ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

015 خلع الخديو.. يحيا الخديو!

خلع الخديو.. يحيا الخديو!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 28 أكتوبر 1993م - 12 جمادى الأولى 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

الخديو إسماعيل كان أول من يخلع من حكام مصر من أبناء أسرة محمد على، ولعنة الخلع وإن لم تطل أحداً من أبنائه الذين اعتلوا العرش من بعده، توفيق وفؤاد، فإنها طالت حفيديه اللذين توليا حكم البلاد، الخديو عباس حلمى الثانى الذى خلع غداة اشتراك تركيا في الحرب العالمية الأولى أواخر عام 1914، والملك فاروق الأول الذى خلع على أيدى ثوار يوليو 1952.
والحقيقة التاريخية أن إسماعيل راح ضحية اندفاعه للاغتراب من أوربا.. من مظاهر الحضارة وخزائن الأموال، حتى أوقع البلاد في مأزقها المالى الشهير الذى وصفه بعض المؤرخين الأوربيين بـ "نهب مصر".
أصبح شائعاً أخيراً أن محاولة إسماعيل للتملص من القبضة الأوربية، وهى المحاولة التي بدت في تحريض الضباط على وزارة نوبار وفى توسيع صلاحيات مجلس النواب وفى إطلاق الحريات الصحفية، كانت فوق ما يطيق ساسة لندن وباريس الذين دبروا لعزل الرجل.
كل هذا وأكثر منه أصبح شائعاً ومعروفاً تناولته دراسات تاريخية عديدة.. غير أن ما لم تفعله تلك الدراسات هو تتبع قصة خلع الخديو الأشهر وتولية ابنه توفيق. ليس من وثائق وزارات الخارجية وتقارير الممثلين الديبلوماسيين التى تتعامل مع المصالح والسياسات وانما من خلال الوقائع الشخصية، وهى وقائع شديدة الإنسانية تفتقر إليها في أي الأحوال محفوظات الخزائن الحكومية!
نتابع هذه الوقائع من مصدرين.. مؤرخ مصري معاصر عاش في خضمها وعاينها وسجل ما عاين، ثم جريدتنا العتيدة "الأهرام" التي قدمت رؤية مناحيها مع رؤية المؤرخ المعاصر وإن اختلفت في مناح أخرى، وإن كانت الروايتان تتفقان في ابراز الجانب الانسانى لعزل حاكم مصري، وبحجم إسماعيل!
***
المؤرخ المصرى هو ميخائيل بك شاروبيم والذى يعرفه المؤرخون من خلال كتابه "الكافى في تاريخ مصر القديم والحديث" والذى قارب عمره من قرن، وقد نشر له منذ أقل من عامين فحسب مخطوط احتفظ به الرجل وقد عنونه بـ "الرقيب أو حوادث مصر الأخيرة لجامعها الفقير إلى رحمة ربه الكريم ميخائيل بن شاروبيم عفى آمين!" وقد سجل في الصفحات الأولى من هذا المخطوط القصة الكاملة لعزل إسماعيل.
وفقاً لما جاء في تلك الرواية تبدأ القصة ببرقية وصلت إلى "محمد توفيق باشا" وليس إلى إسماعيل، فى تمام الساعة الرابعة والنصف من عصر يوم الخميس 26 يونية عام 1879، كان مما جاء فيها "توجيه الخديوية الجليلة الى عهدتكم)) وان على إسماعيل باشا "التخلي عن النظر فى أمور الحكومة )) ويطلب الصدر الأعظم الذى بعث بالبرقية من توفيق اًن يعلن هذا "التلغراف حال وصوله للعلماء والمأمورين والأعيان وأهل المملكة جميعا وتباشر من بعده أمور الحكومة"!
بالنسبة "للأهرام" والذى كان مازال يصدر حتى ذلك الوقت أسبوعا فان عدده رقم 151 كان قد صدر فى صباح نفس اليوم الذى وصلت عمره برقية خير الدين باشا وكان عليه أن ينتظر أسبوعا كاملا قبل أن يصدر عدده التالى كانت الأحداث تتدافع خلاله.
في هذا الأسبوع تمت مبايعة توفيق وكما قال ميخائيل بك "فبايعته الجند ورجال الحكومة والعلماء والرؤساء الروحانيون وأعيان مصر المحروسة فى داره المعروفة بسراي الإسماعلية في أبهة وزينة"!
الأهم من ذلك ما جرى يوم الاثنين 30 يونيه، بعد أربعة ايام من وصول برقية الصدر الأعظم حان رحل إسماعيل في مشهد إنساني مؤثر يسجله صاحب الرقيب فيقول انه فى الساعة الخامسة من عصر ذلك اليوم خرج الخديو المخلوع من سراى عابدين "متوكئاً على ابنه توفيق فصعد الى عربة كانت أعدت له وجلس ابنه على يساره، وركب بعدهما الأمراء، والأعيان والرؤساء.. وكثير من نساء  وجوارى الخديوى المخلوع يصحن ويولولن بما تنفطر من سماعه الأكباد وتذوب لهوله القلوب.. حتى وصل الى محطة السكة الحديد فنزل الخديو توفيق وأخذ بيد أبيه وأنزله وسارا حتى وقفا بجانب القطار وبعد برهة وجيزة جدا تقدم الخديو توفيق لرداع أبيد وعيناه مغرورقتان بالدموع وانكب على يديه يقبلهما فضمد أبوه اليه وقد هاج ذلك المنظر خاطره فهطلت دموعه على لحيته وبكى بكاء مراً".
كل ذلك حدث ولم يكن موعد صدور العدد 152 من الأهرام قد حان بعد، فقد كان باقيا عليه ثلاثة أيام، وانقضت الأيام وصدر الأهرام..
***
العدد 152 من الأهرام الصادر في 3يوليو عام 1879 كان عدد ا فريدا، فلأول مرة فى تاريخ الصحيفة الوليدة التى كان قد انقضى من عمرها ثلاث سنوات فحسب تخرج وفى صدر صفحتها الأولى صورة كبيرة لـ "صاحب السمو والمجد توفيق الأول خديو مصر وعزيزها المعظم"، وهو أمر لم يتكرر الا بعد عامين حين خرج أهرام 4 مايو عام 1881، وكان قد أصبح يوميا، وعلى صدر صفحته الأولى صورة "للمسيو فردينان دى ليسبس الشهير"!
ورغم أن صورة توفيق كانت سابقة فى تاريخ الصحافة المصرية بيد أن الأهم منها كان المقال الذى شغل الصفحة الأولى بأكملها وجاء تحت عنوان "مصر وخديويها العزيز توفيق"! وهو المقال الذى يمكن الخروج منه بطبيعة الموقف الذى استقر عليه صاحبا الأهرام خلال الأسبوع الذى مر بين عزل إسماعيل وصدور ذلك العدد.
والواضح أن الأخوين تقلا قد وزعا فيما بينهما الأدوار خلال تلك الأزمة، فبينما كان بشارة فى القاهرة يتابع تطوراتها كان سليم فى الاسكندرية يعد لإصدار هذا العدد الفريد من الأهرام.
وليس من شك ان انقضاء الاسبوع بين عزل إسماعيل، بل ورحيله من مصر كلها بعد أن استقل يخته "المحروسة" من ميناء الإسكندرية مساء يوم الاثنين 30 سبتمبر.. هذا الانقضاء قد أتاح الفرصة للأهرام لتكون أقل انسياقا وراء العواطف التى صنعها الحدث الدرامى ولتكون أكثر تعبيرا عن موقفها دون مداراة!
فلم يخصص الأهرام سوى مساحة محدودة فى إحدى صفحاته الداخلية لوصف رحيل إسماعيل كانت اقل كثيرا من الوصف التفصيلى الذى قدمه ميخائيل بك، وقد بدا في هذا التوصيف اقتصاد بشارة تقلا فى التعبير عن عواطفه حيال ما أسماه بالوداع حتى انه وضع نهاية تقريره فى صيغة تساؤل جاء فيه "ماذا أقول لك عن تلك الدقيقة التى ركب بها القطار وجرى فيها التوديع وعن تلك العبرات التى تساقطت؟، ولم يجب أبدا عن السؤال!
نعود بعد نلك للصفحة الأولى والمقال الرئيسى حول تولى الخديو الجديد، فلم ينس الأهرام وهو يستعرض الظروف التى أدت الى خلع إسماعيل الاشارة الى أن الحوادث "أفضت بنا الى ما أفضت وقابلنا شهر جونيو (يونيو) بأسبابه" وهو يقصد هنا ما تعرض له بشارة من حبس وما كادت تتعرض له الجريدة من اغلاق على أيدى إسماعيل.
كان من الطبيعى بعد هذا أن يعرض بالخديو المخلوع فى أكثر من موقع.. مرة وهو يقول "ساعد الاستبداد على ازدياد التأخر" ومرة أخرى وهر يعترف ان إسماعيل قد أتى "مما لا ينكر عليه الدهر فى المستقبل فضلا" ولكنه يتبع ذلك بأن ينعى على اسماعيل التضارب فى أعماله بالقوال "كما لا ينكر عليه مباينة بعض الأعمال ضربا وشكلا"!
ومما يدفع الى الابتسام فى هذا الموقف المأسوى أن الأهرام لم يجد ما يمدح إسماعيل من أجله سوى أنه أنجب الخديو الجديد وأسماه توفيقا(!) أو كما قال بالحرف الواحد انه "قد أوحى منذ سبع وعشرين سنة الى جناب الخديو اسماعيل أن لا يسمى بكر بنيه الا توفيقا، وقد كان، وليس من أمل لفتح باب العصر الجديد لهذا القطر السعيد الا بمفتاحه وهو فى يد توفيق»!
ولم يدار الأهرام السب وراء حماسه للخديوى الشاب فيما جاء فى نفس المقال من القول.. "نعم نعم هو ذاك الأمير الذى لم يتأخر أهرامنا وصدى أهرامنا ووقتنا (الصحف التي أصدرها الأهرام) عن ابانه مناقبه وارتياحه إلى الفلاح ولعلك لا تنسى أيها المطالع عن مثل ذلك تنويها"(!) وهو يشير بذلك إلى موقف توفيق المساند له خلال أزمة يونيو والتي تفجرت بسبب مقال الأهرام عن أحوال الفلاح.
وقد تبدى هذا الحماس في الغنى بمناقب توفيق الذى يعرف من اللغات "ألعربية والتركية والفارسية والفرنسوية والإنكليزية ونصيل من الايتالية"(!) وأنه زار أوربا "مراراً بدلاً من مرة وزار عواصمها كلها واطلع على كل أمر ونقب في كل عمل".
أما عن خبرته بالسياسة فقد أدرك خباياها "فضلاً عن ظواهرها.. وولى مدة بعد مدة أمرها برعايته أهم النظارات ورئاسته على الوزارة ومراقبته حركات الأعمال وسكناتها"!
ومع أن كل ذلك مما يمكن أن يؤخذ على الأهرام على اعتبار أنه قد أولى لعواطف الثأر من إسماعيل الأولوية في صناعة موقفه من الرجل بعد سقوطه من موقع القوة، فإن ذلك لا ينفى أن روحاً من الاستبشار قد سادت صفوف العاملين في ميدان السياسة بسقوط الرجل وتولى توفيق، فضلاً عن ذلك فإنه قد خلط بين حماسه الظاهرى للخديوى الجديد وبين ما تصوره أن ولايته انما سوف تحقق مصالح مصر.
تبدى هذا الحماس في قوله في موقع: "هذا هو توفيقك يا مصر يخاطبك قائلاً [يا مصر بلادى جرى ذيل الفخر تيهاً ودلالا]"، ويقول في موقع آخر "وهذه مصرك يا توفيق تنشدك الإخلاص".
وقبل أن ينهى الأهرام هذا المقال الهام لم ينس أن يختمه بما أسماه دعاء متواصلاً قال فيه "فليحيى توفيق الأول خديو مصر المعظم" ولم يكن قد مضى على رحيل إسماعيل أكثر من يومين ونصف!
***
خلال الأسابيع التالية خصص الأهرام جانباً من صفحاته للكشف عن بعض أسرار عزل الخديو السابق، وفى استمرار التغنى بمزايا الخديو الجديد.
الأسرار التي نقلها الأهرام عن بعض وثائق وزارة الخارجية البريطانية التي نشرت عن الأزمة والمعروفة بالكتب الزرقاء، فقد كشف العدد الصادر في 24 يونية وجاءت فيه الدعوة للتنازل عن العرش للبرنس توفيق، وأنه لو استجاب لهذا الإنذار فإنه سوف "يكفل لنفسه راتباً كافياً ويضمن لعائلته حق الوراثة"، وهو انذار قريب للإنذار الذى قدمته القوى الأوربية لمحمد على خلال أزمة عام 1840.
أما التغنى فلم يكن من وضع الأهرام هذه المرة انما كان نقلاً عن الصحف الأوربية، ويكفى في هذا الصدد أن ننقل ترجمة آلا تقلا لمطلع مقال طويل نشرته جريدة "الجوكى الفرنسية.. جاء فيها:
"لم تطأ الأريكة الخديوية قبل اليوم قدم ملك محبوب مثل سمو الخديو الشاب توفيق ذي الوجه الصبوح ولم يخفق قلب ضمن الملابس العثمانية أشرف من قلبه وأكثر استقامة منه".
ويتضح ليس من اختيار المقالات فقط وانما أيضاً من طبيعة الترجمة والانحياز الكامل من جانب الأهرام، وهو انحياز لم ينكره أصحاب الجريدة على أي الأحوال!.
***
البرقيات وحدها لا تكفى لتنصيب الحكام، وبالتالي فإن برقية 26 يونيو بخلع إسماعيل وتولية توفيق كان ضرورياً أن يتبعها إصدارا الفرمان السلطانى بتولية الحاكم الجديد، الأمر الذى يستكمل معه توفيق بقية أسباب الشرعية، وهو الأمر الذى استغرق نحو شهرين.
كان مطلوباً إعداد الفرمان الذى اعتاد الباب العالى أن يبعث به مع "باشكاتب المابين" أي أمين الديوان السلطانى، على بك فؤاد، الذى وصل إلى الإسكندرية يوم 16 أغسطس على متن احدى البواخر السلطانية ونزل في سراى التين، وتوجه في اليوم التالى إلى القاهرة حيث نزل بقصر النزهة بشبرا.
وفى المحروسة بدأ الاعداد لاحتفال "بتلاوة الفرمان العالى الشأن"، وكان مراسل الأهرام موجوداً يرصد ويكتب ويبعث إلى مقره في الإسكندرية ليقدم للتاريخ وصفاً ممتعاً للاحتفال الذى كان في حقيقته احتفالاً بتتويج الحاكم الجديد!
يقدم الأهرام في عدد الصادر في 21 أغسطس وصفاً لاحتفال تتويج الخديو توفيق ويلقى في هذا الوصف الأضواء على مراسم ذلك الحفل..
أول ما يلاحظ في تلك المراسم أنه رغم انتقال مقر الحاكم المصرى من القلعة إلى عابدين فإن الاحتفال تقرر اجراؤه في نفس البقعة التي كان يقام فيها منذ أن وقعت البلاد تحت الحكم العثمانى قبل ما يقرب من أربعة قرون.. في ميدان القلعة.
وفى الساعة الثامنة من صبيحة يوم الاحتفال وبعد أن اكتظت الساحة بالحضور دخلت المركبة التي كان يستقلها الخديو من جانب بينما أتت المركبة التي كان في داخلها حامل "الفرمان العالى الشأن سعادتلو على بك فؤاد" من الجانب الآخر، ونترك بقية القصة يرويها بشارة بك تقلا الذى كان حاضراً الاحتفال.. قال:
"بعد الانتظار واستقرار المقام تقدم عطوفتلو على بك وقدم الفرمان السامى لسمو الخديو المعظم فقبله بالإجلال ودفعه إلى سعادتلو طلعت باشا فتلاه بالإكرام وبعد الفراغ تلا حضرة شيخ جامع القلعة خطاباً ضمنه الدعاء بحفظ الحضرة السلطانية والجناب الخديوى ثم اطلقت المدافع مائة مرة ومرة وجرت التشريفات من العلماء الاعلام يتقدمهم حضرات الموالى الكرام شيخ الإسلام والسيد البكرى وكبار العلماء والمشايخ والموظفين والذوات والقناصل ورؤساء الملل وغيرهم".
وتضمن تقرير الأهرام الإشارة إلى دور أعضاء السلك الديبلوماسى الأجنبي في الاحتفال، فقد تقدم عميد هذا السلك، المسي ودى مارتينو قنصل عام إيطاليا، وألقى خطبة باسم الدول صاحبة التمثيل في العاصمة المصرية.
ومثل هذا التقليد انما كان يحمل بين ما يحمل التأكيد على الدور الدولى في العلاقات بين مصر والدولة العثمانية، وهو الدور الذى تقرر منذ عقد معاهدة لندن عام 1840.
***
يبقى بعد كل ذلك ما تضمنه فرمان تولية توفيق أو ما أسماه الأهرام "الفرمان الباذخ الشأن"، وله أهمية خاصة في تاريخ العلاقات بين القاهرة واستنبول.
فمصر التي اكتسبت وضعاً خاصاً داخل الدولة العثمانية أحرزته في ميدان القتال خلال ثلاثينات القرن وتقرر في فرمان 13 فبراير عام 1841، قد تمكنت في عصر إسماعيل ومن خلال الفرمان المعروف بالفرمان الشامل عام 1873 من إضفاء المزيد من أسباب الاستقلال على هذا الوضع وهو الفرمان الذى حصل عليه إسماعيل بوسائل عديدة ليس منها محاربة الدولة.
وقد اتخذت المخاوف بتلابيب المصريين بعد الاخبار بخلع إسماعيل من أن تنتهز الدولة العثمانية الفرصة لتسحب الصلاحيات الاستقلالية التي تمكن الخديو من الحصول عليها لبلاده.
عبر عن تلك المخاوف ميخائيل بك شاروبيم عندما أشار إلى القلق الذى أخذ يسرى في نفوس المصريين بعد تأخر وصول الفرمان، فكما سبقت الإشارة كان قد انقضى نحو ستين يوماً بين وصول البرقية بخلع إسماعيل وتولية توفيق وبين وصول حامل الفرمان، وهى مدة احتسبها المصريون دهراً طويلاً!
غير أن تلك المخاوف تبددت بعد أن فض طلعت باشا الفرمان وتلاه على الحضور، فقد لاحظ هؤلاء أن الباب العالى لم يتنصل من أي من التعهدات التي قطعها على نفسه عام 1873.
اعترف السلطان بما جاء في الفرمان بتوجيه الخديوية المصرية إلى أكبر الأبناء "وحيث أنكم أكبر أبناء المشار إليه - إسماعيل - فقد وجهت إلى عهدتكم الخديوية المصرية".
اعترف أيضاً بالصلاحيات التي حصل عليها الحاكم المصرى والتي أسماها الفرمان "بالامتيازات الحائزة لها الخديوية المصرية" فيما يخص الإذن لخديوى مصر "بوضع النظامات اللازمة الداخلية المتعلقة بهم.. وأيضاً يكون خديو مصر مأذوناً بعقد المشاركات مع مأمورى - ممثلي - الدول الأجنبية في خصوص الكمرك والتجارة وكافة أمور المملكة الداخلية".
اعترف أخيراً لمصر "بالحدود القديمة المعلومة"، والأهم من ذلك "الأراضى المنضمة إليه المعطاة إلى إدارة مصر"، وتبدوا أهمية هذه الإضافة من أن عصر إسماعيل شهد ضم مساحات واسعة من الأراضى، خاصة في الجنوب.. دارفور في غرب السودان، والمناطق الاستوائية في جنوبه والتي وصلت إلى حدود أوغندة، ومناطق أخرى واسعة من سواحل البحر الأحمر في اريتريا والصومال.. كل تلك الأراضى اعترف "الفرمان العالى الشأن" بأنها أصبحت جزءاً من مصر، وهو اعتراف له أهميته القانونية.
على الجانب الآخر فقد أقر الفرمان بقية القواعد التي حكمت العلاقات بين الطرفين منذ عام 1841 خاصة تلك المتصلة بتحديد عدد رجال الجيش المصرى بـ 18 ألف رجل، وهو التحديد الذى لم يلتزم به توفيق!
فبينما كان إسماعيل يتحايل لزيادة القوات المصرية عن ذلك العدد فإن ابنه وتحت ضغوط تفاقم الديون الأجنبية وممثلى الدول عليه قد أخذ بسياسة التوفير التي طالت رجال الجيش المصرى الأمر الذى أدى إلى تصاعد الاحتجاجات بين هؤلاء الرجال والتي وصلت أخيراً إلى حركة عامة هي التي عرفت بالثورة العرابية، ولها قصة مع الأهرام.
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
151 26/6/1879
152 3/7/1879
153 10/7/1879
155 24/7/1879
157 7/8/1879
159 21/8/1879

- د. جمال عبد الرحيم مصطفى: مصر والمسألة المصرية 1876 - 1882، القاهرة 1965م.
- جون مارلو: تاريخ النهب الاستعماري لمصر (ترجمة د. عبد العظيم رمضان)، القاهرة.
- ميخائيل شاروبيم: الرقيب أو حوادث مصر الأخيرة (تحقيق د. يونان لبيب رزق)، القاهرة 1992م.