ads

Bookmark and Share

الخميس، 15 مارس 2018

009 ليالى الأنس

ليالى الأنس
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 9 سبتمبر 1993م - 22 ربيع أول 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

وافد جديد دخل حياة المصريين خلال السنوات الأولى من عمر الأهرام, سنوات أواخر عصر إسماعيل وبدايات عهد خلفه, ولم تكن صحيفتنا بعيدة عن مراقبة هذا الوافد ورصد تحركاته.
الميدان الذى واجه الوافد من الحياة المصرية كان ميداناً اجتماعياً بالأساس, وهو ميدان الاحتفالات, والجماعة التي أخذت به كانت من أبناء الصفوة, والمكان كان "سرايات" هؤلاء ودور المسارح التي أخذت وقتئذ في الانبثاث في مصر المحروسة وفى الإسكندرية, أما التوقيت فقد كان في الليالى التي أسماها الأهرام "ليالى الأنس"!
ليس معنى ذلك أن المصريين لم يعرفوا قبل تلك السنوات إقامة الاحتفالات الاجتماعية ولكنهم عرفوا بشكل خاص, شكل يعبر عن عصر لم يكن قد عرف كل تلك المتغيرات التي كانت عرفتها الأعوام من صدور الأهرام..
***
"ليالى الأنس" التي كاشها المصريون قبل الربع الأخير من القرن التاسع عشر كانت شيئاً مختلفاً, فقد استمرت بالأساس تعبر عن روح النظام الاقطاعى الذى وإن كان محمد على قد نجح في ضربه ضربة قاصمة خلال العقد الثانى من القرن, إلا أن جملة مفرداته الاجتماعية والقيمية كانت تتطلب وقتاً حتى تختفى أو تضعف إلى الحد الذى يسمح للأوضاع الجديدة أن تفرز مفردات وقيم جديدة, وهو استغرق أكثر من نصف قرن قليلاً.
"الموالد" كانت تقدم مناسبة لعقد مجموعة متتالية من ليالى الأنس: مولد الحسين, مولد السيدة زينب, مولد الإمام الشافعى, فضلاً عن الموالد التي تعقد في عدد من المدن الإقليمية, للسيد البدوى في طنطا, ولسيدى إبراهيم الدسوقى في دسوق, وكان يقوم أساساً على إحياء تلك الليالى طرق الدراويش, خاصة المغاربة الذين احتلوا مساحة واسعة في تلك الطرق,
"الحفلات العائلية" والتي كانت تقام لمناسبات خاصة.. زوج أو ميلاد أو ختان, وكان يقوم بإحياء تلك الليالى "العوالم" الذين يقتصر وجودهم على الحريم, ولا يكون أمام الرجال في هذه المناسبة سوى المشاركة بالتصنت!
"الاحتفالات الطائفية" فالمدينة المصرية في ظل النظام الاقطاعى كانت تتشكل من جملة الطوائف الخدمية والحرفية, وكان تدرج أبناء هذه الطوائف.. الحلاقين والخياطين وغيرهم من الطوائف الخدمية والنجارين والحدادين وغيرهم من الطوائف الحرفية.. كان تدرج هؤلاء في مدارج حرفهم يتم من خلال احتفالات خاصة يتم فيها تدشين الشباب فيما يسمى "بالشد", وكانت تلك الاحتفالات تقدم بدورها نموذجاً أخيراً من ليالى الأنس!
خلال نصف القرن أو يزيد السابق على صدور الأهرام كانت قد حدثت جملة من التطورات انعكست على مفهوم ليالى الأنس المصرية, وكانت في مجملها تطورات اجتماعية..
قدم نزول إسماعيل من ميدان القلعة إلى ميدان عابدين أول تلك التطورات فهذا النزول كان بمثابة اعلان لمولد البلاط الملكى في مصر, فيما سبقت الإشارة إليه في حلقة "جريدة التقاليد" وكان من بين البلاط الجديد إقامة "ليلة أنس" بين الحين والآخر, وهى التي اكتسبت التسمية الأوربية.. "ليلة الباللو".
وكما أثرت النشأة الإيطالية للبلاط على تلك النشأة في سائر الممالك الأوربية فقد أثرت أيضاً على نشأة البلاط المصرى.
فمعلوم أن البلاط بمفهومه الحديث قد نشأ في إيطاليا خلال عصر النهضة, وقد ساعد عليه تبكير الحياة المدنية في شبه الجزيرة الإيطالية عنه في بقية أنحاء القارة, فبينما كان الأمراء الاقطاعيون في تلك الأنحاء في قلاعهم الحصينة وسط فرسانهم وأقنانهم كان أمراء المدن الإيطالية قد بنوا قصورهم الأنية داخل مدنهم التي كانت تعج بالتجار والصناع.
ولعل الإضافة الأساسية التي قدمتها أوربا لما بدأه الايطاليون قد جاءت من البلاط الفرنسي, خاصة في عهد الملك لويس الرابع عشر (1660 - 1715), وكانت بدورها إضافة لاتينية(!) غير أنه في صناعة البلاط المصرى جاء التأثير بالأساس من إيطاليا.
ويعزى هذا التأثير في تقديرنا إلى جملة من الأسباب, ربما يكون القرب الجغرافى أحدها, ولكن الأهم منه أن إيطاليا لم يكن لها من الأطماع السياسية في مصر, حتى ذلك الوقت على الأقل, ما لدول أخرى مثل إنجلترا وفرنسا, الأمر الذى لم يكن معه هناك ثمة خوف من تواجد ايطالى في عابدين, ومن ناحية أخرى فقد كانت الجالية الإيطالية في مصر كبرى الجاليات الأوربية بعد الجالية اليونانية, ومع الوضع في الاعتبار أن أبناء تلك الجالية الأخيرة كانوا أقرب إلى الشرق منهم إلى الغرب فيبقى التأثير الأوربي للإيطاليين عل الحياة المصرية أكبر من تأثير غيرهم.
وقد استمر هذا التأثير بادياً في عابدين لسنوات طويلة, ليس فقط في أفراد الحاشية الذين كان أغلبهم من الايطاليين, وإنما حتى في الاختبارات الأخيرة لسادة عابدين, فعند خلع إسماعيل عام 1879 استقل يخته متجهاً إلى نابولى, وهو نفس ما فعله حفيده فاروق الأول بعد 73 عاماً, ولم يكن لهذا الأخير من مطلب قبل الرحيل سوى أن يسمح له قادة النظام الجديد باصطحاب بعض أفراد حاشيته من الايطاليين!
وانعكس تأثر بلاط عابدين بالتقاليد الإيطالية في أنه عندما كانت تصدر دوائره بياناً باحتفالاتها فقد كانت تصفها بليلة "الباللو" في عابدين, وأصل الكلمة إيطالى ويعنى الحفل الراقص, وإن كانت قد انتقلت إلى الدارجة المصرية وأصبحت تعنى الضجيج, بحكم ما اقترنت به تلك الاحتفالات من صخب.
وقدم الوفود الأوربي الواسع إلى البلاد خلال تلك الحقبة عنصراً ثانياً من عناصر التغيير في طبيعة ليالى الأنس المصرية, ومرة أخرى يبرز الايطاليون باعتبارهم أكثر جاليات إقامة "للباللو" سواء بسبب كثرة عددهم أو بسبب الميل الطبيعى للشعوب اللاتينية للاحتفال.
ولم تكن تمر مناسبة دون إقامة هذه الاحتفالات يقول الأهرام عن أحدها "عزمت التبعة - التابعون - الإيطالية أن تقيم مساء 14 الجارى - مارس 1883 - ليلة راقصة في تياترو زيزينيا احتفالاً بعيد مولد جلالة الملك هومبرت الأول...".
وقد استتبع ذلك أن عرفت المدن الكبيرة, خصة تلك التي قطنتها جاليات أوربية كبيرة ليالى الباللو أكثر من المدن الإقليمية التي لم يقطنها الأوربيون بهذه الكثرة.
وبعقد مقارنة مثلاً بين الإسماعيلية وبورسعيد اللتين اكتظتا بالأوربيين العاملين في شركة قناة السويس وبين مدينة مثل طنطا لم تعرف الوجود الأجنبي على هذا النحو, فعلى الرغم من أن الأخيرة كانت أكبر من أي من المدينتين الأوليين فإنها لم تعرف ليالى باللو على النحو الذى عرفتاه ولمناسبات متعددة, حتى أنه عندما أطلق اسم دليسبس على أحد ميادين بورسعيد أقامت الشركة "باللو" على حد تعبير الوثائق المصرية شارك فيه كل الأجانب بالمدينة.
ولقد استمر المصريون يتفرجون على احتفالات الأجانب ويستهجنونها في أغلب الأحوال, بل وربما كانوا يرون فيها شكلاً من أشكال الانحلال الذى ينبغي أن ينأوا بأنفسهم عنه, ولكن لم يمض وقت طويل حتى أخذت فئة منهم تنخرط في احتفالات الأوربيين وتقيم "الباللو" الخاص بها.
تمثلت هذه الفئة في الارستقراطية الجديدة في مصر.. ارستقراطية الدولة الحديثة, وبالذات فئات بعينها من هذه الارستقراطية المنحدرة في الغالب من أصول غير مصرية.
تسجل الأهرام في هذا الشأن ما جرى في ليلتين من ليالى الباللو أقام إحداهما شريف باشا وأقام الثانية نوبار باشا.
يقدم الأول - شريف - نموذجاً لتلك الشريحة من شرائح الارستقراطية المصرية المنحدرة من أصول تركية والتي استمرت تشارك بقدر أوفى في حكم مصر, ربما حتى قيام ثورة 1919.
ويختلف الحكام المنحدرون عن أصول تركية في القرن التاسع عشر عن أولئك الذين حكموها خلال القرون الثلاثة السابقة فهؤلاء قد استقروا في مصر, وشكلوا أغلب أعضاء البعثات التي ذهبت إلى أوربا في عصر كل من محمد على وإسماعيل, واختلطوا بالأوربيين العاملين في الإدارة المصرية, ومن ثم تأثروا بهم أشد التأثر وحاكوهم في كثير من جوانب حياتهم بما فيها إقامة "الباللو"!
ويجسد شريف باشا كل ذلك فهو ذهب في بعثة إلى باريس حيث بقى بها ست سنوات انكب خلالها على دراسته العسكرية يقول جرجى زيدان أنه نال خلالها "رتبة يوزباشى أركان حرب في الجيش الفرنساوى وألحق بالجيش المصرى ولقب من ذلك الحين بالفرنساوى ومازال معروفاً بين عامة المصريين بشريف باشا الفرنساوى إلى هذه الغاية".
ويستطرد صاحب "تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر "قائلاً عن شريف في موقع آخر:" وكان أعظم قواد الجنود المصرية إذ ذالك سليمان باشا الفرنساوى فلما رجع صاحب الترجمة من فرنسا ألحق بأركان حرب سليمان باشا وتقرب منه حتى تمكنت علائق المودة بينهما", وما لم يشر إليه جرجى زيدان أنه قد صاهر هذا الأخير!
ولم يكن غريباً مع كل تلك الروابط أن يقيم شريف باشا بين الحين والآخر ليلة باللو وصفت الأهرام إحداها بقولها: "أدب دولتلو شريف باشا في منزله العامر مأدبة متقنة دعاي إليها سعادة اللورد دفرين وجناب السير مالت والنظار الكرام وبعض الأعيان فكانت مأدبة فاخرة جمعت دواعى المسرة والبهجة.. وقد تبعها ليلة ساهرة انقضت بمواضيع الأنس والرقة"!
الثانى, نوبار باشا, يقدم نموذجاً آخر, النموذج الأرمنى الذى اكتسب وضعيته في إدارة الدولة الحديثة في مصر مع قدرته على التعامل مع "بحر برا" وهو التوصيف الذى كان يطلق وقتئذ على أوربا, ولم يكن بالإمكان أن تقتصر تلك القدرة على شئون الإدارة والسياسة, فقد امتدت بعد قليل إلى التقاليد الاجتماعية, وكانت ليالى الباللو الأوروبية بعض ما تم الأخذ به في ذلك الجانب.
يبقى أخيراً ما شهده عصر إسماعيل م عمليات بناء واسعة من أبناء الطبقة الارستقراطية لعدد من السرايات الفخيمة" أو "المنازل العامرة" بلغة العصر والتي كان يراعى في انشائها احتواؤها على الأبهاء الواسعة والحدائق الفسيحة لزوم إقامة ليالى الأنس!
فضلاً عن ذلك فقد عرف نفس العصر إقامة عدد وافر من دور المسارح أو التياترات (جمع تياترو) بلغة العصر. وإذا كانت دار الأوبرا أو "الأوبيرة" كما كان يكتبها الأهرام.. إذا كانت تمثل التياترو الأول الذى أقامته الحكومة فإن المدن التي شكل الأجانب فيها قوة اجتماعية كبيرة قد عرفت التياترات التي أقامها هؤلاء. وقد اشتهرت الإسكندرية منذ وقت مبكر بقيام تلك المسارح, وأشهرها "تياترو زيزينيا" "تياترو الفيرى".
وقد وفرت تلك البنايات في مجملها الأماكن المناسبة لإقامة ليالى الأنس المصرية!
***
من بين عديد من ليالى الباللو التي تابعتها "الأهرام" نختار نموذجين بكل ما يعبران عن طبيعة الحراك الذى أخذ يمسك بتلابيب المجتمع المصرى خلال السنوات الأول من عمر صحيفتنا العتيدة..
النموذج الأول يتمثل في تلك الليالى التي كانت تنعقد بمناسبات سعيدة لبعض أعضاء الأسرة الخديوية أو لبعض أبناء الارستقراطية التركية التي أخذت في التشبه بالأوروبيين..
وقد رصدت الأهرام في مطلع عام 1881 مناسبتين من هذا النوع.. حفل زفاف أخت الخديوى "دولتلو عصمتلو جميلة هانم أفندى" (!) على حد تعبير الإعلان الصادر عن "التشريفات الخديوية".
ويقدم وصف موكب الزفاف لـ "جميلة هانم أفندى" صورة ممتعة لوسط القاهرة في الرابع الأخير من القرن التاسع عشر في المنطقة بين سراى الإسماعيلية من حيث بدأ الموكب إلى سراى الجزيرة حيث انتهى.. الضبطية القديمة, العتبة الخضراء, البوستة الخديوية, لوكاندة كلوب, لوكاندة روايال, فسقية قنطرة الدكة, لوكاندة شبت (شبرد), قونسلاتو (قنصلية) دولة الإنكليز, شارع كوبرى قصر النيل, إلى أن يعبر الكوبر ويصل إلى سراى الجزيرة.
كما تقدم ليلة الباللو التي انعقدت بعد موكب مشابه لزفاف "حضرة سعادتلو دواد باشا يكن "تجسيداً لما كانت تشاهده مثل تلك الليالى, وننقل في هذه المناسبة ما جاء في الأهرام الصادر يوم 3 يناير عام 1881 بالنص.. قال:
"وفى المساء كانت سراى البرنس مزدانة بالأنوار تصدح فيها أصوات الأفراح والسرور والناس في عرصاتها وجناتها يشنفون مسامعهم بأصوات المغنين والموايد ممدودة لكل شارد ووارد يختلف إليهم بأنواع المأكل والحلوى ومازال الجمهور في سرور وطرب إلى ما بعد نصف الليل فانصرفوا شاكرين داعين لجناب الخديو بدوام العز"!
النموذج الثانى يتجسد في تلك الليالى التي كانت تنعقد في سراى عابدين بين الحين والآخر, ويقدم لنا الأهرام الصادر في 18 يناير عام 1883 وصفاً تفصيلياً لإحدى تلك الليالى, ولنا عليه عديد من الملاحظات.
أولى تلك الملاحظات متصلة بالتقاليد الوليدة التي بدئ في ارسائها والتي استمرت بعد ذلك في استقبالات القصر المصرى, سواء كان خديوياً أو سلطانياً أو ملكياً أو حتى جمهورياً!
من بين هذه التقاليد صدور بيان من "التشريفات" عن مناسبة الاحتفال وطبيعته.
من بينها ثانياً طريقة الاستقبال حيث كان يقف "رجال الكوميسيارية المؤلفون من خير القوم يتقدمون رجال التشريفات لمقابلة الوفود فلا تلبث أن يأتو إلى نادى السراء حيث ترى المدعوين أفواجاً"!
يأتي بعد ذلك نظام خاص لأسبقيات المدعوين, ففي الصدارة "حضرت الأمراء الفخام" أو البرنسيسات من أبناء الأسرة الخديوية يتلوهم "النظار الكرام" يتقدمهم رئيس النظار, وتسمية الناظر كانت تطلق وقتذاك على الوزير, ورئيس النظار كان في ذلكا لوقت شريف باشا, ويلى النظار القناصر العامون للدول, أو بلغة العصر "القناصل الجنرال" والذين كانوا يشكلون رجال السلك الديبلوماسى في العاصمة المصرية, يتبعهم كبار رجال الإدارة المصرية أو "الحكومة السنية" بلغة العصر أيضاً, وكان ترتيبهم بدورهم تبعاً لمناصبهم: رؤساء الدوائر العليا فرؤساء الأقلام ويأتي أخيراً كبار التجار "الوطنيين والأوروبيين والإسرائيليين والسوريين وسواهم".
ويشير نفس الرصد لمراسل الأهرام الذى حضر هذا "الباللو" أن عدد الحضور ناف عن ثمانمائة مدعو, وهو رقم كبير بقاييس العصر, مما يشير إلى أن "التشريفات الخديوية" لم تهمل أية شخصية ذات قيمة في مصر وقتئذ.
عدّد مندوب الاهرام بعد ذلك قاعات السراى التي أقيم فيها "الباللو": قاعة الرقص, قاعة اللعب, قاعة المشروب والمأكول, قاعة التدخين, هذا فضلاً عن الفسحات والجوانب, ولم ينس الرجل أن يشير في هذه المناسبة إلى "الأنوار الكهربائية البديعة" مما كان بمثابة الدخول المبكر للكهرباء في مصر, وكان من الطبيعى أن يبدأ هذا الدخول من قصور علية القوم على رأسها "سراى عابدين".
وكان أكثر ما استرعى نظر مندوب الأهرام, وكان مدير تحريره, أي بشارة تقلا نفسه, ما جر في القاعة الأولى.. قاعة الرقص, وننقل هنا نص كلماته عن ذلك الذى جرى.. قال:
"هنالك أخذت المخاصرة حقها الوافى ونالت القدود جمالها الكافى, وكان من أبدعهن مدام ب. ب ومدام ب كريمة اللورد د. والكونتس و. ومدام م. ومدام ن. وكريمتها ومدام ف. ومدام ش. ومدام هـ. وسواهن من ذلك الجنس اللطيف".
ويمكن أن نستقرئ من هذا الجزء بسهولة حقيقتين: أولاهما: أن جميع الراقصات كانوا من الأجانب ويبدوا أن المصريين كانوا يكتفون في هذه المناسبة بالفرجة, فقد كان من الصعب عليهم في ذلك الوقت أن يقبلن مراقصة نسائهن, ناهيك عن أن يراقصهن الآخرون!
الحقيقة الثانية: أن رقص النساء حتى لو كن أجنبيات يندرج تحت العيب إلى الحد أن مدير تحرير الأهرام اكتفى بالحروف الأولى من أسماء الراقصات حتى لو كانت كونتيسة أو ابنة لورد!
وبينما يقدم "باللو عابدين" النموذج المكبر لما كان يجرى في ليالى الأنس المصرية فإن هذا النموذج قد أنجب نماذجاً عديدة في قصور الأمراء والأعيان وكبار رجال الجاليات الأجنبية.
وليس من شك أن هذا التأثير الأوربي قد تسلل إلى حياة طبقات معينة من المصريين في العصر ذلك ضمن تأثيرات عديدة.. بدءاً من خلع الجلاليب وارتداء البدل ومروراً ببيع الأرائك والطبالى واقتناء الصالونات والموائد, وانتهاء بالتخلى عن كثير من القيم القديمة ليحل محلها قيم اجتماعية جديدة.
وإذا كانت تلك التأثيرات قد بدأت أول ما بدأت في الطبقة العليا من المجتمع والفئات الأكثر اختلاطاً بالأجانب إلا أنها مع مرور الوقت أخذت في الانتشاء إلى أبناء الطبقات الوسطى, وقد شجع على ذلك الانتقال نمو الطبقة على نحو ملحوظ خلال ما تبقى من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن التالى, ورغبة أبنائها الجارفة في تقليد أبناء الطبقة العليا, حتى أنه لم يمض وقت طويلا إلا وكانت لهم "ليالى باللو" على غرار الليالى التي كان يقيمها الأولون!
---
مراجع
أعداد الأهرام
العدد
التاريخ
48
29/6/1877
49
6/7/1877
51
20/7/1877
52
27/6/1877
77
18/1/1878
81
15/2/1878
107
9/8/1878
115
4/10/1878
131
24/1/1879
153
10/7/1879
159
21/8/1879
184
12/2/1880
189
18/3/1880
1002
2/1/1881
1006
7/1/1881
1017
21/1/1881
1023
28/1/1881
1045
25/2/1881
1062
19/3/1881
1077
7/4/1881
1090
29/4/1881
1547
18/1/1883
1552
24/1/1883
1584
3/3/1883
1585
5/3/1/1883
1589
9/3/1883
1656
3/6/1883

صورة من المقال: