ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

013 الوزارة الأولى

الوزارة الأولى
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 14 أكتوبر 1993م - 27 ربيع آخر 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

رحلة الوزارة المصرية بدأت في أغسطس عام 1878، وكان عرم الأهرام وقتئذ عامين بالضبط.
وإذا كان لبداية هذه الرحلة بتشكيل الوزارة الأولى قصة، فإن لموقف الأهرام منها قصة أخرى وبينما خضعت القصة الأول للدراسة التاريخية فإن القصة الثانية تكاد تكون غير معلومة، ونبدأ بالقصة الأولى..
تشابكت الأحداث على نحو مثير الأمر الذى أدى في النهاية إلى مولد مجلس الوزراء المصرى، وإذا كانت الولادة قد جاءت طبيعية فإن المولود لم يكن عادياً!
الولادة (الطبيعية) بدت في التحول الذى أصاب المؤسسات الإدارية التي نشأت في إطار عملية بناء الدولة الحديثة التي قام بها والى مصر المشهور محمد على باشا، والتي تسمت "بالدواوين"، وهى التي تم تنظيمها بشكل نهائي في قانون "السياستنامة" الصادر عام 1837.
وتحول الوحدات الإدارة إلى وزارات أمر طبيعى عرفته نشأة النظام الوزارة حتى في أعرق الدول، ولعل احتفاظ الوزارة الإنجليزية حتى يومنا هذا بتسمية المكتب office والوزير بتسمية Secretary يقدم نموذجاً على الأصول الإدارية لتلك الوزارة.
المولود هو الذى لم يأت طبيعياً، فقد جاء من خلال عملية تولى التوليد فيها الأطباء الاوربيون، وكانوا حريصين على أن يضعوا بصمتهم على جسده!
المولود اسمه "مجلس الوزراء المصرى"، وكان يتشكل بالأساس من نظار الدواوين التي تحولت إلى نظارات، والذى تقرر أن يكون لهؤلاء رئيس وأن يجتمعوا بشكل منتظم، غير أن الأهم من هذا وذاك "أن يكون أعضاء مجلس النظار بعضهم لبعض كفيلاً فإن ذلك أمر لازم لابد منه"، فيما تضمنه "الأمر العالى المؤسس لهيئة النظارة" الصادر في 28 أغسطس 1878، مما يعنى ببساطة إرساء مبدأ المسئولية الوزارية الذى يمثل جوهر النظام الوزاري.
عبر عن طبيعة تلك التطورات ما جاء في نفس الأمر من قول إسماعيل أن تشكيل هيئة على هذا التحو "ليس مخالفاً لعوائدنا وأخلاقنا، ولا لآرائنا وأفكارنا، بل موافقاً لأحكام الشريعة الغراء".. غير أن الظروف هي التي جعلت المولود غير طبيعى.
من بين هذه الظروف أن مجلس الوزراء المصرى قد تشكل رغم أنف الخديو، وكان وراء الدائنون الأوربيون أو ممثلوهم، خاصة قناصل عموم إنجلترا وفرنسا في القاهرة، الذين رأوا أن مصالحهم لن تتحقق إذا ما استمر الخديو يمارس صلاحياته المطلقة.
عبر عن ذلك القنصل الانجليزى فى قوله أن "كل مفاسد وفوضى الأوضاع المالية في مصر وكل الظلم الذى يعانى منه دافع الضرائب انما هو ناتج أساساً عن السلطة المطلقة التي يمارسها الخديو في البلاد"، ومن ثم جاء السعي لانشاء مجلس الوزراء للحد من سلطات الخديو.
ولم يكن أما إسماعيل سوى القبول بالرأى البريطاني مما أفصح عنه في الأمر العالى بتشكيل الوزارة الأولى والذى جاء فيه: "وأريد عوضاً عن الانفراد بالأمر المتخذ الآن قاعدة في الحكومة المصرية سلطة يكون لها إدارة عامة على المصالح.. بمعنى أنى أروم القيام بالأمر من الآن فصاعداً بالاستعانة بمجلس النظارة والمشاركة معه".
غير أن هذا كان يمثل جانباً واحداً من الجوانب التي أثرت في طبيعة المولود.
الجانب الثانى بدا في فرض رئيس أول وزارة مصرية على إسماعيل، وكان نوبار باشا، أحد كبار رجال الإدارة المصرية من الأرمن الذين استمروا يشكلون عنصراً في تلك الإدارة منذ أن بدأ محمد على في بناء الدولة الحديثة.
وقد اكتسب نوبار جانباً كبيراً من أهميته من خلال نجاحاته في التفاوض مع القوى الأوربية بعد أن تفاقمت أشكال تدخلها في الشئون المصرية خلال النصف الثانى من السبعينات، وهو في هذا اكتسب ثقة الطرفين، الأوربيين والخديو إسماعيل.
بيد أن ثقة الخديو لم تكن هي التي مهدت له الطريق لتولى رئاسة أولى الوزارات المصرية، فلا شك أنه لو كان قد ترك الخيار أمام إسماعيل لاختار أحد كبار رجال الدولة المنحدرين من أصل تركى مثل شريف أو رياض.. الذى أوصل نوبار إلى المنصب كان ثقة القوى الأوربية وهو الامر الذى كشفته الوثائق السرية لوزارتى الخارجية البريطانية والفرنسية، وقد نم هذا الاختيار عن الجانب الأول من البصمة الأوربية على الوليد الجديد.
ثالث الجوانب من البصمة وكان أكثرها بروزاً.. أن يشارك في الوزارة المصرية الأولى وزيران أوربيان، من بين ستة وزراء هم مجموع أصحاب المقاعد في تلك الوزارة، بمعنى أن ثلث هؤلاء لم يكونوا من المصريين حتى لو اعتبرنا نوبار مصرياً!
ويلفت النظر في هذا الجامب أن الوزيرين الأوربيين قد توليا أهم الحقائب الوزارية.. المالية والأشغال أو ما كان يسمى بلغة العصر "وزارة النافعة"!، فالوزارة الأولى كانت تهيمن على كل موارد المالية المصرية والثانية كانت تتحكم ف نفقاتها، ولم يكن الوزيران غريبين عن الإدارة المصرية!
الجانب الأخير بدا في الصراع الذى احتدم بين الدولتين الكبريين صاحبتى المصالح الأهم في مصر، إنجلترا وفرنسا، حول المنصبين اللذين تقررا لهما، وهو صراع تعددت وجوهه...
من هذه الوجوه أن نوبار تخوف من أن يؤدى اذعانه للمطالب الإنجليزية الفرنسية إلى فتح شهية الدول الأوربية الأخرى للمطالبة بنصيبها في الوليد الجديد، فقد حدث فعلاً أن طالبت روما بتعيين وزير ايطالى للحقانية (العدل)، وطالبت حكومة فيينا بتعيين نمسوى وزيراً للمعارف، وهو التخوف الذى دفع نوبار بعد تكليفه بتشكيل الوزارة إلى التأكيد عى أن دخول الوزيرين الأوربيين للوزارة الأولى انما تم "بناء على رغبة الحكومة المصرية"!
منها أيضاً مخاوف فرنسا من وضع الشئون المالية في يد انجليزى بما يعنيه هذا من سيطرة حكومة لندن على تلك الشئون، منها أخيراً الخلاف الذى نشأ بين نوبار وفرنسا عن الشخصية التي تشغل منصب وزير الأشغال، وهى أمور تطلبت وقتاً لتسويتها، باختيار "ريفرز ويلسون" وزيراً للمالية في 26 سبتمبر، و "دوبلينير" وزيراً للأشغال في 16 نوفمبر، بمعنى آخر أن عملية ولادة الوزارة المصرية الأولى قد استغرقت نحو ثلاثة أشهر، ونظن أنها أكبر فترة ولدت فيها وزارة في مصر، ولكنها الولادة الأول!
هذا ما تقدمت به الدراسات التاريخية عن تأليف أولى الوزارات في التاريخ المصرى الحديث، ولكن ماذا قال "الأهرام"؟
***
تأخر "الأهرام" نحو أسبوع في تسجيل تاريخ ميلاد الوزارة المصرية الأولى، ويعزى هذا التأخر أساساً إلى أن الأمر العالى بالتشكيل أعلن في نفس يوم صدور العدد 110 من الجريدة التي كانت لا تزال تصدر بشكل أسبوعى، ومن ثم لم يكن أمام القائمين على الجريدة سوى الانتظار إلى عدد الأسبوع التالى، العدد 111 الصادر في 5 سبتمبر 1878.
خصص هذا العدد الأخير صفحته لوثائق تشكيل الوزارة الأولى، وهى وثائق تضيف الكثير لقصة ميلاد الوزارة الأولى....
أول ما تضيفه "الترجمة الأهرامية" لجملة تلك الوثائق، فالمعلوم أن "نطق الخديو" لنوبار بتكليفه بتشكيل الوزارة كذا رد الأخير عليه قد جاء بالفرنسية وأن الباحثين قد أخذوا بترجمة الأمرين كما نشرتهما الجريدة الرسمية "الوقائع المصرية"، وهو مالم ينتظره الأهرام الذى قدم ترجمته الخاصة وكانت مختلفة..
جانب من هذا الاختلاف تبدى في انعكاس مفهوم الأهرام لقيان المؤسسة الجديدة، فمجموعة تلك الوثائق تشير إلى التسمية التي جاءت في أصل خطاب الخديو إسماعيل بالفرنسية، وكانت Conseil des ministres فبينما ترجمتها الوائق "مجلس النظار"، فقد ترجمها الأهرام "مجلس الوزراء، والفرق كبير!
ترجمة الوقائع جاءت توخياً للوضع القانوني لمصر، وهو الوضع الذى يقوم على تبعيتها للدولة العثمانية، وهو أيضاً الوضع الذى لم يسمح بوجود مجلسين للوزراء، أحدهما في استنبول والثانى في القاهر، ومن ثم لم يكن هناك مناصاً من أخذ مجلس القاهرة التسمية مختلفة، وهى التسمية التي لم يتم التخلي عنها إلا بعد سقوط التبعية القانونية للباب العالى عام 1914.
ترجمة الأهرام لم تلتزم بالشكل القانوني بل تعامل مع الوضع الفعلى، وهو الوضع الذى كان يقوم على حكومة مستقلة أو شبه مستقلة في القاهرة عن حكومة استنبول، وهو موقف للصحيفة الوليدة بلا شك!
العبارة الأخرى التي اختلف الأهرام مع الوقائع في ترجمتها كانت: Et un mot، je veux dorenavant gouverner avec et per mon conseil des Ministres ترجمتها الوقائع "بمعنى أننى أروم القيام بالأمر من الآن فصاعداً باستعانة مجلس النظار والمشاركة فيه"، بينما ترجمها الأهرام بقوله "والخلاصة أنى أريد أن تكون حكومتى منذ اليوم مقيدة أو شوروية"، ومع ما يبدوا من أن محور جريدتنا قد ترجم بتصرف إلا أن تلك الترجمة تشى برؤية الصحيفة للمؤسسة الوليدة، رؤية تقوم على التأكيد على الاتجاه الشورى وهى رؤية كانت قد حكمت مواقفها من الحياة النيابية.
من بين ما تضيف أيضاً جملة الوثائق الخاصة بتأليف الوزارة الأولى التي نشرها الأهرام في عدده رقم 111 وثيقة لم تتضمنها الوثائق الأخرى تلكم هي الرسالة التي بعث بها نوبار إلى "حضرة قناصل الدول" في العاصمة المصرية، وكان مما جاء فيها: "أما الإدارة فستوكد لها بالضرورة مبادئ الاقتصاد الحسن.. والمؤكد أن حكومتهم تنظر بعين الرضا إلى دخول حضرة السامية (يقصد الخدي) في هذه الطريقة الجديدة وان ميلها وتساهلها يساعدان عمل سموه الذى فرق إلى رفقائى ولى اتمامه".
وتؤكد هذه الرسالة التي انفرد بها الأهرام بنشرها عن حقيقة الميلاد الأوروبى للوزارة المصرية الأولى.
أخيراً فإن الأهرام قد أشار إلى واقعة لم تشر إليها المراجع الأخرى بالنسبة لتشكيل الوزارة الأولى، فلم تذكر أي من المصادر أن شريف باشا الشخصية المصرية السياسية الكبيرة كان قريباً في أي وقت من تشكيل الوزارة، ولكن الأهرام تقول أنه قد جرت اتصالات مع "صاحب الدولة والاقبال مولاى شريف باشا الأفخم" لشغل إحدى الوزارات، وتعرب عن أملها أن تسفر هذه الاتصالات عن إقتناعه بذلك "فلا تفوتها فوائده وسامى هممه وحرية أفكاره وحسن درايته ودرابته"، بيد أن هذا الأمل الأهرامى لم يتحقق أبداً!
***
انصبت عناية الدراسات التاريخية التي تناولت الحياة القصيرة للوزارة الأولى - أقل من ستة شهور - متابعة الصراعات التي ظلت محتدمة بين الوزارة والخديو الذى كان رافضاً في أعماقه وفى تصرفاته أن تفرض عليه الدول نوبار والوزراء الأجانب على هذا النحو، الامر الذى دعا ممثل إنجلترا في القاهرة إلى التدخل لتحذير إسماعيل من مغبة تصرفاته مع وزرائه.
هذه الصورة لم يقدمها الأهرام سواء لمخاطر الاقتراب من مثل هذا الصراع على جريدة محلية وليدة. أو لأن تفاصيله الدقيقة لم تعرف إلا بعد سنوات طويلة وكشف الوثائق التي حوت أسراره.
بالمقابل الصورة التي قدمها لم تعن بها الوثائق ولم تعن بها أيضاً الكتابات العلمية، وهى صورة متعددة الزوايا..
زاوية من هذه الصورة متعلقة بمكان ونظام انعقاد "هيئة مجلس النظار"، أما المكان فقد كان في "دائرة الحقانية" لأن مقر رئاسة مجلس الوزراء لم يكن قد أنشئ حتى ذلك الوقت. والنظام أن المجلس "ينعقد مرتين في الأسبوع"، كما أشار الأهرام في عدده الصادر في 8 أكتوبر عام 1878.
يتصل بالنظام أيضاً علاقة الخديو بالوزارة الذى قال فيه الأهرام أنه "لم يكن يحضر اجتماع الوزراء ولا يعترضهم بل كان يكتفى بالتوقيع والتصديق"! وفيما نراه فإن هذا الموقف الذى التزم به إسماعيل لم يأت طواعية وإنما جاء تحت ضغوط قناصل عموم الدول خاصة القنصلين الانجليزى والفرنسى، وإن كان الأهرام قد اعتبره شكلاً من أشكال "نزاهة النفس عن العمل"!
زاوية أخرى متصلة بذلك التقليد الذى أرسى مع كل متغير كبير في السياسة المصرية.. تقليد إطلاق سراح عدد من المسجونين، فيسوق الأهرام خبراً يقول فيه أنه "بعد تشكيل الوزارة أطلق سبيل مائة من السجن وسبيل خمسة من الليمان" وان كانت الصحيفة الوليدة تقدم لهذا التقليد تفسيراً مختلفاً..
فبينما يقوم هذا التفسير في مراحله الأخيرة على أساس "العفو لمناسبة كريمة" فان تفسيره في تلك المناسبة الأولى قام على أساس أنه قد "ثبت أن سجنهم كان مبنياً على غير قوانين شرعية"!
الزاوية الأخيرة تتمثل في تلك العناية الكبيرة التي أولاها الأهرام لمن أسماهم "بالمتوظفين الوطنيين" وهى عناية كان مصدرها ما أخذ يكابده هؤلاء من حملات توفير بسبب الأزمة المالية التي كانت الحكومة قد أخذت تعانى منها. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى ما نتج عن السياسات التي توسع فيها إسماعيل بتوظيف الأجانب في شتى الإدارات الأميرية!
ففي مقال طويل نشره الأهرام في 4 أكتوبر عام 1878تحت عنوان: "الوزارة المصرية والمتوظفون الوطنيون" قال في جانب منه "أفضل ما يجب على الوزارة أن تراعيه النظر في حال المستخدمين الوطنيين أبناء اللغة العربية الشريفة بأن تعتبر أنهم أحق من سواهم في الحصول على الوظائف أو بقائهم مالكين زمام وظائفهم" ثم يحذر الأهرام مما أسماه "بالاعتياض عن الوطنى بالأجنبى" وكيف أن ذلك يؤدى إلى وقوع الخسارة من أوجه ثلاثة: "الأجنبي يحتاج إلى مترجم للقيام بواجباته.. الأجنبي يجهل اصطلاح البلاد وعوائد الأهلين وليس كذلك الوطنى وصاحب البيت أدرى بالذى فيه، ثالثها أن الفوائد التي ينالها الأجنبي في هذا الاعتياض إن هي إلا حقيقة ما ينبغي أن يكون للوطنى"!
وفى تقديرنا أن هذا المقال يشى بموقف مبكر من الأهرام بالانحياز لمبدأ "مصر للمصريين"، وهو المبدأ الذى رفعته الثورة العرابية والتي تفجرت بعد سنوات قليلة من قيام الوزارة الأولى بل وأدت نذرها إلى الإطاحة بها.
***
غل يد إسماعيل عن التدخل في شئون الحكم، وسياسات التوفير التي اتبعتها وزارة نوبار حيال العاملين في الحكومة المصرية خاصة من ضباط الجيش وتدخل الوزيرين الأجنبيين في شتى شئون الحكم الأمر الذى بدا معه وكأن السلطة قد انتقلت تماماً إلى أيديهما.. كل هذ كان وراء العمر القصير الذى عاشته الوزارة المصرية الأولى..
وإذا كان الأهرام قد تجنب الخوض في القضية الأولى.. قضية موقف الخديو من الحد من سلطاته بحكم ما كان يحوطها من محاذير ، فإنه قد اقترب من القضية الثانية بحذر، إلا أنه عالج القضية الثالثة بتوسع وهى القضية التي نبدأ بمحاولة تبين موقف الأهرام منها..
طرح الأهرام قضية تدخل الوزيرين الأوربيين في عدده الصادر في 27 فبراير عام 1879 وجاء هذا الطرح على شكل تساؤلات.. تساؤل منها جاء فيه "أمن الواجب أن يعتبر الوزيران الأوربيان أنهما كمستخدمين مصريين أم كنائبين عن أوربا!؟" وأردت التساؤل الثانى: "وهل يجب أن يشتغلا قبل كل شيء لصالح الدائنيين أو لصالح البلاد وإصلاحها!؟" ومجرد طرح هذه الأسئلة انما يشير إلى حسن النوايا التي تناول بها الأهرام قضية الوزيرين الأوربيين، والتعلق بحسن نوايا الدائنين وهم نظن أن البلاد المدينة استمرت تعيش في أحضانه، ربما حتى يومنا هذا!
ويبقى بعد ذلك قضية توفير العاملين المصريين في السلك المدنى أو العسكرى، والتي أدت أخيراً إلى الحادثة المشهورة "بمظاهرة الضباط" التي قام بها 2600 ضابط يصحبهم أربعة من أعضاء مجلس النواب في 18 فبراير عام 1879 والتي احتجزوا خلالها نوبار وويلسون في وزارة المالية في قصر النيل ولم يمكن فض هذه المظاهرة إلا بعد حضور الخديو شخصياً، وقد وقف الأهرم من تلك المظاهرة موقفاً شديد التحفظ!
ففي عدد الأهرام الصادر بعد يومين من المظاهرة أشارت الجريدة إلى ما تسبب عن "إباءة (إحالة) الجند للتقاعد" من حوادث وأن السبب في ذلك اقتناع هؤلاء "أن ما سيعين لهم لا يقوم بلوازمهم"، وأن أهالى المحروسة "توقعوا حدوث أمر جلل، ولكن إلتفات سمو الخديو المعظم وهمة سعادتلو ناظر الجهادية وحكمة أولئك الجنود أزالت الوجل"!
ومع أن مراسل الأهرام في المحروسة قد وعد أن يوافى جريدته بما يستجد من تطورات في هذا "الأمر الجلل" فإن عدد الأهرام التالى الصادر في 20 مارس لم يشر من بعيد أو قريب للمظاهرة الشهيرة.
قد يعزى ذلك في أحد جوانبه للحساسية الشديدة التي أحاطت بالحدث خاصة ما علم من أن إسماعيل نفسه متورط فيها، وقد يعزى ذلك في جانب آخر إلى أن الحادثة قد سببت قلقاً شديداً في الدوائر المالية رصده الأهرام وحرص على عدم تضخيمه، وقد يعزى في جانب أخير إلى أن وزارة نوبار قد اضطرت للاستقالة بعد خمسة أيام فحسب من المظاهرة، وكان من الطبيعى أن ينصرف الأهرام إلى "استعفاء" الوزارة الأولى أكثر مما ينصرف إل المظاهرة التي أدت إلى هذ الاستعفاء ثم إلى المشاورات التي أدت إلى تشكيل الوزارة الثانية والتي استغرقت أكثر من أسبوعين كانت الصحيفة خلالها في قلب الأحداث التي تغير مسارها!
---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد
تاريخ العدد
111
5/9/1878
113
20/9/1878
114
26/9/1878
115
4/10/1878
117
18/10/1878
122
22/11/1878
135
20/2/1879
136
27/2/1879
137
6/3/1879
138
13/3/1879
140
27/3/1879
158
14/8/1879
159
21/8/1879
160
28/8/1879
167
16/10/1879
170
16/11/1879

- أحمد عبد الرحيم مصطفى - مصر والمسألة المصرية 1876 - 1882 - القاهرة 1965م.
- د. يونان لبيب رزق - تاريخ الوزارات المصرية 1878 - 1952 - القاهرة 1975م.

صورة من المقال: