ads

Bookmark and Share

الاثنين، 5 فبراير 2018

005 أهرام.. وأهرام

أهرام.. وأهرام
بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 12 أغسطس 1993م - 23 صفر 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

أهرام الجيزة، الأعجوبة الأولى من أعاجيب العالم القديم السبع، لم يكن بعيداً في أي وقت عن الأهرام الصحيفة.
كان "الأهرام الجيزة" مستقراً دائماً في وجدات القائمين على صحيفة الأهرام، سواء في موقعهم في ميدان القناصل بالإسكندرية أو في مقارهم بالقاهرة، في شارع مظلوم أو في شارع الجلاء، الأمر الذى استمر بامتداد 117 عاماً انصرمت من عمر الأهرام، وهو استقرار لم يظهر فحسب من الشعار الذى اختارته الصحيفة.. أهراميين بينهما أبو الهول في العدد الأول، والأهرامات الثلاثة في العدد الأخير، وإنما ظهر فيما هو أهم من ذلك.
ففي شهر فبر اير 1993، وبينما كان الرئيس مبارك يفتتح المبنى الثانى من مبانى الأهرام لم ينش الأستاذ إبراهيم نافع، رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، في خطبة الترحيب بالرئيس، أن يربط بين المبنيين اللذين تمت إقامتهما، وبين الأهرامات، وأن إدارة الأهرام بصدد إقامة المبنى الثالث حتى تكتمل أهراماتها الثلاثة!
وقبل 118 سنة، وفى شهر أغسطس 1876، شغلت الأهرام جانباً من صفحات أعدادها الخمسة الأولى بتاريخ "أهرام الجيزة"، مما يشكل قصة طريفة من قصص الديوان.. ديوان الحياة المعاصرة!
بدأت هذه القصة في العدد الأول من الأهرام الصادر في 5 أغسطس 1876، وانتهت في العدد الخامس الصادر في 2 سبتمبر من نفس السنة.. جاء في العدد الأول:
"بما أننا اخترنا تسمية جريدتنا باسم أعظم أثر موجود في القطر المصرى وفى سواه أيضاً وهو الاهرام رأينا من باب الإفادة أن ندرج في كل عدد بالاستقراء تاريخ هذا الأثر نقلاً عن أشهر المؤرخين المتأخرين - يقصد المعاصرين - الذين تكلموا فيه مدققين ليكون معلوماً عند كثيرين الذين إلى الوقت الحاضر نظروه وسمعوا عنه لكنهم لم يدركوا تاريخه".
تبع ذلك بالمقالات الخمس اتلى تشى بمجموعة حقائق، بعضها متعلق بالعصر، والبعض الآخر متصل بالانحياز للوطن الذى صدرت فيه الأهرام، والبعض الأخير مرتبط بالمنهج الذى ارتضاه الأهرام منذ أن صدر.
***
الذى نقصده (بالعصر) ما دخل على علم "المصريات"، أي علم البحث في آثار مصر الفرعونية وتاريخها.. مما دخل على هذا العلم منذ أواخر القرن الثامن عشر وحتى صدور الأهرام والذى جعل اختيار الاسم طبيعياً وجعل الأخطاء التي وقعت فيها المقالات طبيعية أيضاً (!)، فعلم المصريات لم يكن قد استكمل بعد كل معارفه!
معلوم أن البدايات الأولى للاهتمام بالمصريات في التاريخ الحديث جاءت مع قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر أواخر القرن الثامن عشر (1798)، وهى البدايات التي استهلها نابليون بقولته الشهيرة لجيشه قبيل الموقعة المعروفة باسم موقعة الأهرام - أو امبابة- : "إن أربعين قرناً تطل عليكم من هذا المكان"، وأكدها علماء الحملة الفرنسية الذين انطلقوا في سائر أنحاء مصر يبحثون وينقبون ليضمنوا ما وجدوه في كتابهم الشهير "وصف مصر"، وتوجت هذه البدايات بالعثور على "حجر رشيد" وتمكن العالم الفرنسي شامبليون من فك رموزه والتعرف على "الهيروغليفية" التي كانت مفتاحاً لصندوق الأسرار الذى ضم كل ذخائر الحضارة المصرية القديمة.
وقد ارتبطت زيادة الاهتمام بعلم المصريات بتطورين تاريخيين هما بروز الدولة الحديثة في مصر وتشعب اهتمامات السلطة المركزية، ومزيد من الوفود الأوربي إلى البلاد، وكان من بين شواغل الوافدين، فضلاً عن الأسباب الاقتصادية، أسباب ثقافية فقد وجدوا أمامهم كنوزاً أثرية لا تتوفر في أي مكان في العالم، ولم يجدوا بأساً في الجرى وراء تلك الكنوز الأخرى التي جاءوا إلى أرض الكنانة للحصول عليها.
وانطلاقاً من هذا الاهتمام أنشأ محمد عل أول دار للآثار "بجهة الأزبكية بمنزل الدفتردار"، وفى عهد سعيد انتقلت دار الآثار إلى بولاق، وكانت طوال ذلك الوقت أقرب إلى مخزن منه إلى متحف، ولم يحدث تطويرها إلا في أوائل عهد إسماعيل عندما افتتحت بعد تنظيمها في أكتوبر عام 1863، وقد استمرت في هذا الموقع حتى نقلت إلى الجيزة عام 1892، ثم إلى موقعها الحالي بعد ذلك بأحد عشر عاماً.
انطلاقاً من هذا الاهتمام أيضاً توافد علماء المصريات إلى البلاد، ومن شتى أنحاء العالم الغربى، فرنسيين وبريطانيين وألمان وأمريكان، وإن كان الأوائل قد احتلوا مكانة خاصة في هذا الميدان.
يذكر من هؤلاء المسيو مارييت الذى نال رتبة الباشوية لدوره في مجال المصريات، فقد جاء إلى البلاد عام 1850 وقام بحفائر هامة وتولى إدارة المتحف حتى توفى فدفن فيه!
انطلاقاً من هذا الاهتمام أخيراً تم انشاء أول مدرسة للدراسات الأثرية في القاهرة عام 1869، قبل صدور الأهرام بأقل من سبع سنوات، وهى المدرسة التي أسسها العالم الألماني "هنرى بروكش" وقامت بتخريج الفوج الأول من الأثريين المصريين على رأسهم أحمد كمال الذى يتفق المعنيون بعلم المصريات على توصيفه "بأبى الأثريين المصريين"، لوم يقتصر اسهام الرجل على العمل الوظيفى في المتحف أو ما كان يعرف باسم "الأنتيكخانة المصرية" والتي وصل فيها إلى منصب أمين مساعد المتحف، أو الاشتراك في عمليات التنقيب، وانما ترك لنا مجموعة من الأعمال أشهرها "كتاب العقد الثمين في محاسن وأخبار وبدائع آثار الأقدمين من المصريين"!
وجاء الاهتمام بالأهرامات في إطار تزايد الاهتمام بالمصريات، فظهر الساعون إلى التنقيب حولها كان أشهرهم الايطالى كافيليا الذى قام بفحص الأجزاء الداخلية للهرم الأكبر عام 1811، والانجليزيين هوارد فير وبرنج اللذين قاما بفحص شامل للهرم بين عامي 1837 و1839.
وقد أدى تزايد الاهتمام الأوربي بأعظم مبانى العالم القديم إلى أن يقوم إسماعيل بمناسبة افتتاح قناة السويس عام 1869 بشق طريق بين القاهرة وبين الهرم، وقد سعى الخديو من وراء ذلك إلى توفير وسيلة مواصلات مريحة لضيوفه من الأوربيين، وكان يعلم مدى حرصهم على زيارة أعجوبة العالم الأولى!
كل هذه المتغيرات والتي تتالت بسرعة ملحوظة خلال الربع الثالث من القرن التاسع عشر (1850 - 1875) لا شك أنها وفرت مناخاً ملائماً ليشد الأهرام اهتمام جموع المصريين، خاصة المثقفين، ولم يكن ثمة غرابة مع هذا أن تتخذ احدى صحف العصر من هذا الأثر الضخم اسماً لها!
***
إذا لم تكن هناك حقيقة يقينية في العلوم، خاصة الإنسانية منها، فإن هذه اليقينية تشحب كثيراً في علم الآثار، إذ يصحب كل كشف أثرى ليس فقط إضافة معلومات جديدة، ولكن في كثير من الأحوال إعادة النظر في معلومات قديمة.
ومع شحوب اليقينية تتكاثر التفسيرات ويلجأ صاحب كل تفسير إلى ترجيح ما يراه بسوق الأدلة أو اللجوء إلى الاحتمالات التي تتكاثر على نحو غير مألوف في العلوم الأخرى.
وكان من الطبيعى أن ما ينطبق على علم الآثار عام ينطبق على فرع المصريات، مع ملاحظة أنه بينما بدأ هذا الاهتمام في أوروبا في وقت مبكر، القرن الرابع عشر مع بدء الحركة الإنسانية Humanism التي عنيت عناية خاصة بالتنقيب في آثار اليونان والرومان، فإنها تأخرت بالنسبة للآثار المصرية نجو خمسة قرون، إلى القرن التاسع عشر كما سبق القول، يكل ما يعنيه ذلك من أن علم المصريات عندما صدر الأهرام كان لا زال يحبو، مما لا يستغرب معه ما حفلت به مقالات الأهرام الأولى عن الأهرام بمعلومات ثبت فيما بعد عدم صحتها!
يتحدث كاتب المقالات، وهو سليم تقلاً، في مستهلها عن أهرامات الجيزة الثلاثة، ثم ينتهى منها وقد رصد أربعة!
وبخصوص القسم الأكبر من هذه المقالات عن الهرم الأكبر، وتختلف المعلومات التي ساقها بشأنه عن المعلومات التي أصبحت بديهية بعد ذلك..
يقول أن حجر الأساس وضعه "سوفارس" سلف الملك "شيوبس الأول" من الأسرة الرابعة، وقد استكمل بناؤه في عهد الملك "شيوبس الثانى"، وقد استغرقت عملية البناء ثلاثين عاماً!
والواضح أن صاحب الأهرام قد نقل معلوماته عن الترجمة الفرنسية لكتاب "هيرودوت" الذى تحدث عن "كيوبس" وليس "شيوبس"، كما ترجمها سليم تقلا، وهو نفسه الملك خوف بعد أن تم ضبط اسمه بعد كشف أسرار الهيروغليفية.
المعلومة غير اليقينية الثانية التي قدمتها هذه المقالات متصلة بتعدد بناة الهرم الأكبر ومدة بنائه، فقد أكدت الحفريات التي أعقبت ذلك أن بانيه واحد هو خوفو وأنه قد تم بناؤه في عشرين عاماً أو ما يقل، وهو ما لم يكن قد تم التوصل إليه وقتئذ.
يذكر كاتب مقالات الأهرام أن مدة حكم خوفو تراوحت بين ستين وسبعين عاماً على غير ما أثبتته الدراسات التي أعقبت ذلك أنها لم تتجاوز ثلاثة وعشرين عام بنى خلالها الهرم الأكبر، وبينما يذكر كاتب المقال أن الهرم قد بنى في الفترة بين عامي 3000 و 2000 قبل الميلاد فإن الدراسات التي أعقبت ذلك قد حددت أن الأسرة الرابعة التي خرج منها بناة أهرامات الجيزة قد حكمت مصر بين عامي 2680 و 2560 قبل الميلاد، وتفاصيل كثيرة أخرى ليس هنا مجالها!
افتقرت مقالات سليم تقلا أيضاً للحديث عن ماهية "أبو الهول" رغم أن شعار الأعداد الأولى من الأهرام قد تضمنت صورته.
كل ما جاء في هذه المقالات عن أشهر تماثيل قدماء المصريين أن "الصنم العظيم المدعو أبو الهول يقع إلى الجنوب من الهرم الأكبر على مسافة نحو ستمائة قدم منه وهذا الصنم من غرائب أبنية المصريين" ذلك أن الحقيقة حول هذا التمثال الشهير والعلاقة بينه وبين الهرم الثانى، هرم خفرع، لم يكتشفها الأثريون إلا من خلال الحفائر التي أجريت بين عامي 1926 و 1936، أي بعد صدور الأهرام بخمسين عاماً أو يزيد.
***
إذا كان بعض من كتبوا عن التوجهات السياسية للأهرام في فترة تاريخية لاحقة قد سجلوا أنه كان من أولى الصحف التي نادت بأن تكون "مصر للمصريين" فيما سوف نعرض إليه في فصول قادمة، فإن الأخذ بهذا التوجه قد أخذ في النضوج منذ ذلك الوقت المبكر من تاريخ الجريدة العتيدة، وفى نفس الفصول الخمس التي نطالع ما بين سطوها هنا.
بدا هذا (الانحياز) في البحث عن أصول الكلمة الأوروبية للأهرام "البيراميد"، وكان أمام سليم تقلا وهو يكتب سلسلة مقالاته تفسيران - التفسير الأول يرجع التسمية إلى أصل عبرى بينما يرجعها التفسير الثانى إلى أصل قبطى - اللغة المصرية القديمة.
ولأول وهلة وبدون تردد استبعد الرجل التفسير الأول وأخذ في سوق الأدلة للتأكيد على صحة التفسير الثانى، وهو في ذلك استند إلى جذور لغوية واضح أنه قد أجهد نفسه في الاستقصاء عنها من مصادر عديدة.
ولعل الأهرام كان يرد بذلك على ما تضمنته الأدبيات الإسرائيلية من دور "يهودى" في بناء الأهرام (!).
بالعكس فقد حرص كاتب المقالات على أن يركد أن العبرانيين قد تأثروا بالمصريين في بناء مقابر ملوكهم على شكل الأهرامات، "وتشبهوا في ذلك بعوابد المصريين" على حد تعبيره، وحدد في هذت الصدد مقبرة الملك أبيشالوم، وإن كان قد رأى أنها لم تطاول بالطبع الأهرامات المصرية.
لم ينس كاتب المقالات أيضاً في معرض تنويهه عن عظمة الأثر المصرى أن يذكر أن أحجاره لو تم تفكيكها تكفى لبناء سور ارتفاعه 10 أقدام وسمكه قدم واحد حول جميع فرنسا(!).
وقد نقل سليم تقلا هذه المعلومة عم بعض الكتابات الفرنسية التي أشارت إلى أن نابليون عندما كان في مصر حسب أنه يوجد في الهرم الأكبر، وما جاوره من أهرام، أحجاراً تكفى لإقامة سور حول فرنسا ارتفاعه ثلاثة أمتار وسمكه متر واحد، وأن أحد الرياضيين من علماء الحملة الفرنسية قد أيد هذا التقرير، فضلاً عن ذلك فإن سليم تقلا قد انحاز لفكرة أن الأهرام قد بنيت لتكون "خزانة لعلوم المصريين" التي كان يحتفظ بها الكهنة، وأنهم أرادوا من بناءها الاحتفاظ بتلك العلوم لذريتهم، فيما جاء في مقاله الرابع.
وزاد الرجل هذه الفكرة تفصيلاً في مقاله الخامس، فأشار إلى أن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بأن العلوم التي كانت عندهم في ذلك الوقت "لم تكن توجد عند سواهم قد ولا يمكن أن توجد أبداً ومخافة من حدوث طوفان على وجه الأرض مرة أخرى حصنوا هذه الأبنية وشيدوها على هذه الهيئة ليجعلوها خزانة علومهم فلا تفقد إذا حدث طوفان ثان وهذا هو السبب في بنائها".
وليس من شك أن سليم تقلا قد أخذ الفكرة عن المؤرخ العربى عبد اللطيف البغدادى (المولود عام 1179م) والذى وضع كتاباً عن مصر تحت عنوان "الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر" جاء فصله الرابع تحت عنوان "اختصاص ما شوهد من آثارها القديمة" بالحرف الواحد:
"وعلى تلك الحجارات كتابات بالقلم القديم المجهول الذى لم أجد بديار مصر من يزعم أنه سمع بمن يعرفه وهذه الكتابات كثيرة جداً حتى لو نقل ما على الهرمين في صحف لكانت زهاء عشرة آلاف صحيفة".
***
يبقى بعد ذلك (المنهج) الذى اعتمده الأهرام في الكتابة عن موضوع لمعلوماته هذا الطابع الاحتمالى.
فرغم ما حفلت بها المقالات من معلومات غير يقينية، ورغم التوجهات المصرية لكابته الشامى(!)، فإنه قد اعتمد منهجاً يليق بالتعامل مع تلك المعلومات التي لم تكن صحتها قد ثبتت بعد.
أولى مفردات هذا المنهج ما أشار إليه كاتب المقال من أنها اعتمد في المعلومات التي وردت فيه على "ألنقل عن المؤرخين المتأخرين الذين أضافوا إلى بحثهم الخصوصى بحث عن تقدمهم".
المفردة الثانية تفسير الأسباب التي دعت كاتب المقالات إلى الاقتصار على أهرامات الجيزة الأربعة، وليس الثلاثة، رغم ما تمتلئ به مصر من أهرامات أخرى، وقال في ذلك "أننا قد ضربنا صفحاً عن تاريخ الأهرام الباقية اكتفاء بالأربعة المذكورة لأنها أشهر من غيرها".
غير أن أهم مفردات هذا المنهج ما اتصل بأسباب بناء الأهرام التي كانت حتى صدور تلك المقالات مجل جدل شديد فيما يبدو وقد ساق في هذا الصدد مجموعة من الأسباب..
ونرى أنه قد انحاز لبعض هذه الأسباب لاعتبارات موضوعية وانحاز لبعضها الآخر لاعتبارات مصرية، أما التي افتقرت لهذين الاعتبارين فقد استبعدها!
الاختيارات التي انحاز لها لأسباب موضوعية أن الأهرامات قد بنيت كمدافن للملوك "تدل على عظمتهم وقدرتهم وتخلد ذكرهم"، وقد ساق لتأكيد هذه الحقيقة عدداً من الأدلة: رغبة المصريين في الخلود من عنايتهم بالتحنيط، كثرة الأهرامات الصغيرة التي وجدت فيها توابيت للعديد من ملوك وعظماء المصريين، وأن العبرانيين عندما قلدوا المصريين في مدافنهم فقد بنوها على شكل هرمى.
انحاز سليم تقلا أيضاً إلى احتمال أن تكون الأهرامات قد بنيت كمعابد للمصريين، ورغم ما أعوذ هذا الاحتمال من دقة، إلا أن الحفائر التالية قد أكدت هذا الطابع الدينى للأهرامات من خلال المعابد الجنائزية التي ألحقت بها.
الاختيارات التي انحاز الأهرام لها لأسباب مصرية كان أهمها ما سبقت الإشارة إليه من أن المصريين "أرادوا أن يكون لهم بناء عظيم يوافق عظمة علومهم فيكون خباء لها وكنزاً محفوظاً من صروف الزمن"!
بقية الاعتبارات رفضها الأهرام..
فقد رفض القول بأن الأهرام قد بنى ليكون خزينة للغلال إذا حدث قحط، كتب: "نحن لا نصدق بذلك لأن هذه الأبنية نفسها تبرهن على سمو أفكارهم وكان من الواجب أن يعملوا أبنية غير هذه لا تحتاج إلى أتعاب ومصاريف وتكون أيضاً بغير هذا النمط".
رفض أيضاً القول بأنها بنيت لرصد الأفلاك "وهو ما يصعب القبول به لأن الرصد لا يتطلب كل هذا البناء".
باختصار فإنه رغم انحياز كاتب المقالات لبعض الاعتبارات فإنه لم يسقط من مقالات مال لم يوافق عليه، بالعكس فقد أتى به ثم عمل على تفنيده.
ونرى هذا المنهج الذى اعتمده "الأهرام" في أولى دراساته إنما حاول أن يلائم بين حقيقتين.. التناول بدرجة معقولة من العقلانية دون شطط يصل إلى حد الجفاف الذى يلائم الدراسات العلمية لكنه يقيناً لا يلائم قارئ الصحيفة السيارة، وعدم التغاضى عن مشاعر الانتماء إلى تمسك بتلابيب هذا القارئ خاصة إذا كان مصرياً من أبناء ذلك الجيل الذين لابد وأن يكون قد أسعدهم غاية السعادة ما أخذ العالم يكتشفه من حضارة بلادهم التليدة، ونعتقد أن المنهج المذكور استمر أحد التقاليد المعمول بها في الأهرام، وربما حتى يومنا هذا!
---
مراجع
- أعداد الأهرام:
العدد التاريخ
1 5/8/1876
2 12/8/1876
3 19/8/1876
4 26/8/1866
5 2/9/1876

- أحمد فخرى - الاهرامات الثلاثة - القاهرة 1982م
- عبد الرحمن الرافعى - عصر إسماعيل (جزء ثان) - القاهرة 1948م
- عبد الرحمن الرافعى - عصر محمد على - القاهرة 1947م
- عبد اللطيف البغدادى في مصر القاهرة.

صورة من المقال: