين رأوا اتساع توزيع صحيفتهم بحكم ما كانت تؤديه من خدمات "لتجار الأرياف والعمد والمشايخ"!
من جانب ثالث فإن المقال يشى بأن أصحاب الأهرام قد وضعوا خدمة القارئ غير المصرى في المرتبة الثانية والذى عبر فيه عن النية على الاستمرار في اصدار الأهرام الأسبوعية إلى الخارج "فقط كالعادة حرصاً على ميل الطلاب وعلى مقام الجريدة"!
وفى عملية ادماج التلحيق بالأهرام الأسبوعى ليصدر يومياً وضع أصحاب الأهرام في تصورهم لذلك يقولهم أن الأهرام اليومى سيتضمن "الأخبار السياسية والداخلية والحلية ومطلق الحوادث التجارية الداخلية والخارجية وبعض الروايات والنكات الأدبية وما شاكل ذلك. ولا ريب أن جريدة بحجم الأهرام ذات ستة عشر عموداً بالخط الرفي تكفى لمثل هذه الخدمة وتكون الجريدة الأولى العربية التي ظهرت في هذا الحجم"، ومن هذا التصور بدأ الأهرام حياته بالعدد 1003!
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
89 12/4/1878
146 22/5/1879
230 30/12/1880
1003 3/1/1881

أعداد الوقت
رقم العدد التاريخ
886 3/7/1880
910 7/8/1880
911 9/8/1880
917 17/8/1880
961 5/11/1880
1002 28/12/1880

- د. إبراهيم عبده: جريدة الأهرام - تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة، القاهرة 1951م.
- د. إبراهيم عبده: تطور الصحافة المصرية 1798 - 1981 ط4، القاهرة 1982م.
- جرجى زيدان: تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر، القاهرة 1922م.
- رمزى ميخائيل: تطور الخبر في الصحافة المصرية، القاهرة 1985م.

صورة من المقال: