ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

014 ممنوع البولوتيكا!

ممنوع البولوتيكا!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
الأهرام الخميس 21 أكتوبر 1993م - 5 جمادى الأولى 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

صحيفة بدون سياسة تتحول إلى نشرة لا يحفل القارئ بشرائها، هذه الحقيقة أدركها الأخوان تقلا منذ الشهور الأولى لصدور الأهرام وكادت محاولة تسييس الأهرام أن تقضى على الصحيفة الوليدة قبل سن الفطام مرة ولم تكن قد بلغت الشهور الأربعة، وبعد أن عبرته مرة أخرى ولم تكن قد بلغت السنوات الثلاث!
فالسياسة وقت صدور الأهرام كان يمكن أن تتعاطاها الصحيفة الحكومية، الوقائع المصرية، وكان هذا التعاطى يتم فيما يشبه البلاغات الرسمية، أو تتناولها الصحف الأوربية، وكان تأثيرها محدوداً في الجاليات التي تقرأها، أما في خارج ذلك النطاق فقد كان "ممنوع البولوتيكا"، ومنذ اللحظة الأولى لصدور الجريدة.
يكشف ذلك "العرضحال" الذى تقدم به سليم تقلا لطلب الترخيص والذى نص على أنها لن تحتوى سوى على "التلغرافات والمواد التجارية والزراعية والمحلية.. وبعض ما يتعلق بالصرف والنحو واللغة والطب والرياضيات والأشيا التاريخية والحكم والنوادر والأشعار والقصص الأدبية وما شاكل ذلك من الأشيا الجايز طبعها بدون أن أتعرض للدخول مطلقاص في الأمور البوليتيقية"! وهو تعهد كان صاحب الأهرام يعلم أن جريدته لن تصدرأبداً بدون أن يقطعه على نفسه.
بيد أن الوفاء بهذا التعهد كان يعنى أن يسير الأهرام في نفس طريق الصحيفة التي سبقته.. صحيفة "روضة الأخبار" التي امتلكها عبد الله أبو السعود أفندى وكان واضحاً أنها تسير في طريق مسدود فقد اقتصرت على النقل من الوقائع المصرية من جانب، وشغل بقية صفحاتها بمدح ولى النعم من جانب آخر، ولم يكن القارئ في حاجة إلى مثل هذه الصحيفة، فالأصل موجود.. الوقائع الرسمية.
قد أدرك أصحاب الأهرام منذ صدور صحيفتهم أن السبب في استمرار صدور "روضة الأخبار" هو العون المالى للخديو، وهو ما لم يحصلوا عليه، فلم يجد الباحثون في بنود الميزانية المصرية الخاصة بالأموال التي صرفت للصحافة عامة على أي اعتمادات صرفت للأهرام أو لمحرريها، من ثم كان على آل تقلا البحث عن طريق آخر، ولم يكن سوى طريق السياسة وتحويل الأهرام من مجرد نشرة إلى جريدة حقيقية، ولكن الطريق كان مليئاً بالألغام، وكان مطلوباً السير فيه بحذر شديد.
بدا هذا الحذر في تجنب الخوض المباشر في شئون "البولوتيكا" فقد حرص الأهرام في أعداد الأولى على النقل عن الصحف الأجنبية، الأوربية والمحلية، أو بعض البرقيات التي تنقلها وكالات الأنباء، وأحياناً النقل عن الوقائع المصرية فيما يمس الأوضاع الداخلية.
وقد تزامن صدور الأهرام مع بدايات الاشتباك بين الصرب والدولة العثمانية، ولم تتهيب الصحيفة الوليدة أن تخصص بعضاً من أعمدتها بل وصدرها، لتتبع مجريات الحرب، وهو الأمر الذى خرج عن المألوف بالنسبة لصحافة العصر.
الأخطر من ذلك ما أقدم عليه الأخوان تقلا من الحاق صحيفة يومية بالأهرام بعد نحو شهرين من صدور، هي صحيفة "صدى الأهرام" دون الحصول على ترخيص لها، وقد اشترك فيها عدد كبير من "تجار الأرياف وعمدها ومشايخها لاشتمالها على مطلق الأخبار التجارية والأشغال الريفية" حسب ما جاء في أحد التقارير الرسمية، ولم يكن كل ذلك يمكن أن يمر على السلطات دون تحرك!
محافظ الإسكندرية كتب إلى "ناظر الحقانية" في القاهرة يبلغه أن "محرر جرنال الأهرام بإسكندرية قد تجاوز الحدود المعطية له في الأمور السياسية الغير جايز تداخله فيها فضلاً عن ذلك فإنه تشبث بطبع جرنال تلحيق للجرنال بدون إذن"!
* في يوم 6 ديسمبر عام 1876، وكان قد مضى على صدور الأهرام أربعة شهور ويوم واحد، وصلى إلى "سليم تكله افندى بسكندرية" أول انذار في عمر الجريدة المديد.. الإنذار وجهه ناظر الحقانية وقد ذكر صاحب الأهرام بأنه قد تعدى حدود الرخصة وقوانين المطبوعات، ثم دلف من ذلك إلى التنبيه "بأن لا تشتغلوا من الآن فصاعداً إلا بالمواد المرخص لكم التكلم فيها ويجب عليكم أيضاً الامتناع والاحتراس من كونكم تطبعوا في جرنالكم مواد سياسية سواء كانت محررة بقلمكم أو تكون منقولة من بعض الجرانيل" ويخلص التنبيه من كل ذلك إلى الإنذار بأنه إذا لم يحدث "الامتثال بدون تأخير لهذه التنبيهات" فعلى سليم تقلا أن يعلم أنه سيصير "اتخاذ الوسائل القوية في حق الجرنا المذكور والمطبعة تعلقكم"!
* رد سليم تقلا على الإنذار يؤكد أنه لم يخرج "عن جادة الصواب بما يتعلق بالأخبار الداخلية فإن ما كنت أنشره كنت أنقله حرفياً عن جرنال الوقائع المصرية.. وأما ما يتعلق المواد السياسية فما كنت أنقل إلا على سبيل الاستطراد من الجرنالات الشهيرة الخالية من التعصب والمقبولة من الحكومة..، وان من تكون طويته هكذا لا يتعامل معاملة المذنب"!
* ولم تستمع السلطات لتبريرات صاحب الأهرام وكان عليه أن يكتب تعهداً بأن "لا يدرج المواد الموجبة لتهييج الأفكار الأهلية عن أحوال الحروب الحاضرة بجرنال الأهرام" وانتهت أزمة الأهرام الأولى مع "البولوتيكا" ولكنها لم تكن الأزمة الأخيرة في عصر إسماعيل!
***
* بين الأزمة الأولى في ديسمبر 1876 والأزمة الثانية في أبريل - مايو 1879 كانت قد جرت مغيرات كثيرة أضفت على تلك الأزمة الأخيرة طابعاً شديد الاختلاف..
* من بين هذه المتغيرات ما استتبع استحكام الأزمة المالية من تفاقم التدخل الأوربي في الشئون المصرية، الأمر الذى لم يكن ينتظر معه أن تبقى الصحافة المصرية قابعة في موضع المتفرج ولهيب السياسة يلفح كل الوجوه!
من بينها أيضاً أن إسماعيل نفسه أفسح هامشاً لا بأس به للحركة الوطنية انطلاقاً من التصور أنها يمكن أن تكون دعماً له في مواجهة التدخلات الأوربية، وقد تمتعت الصحافة بجانب من هذا الهامس ومنها الأهرام بالطبع!
من بينها كذلك أنه قد ظهر خلال تلك السنوات عدد من الصحف الأهلية التي لم تتهيب من الخوض في مجال "البولوتيكا" مثل أبو نظارة زرقاء والوطن، مصر والتجارة، وقد اكتسبت الأخيرة التي كان يحررها أديب اسحق شهرة خاصة في العمل الوطنى باعتبارها ناطقة باسم الجماعة التي تحلقت حول السيد جمال الدين الأفغانى.
من بينها رابعاً ما أصاب المؤسسات السياسية المصرية من صحوة، مجلس شورى النواب الذى أصبح "مجلس النواب"، والدواوين الحكومية التي أصبحت "مجلس النظار" ولم يكن متصوراً ألا تقترب الصحف من كل تلك المتغيرات المتتابعة بكل ما تخلقه من واقع سياسى.
من بينها أخيراً الدرس الذى وعاه الاخوان تقلا من أزمة 1876، حيث رأيا الحوط من احتمال ضرب مشروعهم من جراء سياسات إسماعيل الاستبدادية فقررا الاحتماء بالنظام الذى كان قد أخذ في مد جذوره في مصر.. نظام الامتيازات The Capitulations.
ونظام الامتيازات الذى استشرى في سائر أنحاء الدولة العثمانية والذى كفل للرعاية الأوربيين فيها معاملة خاصة أخذ يتعاظم في مصر نتيجة لتعاظم المصالح الغربية فيها، هذا من جانب وتعاظم الوجود الأوربى من جانب آخر، الأمور التي وصلت إلى ذراها خلال سبعينات القرن عقب ظهور الأهرام.
ومع مرور الوقت اكتنف هذا النظام في مصر ظاهرتان، أولاهما: تزايد عدد الدول التي يتمتع رعايا بالامتيازات، وثانيتهما: أن الحماية لم تعد مقصورة على أولئك الرعايا بل امتدت لمن يطلبها، حتى الرعايا العثمانيين، أو "بالمحليين" بلغة العصر.
وقد وجد آل تقلا في هذا النظام المظلة التي يمكن أن تحميهم من مخاطر الاشتغال بالبولوتيكا، من ثم لجأوا إلى "القونصلاتو الفرنساوى" وأصبحوا من المحميين من جانب حكومة الجمهورية الفرنساوية!
ولجوء أصحاب الأهرام إلى الحماية الفرنسية دون غيرها مفهوم على ضوء العلاقة الخاصة بين الطائفة التي انحدورا منها، طائفة الروم الكاثوليك وبين فرنسا، وعلى ضوء الثقافة التي تشبعوا بها.. الثقافة الفرنسية، وعندما ترجم خليل مطران لبشارة تقلا وتحدث عن علاقته مع فرنسا قال أنه "كان عارفاً بلغتها مطالعاً لكتب أدبائها وخطبائها وعلمائها، ذا صلة مع أكبرها من الرئيس إلى أدنى ذي منصب مرموق بباريس"!
ومنذ وقت مبكر، وحتى حصول آل تقلا على الحماية الفرنسية فإن عداء "الأهرام" للإنجليز وتعاطفه مع الفرنسيين كان ظاهراً، ففي باب الحوادث الداخلية، وتحت عنوان "القطر المصرى" في العدد الصادر في 27 فبراير 1879 عقد مقارنة بين آداء كل من ريفرز ويلسون الوزير الانجليزى والمسيو دوبلينير الوزير الفرنسي، وبينما اتهم الأول بالعمل ضد المصالح المصرية فقد حيى الثانى لأنه يعمل بتحقيق هذه المصالح!
وعلى ضوء كل تلك المتغيرات يمكن أن نتابع المعركة الثانية من المعارك التي خاضها الأهرام خلال سنيه الأولى من جراء خوضه في غمار أعمال البولوتيكا!
***
لم يقتصر خوض الأهرام في شئون السياسة على الحرب الروسية - التركية بل تعددت ميادين هذا الخوض، من الشئون العثمانية خاصة في فترة "الانقلاب الدستورى" الذى قاده مدحت باشا، ثم في الشئون العربية حتى أنها كانت تتعامل مع الشئون الشامية بشكل شديد التوسع، أما في الشئون الداخلية فقد اقتحم أبواب مجلس النواب بنفس القدر الذى اقتحم به أبواب "مجلس النظار" الناشئ، وكلها أمور سياسة في سياسة!
وفى ظل كل هذه الظروف تفجرت الأزمة الثانية.. الأزمة سببها مقال نشره "الجرنال التلحيق" أي "صدى الأهرام" في 29 أبريل عام 1879.
المقال كان تحت عنوان "ظلم الفلاح" وهو مقال لم يعثر أحد عل نصه وإن تم العثور على بعض شذراته... جاء في شذرة من تلك الشذرات.
"ان الفلاح مظلوم في ماله وتربيته وينبغى عليه أن يعرف هذا الداء ويعرف أنه له دواء وهو في يده لا في يد قادته فإن كان هو صابراً ذليلاً جباناً دون حقه كان المولى عليه مطاعاً طلاباً جريئاً عليه بالمغارم وإلا كان الأمر بالعكس"!
وقد نظر المسئولين إلى هذا المقال باعتباره حضاً للفلاحين على العصيان، وعبر عن ذلك محافظ الإسكندرية في تقريره الذى رفعه إلى الداخلية في القاهرة وكان مما جاء فيه وصفاً للمقال أنه قد ورد به: "عبارة صحيحة بالطعن في حق الحكومة ونسبتها للتساهل وعدم الاعتناء بحقوق العباد وتجاوز بأن جعل ذلك في قالب مستهجن لا ينبغي ذكره"!
بناء على ذلك التقرير صدر اخطار رسمي من إدارة المطبوعات بتعطيل الصدى لمدة 15 يوماً غير أن الأحداث تلاحقت على نحو كاد يودى بالأهرام وصاحبه، وقد تباينت الروايات حول ماهية تلك الأحداث..
وفقاً للرواية التي جاءت في تقرير "مأمور ضبطية سكندرية" أن سليم لم ينفذ القرار رغم إبلاغه به واستمرت الصدى تصدر ولم يذهب لأخذ التعهد اللازم بل بعث "بأخيه الصغير"، ولما أفهمه "مندوب الضبطية" بضرورة تحرير التعهد "حرر تعهداً بقطعة ورق عبارة عن ثمن فرخ ورق بخلاف المقصود ولم يضع اسمه ولا فرمته (يقصد فورمته أو توقيعه) ولا ختمه عليها كالواجب"!
أما رواية خليل مطرات في ترجمته لبشارة تقلا فقد جاءت مختلفة، قال أنه بعد نشر المقال بعث إسماعيل بعض الجنود للقبض على أخيه سليم فلما علم بشارة بذلك أرسل أخاه إلى "الوكالة الروسية" وذهب مع الجنود إلى سراى عابدين فأمر الخديو بسجنه ثلاثة أيام لم يقابل فيها أحد.
ونحن نميل إلى تصديق الرواية التي جاءت في تقرير ضبطية اسكندرية لأكثر من سبب، فهى كتبت وقت الحادثة على عكس رواية خليل مطران التي كتبت بعدها بنحو ربع قرن (1902)، فضلاً عن أن الترجمة التي وضعها مطران لبشارة تقلا جاءت بمناسبة وفاته بكل ما يحوط بهذه المناسبات من جيشان عاطفى يحيط ويضفى على صاحب الترجمة هالة من البطولات تفتقر إلى الكثير من الحقيقة.
المهم أن الرجل بقى في المجلس لثلاثة أيام لم يتم بعدها الافراج عنه فحسب بل لم يتم بعدها الافراج عنه فحسب بل أنه حظى بعدها بمقابلة "ولى النعم" أي إسماعيل نفسه ومرة أخرى تتضارب الروايات حول أسباب هذا التطور الدرامى.
بينما تقول رواية من تلك الروايات أن هذا الافراج قد تم بناء على تدخل القنصل الفرنسي تأسيساً على تمتع بشارة تقلا بالحماية الفرنسية فإن رواية أخرى تقول أنه قد تم بناء على تدخل ولى العهد "البرنس توفيق باشا" الذى كانت تربطه صلة طيبة بسليم الذى وسطه للافراج عن أخيه.
ورغم تضارب الروايتين فإنه ليس ثمة ما يمنع أن يكون الأمران قد حدثا، فتدخل القناصل للدفاع عن أولئك الذين يتمتعون بحمايتهم كان يتم في أمور أهون من تلك كثيراً، ولم يكون متوقعاً أن يسكت القنصل الفرنسي على إيذاء أي من صاحبى أحد أهم الجرائد المصرية المدافعة عن السياسات الفرنسية في مواجهة منافستها العتيدة إنجلترا، وفى نفس الوقت فإنه كان معلوماً أيضاً أن البرنس توفيق كان قريباً من قلوب الوطنيين وكثيراً ما اتخذ مواقف للدفاع عنهم.
ولعل الترحيب البالغ الذى قابل به الأهرام تعيين توفيق خديوياً على البلاد بعد عزل أبيه في أعقاب تلك الحادثة بأسابيع قليلة انما كان يعبر عن امتنان الأخوين تقلا من موقفه خلالها مما يرجح صحة تدخله لإنهائها، ووساطته لدى أبيه لاستقبال بشارة.
وقد كتب الأخير عن هذه المقابلة في الأهرام الصادر في 15 مايو عام 1879 يقول: "وقد تنازل سموه للإعراب عن غايته التامة في أنه يود أن تكون الحرية ناشرة لواءها وأن الجرائد تراعى حقوقها وواجباتها بنشر الأخبار الصادقة مع ملئ الحرية وأن مجلس النواب سيراعى حرمة الصحف الإخبارية لتنقل عنه إلى الأمة أعماله كما أن مجلس الشورى سيفتح لأرباب الجرائد باباً رحباً فيدخلونه ويلتقطون من فرائد فوائده درر المعارف ويقدمونها للرعية"!
وقد حاول بشارة في هذا المقال أن يعزو ما وقع إلى كيد الكائدين وأن من فعلوا به فعلتهم "استندوا إلى أسباب أوهى من نسيج العنكبوت" على حد تعبيره.
بيد أن الأهم مما جرى لبشارة ما جرى للأهرام..
أول ما نتج عن هذه الحادثة بالنسبة للأهرام الأسبوعى أن تعطل لأول مرة منذ صدوره في 5 أغسطس عام 1876 لمدة أسبوعين فلم يصدر العددان اللذان كان يفترض صدورهما يومى 1 ، 8 مايو عام 1879.
ولم يعد الأهرام الأسبوعى إلى الصدور إلا بعد أن صدر اخطار رسمي من إدارة المطبوعات الأهلية جاء فيه:
"تقدم في 10 جمادى الأولى 1296هـ (أول مايو 1879) أن أعلناكم ضمناً لزوم توقيف نشر جريدة الأهرام مؤقتاً لحين تنتهى محاكمتكم بسبب ما توقع وحيث الآن عفى عنكم وصرف النظر عن المحاكمة فلا مانع والحالة هذه من اجراء إعادة نشر الجريدة المذكورة فقط كما كانت"!
وكان معنى ذلك وقف الملحق اليومى للجريدة.. صدى الأهرام مما كان يشكل كارثة حقيقية للدار فقد كانت أغلب دخولها تأتى من الملحق اليومى وليس الجريدة الأسبوعية بحكم انتشاره الأوسع وبحكم الإعلانات التي كانت تحفل به خاصة بعد أن أدرج ضمن الصحف التي يحق لها نشر الإعلانات القضائية بمقتضى تصريح من الحقانية.
من ثم بادر الأخوان تقلا إلى مواجهة هذه الكارثة بمحاولة نشر ملحق يومى للأهرام تحت مسمى جديد هو "الوقت" وقد أخذوا يروجون له في العدد التالى مباشرة.
فقد جاء في العدد رقم 146 الصادر في 22 مايو عام 1879 وتحت عنوان "الوقت" ما نصه أنها "جريدة يومية تجارية سياسية علمية اختارتها جريدة صدى الأهرام عنها نائبة ولفوائدها كافلة ولأخبارها شاملة ولمحاسنها جامعة"!!
وانتقلت من ذلك لمناشدة "المشتركين الكرام والمطالعين الفخام" بتحية هذه الجريدة واحلالها محل القبول، ولم تنس في النهاية العمل على استرضاء السلطات حتى لا يقع على الوقت ما وقع على الصدى فتقول:
"فعلى الوقت في عدد الأول أن يقوم بوفاء ما عليه لسمو ولى النعم المعظم ولأولى الأمر الكرام أخصهم دولتلو رئيس الوزارة الأفخم" شريف باشا الذى كان قد ألف الوزارة الثالثة قبل أيام قليلة.
وصدرت "الوقت" على غرار صدى الأهرم.. جريدة "يومية سياسية تجارية" حافلة بالأخبار الداخلية المنوعة خاصة أخبار المحروسة وكان لملحق الوقت بالأهرام هدف اقتصادى محدد وهو أن تستمتع الصحيفة الوليدة بقرار "مجلس الاستئناف" الصادر في 6 أبريل 1878 بتعيين الأهرام ضمن الصحف التي تقوم بنشر الإعلانات القضائية، والأمر الذى خصص له الملحق الوليد صفحته الأخيرة، فلم يكن الأهرام يستطيع أن يستغنى في ملحقه عن تلك الإعلانات.
ومن خلال السماح بعودة اصدار الأهرام بعد أسبوعين من التعطيل وصدور الوقت عبرت صحيفتنا العتيدة أسوأ أزمة واجهتها في عصر إسماعيل بسبب الاشتغال بالبولوتيكا، وهى أزمة لم تترك بصمتها على تحرير الصحيفة، فقد استمرت البولوتيكا عنصراً أساسياً من عناصر ليس فقط صناعة الأهرام بل قبل ذلك وبعده صناعة موقفه والتعبير عن هويته!
بيد أن تلك الأزمة من جانب آخر خلفت أثراً على علاقة الأهرام بولى النعم، الخديو إسماعيل، فلم ينس آل تقلا ما كاد يصيبهم على أيدى هذا الحاكم، حتى أن الأهرام مع ترحيبه البالغ بتولية توفيق في أعقاب خلع أبيه فإنها لم تبد أسفاً يذكر على رحيل الأخير، ولهذا قصة أخرى.
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد التاريخ
135 21/2/1879
138 13/3/1879
145 15/5/1879

- د. إبراهيم عبده: جريدة الأهرام - تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة، القاهرة 1951م.
- د. إبراهيم عبده: تطور الصحافة المصرية 1798 - 1981.
- خليل مطران: بشارة تقلا 1853 - 1901، القاهرة 1902م.
رمزى ميخائيل: تطور الخبر في الصحافة المصرية، القاهرة 1985م.
- عبد الرحمن الرافعى: عصر إسماعيل (جزء 2)، القاهرة 1948م.
- كيف عاشت الأهرام بين المطرقة والسندان منذ خمسين سنة إلى اليوم، نشر صفحات مطوية ووثائق رسمية لم تذع قبل اليوم - مجلة مصر المصورة 1926م.

صورة من المقال: