ads

Bookmark and Share

السبت، 25 نوفمبر 2017

003 محل الميلاد: الإسكندرية

محل الميلاد: الإسكندرية

بقلم: د. يونان لبيب رزق
نشر فى الأهرام الخميس 29 يوليو 1993م - 9 صفر 1414هـ
(ملحوظة: تمت إضافة المراجع وإضافات من الكتاب)

في شارع البورصة المتفرع من ميدان القناصل الذى عرف فيما بعد باسم ميدان المنشية بالإسكندرية، وفى مينى أمام بنك الرهونات ولد الأهرام يوم السبت 5 أغسطس عام 1876.
وإذا كانت الإسكندرية المدينة الأكثر فرنجة بين المدن المصرية وقتذاك فإن "ميدان القناصل" كان مركز التجمع الأوربي في المدينة، فبدءًا من عصر محمد على وخلال عشرينات القرن الماضى بدأ الأجانب يقيمون حول الميدان فنادقهم ومقاهيهم ومحلات طعامهم وشرابهم فضلًا عن غالبية قنصلياتهم.
ومعلوم أن التمثيل الأجنبي في مصر بدءًا من ذلك العصر وحتى عصر إسماعيل قد أقيم في الأساس في الإسكندرية حتى أن وزارة الخارجية المصرية أول ما نشأت تحت اسم "ديوان التجارة والأمور الأفرنكية" قد اتخذت من الإسكندرية مقرًا لها.
رغم ذلك فقد استمر "ميدان القناصل" حتى عصر إسماعيل يقدم نموذجًا بدائيًا للميادين الأوربية، فقد وصفه أحد الرحالة في عصر سعيد بقوله "وحتى ميدان القناصل بنافوراته المائية وأنواره الغازية وأرصفته ومبانيه الأوربية الطراز وواجهات متاجره الأوربية المظهر كان مثيرًا للانقباض بتقليده الرخيص لبعض ميادين باريس أو روما".
غير أن هذا الشكل قد تغير كثيرًا خلال السبعينات.. عقد مولد الأهرام، فقد وصفه الرحالة الفرنسي "دى فوجانى" والذى زار الإسكندرية خلال هذا العقد وأصدر كتابًا عنها جاء فيه عن الميدان قوله أنه قد "صار مركز التجارة الأوروبية بالإسكندرية، وهناك أقاموا تمثالًا بديعًا من البرونز لمحمد على باشا عام 1873 صنعه المثال الفرنسي "جكمون" حيث نصب على قاعدة من الرخام الإيطالى في وسط الميدان، وصار الميدان محاطًا بالنصب التذكارية الجميلة والفنادق الفخمة والمتاجر الغنية التي ارتفع مستوى عرضها الفني والنافورات وغير ذلك من الوسائل الترفيهية التي جلبها الأجانب معهم".
وإذا كان عنصر المصادفة يلعب دورًا في تحديد محال الميلاد للأشخاص فإن الأمر يختلف بالنسبة لمحال ميلاد المؤسسات، فلابد أن تتوافر ظروف موضوعية تحدد في النهاية تلك المحال.
وبالنسبة "للأهرام" فقد تضافرت ظروف عديدة لتحديد المحل.. ميدان القناصل بالإسكندرية..
ربما يكون أول هذه الظروف وأهمها ما كان يتمتع به الميناء الشهير كمركز متقدم للاتصالات بمقاييس العصر، الأمر الذى عبرت عنه الصحيفة الوليدة في رأس أعدادها الأولى.
جاء في هذا الرأس أن "الأهرام" تقبل الاشتراكات في "مصر وسائر الأرياف الخديوية"، أي في القاهرة وسائر الأقاليم المصرية، وفى "الأستانة العلية" وفى "سوريا وسائر الممالك المحروسة" أي سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية، وفى "أوروبا والجزائر وتونس"، وفى "بمباى وكلكتا".
ومع ملاحظة أن الصحف كانت تعتمد وقتذاك على الاشتراكات فإن معنى ذلك أن الوصول إلى تلك البقاع كان متيسرًا، على وجه الخصوص من الإسكندرية.
على مستوى "مصر والأرياف الخديوية" فمعلوم أن أول خط حديدى نشأ في القطر المصرى هو الخط الذى بدأ بناؤه في عصر عباس الأول والذى ربط بين الإسكندرية والقاهرة ثم ما لبث أن امتد إلى السويس ثم إلى سائر أنحاء الدلتا والصعيد في عصر إسماعيل حيث بلغت أطول الخطوط الحديدية التي تم انشاؤها حتى منتصف السبعينات، وقت صدور الأهرام، 1085 ميلًا ربطت الإسكندرية بسائر أنحاء مصر.
أما بالنسبة للاتصال مع خارج مصر فهناك التحول الكبير الذى بدأ منذ الستينات وأعاد للإسكندرية مكانها المتقدم في الموانئ المصرية المطلة على "بحر برة"، كما كان يسمى المصريون وقتذاك البحر المتوسط، على اعتبار أنه البحر الذى يربط مصر "ببلاد برة"، وهو الاسم الذى كان يطلقه آنئذ المصريون على بلاد أوروبا.
وفى عام 1876، عام صدور "الأهرام"، بلغ عدد السفن التي دخلت ميناء الإسكندرية 7505 سفينة، مما يدل على مدى اتساع حركة النقل البحرى التي ربطت الميناء العتيد بسائر الموانئ شرقًا وغربًا.
وقد ارتبطت الإسكندرية بـ "بلاد برة" من خلال البرق والبريد على نحو لم يتوافر لأى مدينة في مصر بما فيها القاهرة نفسها..
ففي عهد سعيد، وفى عام 1856 على وجه التحديد، رخص للمستر جيسبورن بإنشاء خطوط تلغرافية تربط بين الخط التلغرافى البحرى الواصل بين الإسكندرية والدردنيل بالخط الواصل بين السويس وعدن.
وفى عام 1870 أنشأت "شركة التلغرافات الشرقية" خطًا تلغرافيًا بحريًا من الإسكندرية إلى مالطة وصقلية وأوروبا، ثم خطًا آخر من الإسكندرية إلى السويس فعدن والهند، ويتصل بخط الشرق الأقصى وأستراليا.
أما "البريد" فقد كان للإسكندرية تاريخ طويل معه..
أول إدارة بريد خاصة في مصر أنشأها ايطالى يدعى "كارلو ميراتى" في الإسكندرية لتصدير واستقبال الخطابات المتبادلة مع البلدان الأجنبية، فكان يتسلم الرسائل من الجمهور ويحملها إلى البواخر القادمة من حيث يتسلم الخطابات الواردة ويوزعها على أصحابها.
استمر هذا المكتب يعمل في عصر عباس وسعيد وتسمى "بالبوستة الأوربية" واتسع نطاق أعماله بعد مد الخطوط الحديدية من الإسكندرية إلى سائر أنحاء القطر حتى عام 1865، بعد تولى إسماعيل بعامين فحسب، حين اشترته الحكومة المصرية وصار مصلحة أميرية يلاحظ أنها قد بقيت تتخذ من الإسكندرية مقرًا رئيسيًا لها.
ويلاحظ في هذا الصدد أنه قد قام إلى جانب مصلحة البوستة الأميرية عديد من مكاتب البوستة الأوروبية، وفى الإسكندرية أيضًا!، مكتب البوستة الفرنسية، ومكتب البوستة الإنجليزية، واللذان مع اتخاذهما للإسكندرية مركزًا لهما فقد كانت لهما مكاتب أخرى في مدن مصرية، خاصة الموانئ، ومكاتب البوستة النمساوية واليونانية والإيطالية والروسية، والتي اقتصر وجودها على الإسكندرية.
وفى تقديرنا أنا اختيار الإسكندرية "كمحل ميلاد" للأهرام إنما ينم عن نية مبكرة من جانب أصحابه على ألا تكون جريدتهم ذات طابع محلى مثل سائر الصحف التي كانت تصدر في العاصمة وقتذاك، والتي كانت تعنى بالأساس بالأوضاع المصرية، وتخاطب قبل أي قارئ القارئ المصرى!
ويأتي هذا التقدير من أنه منذ العدد الأول من الأهرام وقد تكشفت نية القائمين عليه على ألا يقتصر التوزيع على الأراضى المصرية وإنما الاتجاه شرقًا وغربًا إلى أقصى المعمورة التي يمكن أن تصل إليها وقتذاك.
شرقًا إلى بمباى وكلكتا حيث تتواجد مجموعات قوية من المثقفين الذين يقرأون العربية ويهتمون بكل ما يصدر مكتوبًا بها، وغربًا إلى أوربا ثم الأهم من ذلك إلى المغرب العربى، الجزائر وتونس الذى استمر رغم كل المحاولات ييمم وجهه شطر الشرق.
***
كانت الإسكندرية خلال عقد السبعينات من القرن الماضى، عقد مولد الأهرام، مركز التجمع الرئيسى للأوربيين في مصر الذين زاد عددهم زيادة ملحوظة في البلاد خلال عصر إسماعيل.
ويشير الإحصاء الدقيق الذى نشرته الوقائع المصرية عام 1873، أي قبل مولد الأهرام بثلاثة أعوام، أن عدد الأوروبيين في القطر المصرى بلغ 79.197 كان منهم في القاهرة 18.720 بينما كان منهم في الإسكندرية 47.216 أي بنسبة تصل إلى نسبة تصل إلى نحو 60^.
وقد أفاض الكتاب في وصف سكان الإسكندرية في تلك الفترة حيث الخليط من السكان الذى تتنوع فيه الجنسيات والألسن وتختلط العادات والتقاليد الأوروبية والشرقية، حتى أن البعض قد قال وقتذاك "يبدو أن كل أمة تحت الشمس قد أرسلت من يمثلها إلى الإسكندرية"!!
وقد انعكس هذا الطابع على اختيار الإسكندرية محلًا لميلاد الأهرام في ثلاثة أمور على الأقل:
الأمر الأول: أن هذا المجتمع قد تمتع خلال تلك الفترة بما عرف بنظام الامتيازات، وهو نظام ذو تاريخ طويل يهمنا منه ما اتصل بالصحافة، فقد استخدم الصحفيون هذا النظام للتمتع بقدر من الحماية من محاولات البطش من جانب الحكومة المصرية، وعلى وجه الخصوص من جانب الخديو إسماعيل الذى لم يكن يطيق الهجوم عليه، خاصة بعد أن أدت تصرفاته المالية وديونه المتعاظمة إلى توافر أسباب هذا الهجوم.
وقد أدى ذلك إلى أنه لدى تأسيس النظام الوزاري في مصر في أغسطس عام 1878، أي بعد صدور الأهرام بعامين بالضبط، تقرر أن يكون من أهم اختصاصات وزارة الخارجية المصرية، وليس وزارة الداخلية، التعامل مع "المطبوعات الأورباوية والمحلية". وايكال هذه المهمة للخارجية ناشئ عما تتطلبه من اتصال بقناصل الدول صاحبة الامتيازات.
الأمر الثانى: أن الإسكندرية قد عرفت الصحافة الأجنبية منذ عهد سعيد، وهى الصحافة التي تعاظم شأنها في عصر خلفه "الخديو إسماعيل" وقد تعددت الصحف التي كان لها تاريخها مع إسماعيل، "ليجيبت، الاندبندان، والجازيت دى تريبينو" فضلًا عن صحف عديدة أخرى.
وكان أهم ما ترتب على ذلك أن توفر في الإسكندرية المطابع المتمرسة على طبع الصحف أكثر من تلك الموجودة في القاهرة، وليس من شك أن مثل هذا السبب الفني كان يشكل عنصر إغراء، قويًا لاختيار محل ميلاد الأهرام.
ويشى الأهرام منذ عدده الأول بحقيقة هامة في هذا الشأن فقد جاء في الصفحة الرابعة من هذا العدد ما نصه:
"نعلن للجمهور بأن المطبعة التي تطبع الأهرام مستعدة لطبع ما يرد إليها من كتب علمية وأدبية وقصص ونوادر وخلافها. وكذلك تطبع بالحرف العربى والافرنجى جميع أوراق الأفراح وضدها نظمًا أو نثرًا من تأليف مدير الجريدة، ثم مجمل ما يختص بأوراق التجارة مع اختلاف أنواعها..".
تقول هذه الحقيقة أن الأهرام قد امتلك مطبعة قادرة حتى قبل صدوره، وهو أمر لم يكن يتوفر إلا في القاهرة والإسكندرية.
الأمر الثالث: أن نسبة كبيرة من الشوام الذين قصدوا إلى مصر خلال الستينات قد استقرت في الإسكندرية، ويشير إحصاء عن سكان المدينة في أوائل عصر إسماعيل إلى أنه قد استقر فيها نحو 4800 من أبناء الشام الذين أتى منهم صاحبا الأهرام سليم وبشارة تقلا، ويلفت النظر في هذا الصدد أن عديدًا من هؤلاء كانوا يشتغلون بالطباعة أو الصحافة.
ومن إحصاء تم وضعه عن الصحف التي أصدرها الشوام في الفترة بين عام 1873 وحتى عام 1880 بلغت ست صحف، أربع منها، هي الكوكب الشرقى والأهرام والتجارة والمحروسة صدرت في الإسكندرية، بينما صدرت الأخريان - وهما مصر ومرآة الشرق - في القاهرة.
والمعلوم أن الصحيفة العربية التي سبقت الأهرام في الإسكندرية وهى صحيفة الكوكب الشرقى كان يصدرها سليم حموى، الأمر الذى يمكن القول معه أنها كانت بمثابة الخطوة الأولى التي مهدت لإصدار الأهرام بعد ذلك بثلاث سنوات فحسب.
***
يبقى بعد ذلك النظر إلى "البيئة" السكندرية التي عاونت على أن تكون محلًا لميلاد الأهرام، فالصحف لا تصدر في أي مكان..
تتطلب هذه البيئة في جانب منها حدًا أدنى من المجتمع الحضرى، كما تتطلب في نفس الوقت حدًا أدنى من التجمعات الثقافية..
بالنسبة للمجتمع الحضرى شهدت الإسكندرية خلال السبعينات تسارع الخطى لصناعة هذا المجتمع..
وكانت بداية الخطى المتسارعة ما أقدم عليه إسماعيل من إقامة عدد من القصور كان على رأسها سراى الرمل، كما جدد سراى رأس التين وقام بإنشاء حديقة النزهة على ترعة المحمودية، وبنى سراى الحقانية فضلًا عن حى العمال الذى بنى بجوار عمود السوارى.
ويبدوا التحول إلى المجتمع الحضرى مما أصاب مجموع القرى مثل الحضرة والرملة والسيوف والمندرة وأبى قير من تحول والتي سمح بتعميرها على نطاق واسع بعد أن كان محظورًا الإقامة فيها باعتبارها من المناطق العسكرية من قبل.
في الوقت نفسه تم شق مجموعة من الطرق التي ربطت أطراف المدينة مثل شارع إبراهيم، الممتد من مدرسة السبع بنات إلى ترعة المحمودية، وشارع الجمرك وشارع المحمودية وشوارع أخرى عديدة روعى تمهيدها بشكل جيد، وقد تم رصفها ببلاط جئ به خصيصًا من "تريستا" وغرس على جانبها الأشجار الوارفة.
بدأت الإسكندرية في نفس الوقت تعرف المرافق العامة فقد تم في أغسطس عام 1863 التعاقد مع "لوبون" لإنشاء شركة لإنارة المدية بغاز الاستصباح، كما منح المسيو "كوردييه" عام 1865 امتيازًا لمد الإسكندرية بالمياه النقية فأنشأ ما أسمى "بالشركة الأهلية لمياه الإسكندرية"، والتي كانت أساسًا لانتشار شبكة المياه النقية في المدينة.
على أن أهم المشروعات  التي ساعدت على إضفاء الطابع الحضرى على الإسكندرية كان انشاء الخط الحديدى الذى ربط المدينة بمنطقة الرمل، الأمر الذى بدأ قبل صدور الأهرام بستة عشر عامًا،  وفى أغسطس 1860 على وجه التحديد حين منحت الحكومة التاجر البريطاني المستر فيرمان امتيازًا لبناء الخط ما لبث أن تحول إلى شركة سكة حديد الإسكندرية والرمل وتم في مطلع 1863 افتتاح الخط الذى يبدأ من الإسكندرية حتى محطة "بولكلى" الحالية، وبقطار واحد مكون من عربة واحدة درجة أولى وعربتين درجة ثانية وعربة درجة ثالثة يجرها أربعة خيول! التي استبدل بها في أغسطس من نفس العام قطار بخارى كان يقطع المسافة في عشرين دقيقة.
باختصار فقط أخذت الإسكندرية، وقبيل صدور الأهرام بسنوات قليلة، تتخذ قسماتها الجديدة في عالم مختلف، لم تعد المدينة العتيدة تعيش على دار الصناعة (الترسانة)، كما كان الحال في عهد محمد على، ولم تعد مجرد ميناء يستقبل السفن، وإنما أصبحت كيانًا حشريًا متكاملًا يوفر البيئة المناسبة لميلاد مثل هذه الجريدة الطموحة.. جريدة الأهرام.
***
مع البيئة الحضرية هناك المناخ الثقافي الذى يتقبل صدور صحف من نوعية الأهرام ويكون معيبًا على بقائها ورواجها..
يصف أحد مؤرخى الصحافة في مصر الأسباب التي أدت بدء الفرق المسرحية لعروضها في مصر في الإسكندرية عام 1876، عام صدور الأهرام، يصفها بقوله أنه بعد وصول سليم نقاش وأديب اسحق ويوسق الخياط إلى مصر فضلوا أن يبدأوا عملهم في انشاء الفرق المسرحية في الإسكندرية على أساس "أن مجتمعنا سيكون أكثر تحررًا من مجتمع القاهرة، وأن نظرة الناس إلى الممثل باعتباره مهرجانًا ستكون أقل في الإسكندرية عنها في القاهرة".
ونتوقف هنا عند قوله "المجتمع الأكثر تحررًا" وهى حقيقة استمرت تفرض نفسها على المجتمع السكندرى لفترة غير قصيرة..
ويمكن أن يعزى هذا التحرر في جانب منه إلى أن الإسكندرية مع كونها من أقدم المدن المصرية تاريخيًا فهى من أحدثها اجتماعيًا، ذلك أن أغلب سكان الإسكندرية الحديثة قد وفدوا إليها سواء من سائر أنحاء مصر أو خارجها، ومثل هذه المجتمعات الوافدة تكون أقل ارتباطًا بتقاليد المجتمعات القديمة التي جاءت منها لو بقيت فيها، وهى بالتالى أكثر قبولًا للجديد من المجتمعات المحافظة التي جاءت منها.
يعزى في جانب آخر إلى غلبة الأجانب في المدينة فيما سبقت الإشارة إليه بكل ما يترتب على الاحتكاك بهم من قبول لأفكار لا يسهل قبولها في المجتمعات الشرقية المحافظة.
يعزى كذلك إلى طبيعة الإسكندرية كميناء مفتوح، والانفتاح هنا ليس مقصورًا على المتاجر والبشر وإنما يمتد إلى مختلف التيارات الفكرية التي تموج بها سواحل المتوسط.
فضلًا عن ذلك فإن التعليم الأجنبي في الإسكندرية قد خلق قاعدة من المثقفين القادرين على استيعاب الأفكار والآراء التي تنادى بها الصحيفة الجديدة.
وكانت المدارس التي يقيمها الفرنسيون والبريطانيون هي المدارس الأكثر قبولًا للطلاب المصريين عن المدارس التي أقامها اليونانيون والايطاليون والألمان والأرمن.
وفى عام صدور الأهرام كان في الإسكندرية أكثر من ثلاثين مؤسسة تعليمية فرنسية، منها ما هو تابع للإرساليات الدينية مثل مدارس الراهبات والفرير والجزويت، ومنها ما هو تابع للبعثة العلمانية الفرنسية مثل مدارس "الليسيه" ومنها ما هو مدارس خاصة أقامها أصحابها مثل الاتحاد الاسرائيلى وجيرار.
وقد شكل خريجو تلك المدارس وطلابها قاعدة صلبة لبناء "الأهرام" خاصة مع ملاحظة أنه قد انحاز منذ البداية للثقافة الفرنسية وكل ما تمثله، وهو انحياز وصل إلى حد الاحتماء بالنفوذ الفرنسي مما شكل صفحة مثيرة من صفحات تاريخ الأهرام!
-----
مراجع:
الأهرام العدد الأول 5 أغسطس 1876م
د. إبراهيم عبده - جريدة الأهرام تاريخ مصر في خمس وسبعين سنة - القاهرة 1951.
د. أحمد عزت عبد الكريم - تاريخ التعليم في مصر في عصر إسماعيل وتوفيق والسنوات المتصلة بها.
د. سامى عزيز - الصحافة المصرية وموقفها من الاحتلال الانجليزى - القاهرة 1968م
عبد الرحمن الرافعى - عصر إسماعيل (جزءان) - القاهرة 1948م.
د. فاطمة علم الدين عبد الواحد - تطور الحياة الاقتصادية والسياسية في مدينة الإسكندرية في عهد الاحتلال البريطانية - القاهرة 1982م.
د. فاطمة علم الدين عبد الواحد - تطور النقل والمواصلات الداخلية في مصر في عهد الاحتلال البريطاني 1882 - 1914 - القاهرة 1989م.
د. نبيل عبد الحميد سيد أحمد - الأجانب وأثرهم في المجتمع المصرى 1882 - 1922 - القاهرة 1976م.

صورة من المقال: