ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

011 مستغربات ومستظرفات!

مستغربات ومستظرفات!
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 23 سبتمبر 1993م - 6 ربيع آخر 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

الشيخ عبد الرحمن الجبرتى المؤرخ المصرى الشهير الذى عاصر قدوم الحملة الفرنسية (1798) وسجل أحداثها عندما كتب عن بعض التقدم العلمى التي شاهدها لدى علماء "الفرنسيس" قال: "ولهم فيها أمور وأحوال لا تسعها عقول أمثالنا"!
وكانت المناسبة ما عاينه في معمل الكيمياء الذى أنشأه الفرنسيون من عملية توليد الكهرباء التي إذا لامسها شخص "ارتج بدنه، وارتعد جسمه وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجه سريعة ومن لمس هذا اللامس أو شيئاً من ثيابه أو شيئاً متصلاً به حصل له ذلك ولو كانوا ألفاً أو أكثر"!
بعد ذلك بنحو أربعين عاماً وعندما كتب شيخ مصري آخر، هو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوى عن مشاهداته في فرنسا في كتابه المشهور "تخليص الابريز في تلخيص باريز" (1834)، وعرج في المشاهدات إل ما رآه من "تقدم أهل باريس في العلوم والفنون والصنائع"، فقد لفت نظره فيها المتاحف والتي أسماها "خزائن المستغربات"(!)، كما لفت نظره بنفس القدر ما أسماه "أكدمة - يقصد أكاديمية - مستظرفات الفنون". هذا فضلاً عن "أكدمة العلوم السلطانية" وغيرها من المؤسسات العلمية الحديثة التي لم تكن مصر قد عرفتها بعد.
وإذا كانت قد مرت أربعون سنة بين ما ارتآه الجبرتى ضيقاً في العقول عن أن تسع درجة التقدم العلمى الأوربي وبين ما وصفه رفاعه "بالمستغربات المستظرفات"، فقد كان مطلوباً أن تمر أربعون سنة أخرى، أو ما يزيد قليلاً، ليتقبل العقل المصرى والعربى ثمار هذا التقدم ويسعى إلى تقليديها، وهو ما عبرت عنه الصحف المصرية الصادرة خلال النصف الثانى من سبعينات نفس القرن.. القرن التاسع عشر، في طليعتها الأهرام (1876).
ويمكن أن يعزى هذا الاهتمام المبكر من جانب القائمين على الأهرام بأشكال التقدم العلمى في أوروبا أو ما كانوا يسمونه عادة بالمستحدثات والمبتكرات لأسباب عدة..
أولها: العناية البالغة من جانب هؤلاء بكل ما يجرى في أوروبا حتى أن كثيرين نظروا للدور الثقافي للشوام في مصر باعتباره جسراً أساسياً من جسور التواصل مع الحضارة الغربية، ولا شك أنه قد أعانهم على ذلك اتقان اللغات بشكل سمح لهم بشد دعائم هذا الجسر.
لا يعنى ذلك بالطبع أنه لم يكن بين المصريين وقت صدور الأهرام من لا يجيد تلك اللغات، خاصة الفرنسية لغة أصحاب الأهرام، فمدرسة الألسن كانت قد أنشئت عام 1835، بيد أن خريجيها انصرفوا أكثر إلى الأعمال الحكومية منهم إلى العمل بالصحافة الأهلية الوليدة وقتذاك.
ثانيها: التكريس المتعمد للجانب الأكبر من جهد الاهرام في متابعة ما يجرى في العالم الخارجي توقياً للمحاذير التي يقع فيها لو انغمس في قضايا الداخل بكل منعرجاتها، الأمر الذى كاد يورده موارد التهلكة عندما جربه مرة أو مرتين في عصر إسماعيل خلال سنيه الأولى مما سيكون موضوع احدى الحلقات.
وكان من الطبيعى أن يطول اهتمام الأهرام من بين ما طاله مما يجرى في أوروبا أو "بلاد برا".. أن يطول جانباً من أشكال التقدم العلمى، خاصة هذا الجانب الذى يمتع القارئ ويثير دهشته أو على الأقل استغرابه!
أخيراً: الطفرة التي حدثت خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر الذى يقابل الربع الأول من قرون حياة الأهرام في التكنولوجيا، وكان على الصحيفة الوليدة أن تعيش في خضم تلك الطفرة..
فيتفق المؤرخون على أنه إذا كان القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر عصر الاكتشافات العلمية الكبيرة فإن النصف الثانى من هذا القرن الأخير وأوائل القرن العشرين كانا بمثابة عصر استخدام تلك العلوم في شتى المناحى الحياتية أو ما أسمى بثورة التكنولوجيا.
فتلك الفترة هي التي عرفت ما أسماه البعض "غزو المسافات" The conquest of distance، ومن خلال أدوات مختلفة.. استخدام قوة البخار في المواصلات البرية والبحرية، والتلغراف، اللاسلكى، التليفون.
قوة البخار التي بدأ استخدامها في القطارات لم يلبث خلال ذلك العصر أن انتقل استخدامها للسفن وأصبح عبور المحيط الأطلنطى لا يستغرق ما يزيد على اثنى عشر يوماً بدلاً من شهور، ولم يأت آخر هذا القرن إلا وكان العثور على سفن شراعية تجوب المحيطات من الأمور النادرة.
التلغراف كان حقيقة قائمة وقت صدور الأهرام والذى كان قد بدأ استخدامه منذ عام 1835 بعد أن وضع مورس شفرته المعروفة، وكان قد تم خلال الأربعين عاماً التالية مد الخطوط البرية والبحرية العديدة.
يلى التلغراف التليفون والذى اخترعه جراهام بل في نفس عام صدور الأهرام (1876)، حتى أنه يمكن التأريخ للجريدة العتيدة ببداية عصر التليفون، أو المسرة، وهى تسمية لم تكن قد عرفت بعد وقتئذ.
ولم يمض سوى أكثر قليلاً من عشرين عاماً حتى كان الكونت ماركونى الايطالى قد نجح في أن يبعث برسائل لاسلكية لمسافات تزيد على مائة ميل (1899)، تزايدت بعد ذلك بعامين لتصل إلى ألفى ميل.
وكانت تلك المنجزات بعيدة عن استخدام القوى المحركة التقليدية التي طالما استخدمها الانسان في العصور السابقة، الماء والرياح والقوة العضلية للحيوان والانسان والتي أخذ يحل محلها قوى غير تقليدية فى البخار والكهرباء والنفط فيما جرى في نفس الفترة.
فعلى الرغم من أن اليونايين القدماء قد عرفوا الكهرباء فإن توليد التيار الكهربائى لم يعرف إلا عام 1799، أي العام قبل الأخير من القرن الثامن عشر، غير أن استخدام هذا التيار في الاتصالات أو إدارة الآلات أو الإضاءة لم يحدث على نطاق واسع إلا خلال النصف الثانى من القرن التاسع عشر.. عصر ميلاد الأهرام.
أما استخدام النفط في آلات الاحتراق الداخلى فقد عرف خلال العقد والنصف التالى من صدور الأهرام.. الخفيف منه الذى بدأ استخدامه من خلال اختراع ديملر (1885) أما الثقيل فقد بدئ في استخدامه بعد سبع سنوات من خلال اختراع ديزل (1892)، والرجلان ألمانيان.
ويتفق المؤرخون على أن جملة تلك الإنجازات التكنولوجية هي التي صنعت ذلك التغيير الجوهرى في الصراعات الدولية، من حروب أوروبية كان آخرها الحرب البروسية - الفرنسية (1870 - 1871) إلى أول حرب عالمية أو كونية The Global War بتسمية العصر (1914)، وهى تحول لم يكن ليحدث دون النجاح الذى سبقه في غزو المسافات.
ولم يكن بالإمكان أن يبقى الأهرام بعيداً عن تلك "المخترعات ومخترعوها"، هو العنوان الذى كان يفضل استخدامه في ملاحقة تلك المنجزات..
***
تابعت الجريدة الوليدة تلك المبتكرات بالإعلان أحياناً وبالخبر أحياناً أخرى وبالتعليق أحياناً ثالثة وبالمقال أحياناً أخيرة.
في (الإعلانات) وتحت عنوان "اختراع لطيف ظريف" يبشر الأهرام في 9 ديسمبر عام 1876 قراءه بأنه "لا لزوم بعد ذلك لاستعمال كبايات الزيت في أوض (حجرات) النوم مع وجود أنواع الشمع العسلى تتقد في الماء.."!
تحت عنوان "الاختراع" يعلن أحد أبناء المنصورة في الأهرام الصادر في 13 ابريل عام 1877 عن أنه "بعد البحث والدرس المستديم قد اخترعت بعونه تعالى عوضاً عن السكينة الخشبية (النشابة) آلة جديدة تجعل القطن المحلوج يسرى من الشوبك إلى أسفل الدولاب بدون أن يتجمع منه شيء ما فوق الشوبك ولا أن يتسخ أو يتغير لونه" ويدعو أصحاب المحالج إلى الاستفادة من اختراعه، وتشجيعه على المضي قدماً في الميدان.
(الخبر) احتل حيزاً أكبر، وقد شغلت الأخبار عن "التليفون" وليد عام الأهرام جانباً معتبراً من هذا الحيز..
ينبه الأهرام بعد صدوره بنحو ثلاثة أعوام إلى هذه "الآلة البسيطة" التي يعتبرها البعض "غير جديرة بالاستعمال" وكيف أنه قد راج استعمالها على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأمريكية أو بتسميته "الممالك المتحدة بأمريكا" وكيف أن هناك 26000 تليفون "من عمل بيل"، يقصد من اختراع جراهام بل، مستعملة يومياً في تلك البلاد، ولعله من الطريف هنا أن نسوف كلمات الأهرام في عدد الصادر في 24 يوليو عام 1879 عن كيفية هذا الاستعمال، قال:
".. وجميع هذه الآلات مأجورة مستعملة على طريقة التبادل، فكل مدينة كبرى لها مكتب عام يخرج منه خطوط التليفون المربوطة مع مساكن ومكاتب المشتركين.. وإذا أريد التكلم مع أحد ما في حارات البلد على اختلافها يأخذ المكتب الأكبر بقرع ناقوس للتكلم بواسطة التليفون ويربط مستخدم المكتب التواصل رأساً مع الشخص المطلوب للسماع وفى مدينة شيكاغو وحدها يجرى المكتب الأكبر ما ينيف عن 18 ألف استدعاء في اليوم الواحد"!
يعد ذلك بأقل من عامين يبشر الأهرام قراءه أنه قد تم تأسيس شركة في "قطرنا المصرى" باسم "شركة ليمتد تليفون بإدارة مسيو ادوين دى ليون" وأن الشركة المذكورة قد استحضرت الموارد اللازمة لإقامة 250 محطة.
وتشير الجريدة في سياق هذا الخبر إلى أن "سمو الخديو" قد قام بإجراء اتصال بين مكتب الشركة المركزى وسراى رأس التين، وأنه قد سر من ذلك كثيراً وأوصى بتركيب الآلة الجديدة في كل من سراى عابدين وسراى الإسماعيلية.
ولم ينس الأهرام في هذه المناسية أن يشير إلى أن جمعية العلماء في باريز" - يقصد الأكاديمية فرانسيز- قد قررت أن تمنح "حضرة المسيو الكسندر غراهام بل 50 ألف فرنك جزاء اختراعه التليفون"!
وإذا كانت أنظار الأهرام عند ولادته مشدودة إلى أوروبا في مجال الأحداث السياسية، فإنها كانت مشدودة أكثر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ميدان "الاختراعات والمخترعون"، وقد تابعت في هذا الصدد المخترع الأمريكي المشهور توماس اديسون الذى أسس معمل أبحاثه في نيوجرسى عام 1876 (نفس عام صدور الأهرام) والذى خرج منه أكثر من ثلاثة آلاف اختراع.
عن احد هذه الاختراعات يقول الأهرام في 26 فبراير عام 1880 أنه "قد وقف على ما يستطاع به نقل صورة البرق قد رسمت في مكان مظلم حيثما كان".
ولا ترى الجريدة بأساً أن تخرج في هذه المناسبة عن وقارها المعتاد لتروى قصة عن هذا الاختراع.. تقول ".. وحكى أن شاباً من واشنطون أراد امتحان ذلك فأتى بيت التلغراف وأشار إلى خطيبته في نيويورك أن توافيه ليتحادثا بالبرق ففعلت ذلك وكان كل منهما في مكان مظلم، فتباصرا وتبادلا حديث الشوق والغرام"!!
وقد عبر الأهرام عن اعجابه بما كان يحرزه الأمريكيون من اختراع بقوله في أحد أعداده: "ولا ندرى إلى أي ستصل اختراعات واكتشافات الأمريكانيين"!؟
اهتمت الجريدة اهتماماً ملحوظاً بتطورات استخدام الكهرباء خاصة في الانارة، وقد لفت نظر مدير تحريرها لدى متابعته للاحتفالات التي كانت تقام في قصور الطبقة الارستقراطية أنارتها بالكهرباء، الأمر الذى أشاد به في تغطيته لتلك الاحتفالات.
ويبدو قدر هذا الاهتمام أيضاً من الخبر الذى تضمنه العدد الصادر في 30 مايو عام 1881 والذى جاء فيه أن مهندساً فرنسياً في مصلحة السكك الحديدية "عازم على تجربة التنوير الكهربائى في طنطا أو كفر الزيات أولاً ثم يشرع في إقامة هذا التنوير في عاصمتنا"، ويعلق الأهرام على هذا الخبر بقوله "آمالنا أن ينال هذا العمل نجاح التجربة حتى يقرر استعماله بسهولة في القطر المصرى" بيد أن ما جاء في (مقالات) الأهرام عن "المخترعين واختراعاتهم" أهم كثيراً - في رأينا - مما جاء في الإعلانات أو في الأخبار أو التعليقات..
***
نختار ثلاثة من هذه المقالات، أولها تضمنه العدد الصادر 20 نوفمبر عام 1879 وثانيها في عدد 9 ديسمبر عام 1880 وآخرها في 8 مارس عام 1881.
سبب اختيارنا للمقال الأول والذى جاء تحت عنوان "قوة الشمس" أنه تضمن نبوءة من كاتبه عن الدور الذى يمكن أن تلعبه الطاقة الشمسية في مستقبل البشرية، وهو دور مازال محل التجريب بعد أكثر من 117 سنة، مما يشى بقدرة تنبئية كبيرة تمتع بها الأهرام في المجال العلمى منذ ذلك الوقت المبكر.
جاء في مطلع هذا المقال: "لا يخفى على المتضلعين بالعلوم الطبيعية أن القوى التي تدير الآلات البخارية على اختلاف أنواعها وأشكالها والتي تدير كل الآلات المائية والهوائية أصلها كلها من الشمس وقد ذخرت في الفحم والماء إلى أن استعملها الانسان لتحريك الآلات"، وبعد استعراض لقدرة الطاقة التي يمكن استخراجها من الشمس تساءل كاتب المقال: "ألا يمكن استخدامها لإدارة الآلات بدلاص من النار فتصبح صحارى افريقية وقفار آسيا مدن الآلات ومحط رجال الأعمال؟" ويجيب على ذلك بقوله بأن الباحثين قد شرعوا يبحثون في ذلك وابتكروا آلات بسيطة تديرها حرارة الشمس "وهى وإن تكن صغيرة لا يجنى منها ثمرة عملية ستشب كما يشب الطفل وتغير هيئة الأرض"!
المقال الثانى تحت عنوان "الاختراعات ومخترعوها" عالج فيه الأهرام قضية ارتآها على قدر كبير من الأهمية، وله الحق، تلكم هي قضية تأخر الشرقيين في هذا المجال عن الغربيين، وهو في هذا لم يعزو ذلك التأخر لعيوب في الشرقيين الذين على حد تعبيره "لا تنكر عليهم الدنيا سمو مداركهم" وانما عزاه إلى فقر الوسائط "ولا وصول لغاية دون وساطة" وفقاً لكلماته أيضاً.
ويشخص صاحب المقال مظاهر فقر الوسائط فيقول" "وكم من رجل شرقى له مزية الاختراع ولم يعلم، بل كم من فرد برهن بالعمل الحقير عن الأمر العظيم فاعتبر عمله من قبيل المجون فارتد بالطرف الكليل خاسئاً ولنا على مثل ذلك شواهد عديدة".
واستطرد بعد ذلك في سوق بعض من تلك الشواهد، ونرى أن محرر الأهرام قد حاول من خلال ذلك تغيير المناخ السائد الذى لا يتقبل الجديد بسهولة بل أنه يسخر منه أحيناً، وهو يعالج بذلك قضية ربما استمرت حتى يومنا هذا من اعقد القضايا التي تواجه الانسان المصرى، بل والعربى، تلكم هي قضية أن نبقى مستهلكين لإنجازات التكنولوجيا لا منتجين لها!
المقال الثالث هو أهم هذه المقالات، ليس في رأينا فقط وانما في رأى القائمين على تحرير الأهرام وقتذاك.
يدل على هذا أمران أولهما أن هؤلاء قد خصصوا له الصفحة الأول في حين أن ما يخص "الاختراعات والمخترعين" كان مكانه دائماً الصفحة الثالثة أو الرابعة (كانت الصحيفة تصدر وقتذاك في أربع صفحات)، وثانيهما أنه قد احتل هذه الصفحة بأكملها دونما اعتراض!
المقال على هيئة رسالة بعث بها شفيق بك نجل منصور باشا يكن "أحد أفراد شباننا الشرقيين".
ويفت النظر في هذا المقال بعد استعراض كاتبه لما أسماه الاستكشافات العلمية.. الكهرباء وقوة البخار وعلوم البحار وما نتج عن تطبيقاتها انه يربط بين تلك المنجزات وبين عديد من المتغيرات الاجتماعية، لعل أهمها في رأيه محاربة الدول التي أحرزت تقدماً في تلك الميادين للرق بحكم أن تلك الاختراعات "مكثرة للعمل مقلة للعمال" على حد تعبيره، وهو بذلك قد ربط بين التقدم التكنولوجى لدولة مثل إنجلترا وبين دورها في تلك المحاربة التي طالت مصر بعد عام واحد من صدور الأهرام حين أرغمت إسماعيل على توقيع معاهدة منع تجارة الرق عام 1877.
يلفت النظر ثانياً أن شفيق بك قد تعريفاً كاملاُ "للمنهج التجريبى" في مستهل مقاله، وهذا المنهج وإن كان قد تم وضع اسسه خلال القرن الثامن عشر إلا أن ثماره كانت قد أخذت تؤتى أكلها من خلال الاستكشافات التي استعرضها المقال، وهو في ذلك أشار إلى دور الفلك والرياضيات في بناء هذا المنهج.
يلفت النظر أخيراً حرص الرجل على ابراز الدور العربى في تلك العلوم، فقد قال فيما يتصل بالرياضيات: "يمك الجزم بأن العرب هم الذين وضعوا وضعاً علمياً كما وضعوا حساب المثلثات، وهم الذين سموا الجبر بهذا الاسم، وهو الاسم المستعمل الآن في كل اللغات، ثم أن بعض التجار الطليانيين نقلوا كتباً منه في القرن الثالث عشر من الميلاد ولكن مكث الأورباوين ثلاثة قرون بدون اشتغال بهذا العلم".
ومن خلال هذه المنطلقات الاجتماعية والمنهجية والقومية فإن الأهرام كان محقاً في أن يفرد كل ذلك الحيز لمقال شفيق بك وهو الأمر الذى يشى أيضاً بتوجهات الصحيفة العتيدة حيال هذه القضية.
ولعل مجمل تلك التوجهات تشير إلى المرحلة الجديدة من مراحل التعامل مع التكنولوجيا، فقد كشف الأهرام عن أن المصريين كانوا قد عبروا وقتذاك مرحلة العجز فيما عبر عنه الشيخ الجبرتى بقولته أن مثل تلك الأمور "لا تسعها عقول أمثالنا" وعبروا مرحلة الانبهار فيما ارتآه الشيخ رفاعة "المستغربات والمستظرفات" أي الوقوف عند محطة رؤية مثل هذه الأشياء بعين الاستغراب أو الاستظراف، ووصلوا إلى مرحلة الفهم والأهم من ذلك المشاركة والرغبة فيها.
ونعتقد أن هذه الرؤية الأهرامية بقدر ما كانت صائبة فقد كانت مستقبلية بمقاييس العصر، وربما حتى بمقاييس عصرنا هذا!
---
مراجع
أعداد الأهرام
العدد
التاريخ
19
9/12/1876
37
12/4/1877
155
24/7/1879
172
20/11/1879
186
26/2/1880
227
9/12/1880
1052
8/3/1881
1109
20/5/1881

- عبد الرحمن الجبرتى، عجائب الآثار في التراجم والأخبار ج3 - بولاق 1301هـ
- رفاعة الطهطاوى - تخليص الابريز في تلخيص باريز - القاهرة 1834م.
- Swain، Edgar James - A History of World Civilization - Newyork 1947.

صورة من المقال: