ads

Bookmark and Share

الجمعة، 16 مارس 2018

010 شئون عربية

شئون عربية
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 16 سبتمبر 1993م - 29 ربيع أول 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

الأهرام ولد عربياً كما ولد مصرياً، هذه الحقيقة تشى بها مجموعة من المؤشرات للأهرام خلال سنيه الأولى.. ما تبقى من سبعينات القرن التاسع عشر ومطلع ثمانيناته.
من بين هذه المؤشرات أن عدد واحداً من الأهرام لم يخلو، إلا في الاستثناء النادر، من باب ثابت تحت عنوان "مراسلات الجهات" وهو باب كان يتعامل بشكل عام مع المشرق العربى وبشكل خاص مع الشام. وبشكل أخص مع لبنان حيث جاء صاحبا الأهرام.
وكثيراً ما كانت المساحة التي يحتلها هذا الباب تفوق المساحة التي كان يحتلها باب "الحوادث المحلية" الذى يتعامل مع الشئون المصرية!
من بين هذه المؤشرات ثانياً تعدد وكلاء الأهرام في الشام على نحو لم يتوفر حتى بالنسبة لمصر، فبينما لم تزد البلاد التي أرسل إليها الأهرام وكلاءه في مصر عن ستة، فقد وصلت في الشام والعراق إلى اثنى عشر بلداً: يافا، عكا، حيفا، صور، صيدا، بيروت، زحلة، بعلبك، دمشق الشام، طرسوس، حلب وبغداد.
وقد استتبع انبثاث وكلاء الأهرام في الشام والعرق على هذا النحو أن استمر هؤلاء في امداده بالأخبار حتى في أدق التفاصيل، وكانت القاعدة أن يستقى الأهرام معلوماته من هؤلاء، وعندما كان يحدث أن يصله أخبار عن غير طريقهم، فقد كان يحرص على الإشارة إلى ذلك بالنص على أن مصدرها "من غير مكاتبنا"!
المؤشر الثالث تبدى في الحرص الفائق من جانب أصحاب الأهرام على وصوله إلى موانى الشام حتى أنه كان يتم بين الحين والآخر تغيير ميعاد إصداره حتى يصل إلى الموانى الشامية في وقت معقول.
فالأهرام في أيامه الأولى صدر أسبوعياً، وقد اختار يوم السبت للصدور، بيد أنه بعد مضى بعض الوقت عانى من عملية الوصول إلى الموانى الشامية نتيجة لأن "الوابور الفرنساوى" كان لا يوصلها في وقت معقول، فلجأ بين الحين والآخر إلى الصدور يوم الجمعة حتى يتمكن من اللحاق "بالوابور النمساوى"، الذى ناسبت مواعيده الأهرام أكثر مما ناسبه الخط الملاحى الفرنسي.
مؤشر آخير أن أول رحلة قام بها مدير الأهرام، بشارة تقلا، في ربيع عام 1880 كانت إلى الشام، التي كتب عنها مجموعة من التقارير بعضها من جبل لبنان والبعض الآخر من "دمشق الفيحاء" وكانت بمثابة أول "رحلة صحفية" يقوم بها مندوب عن الأهرام!
***
ليس من شك أن الاهتمام بالشئون العربية التي تضمنتها "مراسلات الجهات" والتي كانت بمثابة نهر عريض على صفحات الجريدة قد صنعته روافد عديدة..
جاء الرافد الأول عن طبيعة مؤسسى الأهرام، سليم وبشارة تقلا، فلم يكن منتظراً أن ينقطع الحبل السرى بين الرجلين وبين الجبل.. جبل لبنان، من حيث أتيا، بسهولة. وقد أدى إلى بقاء هذا الحبل طبيعة المجتمع الشامى الذى استمر الرجلان يعايشانه ويعيشان فيه في مصر، كذا السوق المتسع الذى استمرت الأهرام تجده في الربوع الشامية.
ويبدوا أثر الرافد في طبيعة اهتمامات صفحة "مراسلات الجهات" التي كانت تعنى أحياناً بأخبار شديدة المحلية، كافتتاح مدرسة للأطفال في بيروت أو مرج عيون أو وفاة شخصية من الجبل كان أصحاب الأهرام يعتبرونه من الشخصيات الهامة بينما يكاد يكون مجهولاً بالنسبة للقارئ المصرى.
الرافد الثانى بدا في حالة من التململ الواسع التي أخذت تستشرى بين أبناء الشام والعراق، وهى حالة كانت قد بدأت منذ حوادث الستين في الجبل التي عرفت في بعض المظان بمذابح الستين (1860) ووصلت إلى ذروتها خلال النصف الثانى من السبعينات الذى واكب السنوات الأولى من عمر الأهرام، وهى حالة عبرت عنها الصحيفة الوليدة في مساحات معتبرة من الشئون العربية.
ثالث هذه الروافد بدا من تعاظم التدخلات الأوربية في الشئون العربية خلال تلك السنوات، وهو التعاظم الذى نشأ عن تزامن صدور الأهرام مع أكبر حركة امبريالية عرفتها افريقيا والممتلكات العربية للدولة العثمانية، والتي حرص الأهرام على تتبعها في شتى الأنحاء العربية، من الشام والعراق شرقاً إلى تونس و"مراكش" (المغرب) غرباً.
الرافد الرابع صنعه ميلاد الحركة العربية التي شهدها هذا العقد ولم يكن أصحاب الأهرام بعيدين عن عملية الميلاد بحكم أنهم كانوا من روادها، فتتلمذ آل تقلا على أيدى البستانى واليازجى، الرواد الأوائل للفكرة العربية لم يكن يمكن أن يذهب سدا، ومن ثم لم يكن غريباً ما كانت تنشره الأهرام خلال تلك السنوات حتى أننا نندهش من استخدام الجريدة لتوصيف "الأمة العربية" قى وقت كان يصعب على غيرها الإشارة إليه.
ودعونا نحاول متابعة كل هذه الروافد لنصل إلى النهر الكبير الذى صنعته الأهرام وقتذاك.. نهر "الشئون العربية".
***
استمرار الحبل السرى بدا من الاهتمام الأهرام بالشئون المحلية الصغيرة بلبنان أولاً ثم بقية الشام والعراق بعد ذلك..
فأن يتضمن أحد أعداد الأهرام وصفاً تفصيلياً لحياة "خليل افندى أرقش" بمناسبة انتقاله إلى رحمة الله، وتصفه بأنه "أحد معتبرى بيروت" وأن يتضمن عدد آخر حديثاً طويلاً عن جنازة "يوسف أفندى فريح" الذى تصفه "بالمشهور" والذى توفى عن 72 عاماً.. كل ذلك كان اغراقاً في تفاصيل لا تعنى القارئ المصرى الذى كان يقيناً لا يرى الأول معتبراً ولا يرى الثانى مشهوراً!.
الاهتمام بموسم الحرير في لبنان استمر محوراً من محاور اهتمامات صفحة الشئون العربية في الأهرام بحكم استمرار هذا المنتج في لعب الدور الأساسى في الاقتصاد اللبناني حتى ذلك الوقت، حتى أنه لم يكن غريباً أن نجد خبراً تحت عنوان "أحوال الشرانق"! ولا بأس أن نذكر أن سبباً من أهم الأسباب التي أدت إلى تأليب أبناء الشام على الحكم المصرى في أواخر الثلاثينات كان ما عمد إليه هذا الحكم من احتكار المنتج المذكور، وهو ما لم يقبله الشوام رغم اعترافهم بالمزايا التي اكتسبوها من وجود المصريين.
الصراع الأسرى قدم نموذجاً آخر من نماذج اهتمام "مراسلات الجهات" لأوضاع الشام، وقد أفرد الأهرام بعض أعمدته لمتابعة الصراع التقليدي بين عائلتى "الحسينية" و"الخالدية" حول الوظائف في القدس.
ووصل الأمر بالأهرام في الاهتمام بالمحليات الشامية تقريظه لكل انجاز يتم في أي بلد مهما بدا صغيراً، حتى أنه أخذ في أحد أعداده في أطراء مجلس بلدية بيت لح ليس لشئ سوى أنه اهتم بتوسيع الطرق!
ومع ما يمثله الاهتمام بهذه التفاصيل الصغيرة من اغراق في الأمور المحلية غير أنه يبدوا أنه كان له مبرره، الأمر الذى بدا في المراسلات العديدة التي كان يتلقاها الأهرام من قرائه في تلك البلاد بكل ما يدل عليه ذلك من اتساع قاعدة هؤلاء في تلك الانحاء التي أولاها عنايته، وهو اتساع كانت تحكمه مقاييس العصر طبعاً.
تدليلا على هذه الحقيقة نسوق هنا الخبر الذى جاء في أهرام يوم 2 أكتوبر عام 1879: "يافا - ورد إلينا من حضرة مكاتبنا فيها ما يشير إلى تأخر البعض عن نقد ما عليهم من قيمة الاشتراك في الأهرام فعجباً إذ ليس من يجهل ما وراء التأخر عن الدفع من التعطل.. والمأمول من حضرة مشتركى القدس الكرام أن يتفضلوا بدفع ما عليهم"!
***
حالة التململ التي سادت الشام والعراق خلال النصف الثانى من سبعينات القرن التاسع عشر كانت المحور الثانى من محاور اهتمام "مراسلات الجهات".
الافتقار للأمن مثل العنصر الأول من عناصر هذا المحور. ولم يكد يخلو تقرير واحد من التقارير التي كان يبعث بها مكاتبو الاهرام من الحديث عن "الفتن والمصادمات"، مرة من بيروت وأخرى من زحلة وثالثة من حلب ورابعة من حوران، وقد اسهبت الأهرام في تتبع أحداث العنف التي جرت في تلك الأخيرة خلال شهر نوفمبر عام 1879.
ولا شك أن أصحاب الأهرام بحكم ما كانوا يمثلون كشريحة من شرائح المسيحيين الشوام كانت لديهم حساسية خاصة بالنسبة للأخبار التي يتعرض فيها هؤلاء لأعمال عنف سواء من جانب بعض رجال السلطة العثمانية أو من جانب بعض الفئات الأخرى.
فساد الإدارة العثمانية احتل مكاناً دائماً في مراسلات مندوبى الأهرام في الشام والعراق، ولم يكن المسئولين عن الجريدة يفوتون فرصة دون تكرار المطالبة بالقضاء على الفساد.
ف العدد 83 الصادر يوم 2 مارس عام 1878 ينتهز الأهرام فرصة وصول جودت باشا "والى سوريا الأفخم" إلى بيروت فيرحب به ويطالبه "أن يجرد حسام الهمم ويفرى به أصول الفساد فيشعر الأهلون بلذة الحرية"!
وفى العدد الصادر يوم 19 يونيو 1879 يسوق الأهرام خبر تنصيب والى جديد على الموصل وأن أهالى هذه الولاية قد فرحوا كثيراً على أمل أنه سوف يقوم "باستئصال داء الرشوة".
ولعل ذلك مما دعا الأهرام إلى الاحتفاء بما جاء في الدستور العثمانى المعروف بدستور مدحت باشا عن "حقوق التبعة العثمانية" باعتبار أهل الشام من أولئك "التبعة"!
بعد ذلك تفرد "مراسلات الجهات" قسماً من مساحتها تعدد فيها آثار السياسات العثمانية فتقول أن "طرق لبنان المعاشية محتفة بالمخاطر والنصب" وأن هناك "ضنكاً شديداً وتضييقاً على اللبنانيين الجأ كثيراً منهم إلى الساحل" وتضيف بعد كل ذلك أن الأخبار الواردة من دير القمر "تفيد أن الحالة سيئة جداً والفقر المدقع قد عم الكثيرين".
والطريف أن هذه الرسالة المليئة بالانتقادات أن الأهرام قد حرص على أن يسندها إلى "غير مكاتبنا" ونظن أن المسئولين عن تحرير الأهرام مع رغبتهم الشديد في تسجيل مفاسد الحكم العثمانى فقد كانوا حريصين على ألا يعرضوا جريدتهم لعدم دخول الشام التي كانوا يرون فيها سوقاً رئيسية لهم، ومن ثم جاءت رغبتهم في التنصل من الهجوم على إدارة الدولة العلية.
القضاء العثمانى كان بدوره هدفاً من أهداف التعبير عن عدم الرضا من جانب مكاتبى الأهرام في سوريا ولبنان، فقد تضمن عدد الأهرام الصادر في 13 أغسطس عام 1878 انتقادات حادة لمجلس فصل الأحكام بعث بها مراسل الجريدة من دمشق كان مما جاء فيها ".. هذه أعمال بعض زمرة تألف منها مجلس تمييز الحقوق في مركز ولايتنا السورية وجزء من كل مما تقترفه هذه الفئة المفوض إليها أحكام فصل الأحكام لمئات الألوف من هذه الأمة العربية...".
ويبدو انحياز الأهرام العربى المبكر من الحديث عن "أمة عربية" في ذلك الوقت الذى كانت العثمانية تظلل خلاله كل شيء، أكثر من ذلك فإن التعليق الذى يتحدث عن الأمة ينتقد في نفس الوقت أعمال الموظفين الأتراك.
في مجال القضاء أيضاً ينشر الأهرام رسالة في 18 يوليو بتوقيع "أحد محبى الوطن" يرحب فيه بتعيين "جمال الدين الأفغانى" مفتشاً عاماً لمحاكم ولاية سوريا، ولكن يا فرحة ما تمت إذ ينشر الأهرام بعد أسبوعين فحسب خبر لمراسله في بيروت مفاده، أنه قد تم عزل الرجل ويجئ النشر بشكل يعبر فيه المراسل عن أساه وأسف الأهرام!
***
يراقب المقار من مقره في الإسكندرية ما كان يجرى خلال السنين الأولى من صدوره من تراكم الأطماع الأوربية في العالم العربى وعلى رقعة واسعة هذه المرة تمتد من العراق شرقاً إلى المغرب غرباً. وقد حفلت أعمدته بأخبار هذه المراقبة.
من بين تلكا لأخبار ما كان يرد بين الحين والآخر رسو الأساطيل الأوربية في الموانى الشامية خاصة بيروت. نموذج لذلك ما جاء في العدد الصادر في 27 أبريل عام 1877 عن وصول بارجة ألمانية بينما كان موجوداً من قبل قطعتين من الأسطول "الانكليزى" وقطعة من الأسطول الفرنسي ودلالات كل ذلك.
من بينها رصد تلك الجولة التفقدية التي قامت بها البارجة "رينا" وهى تحمل "قنصل جنرال دولة فرنسا في سوريا" متنقلة بين بيروت وحيفا وعكا "نظراً إلى حدوث بعض القلاقل فيها".
خبر آخر حرص الأهرام على تعربى عن "الريفورم" الفرنسية جاء فيه أن الحكومة الفرنسية عازمة على شراء أراضى واسعة بالقرب من يافا "لتنشئ فيها معامل ومحلات تجارية بغية أن تضمن لتجارتها مخرجاً في فلسطين والبلاد العربية. ومن نيتها بعد ابتياع تلك الأراضى انشاء سكة حديد تصل بها مستعمرتها اليافاوية بمصر والسويس"!
ويروى الأهرام بالتفصيل خلال ربيع 1883 أسرار المعركة الديبلوماسية التي دارت بين الدول العظمى، خاصة بين فرنسا من جانب وانجلترا وروسيا من جانب آخر، حول اختيار خلف لـ "رستم باشا" متصرف جبل لبنان، والضغوط التي مارستها تلك الدول على حكومة الاستانة في هذا الشأن.
وتنتقل الصحيفة الوليدة مع تتبع الأطماع الأوروبية في المشرق إلى تتبعها في المغرب، في مراكش (المغرب) وتونس على وجه الخصوص، فتلك الفترة شهدت تصارع الأطماع الفرنسية والانجليزية والإسبانية في الأولى والفرنسية والإيطالية في الثانية التي كانت على شفا الوقوع في قبضة احداهما، وكانت فرنسا.
وقد اختلفت علاقة الأهرام مع المغرب عن علاقته مع المشرق، فتلك العلاقة الحميمة التي ربطته بالأخيرة والتي استعرضنا أسبابها في السطور السابقة لم تتوفر مقوماتها بالنسبة للمغرب الأمر الذى انعكس في أكثر من جانب من جوانب تلك العلاقة.
بالنسبة للمشرق كان له مكانه الخاص في الصحيفة.. "مراسلات الجهات" أما بالنسبة للمغرب فقد كانت تأتى أخباره ضمن سائر الأخبار في باب "حوادث مختلفة"!
بالنسبة للمشرق تعددت مناحى الاهتمام الأهرامية أما بالنسبة للمغرب فقد اقتصر اهتمام الجريدة على الحوادث الكبرى مثل حدوث "مجاعة كبرى" فى مراكش على حد تعبير ما جاء في أخبار شهر أغسطس عام 1878 أو المطالب الفرنسية من باى تونس فيما جاء في أخبار يناير 1879 أو التوتر الحادث بين اسبانيا ومراكش وبحث الأخيرة عن المساندة الإنجليزية في مواجهة أطماع حكومة مدريد فيما تضمنته أخبار أغسطس وسبتمبر من نفس العام.
أخيراً وبالنسبة للمشرق فقد كان للأهرم وكلاؤها الذين استمروا يمدونه بشتى الأخبار والتعليقات، أما بالنسبة للمغرب كانت الجريدة تستقى أخبارها إما من وكالات الأنباء أو من الصحف الأوربية خاصة الفرنسية.
بيد أن ذلك لا يمنع تقرير حقيقة وهى وحدة موقف الأهرام، في المغرب ضد تعاظم الأطماع الأوربية الإسبانية في مراكش، وفى المشرق للفكرة العربية وهو ما أسفر عنه "الأهرام" بشكل واضح خلال عام 1880، ولذلك قصة!
***
المتتبعون لتاريخ الحركة العربية يرون في الحرب الروسية - التركية 1877 - 1878 نقطة تحول في تاريخ هذه الحركة، ذلك أن علامات الانهيار التي بدت على الدولة العثمانية خلال تلك الحرب قد دفعت القوميين العرب إلى البحث في مصير أمتهم، وكان رأى فصيل كبير منهم ألا نجاة إلا بالتخلص من الحكم العثمانى.
وقد سجل صيف عام 1880 حدثاً هاماً تكرر في يونية ويوليو وسبتمبر.. حدث اغراق عديد من المدن السورية: دمشق وبيروت وصيدا وطرابلس، بمنشورات عديدة تناشد أهل البلاد التحرك باسم النخوة العربية والحمية السورية وتندد بفساد الترك وجهلهم وتنبه إلى أن هدفهم "امتهان حرمة كتبكم وسن نظامات تقضى بملاشاة لغتكم الشريفة".
ويضع المنشور الثالث من تلك المنشورات برنامجاً يطالب في جانب منه بـ "استقلال نشترك به مع إخواننا اللبنانيين"، ويطالب في جانب آخر بـ "أن تكون اللغة العربية رسمية في البلاد".. ويطالب في جانب أخير بأن "تنحصر عساكرنا في خدمة الوطن وتتخلص من عبودية الرؤساء الأتراك".
ولم يتأخر الأهرام عن متابعة تلك القضية البالغة الأهمية والتي احتلت بين يونية وسبتمبر من عام 1880 مساحة هامة في "مراسلات الجهات" وفى أكثر من عدد.
في العدد الصادر يوم 24 يونية حيث أشارت إلى ما أسمته "إعلانات على جدران الشوارع في بيروت" وأن ما بها استهدف "تحريك أفكار الأهالى عموماً إلى طلب الاستقلال والاندفاع إلى الحرية اقتداء بالسرب والجبل الأسود والبلغار وتنبيه الخواطر إلى نبذ الذل والخمول واللذين لا يرجى بهما اصلاح وتقدم وان ما يراق من الدم في هذا الشأن هو قيمة الحرية والاستقلال".
العدد الصادر يوم 22 يوليو يسوق الأهرام خبراً من دمشق يقول: "علقت في هذه الأثناء على بعض جدران المدينة أوراق تتضمن تهييج الخواطر وطلب الاستقلال واحياء دولة عربية مع الطعن في إجراءات الحكومة المحلية".
أخيراً العدد الصادر في 2 سبتمبر الذى حاول فيه مراسل الأهرام في بيروت أن يحدد هوية المسئول عن نشر هذه الإعلانات.
وبينما يسند بعض المؤرخين تلك المنشورات إلى جمعية المقاصد الخيرية يسندها آخرون إلى "جمعية حفظ حقوق الملة العربية"، وبغض النظر عن صاحب الإعلانات" فإنها قد لقيت اهتماماً كبيراً سواء من قناصل الدول الكبرى، فرنسا، وانجلترا، في بيروت ودمشق، كما أنها لقيت عناية من جانب المتابعين لنشأة وتطور حركة القومية العربية حتى أنهم يؤرخون لها باعتبارها علامة الميلاد لهذه الحركة.
ونرى أن اهتمام الأهرام بتلك المنشورات على هذا النحو انما يشى بأنه كان معنياً منذ سنواته الأولى بتلك الحركة، وهى عناية كانت تشكل جانباً من عنايته بالشئون العربية على وجه العموم والشئون الشامية على وجه الخصوص.
---
مراجع
أعداد الأهرام
العدد
التاريخ
47
22/6/1877
76
2/1/1878
83
2/2/1878
90
19/4/1878
130
17/1/1879
143
18/4/1879
146
22/5/1879
150
19/6/1879
154
18/7/1879
156
31/7/1879
159
21/8/1879
162
11/9/1879
164
25/9/1879
171
13/11/1879
203
24/6/1880
207
22/7/1880
213
2/9/1880

- جورج أنطونيوس - يقظة العرب، ط2 - بيروت 1969م.
- لرتسكى - تاريخ الأقطار العربية الحديث، موسكو 1971م.

صورة من المقال: