ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

008 مصر وحرب الفيل والحوت

مصر وحرب الفيل والحوت
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 2 سبتمبر 1993م - 15 ربيع أول 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

بالحروب يموت البشر وتحيا الصحف(!)، هذه المقولة ثبتت صحتها خلال الحرب الروسية - التركية 1877 - 1878، ليس بالنسبة للأهرام، حديث الصدور وقتئذ، فحسب، بل بالنسبة لأغلب الصحف الأهلية التي صدرت في مصر خلال هذين العامين، مثل الوطن ومصر ومصر الفتاة والتجارة، حتى أن مؤرخى الصحافة يرون في تلك الحرب نقطة تحول في تاريخ الصحافة الأهلية في مصر التي تخلت عن "الاتجاه التقليدي في الاقتصار على تافه الأخبار" (!) على حد تعبير أحدهم.

بالنسبة للأهرام فقد ولد مع مقدمات تلك الحرب وعايش أحداثها وعاش في خضمها ولم يكن ليستطيع أن يتجاهلها رغم أنها من شئون "البولوتيقا" التي تعهد صاحبها أن يتجنبها في طلبه لإصدار الجريدة!

المقدمات بدأت عام 1875 من شبه جزيرة البلقان التي اكتسبت منذئذ سمعة سيئة في صناعة المتاعب الأوروبية حتى أنه أطلق عليها فيما بعد "برميل البارود الأوروبى" كما أن التوصيف "بالبلقنة" أصبح حالة تعبر عن المنازعات العرقية والدينية في أية بقعة من العالم.

ولسنا من أنصار المقولة الخاطئة بأن "التاريخ يعيد نفسه" بيد أن البداية كانت من "البوسنة والهرسك" بلاد "رجال الجبال الأشداء" على حد تعبير الأهرام، الأمر الذى يتطلب وقفة.

فبين القرنين الرابع عشر والسابع عشر، وفى ظل الحكم العثمانى الذى كان قد عم شبه الجزيرة، انتشر الإسلام بين الارستقراطية الحاكمة في البوسنة والهرسك فضلاً عن مجموعات من فلاحيها، وكان لدى الأوائل حساسية شديدة حيال أي تدخل خارجى حتى من حكومة الأستانة، مما تبدى في مجموعة انتفاضات قادها ملاك الأراضى خلال عشرينات وثلاثينات القرن التاسع عشر، الأمر الذى دفع البابى العالى إلى إرسال جيش لإعادة سلطة الدولة على تلك البلاد عام 1850، في عملية كانت أشبه بإعادة الفتح.

رغم ذلك لم تتوقف ثورات أبناء البوسنة والهرسك خلال الستينات والسبعينات من نفس القرن، وان كان قد قام بها تلك المرة الفلاحون، كان آخرها ثورة 1875 والتي قادت في النهاية إلى حرب روسية - عثمانية جديدة، ولم يكن قد انقضى على الحرب السابقة بين الجانبين والمعروفة بحرب القرم أكثر من عشرين عاماً.

وعملية تحول ثورة البوسنة والهرسك إلى حرب عثمانية - صربية، ثم تحول تلك الأخيرة إلى حرب عثمانية - روسية عاشها "الأهرام" وسجلها وكان تسجيلاً مثيراً(!)

كان تسجيلاً مثيراً بحكم الموقع الذى اختار منه الأهرام أن يتابع الحرب، وكان موقعاً مصرياً، حتى أنه قدم صورة كاملة للموقف المصرى من الحرب يندر أن نجدها في سواه.

وكان تسجيلاً مثيراً من خلال الرؤية المعاصرة التي قدمها "الأهرام" وهى رؤية تضيف حتى للمتخصصين في وقتنا الحالي أبعاداً لا تخطر على بالهم دون قراءة الأهرام.. أهرام ما قبل 118 سنة!

***

دون الدخول في تفاصيل تاريخية معقدة فإن ما عرف "بالمسألة الشرقية" قد اكتسب بعداً خاصاً منذ النصف الثانى من القرن الثامن عشر حين بدأت روسيا، أو دولة "الموسكوب" بتعبيرات العصر، تخطط للسيطرة على مضيفى البوسفور والدردنيل، الأمر الذى يتيح لها الخروج من معتقل البحر الأسود إلى البحار الدفيئة المفتوحة، ولم يكن هذا ليتم دون الاستيلاء على القسطنطينية (الأستانة) حاضرة الدولة العثمانية.

في سبيل ذلك اشتبك الطرفان في حروب عديدة لم تكن مصر بعيدة عن أي منها..

في حرب 1768 - 1774 والتي تزامنت مع حركة على بك الكبير الانفصالية في مصر جرت اتصالات بين الأمير المملوكى الطامح للاستقلال بمصر وبين الكونت أورلوف قائد الأسطول الروسى في البحر المتوسط للحصول على المعونة الروسية لمشروعه الاستقلالى، وقد حصل عليها!

خلال الحروب المصرية - العثمانية المعروفة بحروب الشام التي جرت إبان ثلاثينات القرن التاسع عشر وبعد أن زحفت جيوش القاهرة حتى شارفت المضايق لم تجد روسيا مناصاً من التدخل من خلال معاهدة "هنكار اسكله سى" التي عقدتها مع الدولة العثمانية (1833) وتعهدت فيها بحماية المضايق من المصريين! وكانت نقطة تحول في مشروع محمد على بالاتجاه نحو الشرق.

وفى الحرب المعروفة بحرب القرم (1853 - 1856) أرسلت مصر قواتها لمساندة قوات الدولة، وكانت آخر الحربو قبل حرب الفيل والحوت!

بيد أنه خلال العقدين الممتدين بين نهاية حرب القرم (1856) وقيام الحرب الروسية - التركية (1877)، والتي نتابعها في هذا المقال، كانت مصر قد عرفت متغيرات كثيرة جعلت موقفها من تلك الحرب متعدد الجوانب..

متغير أول ناتج عن سياسات الخديو إسماعيل الذى تعامل مع متاعب الدولة العثمانية بشكل مختلف عن سلفه سعيد باشا..

فبينما أرسل عباس القوات المصرية لمعاونة جيوش الدولة في حرب القرم انطلاقاً من السعر لمنع حكومة استنبول من التعدى على الوضع الخاص لمصر الذى كفلته تسوية 1840 - 1841 إذا ما قصر في التزاماته حيالها فإن إسماعيل أرسل قواته سعياً وراء مزيد من أسباب الاستقلال عن الدولة، وهى لعبة استمر هذا الحاكم يمارسها بامتداد عهده، وحصل من ورائها على مزايا عدة لمصر لم يسبقه إليها سوى جده محمد على باشا.

متغير ثانى اتصل بالأزمة المالية الخانقة التي كانت تعانى منها مصر وقت قيام الحرب. ولم يكن إسماعيل قادراً هذه المرة على تدبير الأموال اللازمة للحرب بمفرده، كما كان الحال بالنسبة للحروب السابقة، وكان عليه أن يحصل على موافقة مجلس النواب المصرى، الأمر الذى جعله طرفاً فيها!

المتغير الثالث صنعه تنامى التدخل الدول في مصر مع تفاقم الأزمة المالية خلال النصف الثانى من السبعينات وهو تدخل أضفى على الموقف المصرى من الحرب بعداً كان قائماً خلال حرب القرم، ولكنه لم يكن بهذه الحدة.

آخر المتغيرات كان قد صنعه قبل قيام الحرب بثمانى سنوات فحسب.. افتتاح الممر المائى الدولى قناة السويس والذى كان يعرف وقتذاك "ببوغاز السويس" عام 1869، وكان مطلوباً في هذه الظروف تكييف الوضع الدولى للممر الشهير، الأمر الذى كان موضعاً للبحث وأفرد له "الأهرام" عديداً من أعمدته.

***

بدت طبيعة المتغير (الأول) من محدودية حجم المساهمة العسكرية التي قدمتها مصر بالقياس للحروب السابقة، فبينما وصل عدد القوات المصرية التي أرسلها إسماعيل للمعاونة في إخماد ثورة جزيرة كريت عام 1866 إلى 23529 رجلاً، فإن عدد أولئك الذين أرسلهم في الحرب الأخيرة لم يصل إلى نصف من أرسلهم إلى كريت (11530) رغم أهميتها في تقرير مصير الدولة. ولا تفسير لذلك سوى أن حاكم مصر كان يساوم في الحرب الأولى على مزيد من الصلاحيات له وأسباب الاستقلال لمصر، بينما لم يكن لدى الدولة العلية ما يساوم عليه في الحرب الثانية!

علل إسماعيل أسباب التقاعس هذه المرة بقوله: "ينبغي الإجابة لما اقتضته الأحوال في أداء ما يجب علينا من حق الحضرة الشاهانية مع مراعاة تعهداتنا المالية".

المتغير (الثانى) ظهر في دعوة "مجلس شورى النواب" لجلسة فوق العادة حيث تليت عليه "مقالة مشمولة بختم الحضرة الخديوية" نشرها الأهرام في 11 مايو عام 1877..

جاء في هذه "المقالة" - الخطبة - بعد مقدمة عن ظروف نشوب الحرب بين "الدولة العلية" ودولة "الروسية" بأنه على مصر "أن ترسل عساكر أيضاً كما أرسلت فيما سبق وأن تقدر كميتها" غير أن هذه الكمية من العساكر، على حد تعبير خطبة الخديو، لا يمكن تقديرها "بدون الوقوف أولاً على معرفة كمية المبلغ الذى يمكن للإقليم أن يخصصه لهذا الأمر لأنه كما هو معلوم عندكم أن ميزانية المالية لا تسمح لنا بإيفاء هذا الغرض".

تستطرد "المقالة" بعد ذلك في موقع آخر قائلة إن المطلوب هو: "التحرى في وجود طريقة في تدارك مبلغ مخصوص لهذا الأمر المهم حيث أنه بتعيين ذلك المبلغ يمكن لناظر الجهادية (الحربية) معرفة مقدار حقيقة العساكر التي يرسلها إلى ذلك الطرف - طرف الحرب - فهذا الغرض من عقد المجلس في هذه المرة"!

واجتمع مجلس شورى النواب بالفعل وقرر فرض ضريبة إضافية سميت "ضريبة الحرب" قدرها عشرة في المائة من مجموع ضرائب البلاد للإنفاق على الحملة، الأمر الذى شكل أول سابقة في تاريخ البرلمان المصرى.. سابقة موافقة هذا البرلمان على اشتراك مصر في الحرب!

وتشير المصادر إلى أن الضريبة المذكورة كانت فوق طاقة المصريين حتى أنها قد سببت "تذمرات ثورية" خاصة في الصعيد.

المتغير (الثالث) انعكس على موقف مصر في الحرب، وعما إذا كان ارسالها لبعض قواتها إلى ميدان القتال يجعلها طرفاً أصيلاً في الحرب مما يعرضها للمخاطر.

وقد عنيت إنجلترا وفرنسا على وجه الخصوص، باعتبارهما صاحبى النصيب الأوفى من المصالح في مصر، بتأمينها من تلك المخاطر، الأمر الذى بدا في موقفين سجلهما الأهرام..

الأول حين دعيا ممثلي الدول الكبرى في القاهرى، وتوصلوا إلى قرار بأن أية مساعدة يقدمها الخديوى للسلطان ينبغي أن تكون في إطار الالتزامات التي تحكم العلاقة بين الخديوى والباب العالى "ليس إلا"!

والثانى في الرساليتن اللتين تبادلتهما لندن مع الحكومة الروسية بشأن وضع مصر وقد نشرهما الأهرام في 6 يوليو عام 1877..

نبهت الرسالة البريطانية امبراطيو روسيا للمصالح التجارية والمالية لأوروبا في مصر "وبناء على ما ذكر يعتبر كل عمل ضد هذه البلاد غير موافق وجميع الدول المتحايدة تشمئز منه إذن تجب مراعاة مصر" بمعنى التعدى عليها!

وجاء الرد الروسى على رسالة وزير الخارجية البريطاني اللورد دربى، ولم ينف الروس في ردهم أن مصر في حالة حرب مع بلادهم "لأنها قسم من المملكة العثمانية وجيوشها في ميدان الحرب" لكنها رغم ذلك "لا تريد أن تدخلها في أعمالها الحربية بالنظر إلى صالح أوروبا فيما لاسيما صالح إنكلترا".

(آخر) المتغيرات خاص ببوغاز (قناة) السويس التي كان مطلوباً عدم دخولها في "ميدان المعامع" على حد تعبير الاهرام.

ومنذ البداية رفضت حكومة استنبول فكرة حياد القناة على اعتبار أن ذلك سوف يمكن من منع الروس من تحريك سفنهم عبرها، ويشير الأهرام في الأيام الأولى من الحرب الى اتجاه النية إلى إغلاق "بوغاز السويس" أما السفن الروسية، ولكن لم يكن هذا موقف الدول الأوروبية خاصة بريطانيا، ونعود مرة أخرى للقراءة في رسالة اللورد دربى إلى الحكومة الروسية التي نشرها الأهرام، جاء فيها قوله:

"بوغاز السويس السبيل الموصل بين الشرق وأوروبا هو المركز الأول الذى ينبغي أن يكون حراً ومفتوحاً للمسير". ويخرج من ذلك بالتحذير من حصاره أو اقتحامه "لأن ذلك يمس بالتجارة ويتهدد الهند" وتنتقل الرسالة البريطانية من التحذير إلى الإنذار بقولها أنها "لا تؤمل أن أحداً من المتحاربين يجرى ذلك لأن اجراءه يدعو إلى الخلل في حيادتها" - حيادها!

وجاء الرد الروسى بالموافقة على التعهد: "ان الحكومة الإمبراطورية لا تريد أن تحصر بوغاز السويس ولا تقطعه ولا تهدده كيف كان الأمر" ويسلم الروس بأن قناة السويس مشروع دولى "يتعلق بصالح تجارة العالم فلا يدخل في ميادين المعامع"!

ونرى أن الاتفاق على حياد قناة السويس خلال تلك الحرب كان مقدمة لعقد اتفاقية القسطنطينية عام 1888 التي قننت هذا الحياد على نحو دولى!

***

يأتي الجانب الثانى من التسجيل المثير من "الأهرام" للحرب الروسية - التركية من خلال الرؤية المعاصرة التي قدمها، بكل ما لها وما عليها..

لقد وقع الأهرام وسائر الصحف المصرية في خطأ ربما نقع فيه نحن العرب حتى يومنا هذا.. خطأ قياس أحداث جارية على أحداث ماضية وتوهم أنها ينبغي أن تتكرر على هذا النحو بغض النظر عن المتغيرات، مما يشكل لدى العقل العربى تجاهلاً لحركة التاريخ أكثر مما يشكل تعلما من دروسه!

تصور الأهرام أن ما حدث خلال حرب القرم من قيان بريطانيا وفرنسا بخوض الحرب ضد روسيا دفاعاً عن الإمبراطورية العثمانية يجب أن يتكرر مرة أخرى في الحرب الجديدة.

وقد امتلأت صفحات الأهرام خلال الأسابيع الأولى من الحرب بتوقعات عن قرب دخول "إنكلترا" للحرب وتتبع لتحركات قطع أسطولها دون أن تتحقق تلك التوقعات أو تتحول تحركات الأسطول إلى انذار يوقف الأعمال الحربية الروسية.

ولم يكن الأهرام ولا غيره من الصحف أو الدوائر السياسية حتى في استنبول قد أدركت بعض المتغيرات التي دخلت على السياسة التقليدية للحكومة حيال المسألة الشرقة بالحفاظ على الإمبراطورية العثمانية والعمل على منع الروس من الخروج إلى البحار المفتوحة.

أدت هذه المتغيرات في جانب منها إلى السعر للاشتراك في إرث أملاك رجل أوروبا المريض بعد أن رأت حكومة لندن أنه ليس ثمة أمل في الشفاء، وبعد ضغوط من الرأي العام البريطاني تتبعها "الأهرام". وكان كل ما يهمها في هذا الشأن تدعيم وجودها في شرق البحر المتوسط.

وأدت في جانب آخر إلى السعر لضبط التوسع الروسى على حساب الدولة العثمانية بشكل لا يؤثر في المصالح البريطانية من جانب آخر، مما استمر يشكل ركناً أساسياً في سياسات بريطانيا القارية طوال تاريخها.

مصالح بريطانيا حددتها رسالة اللورد دربى إلى امبراطور روسيا والتي نشرها الأهرام، ففضلاً عن عدم التعدى على مصر وحياد قناة السويس طالبت حكومة لندن بعدم المساس بوضع الاستانة لأنها غير مستعدة للاغضاء عن عمل يؤدى إلى تغيير الدولة لعاصمة "ذات أهمية عظيمة". وعدم المساس "بالقوانين والحدود المرتبة والمثبتة من أوروبا بشأن البسفور والدردنيل"، ويقصد من ذلك ما تقرر بشأن المضيقين الشهيرين في معاهدة باريس التي أنهت حرب القرم عام 1856، والتي حرمت المرور الحربى عبرهما، أخيراً اهتمت لندن "بخليج العجم" (العربى) الذى كانت تخشى طوال الوقت خروج روسيا إليه، فقد رأت حكومة لندن أنه "من باب الحرية واللزوم أن خليج العجم يجب أن يحترم"!

وفى سبيل شراء حياد إنجلترا وافق وزير الخارجية الروسى، الكونت كورتشاكوف، على سائر المطالب البريطانية، الأمر الذى جعل الأهرام يعيد النظر في موقفه.

ولم تجد صحيفتنا العتيدة مناصاً في النهاية من اعتناق النظرية التي نسبت إلى المستشار الألماني الشهير البرنس بسمارك، في الحرب القائمة، وهى النظرية القائلة بأنها "حرب الفيل والحوت" كناية عن روسيا وبريطانيا.

نشر الاهرام فحوى هذه النظرية في مقالين طويلين، الأول صدر في أبريل عام 1878 تحت عنوان "الحرب بين الفيل والسمكة" والثانى في أكتوبر من نفس العام تحت عنوان "الفيل والحوت"!

تقول هذه النظرية باستحالة اشتراك بريطانيا إلى جانب تركيا في الحرب ضد روسيا، وكان لهذه النظرية مبرراتها التي شرحها "الأهرام" بالتفصيل..

يقوم أول المبررات على أنه ليس في وسع الانجليز "أن يجيشوا الجيوش ويضموها ويحشدوها، ثم يزحفوا بها هاجمين على البلاد الروسية ذات العسكر الجرار والبرارى الشاسعة والمعاقل المنيعة والأمة المجتمعة الكلمة". وأنه ليس أمام الانجليز سوى "التضييق على الثغور الروسية فتجبرها على أخذ احتياطات وحشد عساكر وإقرارها في محال عديدة بعيدة ممتدة من شمال أوروبا إلى جنوبها فينشأ عن ذلك خلل في تلك البلاد وتتعطل سبل التجارة".

هذا عما يمكن أن يفعله الحوت بالفيل أما ما يمكن أن يفعله الثانى بالأول فتقول النظرية - التي نقلها الأهرام - أن ترسل "روسيا عساكرها إلى جهة الهند الإنكليزية ليغروا الأقوام هناك على إثارة الثورات العامة في داخلية البلاد، وان مثل هذا النهج سيؤدى إلى إيقاع الضرر ببريطانيا لأن الثورة سوف تنتشر بين الهنود "ولو نالهم الموت والفنا فتتشوش أفكار إنكلترا وتندم"!

يذهب "الأهرام" بعد عرض القضية على هذا النحور إلى أنه ليس ثمة ميدان مشترك ليتقاتل فيه الفيل مع الحوت، فهذا يعيش بالغابات وذاك يسبح في المحيطات، ويخرج من ذلك بنتيجة قال فيها بالحرف الواحد:

"الخلاصة أن المسألة مشكلة والراجح أنها ليست حرب فهى لا توافق مصالح إنكلترا ولا تناسب الروسية وآمالنا أن الحوادث لا تكذبنا"!!

وبالفعل لم تكذب الحوادث تنبؤات الأهرام فقد ثبتت صحة نظرية بسمارك التي أخذ بها، كما ناسب تشبيهه الدولتين الأوروبيتين في هذه الحرب على الأقل أكثر مما كان يناسبها التشبيه الذى ساد بعد ذلك بالدب والأسد، فلم تكن روسيا في حربها مع تركيا "دباً" ولم تكن بريطانيا في موقفها من تلك الحرب "أسداً"!

---
مراجع
أعداد الأهرام
رقم العدد
التاريخ
41
11/5/1877
49
6/7/1877
116
10/10/1878

- د. أحمد عبد الرحيم مصطفى - علاقات مصر بتركيا في عهد الخديو إسماعيل - القاهرة 1967م
- إسماعيل سرهنك - حقائق الأخبار عن دول البحار - القاهرة 1894م
- محمد عبد الرحمن الرافعى- عصر إسماعيل (جزءان) - القاهرة 1948م
- محمد رفعت رمضان - على بك الكبير - القاهرة 1950م
- The Encyclopedia Americana - International Edition Vol 4.


صورة من المقال: